(Photo by Celal Gunes/Anadolu via Getty Images)
ما زلنا في خضم حرب "السيوف الحديدية". لقد مرت أربعة أشهر صعبة على دولة إسرائيل. وإضافة عن المسائل الأمنية، تحمل الحرب في طياتها أيضاً عواقب اقتصادية كبيرة. تؤثر الحرب على كافة الأنشطة الاقتصادية وعلى الأسواق المالية، ولا تزال مستويات عدم اليقين مرتفعة. ومع ذلك، فإن متانة الاقتصاد والانتعاش السريع الذي أظهره النظام الاقتصادي في الأشهر الأخيرة انعكس أيضًا على انتعاش واستقرار الأسواق المالية. يقوم الاقتصاد الإسرائيلي على أسس اقتصادية قوية ومتينة تضمن استقراره. لقد تعافى الاقتصاد الإسرائيلي من الأزمات التي مر بها في الماضي وعاد إلى الازدهار بسرعة. تساعد محركات نمو الاقتصاد، وخاصة مجالات الابتكار والتكنولوجيا التي نتصدر فيها على المستوى العالمي، النظام الاقتصادي على التكيف مع الظروف المختلفة والتعافي من الأزمات.
سأنتقل لتناول القرار الذي اتخذناه اليوم. لقد ركزت مناقشات اللجنة النقدية التي جرت في اليومين الماضيين بطبيعة الحال على الآثار الاقتصادية للحرب. وقامت اللجنة النقدية بتحليل العمليات المختلفة وتأثيرها على النشاط الاقتصادي وعلى التضخم، وفي نهاية هذه المناقشات قررت اللجنة إبقاء سعر الفائدة دون تغيير.
يعتمد قرار سعر الفائدة على عدة عوامل يعمل بعضها في اتجاهات متعاكسة: التضخم اعتدل وبلغ 2.6%، أي أقل بقليل من التوقعات في بداية الحرب. وتأثر الناتج المحلي الإجمالي بشكل كبير في الربع الأخير من عام 2023، وبلغ النمو السنوي في عام 2023 نحو 2% وفقا لتوقعات شعبة البحوث في كانون الثاني. من ناحية أخرى، يظهر الاقتصاد علامات انتعاش في عدة مؤشرات أساسية: حالة سوق العمل، والنشاط ببطاقات الائتمان، ومسح اتجاهات الأعمال، والمؤشر المدمج وبيانات نشاط أخرى. أن حالة عدم اليقين السائدة في النظام الاقتصادي لا تزال مرتفعة للغاية، ويرجع ذلك أساسًا إلى تطورات الحرب، ولا تزال هوامش المخاطر في النظام الاقتصادي عند مستوى مرتفع، على الرغم من انخفاضها إلى حد ما في الأسابيع الأخيرة. علاوة على ذلك، فإن السياسة المالية التوسعية وآثارها والقيود على النشاط في قطاع البناء لا تزال تشكل خطراً على اعتدال التضخم. كما ارتفعت التوقعات للعام المقبل بشكل طفيف في الآونة الأخيرة. وسيتم تحديد مسار سعر الفائدة وفقا لاستمرار تقارب التضخم مع الهدف، واستمرار استقرار الأسواق المالية والنشاط الاقتصادي والسياسة المالية.
لقد دخلنا الحرب بينما لا يزال التضخم في إسرائيل أعلى من الهدف، بما في ذلك مجموعة واسعة من بنود المؤشر. في الأشهر الأخيرة، استمر معدل التضخم وديناميكياته في الاعتدال. واستمر التضخم في المنتجات القابلة للتداول في الانخفاض، وتأثر إلى حد كبير بالتطورات في سعر الصرف. لا يزال التضخم في المنتجات غير القابلة للتداول، والتي تتكون في الأساس من قطاعي الإسكان والخدمات، أعلى من الهدف. ارتفعت توقعات التضخم للعام المقبل بشكل طفيف وهي قريبة من الحد الأعلى للهدف. التوقعات على المدى المتوسط والطويل ضمن الحد الأعلى من النطاق المستهدف. وعلى الرغم من هذه التطورات، لا تزال هناك حالة من عدم اليقين بشأن تأثيرات الحرب على عمليات التضخم.
باعتبارنا نظاماً اقتصادياً صغيراً ومفتوحاً، فإننا بالطبع نتأثر أيضًا بالبيئة العالمية. على الصعيد العالمي، اعتدلت بيئة التضخم في عدد كبير من الدول، لكنها لا تزال أعلى من أهداف البنوك المركزية. كما أن التضخم الأساسي، الذي كان "أكثر ثباتا"، أصبح معتدلاً أيضا. لا تزال معظم البنوك المركزية تشعر بالقلق إزاء تضخم الخدمات الذي لا يزال ثابتًا مما يصعب اقتراب التضخم من الهدف، وبالتالي فهي تلمح إلى بدء التسهيلات النقدية في وقت متأخر عن المتوقع.
