أسامة خليفة باحث في المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف» - صورة شخصية
على الهجوم الذي نفذته أيران بمسيرات وصواريخ متنوعة على ثلاث قواعد عسكرية إسرائيلية في 13 أبريل/نيسان، وهذا الأخير بدوره جاء رداً على الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق، وتناقلت وسائل الإعلام حجم الهجوم على منطقة أصفهان ومدى الضرر الذي أوقعه، والمواقع التي استهدفها بما فيها المواقع النووية الإيرانية في نطنز. ليبين الإعلام الإيراني الرسمي بعد ذلك أن الدفاعات الأرضية أسقطت ثلاث مسيرات صغيرة قد تكون أطلقت من داخل الأراضي الإيرانية، وأنّ المنشآت النوويّة الموجودة في أصفهان بوسط إيران «آمنة تماماً» وأنّ المعلومات المنشورة في بعض وسائل الإعلام الأجنبيّة حول وقوع أضرار في هذه المنشآت، غير صحيحة.
وسائل الإعلام الأمريكية والإسرائيلية عملت على التبخيس من هجوم «الوعد الصادق»، وأشاعت أن إسرائيل قد أُبلغت مسبقاً عن موعد الهجوم، وأن معظم الصواريخ والطائرات المسيرة قد أسقطت من قبل وسائط الدفاع الإسرائيلية وبمساندة فاعلة من الولايات المتحدة وفرنسا وغيرهما، دون ووقوع أضرار تذكر في الجانب الإسرائيلي، بالمقابل ضخمت وسائل الإعلام الإسرائيلية والأمريكية من هجوم صباح يوم الجمعة 19 نيسان، وخلصت إلى أنه يحقق أهدافاً استراتيجية، وكانت التوترات التي تصاعدت منذ قصف السفارة الإيرانية في دمشق موضوعاً رئيسياً ليس فقط لوسائل الإعلام بل أيضاً لتعليقات منصات التواصل الاجتماعي، بعضها وصفت ما يحصل بالـ«مسرحية»، كما تعرض تداول خبر الهجوم الإسرائيلي الأخير للانتقاد وللسخرية .
وكان أبرز التعليقات على منصة إكس تعليق بن غفير رافضاً هذا الرد الإسرائيلي «الضعيف» ضد إيران واصفاً الهجوم بكلمة واحدة «مسخرة» بالعربية، «دردلية» بالعبرية، هذه الكلمة رأى فيها مسؤولون في الحكومة والمعارضة الإسرائيلية اعترافاً بمسؤولية تل أبيب عن الهجوم، في الوقت الذي اعتادت إسرائيل عدم الإعلان عن مسؤوليتها عن مثل هذه الهجمات، وترك الأمور للتكهنات السياسية والتحليلات العسكرية، ويرى بن غفير أن هذا الرد «الدردلية المسخرة» تخل بـ« نظرية الردع الإسرائيلية في الشرق الأوسط»، وكان وزير الأمن الإسرائيلي يطالب حكومته بالرد «بجنون» على الهجوم الانتقامي الإيراني. كلمة واحدة من بن غفير الصادرة عن وزير أمن الكيان وعضو في الكابينت، وفي موقع المسؤولية، أفسدت كل هذه الهمرجة التي قامت بها وسائل الإعلام الأمريكية والإسرائيلية، وقد رفض الجيش الإسرائيلي التعليق على الموضوع.
