logo

المحامي زكي كمال يكتب : السلام بحاجة إلى قائدين- الأوّل لينطُق به والآخر ليفهمه

07-06-2024 08:47:36 اخر تحديث: 07-06-2024 09:04:48

بينما يؤكّد كثيرون أن استمرار الحرب في قطاع غزة من جهة، وعلى الحدود الشماليّة كجزء من التوتّر مع إيران واستمرار حالة التوتّر والاقتحامات اليوميّة في مدن الضفة الغربيّة من جهة،

المحامي زكي كمال - تصوير: موقع بانيت وقناة هلا

واستمرار بل تعاظم الاحتجاجات ضد الحكومة الحاليّة وسياساتها الأمنيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، يحول دون التكهّن بالملامح السياسيّة والحزبيّة لمرحلة ما بعد الحرب، والتي تشكّل التجلّي الواضح، وعلى أرض الواقع لنتائج الحرب، وتداعياتها المباشرة وغير المباشرة، والتي تترك بصماتها بعيدة المدى على الحقل السياسيّ بشقّيه الإسرائيليّ والفلسطينيّ بمكوّناته الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة والمؤسّساتيّة المختلفة، وتلقي بظلالها حتى على النظام الإقليميّ والدوليّ. وبينما يأتي هذا الادّعاء وفق مدّعيه، تصريحيًّا وعلنًا على الأقلّ، من باب كون التطوّرات ما زالت مبكرة والنتائج غير واضحة، وبالتالي لا يمكن الجزم، أو حتى التكهّن، أجزم هنا أن هذا الادّعاء سواء كان من جهة الفلسطينيّين أو الإسرائيليّين، إنما هو النتيجة الواضحة، بل ربما الحتميّة هنا، لحرب غيَّرت، بل قلبت كافّة الموازين والمعايير السياسيّة المحليّة والإقليميّة والعالميّة، والعسكريّة من حيث معادلة القوى التي كانت غير واضحة المعالم قبل الحرب، واتّضحت معالمها خلال الحرب وبعدها، دون أن يؤدّي ذلك إلى مزيد من الهدوء والراحة والاستقرار، بل ينذر بمزيد من التوتّر والصدامات العسكريّة، التي لن تؤدّي هذه الحرب إلى وضع حدّ لها، بل ستبقيها مسألة وقت ليس إلّا، وتؤكّد أنها ستكون أقسى وأخطر وأوسع في المستقبل، مقابل احتمالات سلام كانت قائمة وحاضرة وقريبة التحقيق، أو التحقّق قبل الحرب، ما لبثت أن تراجعت حتى يعتقد البعض أنها أصبحت بعيدة المنال والتحقيق، خاصّة بين إسرائيل والسعوديّة، وعلاقات سلام أصابها الجمود كتلك التي بين مصر وإسرائيل، وكذلك مع المملكة الأردنيّة الهاشميّة. ومن هنا فإن الحديث عن كون الوقت ما زال مبكرًّا للاستنتاجات يشكّل هروبًا وخوفًا من الحقيقة والواقع في أسوأ الحالات، كما يشكّل في أحسنها نوعًا من التعامي الجزئيّ والمتعمّد عن الحقيقة، أو بوادرها، ورفضًا مع سبق الإصرار والترصّد عن فهم الرسائل السياسيّة وقراءة الواقع بوضوح، خاصّة وأن معظم المؤشرات باتت واضحة للعيان حتى يمكن القول إنها مكتوبة على الحائط بخطوط ناصعة، بل بأحرف من نار.

