يوسف أبو جعفر - نائب رئيس بلدية رهط - تصوير: قناة هلا وموقع بانيت
زعموا أن ملكًا كان له رعية يتعاهدها ويقف عند ما تحتاجه، فبادلته الحب والعطاء وكان من عادات قومه إغاثة الملهوف والكرم والمحبة وقلما تدخل الصراعات بين الرعية. كان دأب الملك إرضاء الرعية وكان أكثر ما يشغله إلا يصابوا بمرض خطير يتحدثون عنه ولكنه بعيد عن المنطقة، ما يقلق الملك هو أن هذا المرض يأتي به الضيوف والمسافرين، والمرض لا يتم تشخيصه بسهولة وفترة ظهورة تتعدى السنوات، ولذلك كان من الصعب التغلب سوى تذكير الناس أنهم سيصابون بالمرض،
في المقابل لم ير أحد هذا المرض فهم مشغولون بالعيش والحب والخوف من المجهول. قبل موت الملك أوصى بحكمة لمن سيخلفه، احذروا المرض ولا تفتحوا له الأبواب، وعندما سألوه أن يصفه قال؛ لا أعرفه ولكني رأيت ماذا يحدث عندما ينتشر، لن يساند الأخ أخيه ولا الجار جاره، سيهرب ويتركه مع المرض لوحده.
مات الملك وعاشت الرعية ونسي الصغار كلام الكبار وبين هذا وذاك شُغل الناس بكل شيء حتى ما عاد أحد يذكر المرض. في صيف عام لا يذكره الناس جاء ضيف إلى القبيلة وبدأ يحدثهم عن المدينة، عن كل ما فيها من جمال وفخامة وسيارات وعمارات وكل ما تشتهيه النفس، فانقسم الناس إلى فئتين الواحدة تركض وراء الحلم وأخرى تهرب منه.
كانت قبيلة فاصبحت اثنتين وبعد حين اربع وفي كل مره يقف الشيوخ يذهبون لأبن الملك يدعونه لحل الأزمة للأمر الذي عليه الناس تُجمع، كان مشغولًا بضيف قد احضر له سيارة بالكهرباء تشحن وأخرى روڤر تحتاج لمحطة وقود كي تشبع. عادوا والحزن يملأ القلب فالأواصر تتقطع وجيل يخرج خلف جيل يلهث خلف سراب يراه ماءً ولو صرخت به لن يسمع.
وفي ليلة صرخت أمرأة بين البيوت أن بيتًا لها اشتعلت فيه النار وأطفالها رضع، نامت القبائل عنها وخرجت في الليل تبحث عن خيمة تقيها برد الليل وتبكي أين من كان للملهوف بيتًا يفتح؟ وفي كل صيف وشتاء تعود المأساة وليس من يسمع، حتى أن القبيلة وزعت على الذين لا يحبون الصراخ والعويل قطنٌ في الأذن يوضع فيختنق الصوت والعبرات والتنهيد لا يجتاز الحاجز ولو كان مدفع.
وحين وقف كاتب قائلًا ألم يحذركم ملككم من مرضٍ! ألم يخبركم أن عوارضه أن الأخ سيترك أخاه وأواصر العهد ستتقطع! لم يتذكروا ففي أعينهم خوفًا وطمعًا ولا يدرون أن الحزمة من الاعواد لا تتكسر، وأن الأعواد أقوى مجموعة ولو كان بعضها هشٌ لا يذكر.
عاش الملك، مات الملك، عاش الشعب، مات الشعب ليس اليوم بل يوم صرخت إمراة أن بيتها احترق وبقيت دون يد تحنو ولعلها لم تعد تتذكر، فقد ماتت قبل غروب الشمس وهي ترى سيارة الرنج تمر بجانب البيت المحروق وقد علا ضجيج محركها وصوت الدحية من السماعات غطى على صراخ الأطفال وملأ الغبار أعينهم فبدا الواحد منهم بلون التراب، بل قل بلون الأرض، منها هو وهي منه وعندما يسجد يتخذها سجادة صلاة وأديمها فرشٌ ونجومها شموع ليل تحدثه بأسرار الكون رغم كل ما يقهر.
وحتى نلتقي، عاش الملك، أم كش ملك هذا الذي كل من حوله يموتون ليبقى هو يسكن مكان واحد في العالم لوحة الشطرنج، فلماذا أخرجناه من العلبة ونصبناه حاكمًا ويركب الرنج والمرسيدس واللاند وربما يمر حولنا في ساعة العتمة ونحن نبحث عن عود ثقاب لنهتدي به فيخرج ولاعته ليحرق الحقل والبيت ويهدم الحائط ويختفي كما جاء يذهب.