وقالت إذاعة الجيش الإسرائيلي إنه لا تعقيب حكومياً بهذه المرحلة على أي من التقارير بشأن الهجوم في إيران، ولم تتبنَ إسرائيل الهجوم رغم إشارات من إعلامييها ومسؤوليها بأن إسرائيل من كانت وراءه، وبالتالي فسحوا المجال لوسائل الإعلام لتصنع «هجوماً فاعلاً مؤثراً» من لا شيء، مدعيةً -دفاعاً عن مصداقيتها المهدورة- أن معلوماتها عن الحدث من مصدر رسمي مسؤول، وبُني على هذه المعلومات تحليلات سياسية افتراضية ملأت الدنيا تهويلاً وشغلت الناس كذباً، في بادئ الأمر وفي مسار التوترات وتكثيف اجتماعات مجلس الحرب الإسرائيلي المصغر، أظهر المادة الإعلامية عن هجوم إسرائيلي مقنعة مثيرة للاهتمام تستحق المتابعة بالنشر والتحليل، لكن سرعان ما انكشف زيفها، ثم ادعى الإعلام الأمريكي المتميز أن مصادرها من جهات إيرانية معارضة، لم تقدم أي صورة أو فيديو من أرض الواقع، فتحولت المادة الإعلامية «الدسمة» إلى مادة «ضعيفة وهزيلة»، بينما الإعلام الإيراني الواقعي وثق المشاهد بالصور وأظهر أن الحياة طبيعية، وأن الأمر مجرد فقاعة صابون تبخرت في الهواء ولم تترك على الأرض ولو حفرة صغيرة، مما جعل بعض وسائل الإعلام تقلل من الآثار الناجمة عن القصف إلى درجة بعيدة وكأنها تحاول أن تنفي أي هجوم من أصله، كل ذلك بناء على صور الأقمار الاصطناعية لافتقاد المادة الإعلامية لصور أو فيديوهات من أرض الواقع، أفاد تقرير لشبكة «سي إن إن» الأميركية، يوم الجمعة 19 نيسان، بأن صور الأقمار الاصطناعية التي تم التقاطها بعد الضربة الإسرائيلية لم تظهر أي أضرار جسيمة في قاعدة أصفهان الجوية في إيران التي يُزعم أنها استهدفت بضربة عسكرية إسرائيلية.
واستناداً إلى التأكيد الأمريكي عن هجوم إسرائيلي -وليس عن مسؤولين أو قادة عسكريين إسرائيليين- تداولت وسائل الإعلام الإسرائيلية الخبر، صحيفة «جروزاليم بوست» العبرية قالت: إن إسرائيل هاجمت بصواريخ أطلقت من طائرة، أصابت أصولًا للقوات الجوية في أصفهان بوسط إيران، في وقت مبكر من صباح الجمعة 19 نيسان. وتوصل المسؤول الإسرائيلي للصحيفة إلى أن الهدف من الضربة إرسال رسالة بأن إسرائيل قادرة على ضرب الداخل الإيراني.
وقال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، في مقابلة أجرتها معه شبكة «إن.بي.سي. نيوز»: إذا أرادت إسرائيل القيام بمغامرة أخرى، وعملت ضد مصالح إيران، فإن ردنا التالي سيكون فورياً وعلى أقصى مستوى، وأوضح وزير الخارجية الإيراني: ما حدث الليلة الماضية لم يكن ضربة.. لقد كان أشبه بالألعاب التي يلعب بها أطفالنا وليس طائرات بدون طيار.
هذا الضجيج الإعلامي لا يخرج عن نطاق الإطار السياسي، فقد بدا جلياً أن الإعلام لا ينقل خبراً بل كذباً يخدم سياسة، تهدف إلى وضع المشهد الإقليمي في فوضى أدوار من مسرح للكوميديا سوداء، عن فعل ورد فعل، تغطي على الجرائم التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في غزة، وتنقذ إسرائيل والولايات المتحدة من المأزق الذي تورطا فيه نتيجة الفشل في تحقيق أي من الأهداف المعلنة من قبل إسرائيل في حربها العدوانية على غزة، وتتبناها الولايات المتحدة مع بعض الخلافات الهامشية.
رغم كل ما يملكه الإعلامي الأميركي من تقنيات وإمكانيات، إلا أن أداءه في نقل الخبر عن حادثة الهجوم المتخيل لا يتسم بالمهنية والمصداقية، فهو فاقد للتميز والشفافية والاستقلالية، دخل في المسرحية كطرف رئيسي في النزاع القائم، يعمل على التضليل وخدمة صانع القرار السياسي الإسرائيلي والأمريكي، ولو نقلت شبكة «إن بي سي» عن مصدر قوله إن الولايات المتحدة لم تشارك في الضربة الإسرائيلية على إيران. ولو أبلغت الولايات المتحدة وزراء مجموعة السبع بأن إسرائيل أبلغتها في اللحظة الأخيرة بشأن المسيرات والهجوم، لكن لم يكن هناك أي مشاركة للهجوم من قبل الولايات المتحدة، فقد أصبح معروفاً أن مثل هذه الأعمال العدوانية الإسرائيلية تحتاج إلى موافقة أمريكية.