الملامح واضحة، فحتى لو شهدت إسرائيل تغييرا في تركيبة الحكومة الحاليّة عبر انتخابات برلمانيّة، أو تصويت لحجب الثقة عن الحكومة، وحتى لو انتهت حقبة الائتلاف اليمينيّ الحاليّ ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وباختلاف الأسباب والدوافع، سواء كان تفكّك الائتلاف بفعل عوامل داخليّة كحزبي اليمين الاستيطانيّ، الصهيونيّة الدينيّة برئاسة بتسلئيل سموتريتش، أو عوتسماه يهوديت برئاسة إيتمار بن غفير، اللذين يهدّدان بالانسحاب من الائتلاف إذا ما خرجت إلى حيز النور صفقة تبادل الرهائن بين إسرائيل وحركة "حماس"، أو بفعل احتجاجات شعبيّة تزداد كلما ازداد عدد المحتجزين الإسرائيليّين لدى "حماس" الذين يتّضح أنهم لم يعودوا على قيد الحياة، خاصّةً بعد خطاب الرئيس الأمريكيّ جو بايدن والمعلومات التي تؤكّد أن نتنياهو يعرقل صفقة التبادل التي اقترح هو تفاصيلها وذلك لأسباب سياسيّة، وانسحاب الوزيرين بيني غانتس وغادي أيزنكوت من الحكومة الحاليّة ، فإن ذلك لن يغيّر شيئًا، ولن يُحدث أيّ تغيير ملموس في الرأي العامّ الإسرائيليّ ومواقفه من القضية الفلسطينيّة وتوجّهاته تجاه الشعب الفلسطينيّ وحقوقه، فهذه مهمّة تبدو مستحيلة اليوم رغم الحديث عن أن الحرب الحاليّة في غزة أعادت إلى الطاولة قضيّة حلّ الدولتين، وزادت من ميل دول أوروبيّة للاعتراف بالدولة الفلسطينيّة، أو بدولة فلسطين، بل إن المواقف المسيطرة والمهيمنة في هذا السياق في المجتمع اليهوديّ خاصّة، باتت أكثر تطرّفًا وتزمّتًا . وهذه مواقف مجرّدة وعموميّة، تشكّل نتيجة حتميّة لأفعال حركة "حماس" في السابع من أكتوبر، كان من المفروض أن يتمّ التفكير فيها مليًّا، إلا إذا كانت العمليّة العسكريّة التي نفّذتها "حماس" وما تخلّلها من فظائع، تهدف للوصول إلى هذه الحالة التي تكرّس العداء وتكون عمليّة وأد نهائيّة لأيّ احتمالات صلح أو سلام أو هدنة، وأي إمكانيّة للعيش المشترك، أو حتى الجيرة، وبالتالي بات من الواضح أن تغيير التوجّهات الجديدة للمجتمع اليهوديّ الإسرائيليّ بشأن الفلسطينيّين، تستوجب حدوث تحوّلات دراماتيكيّة أوّلها إيجاد قيادة فلسطينيّة حقيقيّة توجّه دفّة الشعب الفلسطينيّ بعد انتهاء الحرب الحاليّة في غزة تفضِّل التوجّهات السلميّة وإعادة بناء الإنسان الفلسطينيّ باقتصاده ومكوّنات حياته الاقتصاديّة الاجتماعيّة والشخصيّة، وضمان حريّة الرأي والتعبير والعيش الكريم عبر استقلال اقتصاديّ أساسه بناء المرافق الحقيقيّة وتوفير أماكن العمل، واعتبار حياة الإنسان القيمة الأعلى والأسمى، بخلاف ميثاق حركة "حماس" وحركة "الجهاد الإسلاميّ" التي تقدّس الجهاد، وتعتبر الكفاح المسلّح أغلى وأثمن من حياة الإنسان، يرافق ذلك تحوّل كبير وبارز، بل تحوّلات إقليميّة تتعلّق بمسار التطبيع مع إسرائيل وربطه، كما تفعل السعوديّة الآن، بحلّ القضيّة الفلسطينيّة وضمان كيان فلسطينيّ، ضمن ترتيبات سياسيّة وعسكريّة إقليميّة وعربيّة ودوليّة تضمن الهدوء، بمعنى أن تغيّر دول الجوار موقفها من التطبيع، وتشترطه بأثمان واضحة سياسيّة وليست اقتصاديّة كالتطبيع والاتفاقيّات التي أعقبت ورشة المنامة الاقتصاديّة، والتي يتّضح اليوم أن الاستنتاجات حولها ومنها وملخّصها أنها نحَّت القضيّة الفلسطينيّة جانبًا وأزاحتها عن صدارة الاهتمام، كانت خاطئة، أو أن من استنتجها وحاول تسويقها كان يعزّي النفس بالتمنّي، وإلى ذلك يضاف تحول في مواقف الدول العربيّة تجاه الولايات المتحدة وتحديدًا مواقفها الداعمة لإسرائيل بشكل تامّ خلال الحرب الأخيرة ومدّها بالسلاح دون حدود أو تحديد، رغم أن هناك من يشير إلى ضرورة الانتباه وسط ضباب الدعم الأمريكيّ لإسرائيل إلى بعض المواقف الناقدة لإسرائيل ، رغم أن السائد هو ازدواجيّة المعايير الدوليّة عامّة والأمريكيّة خاصّة في قضايا الحريّة والعدالة والمساواة، ضرورة مساءلة المتّهمين بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانيّة.