مع اندلاع الحرب، اتخذنا عدة إجراءات تهدف إلى ضمان سلامة عمل الأسواق. وقد نجحت هذه البرامج حتى الآن في تحقيق الاستقرار في أسواق النقد الأجنبي والأسواق المالية، وكذلك دعم الأسر وأصحاب المصالح التجارية من خلال البرامج التي تم تفعيلها في النظام المصرفي. إن المستوى المرتفع لاحتياطيات بنك إسرائيل من النقد الأجنبي، والذي بلغ حوالي 200 مليار دولار عشية الحرب، يتيح لنا مجالاً للعمل للحفاظ على الاستقرار في النظام الاقتصادي، مع تقليل حالة عدم اليقين. أدوات السياسة التي استخدمناها حتى الآن تتماشى أيضاً مع التزامنا بعودة التضخم إلى الهدف وتقديرات اللجنة النقدية بأن تستمر السياسة النقدية الحالية في دعم إبقاء التضخم ضمن المستويات المستهدفة.
في المقابل، ومن أجل تقديم تسهيلات ملائمة للفئات السكانية التي تعاني من صعوبات اقتصادية بسبب الحرب، فإننا نعمل حاليًا في بنك إسرائيل على صياغة تمديد آخر لبرامج التسهيلات المقدمة من البنوك لثلاثة أشهر أخرى. سيمنح تمديد البرنامج تسهيلات سيولة إضافية للجمهور الذي يحتاج إليها. ومن حسن الحظ فقد اختارت البنوك تبني هذه البرامج عندما تمت صياغتها في تشرين الأول مباشرة بعد اندلاع الحرب. ستنشر هيئة الرقابة على البنوك خلال الأيام المقبلة وبشكل منظم التفاصيل الكاملة بشأن تمديد البرامج.
سأتوسع الآن بشأن البيانات الاقتصادية الأخرى المدرجة على جدول الأعمال. من بيانات المحاسبة الوطنية التي نشرتها دائرة الاحصاء المركزية، يبدو أن الناتج المحلي الإجمالي انكمش بشكل كبير في الربع الأخير من عام 2023 ونما في نهاية العام بمعدل 2%. يعود انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بشكل أساسي إلى انخفاض النشاط في قطاع البناء والاستهلاك الخاص، بينما ارتفع الاستهلاك العام في ظل الحرب. عاد الاستهلاك ببطاقات الائتمان، والذي شهد انخفاضاً كبيراً في الأسابيع الأولى من الحرب، إلى الانتعاش ومستواه العام صار أعلى من متوسط مستواه خلال عام 2023 وقبل الحرب.
سوق الإسكان له وزن كبير في النشاط الاقتصادي. أدى الوضع الأمني إلى إلحاق الضرر بنشاط قطاع البناء، ويرجع ذلك أساسًا إلى نقص العمال. تعد القيود على العرض في قطاع البناء والحاجة إلى مساكن بديلة للسكان الذين تم إجلاؤهم من العوامل التي ستؤثر على التطورات في سوق الإسكان في المستقبل. بالإضافة إلى الحفاظ على النشاط على المدى القريب، يجب اتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على ارتفاع المعروض من البناء مع مرور الوقت. وكما ذكرت من قبل، فإن هذا هو المفتاح لاستمرار الاعتدال في أسعار المساكن.
كان سوق العمل عشية الحرب ضيقاً وفي بيئة تشغيل كاملة. في أعقاب الحرب، ارتفع معدل البطالة الواسع الذي يشمل العاملين الذين يتغيبون لأسباب اقتصادية. هذا إلى جانب انخفاض عدد الوظائف الشاغرة إلى المستويات التي شهدناها عشية أزمة كورونا. بعد أربعة أشهر من الحرب، لا تزال بيانات سوق العمل تشير إلى اتجاه من التعافي، خاصة على خلفية الزيادة المستمرة في الطلب على العمال وعرض أماكن العمل. واصل معدل البطالة الواسع في شهر كانون ثاني هبوطه وارتفع معدل الوظائف الشاغرة. تراجعت نسبة التغيب عن العمل لأسباب غير اقتصادية، وهي الآن تعكس بشكل حصري التغيب بسبب الخدمة الاحتياطية، وذلك بعد العودة الكبيرة لأغلبية العمال الذين تغيبوا لأسباب أخرى إلى أعمالهم في تشرين الثاني.
