logo

ريعوت ألون - زاڨيت تكتب : السفر من أجل الطبيعة

12-03-2024 10:40:35 اخر تحديث: 12-03-2024 10:53:04

كيف ساعدت رحلتك البيئة التي كنت فيها؟ تعرّف على السياحة الترميمية، التي ليس فقط لا تؤذي، بل تساعد أيضًا الطبيعة، والمجتمعات المحلية أثناء السفر.


 (Photo by George Rose/Getty Images)

 اليكم مادة للتفكير قبل دخول الميدان مع حلول فترة الأعياد.

عطلة الأعياد الطويلة، هي فرصة ممتازة للتنزّه في الجواهر الطبيعية المتنوعة في بلادنا. سواء اخترتم الغابات والشلالات في الشمال، أو بحر السهل الساحلي، أو المناطق الصحراوية في الجنوب، فلن تخيّب الطبيعة آمالكم. الكثير منا يفكرون في مدى تأثيرنا على البيئة أثناء النزهة، ويجمعون القمامة من خلفهم، على سبيل المثال. ومع ذلك، فإن نهجًا جديدًا للتنزّه، اكتسب زخمًا في السنوات الأخيرة، يخطو خطوةً إلى الأمام، وهي الدمج بين الرحلة والنشاط الفعّال من أجل البيئة التي نتنزّه في أحضانها.

نشأ النهج الجديد، المسمى "السياحة الترميمية"، (Regenerative travel)، من رحم السياحة المستدامة، وهي السياحة التي لا تضر بالطبيعة، وتحافظ كذلك على التنوّع البيولوجي، والبيئة الطبيعية وتقلل من حجم النفايات، (leave no trace)، ومن حجم تلوث الهواء، والتربة، والمياه، الناجم عن المتنزّهين. لا تكتفي السياحة الترميمية بهذا، وتستثمر في مبادرات تهدف إلى تحسين البيئة، التي نرتادها، وليس فقط الحفاظ على الحال الذي كانت عليه قبل مجيئنا. على سبيل المثال، فقد ركّزت السياحة المستدامة على الحياد الكربوني، مما أدى إلى صفر انبعاثات الكربون، مثل فندق يستخدم الألواح الشمسية، بحيث لا تأتي الطاقة التي يستهلكها من محطات الطاقة الملوثة. أما مقابل ذلك، فتؤكد السياحة الترميمية على توازن سلبي للكربون، أي اختيار حلول للتنزّه، تمتص من الغلاف الجوي غازات الدفيئة، أكثر مما تطلق من تلك الغازات للغلاف الجوي. أو بعبارة أخرى، ليس فقط نجمع من خلفنا أغلفة الوجبات الخفيفة، التي تناولناها في بركة همشوشيم، (وهو أمر مهم بالطبع)، ولكن أيضا نقوم بتنظيف الجدول من النفايات التي كانت موجودة من قبل.

نتنزّه ونزرع شجرة

إحدى الدول التي تهدف إلى تعزيز هذا النوع من السياحة هي نيوزيلندا. خلال جائحة كورونا، أعلنت البلاد عن خطة، تهدف إلى تقليل انبعاثات الكربون، الناجمة عن السياحة، والمساعدة في ترميم الطبيعة، من خلال إعادة نسخ المناطق التي تضررت من المسير عليها، وتقديم حوافز للتشجيع على استخدام السيارات الكهربائية. بالإضافة إلى ذلك، تقوم هيئة السياحة الرسمية في البلاد، بتحفيز السياح الوافدين، على تبنّي قطع الوعد الذي يُسمى "وعد تياكي"، وهي كلمة تعني الرعاية، والمحافظة، والحماية، باللغة الماورية للنيوزيلنديين، حيث يعد الوافدون برعاية أرض نيوزيلندا، وبحرها، وطبيعتها، وشعبها، وثقافتها، من أجل الأجيال القادمة.

مثال آخر هو Exodus Adventure Travels، وهي وكالة دولية لرحلات المغامرات، والتي وضعت خطة لتحسين الأماكن التي تُرسل الرحلات اليها. وذلك عن طريق خصم انبعاثات الكربون من الرحلات الجوية، (أي دعم المشاريع التي تمتص الكربون من الغلاف الجوي)، واختيار الفنادق ذات البصمة البيئية المنخفضة، والدعم المالي لمشاريع ترميم النظام البيئي. على سبيل المثال، إحدى الرحلات الرئيسية للشركة هي سلسلة جبال الأبنين في إيطاليا، حيث تذهب جميع العائدات منها، لصالح إعادة الحياة البريّة الى المناطق التي تضررت بسبب الإنسان في سلسلة الجبال، وإنشاء ممرات بيئية، تربط المتنزهات الوطنية في جبال الأبنين، من أجل إنشاء ممر آمن للحيوانات البرية.