فضلًا عن ذلك، فإن أبرز العناوين التي على الحائط، والتي تعتبر الأهمّ هو ازدياد الاتّجاهات اليمينيّة في إسرائيل في أوساط مختلفة منها سياسيّة كانت تقبل على مضض فكرة الحوار مع الفلسطينيّين عامّة والسلطة الفلسطينيّة خاصّة ومنها الوزير بيني غانتس الذي استضاف الرئيس الفلسطينيّ محمود عباس في بيته في بلدة "روش هعاين"( رأس العين)، لكنّه يؤكّد مؤخّرًا، كما في خطابه الأخير أن غزة بعد الحرب لن تخضع لسيطرة "حماس" ولا عباس، على حدّ قوله، وكذلك يائير لبيد وحتى بعض قادة اليسار الإسرائيليّ، والإعلاميّين والمؤثّرين في صياغة الرأي العامّ، وهي مواقف يصوغها البعض بعبارات حول أنه استفاق من وهم الدولتين، أو وهم كون الفلسطينيّين يريدون السلام، فكم بالحريّ ازدياد التطرّف في صفوف الجيش الإسرائيليّ، الذي تؤكّد التصريحات الصادرة عن جنوده وقياداته والأشرطة المصوّرة التي تخرج من قطاع غزة، أنه يعيش حالة جديدة دينيّة، تشكّل النقيض التامّ لما كان حاله عليه في العقود الخمسة الأولى، أو أقلّ بقليل من حياة دولة إسرائيل، بمعنى كونه علمانيّ التوجّهات يشكّل قادته بكافّة درجاتهم والألويّة التي يقودونها أصواتًا تنادي بالسلام من منطلق إدراكها أنه مصلحة إسرائيليّة، وتكفي الإشارة هنا إلى قادة أمثال إسحق رابين وأمنون ليبكين شاحاك وحتى أهود براك وأريئيل شارون الذي نفّذ الانسحاب من طرف واحد من قطاع غزة عام 2005 واشتهر بقوله في جلسة لحزبه، إن من يعتقد أنه يمكن إلى الأبد السيطرة على الفلسطينيّين واحتلالهم فإنه واهم، إلى حالة جديدة تسود الجيش فيها موجة من المشاعر القوميّة المتطرّفة دينيّة المنطلقات، دلائلها وأدلتها كثيرة على خلفيّة انتشار واسع لصلوات دينيّة يؤدّيها الجنود قبل بداية أيّ عمليّة عسكريّة كانت، يردّدون خلالها بعض النصوص التوراتيّة التي تكرِّس فكرة أرض إسرائيل من النيل إلى الفرات، وتتضمّن دعوات إلى الانتقام والقتل، ووعود بالعودة إلى بعث الاستيطان اليهوديّ في قطاع غزة ، أي مستوطنات "غوش قطيف"، من جديد وذلك برعاية بعض الحاخامات البارزين في إسرائيل، ووسط سكوت قادة الجيش وسبب صمتهم ربما أن رئيس وزرائهم كان من أوائل من استخدم المصطلحات التوراتيّة في هذه الحرب كالعمالقة وأردفها بشعارات تصف مسلّحي "حماس" بالنازيّين، وهي أي ظاهرة التزمّت الدينيّ في الجيش، والتي وصلت حدّ إعلان وحدات كاملة فيه أنها ستنصاع لأوامر الحاخامات، وليس الضبّاط إذا ما تلقّت أوامر عسكريّة تناقض تلك الدينيّة والتوراتيّة، ومنها إخلاء المستوطنات وحتى الخدمة العسكريّة في وحدات عسكريّة مختلطة للجنود والمجنّدات، ليست جديدة، وليست بمعزل عن مظاهر التطرّف السياسيّ الذي تشهده إسرائيل خاصّة بعد السابع من أكتوبر ، بل إنها تعكس نتيجة واضحة لتوجّهات مدروسة نهايتها سيطرة المتديّنين على مراكز القيادة في الجيش، ومثلها أجهزة القضاء والشرطة وغيرها. وبكلمات أخرى، إتمام سيطرة اليمين المتديّن، بل المتطرف على الجيش بعد محاولات تعزّزت خلال العقدين الأخيرين، ترافقهما محاولات للسيطرة على مقاليد السيطرة في الأكاديميا والقضاء وتعبيرها الساطع محاولة الانقلاب القضائيّ التي حاولت الحكومة الحاليّة تنفيذها برعاية وتخطيط مركز "كوهيليت "اليميني المتديّن. وباختصار، يمكن القول إن ما يحدث اليوم في الجيش الإسرائيليّ يشكّل النقيض التامّ للتوقّعات، وربما التمنّيات والأمنيات، التي جعلت كثيرين يعتقدون أن الجنود عامّة وضباط الجيش الاحتياطيّ خاصّة والذين تركوا أعمالهم وعائلاتهم لثمانية أشهر، سيصبّون جامّ غضبهم بعد نهاية الحرب على أعضاء الائتلاف، ائتلاف ألـ 64 اليمينيّ الخالص، وسيلزمونه دفع ثمن أخطائه، وربما العمل على إنهاء الحياة السياسيّة لبعض الوزراء أو لرئيس الوزراء، وسيطالبون بتغيير السياسات والتوجّه نحو السلام، لتكون الحقيقة مغايرة ومختلفة عبر جنود يطالبون باستمرار الحرب دون توقّف، بل بتشديد حدّتها وقوّتها وشراستها، ووسط اتجاه نحو المواقف اليمينيّة وهي ظاهرة معروفة تاريخيًّا قوامها أن الجنود العائدين من الحرب وخاصّة أولئك في الخدمة الاحتياطيّة هم الفئة الأكثر خطورة، من الناحية السياسيّة، حيث أشار مقال نشره معهد" ميدلبري" لأبحاث الإرهاب والتطرّف السياسيّ، كتبته الباحثة إيمي كوطر، إلى أن 40% من قياديي الحركات اليمينيّة المتطرّفة والميليشيّات المسلّحة المؤيّدة للرئيس السابق دونالد ترامب وكذلك 30% من أعضائها كانوا من الجنود المسرّحين، في تكرار لحالات كانت سائدة بعد الحرب العالميّة الثانية، ومنها الميليشيّات التي أسّسها جنود مسرّحون ألمان باسم "وحدات المتطوّعين الأحرار" .