أود أن أتطرق إلى خفض التصنيف الائتماني لديون دولة إسرائيل من A1 إلى A2 ونشر النظرة المستقبلية السلبية من قبل وكالة موديز. لقد تم اتخاذ القرار بشكل أساسي، كما أوضحت وكالة التصنيف، بسبب عدم اليقين بشأن موعد وكيفية انتهاء حرب "السيوف الحديدية"، وتأثير الحرب على جاهزية الحكومة والكنيست للتعامل مع القضايا الاقتصادية والاجتماعية الأساسية، وتغير الوضع المالي. وسبب أفق التصنيف السلبي هو عدم اليقين بشأن امتداد الحرب إلى الجبهة الشمالية. أذكركم بأن دولة إسرائيل شهدت أزمات جيوسياسية في الماضي خلال فترات كانت فيها نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي أعلى بكثير، ولم يكن هناك أي تأخير في سداد ديون الحكومة. يبدو أن المخاطر الموصوفة قد تم احتسابها مسبقاً بالفعل من قبل المستثمرين في الأسواق، كما لم يظهر أي تأثير ملموس لخفض التصنيف الائتماني في الأسواق المالية وسوق النقد الأجنبي حتى الآن. من أجل تعزيز ثقة الأسواق وشركات التصنيف في الاقتصاد الإسرائيلي، من المهم أن تعمل الحكومة والكنيست على معالجة القضايا الاقتصادية التي أثيرت في التقرير، والتي تتوافق إلى حد كبير مع التوصيات التي طرحها بنك اسرائيل وهيئات أخرى في الماضي. تتطلب هذه القضايا إجراء تغييرات هيكلية ضرورية في الوزارات الحكومية وفي سلم أولوياتها لصالح محركات النمو.
هنا يجب أن نذكر مرة أخرى بأن السياسة المالية المسؤولة، والتي أوصلت الاقتصاد إلى نسبة دين من الناتج المحلي الإجمالي بلغت 60% في بداية الحرب، تشكل ذخراً استراتيجياً من الناحية الاقتصادية. وهذه النسبة هي ما يدعم قدرة الاقتصاد الآن على مواجهة النفقات الكبيرة للحرب، ونفقات الدفاع والحفاظ على سير الحرب على الجبهة الداخلية من خلال دعم ومساعدة المصالح التجارية والأسر المتضررة. من المهم الاستمرار في اتباع سياسة مالية مسؤولة وإظهار ذلك للأسواق التي تتابع النشاط في إسرائيل اليوم أكثر من أي وقت مضى.
تمثل ميزانية الدولة المحدثة لعام 2024 تحدياً خاصاً. إن العواقب الاقتصادية للحرب واسعة وكبيرة. إلى جانب الضرر الذي لحق بالناتج المحلي، تتطلب الحرب زيادة كبيرة جداً في نفقات الميزانية. ترجع هذه الزيادة إلى النفقات الناشئة مباشرة عن المجهود الحربي وإلى النفقات المدنية. بالإضافة إلى ارتفاع نفقات الحرب، وعلى خلفية الحاجة إلى تعزيز المنظومة الأمنية وزيادة جاهزيتها في مواجهة التهديدات المختلفة، فمن المتوقع أيضاً حدوث زيادة مستمرة وكبيرة في الميزانية الأمنية في المستقبل المنظور، ولهذا الأمر أبعاد اقتصادية كبيرة.
تشكل الميزانية الحالية محطة مهمة في تعزيز ثقة الأسواق العالمية بالاقتصاد الإسرائيلي والحفاظ على استقراره. لذلك، من المهم أن يتم الحفاظ على إطار الميزانية الذي قدمته الحكومة، والذي يتضمن تعديلات مالية كبيرة مقابل الزيادة المستمرة في الإنفاق الأمني، حتى بعد العملية التشريعية في الكنيست.
أعود وأشدد على ضرورة تشكيل لجنة في الفترة المقبلة تضم مسؤولين أمنيين ومدنيين، لتتولى تحديد احتياجات إسرائيل الأمنية في السنوات المقبلة وصياغة خطة مناسبة لميزانية متعددة السنوات. ستكون هذه اللجنة قادرة على مناقشة حجم وشكل ميزانية الدفاع بشكل مدروس، وآمل أن يتم الانتهاء من تعيينها في أقرب وقت ممكن. إن عمل مثل هذه اللجنة وتنفيذ توصياتها يمكن أن يحسن قدرة إسرائيل على التعامل مع احتياجاتها الأمنية، مع الأخذ بالاعتبار الاحتياجات المدنية والحاجة إلى إظهار مسؤولية مالية.
في الختام، تمر دولة إسرائيل بفترة صعبة. سنواصل في بنك إسرائيل مساعدة الاقتصاد الإسرائيلي على تجاوز التحديات الحالية والمتوقعة. وكما استطاع الاقتصاد الإسرائيلي التعافي من الأزمات السابقة والعودة إلى الازدهار بسرعة، فإن الاقتصاد الإسرائيلي ما زال يمتلك العناصر الضرورية لتحقيق إمكانات النمو الكامنة فيه.
أود أن أؤكد من هذه المنصة أيضًا على أن بنك إسرائيل ولجنة النقد يشدان على أيدي الجنود وقوات الأمن الذين يضحون بحياتهم من أجلنا على الجبهة. ونتقدم بتعازينا إلى أهالي الضحايا، ونتمنى الشفاء التام للجرحى، ونأمل بعودة جميع المختطفين والمفقودين بسرعة.
قلوبنا معكم.
شكرًا لكم " .