بالإضافة إلى ذلك، هنالك في قطاع الفنادق، خيارات مبيت، يتم خلالها ترميم البيئة الطبيعية، والحفاظ عليها. أحد هذه الخيارات هو مجمّع Spirit of the Masai Mara السكني المرموق في كينيا، حيث يُسمح للسيّاح بزراعة الأشجار مع نهاية إقامتهم. في مثل هذه المجمعات، يتحقّق مبدأ آخر للسياحة الترميميّة، الا وهو مساعدة المجتمعات المحليّة. فالعديد من المجتمعات تحافظ على الطبيعة المحلية، كجزء من ثقافتها، كما أن العديد منها، تعتاش من الطبيعة المحيطة بها، مما يحفزها على الحفاظ على تلك الطبيعة. ولذا، يدأب هذا الفندق المرموق، على دعم قبيلة الماساي المحلية والعمل معها، تلك القبيلة التي تعيش في انسجام مع الطبيعة منذ أكثر من ألف عام. يتم ذلك عن طريق توظيفهم كمرشدين لرحلات السفاري، وبيع الأعمال الفنية لنساء القبيلة في متجر الفندق دون عمولة، والتبرع بالمال لمدارس الأطفال المحلية.

رحلة جوّية واحدة تُطلق كمية من الكربون تعادل ما يطلقه شخص بسنة كاملة

تقول البروفيسورة ياعيل رام، من قسم الدراسات السياحية، في الكلية الأكاديمية أشكلون: "طالما أن السياحة تعتمد على النقل الذي ينبعث منه ثاني أكسيد الكربون، على نطاق واسع جدًا، مثل الطائرات والسيارات والسفن، فإنه لا يمكن أن يكون مستدامًا بشكل كامل. وبالمقارنة، فإن كمية ثاني أكسيد الكربون المنبعثة في رحلة واحدة عبر المحيط الأطلسي، باتجاه واحد، مماثلة لكمية ثاني أكسيد الكربون التي ينبعث من مواطن أوروبي عادي، في عام كامل".

توضح رام أن هذه مشكلة معقدة، وتقول: "السياحة تؤدي إلى هدر المياه وهدر الطعام، وفوق كل شيء، تلوّث الهواء على نطاق واسع". ووفقًا لها، يدرك العديد من الباحثين في هذا المجال، أن التحدي الحالي الأكبر للسياحة هو النقل. وتضيف: "في نهاية المطاف، إنها صناعة تعتمد على قدرتنا على التنقّل من مكان إلى آخر".

عينيًّا، كُتب الكثير عن التلوث البيئي، الناجم عن السفر الجوي. إنّ صناعة الطيران العالمية للنقل والسياحة، مسؤولة عن %2.4 من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية، ومع ذلك، ليس كل أولئك الذين يستخدمون هذا النوع من النقل يلوّثون بشكل متساوي. تقول رام: "لقد شاهدنا كيف وصل القادة، ورجال الأعمال، من جميع أنحاء العالم، الى قمة المناخ في غلاسكو، على متن طائراتهم الخاصة.. وهنا تبدأ المشكلة الحقيقية، فعندما نسافر مع أشخاص آخرين في الدرجة السياحية، فإن كل شخص يلوث أقل، مقارنةً بأولئك الذين يسافرون بمفردهم، على متن طائرة خاصة".

سافر إلى اليونان بدلًا من اليابان

في جميع الأحوال، يذكّرنا نهج السياحة الترميميّة بأنه يمكننا، ويتوجّب علينا، أن نكون مسافرين أفضل. على سبيل المثال، يمكنكم اختيار السفر إلى وجهة قريبة، كأن تسافروا إلى اليونان، بدلًا من اليابان. وفي الوجهة نفسها، أن تفضًل التجوّل باستخدام وسائل منخفضة الكربون، مثل المشي، وركوب الدراجات الهوائية، واستخدام وسائل النقل العامة.

تقول رام: "بالرغم من ذلك، إذا اخترتم السفر إلى وجهة بعيدة مثل أستراليا، فيمكنكم اختيار السفر بأسلوب الرحّالة - النموذج البدائي للسياحة البطيئة، (Slow tourism). مع هذا النوع من السياحة، نبقى في الوجهة لفترة أطول، بدلًا من سياحة "التذوّق" التي اعتدنا عليها".

بصرف النظر عن ذلك، تؤكد رام على أهمية التواصل مع السكان المحليين أثناء الرحلة، وتقول: "يستثمر الرحالة، على سبيل المثال، في المجتمع المحلي، والعديد منهم يتطوعون ويتعلمون ويتعاونون مع السكان المحليين". وتخلص رام الى القول: "هذه هي الطريقة للتعرف على السكان، والثقافة، والطبيعة، بصورة معمّقة، وبالتالي، نحصل على التجربة الأصيلة، التي توفر لنا إقامة طويلة في نفس المكان. ففي نهاية المطاف، الأصالة هي جوهر السياحة، وتجربتها الحقيقية، والأصلية- تملأ النفس بالطاقات".

أعدّت المقال: "زاڨيت" – وكالة الأنباء التابعة للجمعيّة الإسرائيلية لعلوم البيئة