 " هذه القيادات توقّعت ردودًا روتينيّة"

فلسطينيًّا، أعادت أحداث السابع من أكتوبر وما تخلّلته وما تبعها، وحتى رفض "حماس" إطلاق سراح بعض الرهائن الإسرائيليّين، حتى لو كان مقابل ذلك وقفا لإطلاق النار لأشهر قد يشكّل مقدّمة لوقف تامّ، وإعادة عشرات أو مئات آلاف الغزيين إلى شمال القطاع ووقف معاناتهم وحقن دمائهم، والسعي إلى مستقبل مشرق وإنسانيّ للفلسطينيّين، وأؤكّد هنا أن قيادات "حماس" والجهاد الإسلاميّ" لا تنظر إلى اليوم التالي، ولا تفكر فيه، بل إنها ترفض مجرّد التفكير فيه، واتّخاذ خطوات تضمن إيجابيّاته، ولو كانتا تفكّران بذلك لقبلتا فكرة، أو صفقة تبادل الرهائن وأطلقت سراح الإسرائيليّين المحتجزين لديها من المدنيّين والجنود على حدّ سواء مقابل إطلاق سراح آلاف الأسرى الفلسطينيّين من السجون الإسرائيليّة، وضمان مقوّمات أساسيّة للحياة في القطاع وإخراج مواطنيه من خانة الجوع والفقر، وانتظار هبوط الطرود الغذائيّة عليهم من السماء وكأنها رحمة من الله تهبط من السموات ، ناهيك عن سقطات وهفوات سبقت السابع من أكتوبر تتعلّق بإساءة الحسابات، أو الخطأ في تخمين وتوقّع الردّ الإسرائيليّ، فهذه القيادات توقّعت ردودًا روتينيّة بحكم العادة كما كان سابقًا، واستندت ، في تكرار خطير لمرات سابقة في تاريخ الشعب الفلسطينيّ، على حسن نوايا الأشقاء والأصدقاء، أو كلامهم الذي ينطف عسلًا ويعد بالوقوف إلى جانبهم، ليتضح أنه وقوف معنويّ، وهذا ما كان عام 1948 وفي غيرها، وما تكرّر هذه المرّة من ركون إلى تهديدات حركة "حزب الله" ورئيسها حسن نصر الله من انضمام إلى حرب، وتحويلها إلى حرب متعدّدة الجبهات وإطلاق مئات آلاف الصواريخ باتجاه إسرائيل، بدعم إيرانيّ ليتضح الفارق الكبير بين قوّة التصريحات والأقوال الناريّة وضحالة الردود والأفعال، في تكرار لما يمكن اعتباره أحد أخطاء الممارسة الفلسطينيّة، خاصّة من جهة "حماس" فعمليّاتها الانتحاريّة بعد اتفاقيّات أوسلو أعطت اليمين في إسرائيل زخم رفضها وإفشالها خاصّة في ظلّ حكومات بنيامين نتنياهو وأريئيل شارون خاصّة خلال الانتفاضة الثانية التي أعقبت زيارة شارون إلى الحرم القدسيّ الشريف عام 2000 وبعدها، والتي منحت مجرياتها اليمين الإسرائيليّ شرعيّة كان بحاجة اليها، بعد أن تحوّلت بعكس الانتفاضة الأولى نهاية عام 1987 ، من شعبيّة تمّ تسميتها " انتفاضة الحجارة"، إلى انتفاضة سادها استخدام السلاح، أي عسكرة الانتفاضة بدعم من السلطة الفلسطينيّة وكافّة الفصائل الفلسطينيّة، في استمرار للعمليّات الانتحاريّة التي بدأتها "حماس" عام 1994 ، ومن هنا تبرز الحاجة الملحّة إلى إعادة صياغة الخطاب الفلسطينيّ تجاه الصراع مع إسرائيل، والتفكير في اليوم التالي، أي تغيير المستقبل وبناء مقوّمات سلام وحياة في كيان مستقلّ يعتبر الإنسان القيمة العليا ويريد له الحياة، ويعتبر السلام وسيلة وغاية وزادًا وعتادًا للحياة السليمة والاستقلال والتقدّم، لا أن تكون حياة الإنسان وقود الكفاح المسلّح وثمنه.

خلاصة القول، ورغم أن الحرب لم تنته، بل وقبل أن تنتهي، أن طرفيها على خطأ كبير واحد هو الاعتقاد أن بإمكان أيّ منهما إبادة الآخر وهزيمته إلى غير رجعة. والحقيقة أن إسرائيل لن تستطيع إبادة العرب ولا الفلسطينيّين والعكس صحيح بنفس المقدار وأكثر. وبالتالي على العرب وإسرائيل التيقّن من أن لا سلام ولا أمن دون أن يكون ذلك متبادلًا، وأن أمن أحد الطرفين لا يمكن أن يكون على حساب، أو مقابل، أو بشرط معاناة الاخر، وبالتالي على إسرائيل الاختيار بين السلام، أو تنفيذ ما جاء في التوراة من أن الشعب اليهوديّ "شعب سيعيش بمعزل عن غيره"، أو على حدّ السيف، وعلى العرب والفلسطينيّين التيقّن أن أخطاءهم في الماضي والتي يمثّلها اليوم شعار "من النهر إلى البحر" لم تقرّبهم قيد أنملة من الحريّة والاستقلال. ولذلك، وعملًا بالقول الشهير لمارتن لوثر كينغ:" ينبغي علينا ألا نكتفي بالتركيز على النبذ السلبيّ للحرب فحسب، بل علينا أن نركّز أيضًا على التأكيد الإيجابيّ للسلام" الذي سيبقى، أي السلام الخيار الأفضل حتى لو كان الوصول إليه محفوفًا بالصعاب، والسائرون فيه قلائل استجابة لقول عمر بن الخطاب:" لا تستوحشوا طريق الحقّ لقلّة السائرين فيه". وأعود إلى كتاب "الغباء البشريّ" لكارلو ماريا " الشخص الغبيّ هو الشخص الذي يُسبب الخسائر للآخرين، بينما لا يُحقق أية فائّدة لنفسه، أو حتى يُسبب الخسائر لنفسه" فعليه السلام بحاجة إلى قائدين: الأوّل لينطُق به والآخر ليفهمه.

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع بانيت هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة راي التحرير في موقع بانيت .
يمكنكم ارسال مقالاتكم مع صورة شخصية لنشرها الى العنوان: [email protected]