logo

إسراء الأمس ومعراج اليوم | مقال بقلم المحامي شادي الصح

بقلم : المحامي شادي الصح
06-02-2024 16:03:35 اخر تحديث: 06-02-2024 16:46:58

رحلة مباركة طيبة، بدأت بأقدس بقاع الأرض، وانتهت بأعلى طبقات السماء.


المحامي شادي الصح 

في كل عام تمر علينا ذكرى عظيمة الإسراء والمعراج، تمر علينا ونتذكر تلك الحادثة التي بمفهوم أعمق غيرت التاريخ كله فصار يكتب ما قبلها وما بعدها، هي ليست مجرد قصة نحكيها أو نمر عليها بتوزيع الحلوى وتخصيص درس لهذه الحادثة، من دون تقديم المغزى من الذكرى حيث أنها موجودة فينا معجزة مستمرة فينا وأنها جاءت للتغيير والتبديل. 

ننسى أن نذكر بأن الطرق والسبل قد أقفلت أمام رسول الله وقد انتقل عبر الإسراء والمعراج إلى أفق آخر من المعطيات. 

ليست مجرد حدث عابر

الإسراء والمعراج لم تكن يوماً مجرد حادثة عابرة في تاريخ الإسلام، بل هي حادثة مفصلية غيرت في تاريخ الأمة الإسلامية الكثير، بحيث صار لها تاريخ بها ولما قبلها وما بعدها، حتى فُتِن بسببها بعض من دخلوا في الإسلام، فضلاً عن موقف الكفار الذي اتسم بالتكذيب والإنكار، وهو موقف غير مستغرب منهم!مواقف ما زالت مستمرة إلى يومنا!

كانوا مع رسولنا الأكرم الدرع المتين

لوجود أبي طالب بجانب رسول الله صلى الله عليه وسلم، شكل سياجاً واقياً ودرعاً منيعاً له يمنع عنه أذى قريش ، لأن قريشاً ما كانت تريد أن تخسر أبا طالب ، ولـما تُوفي أبو طالب،انهار هذا الحاجز وسقط الدرع المتين ونال رسول الله صلى الله عليه وسلم من الضرر الجسدي والأذى الكثير، وكانت خديجة رضي الله عنها زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم البلسمَ والدواء الشافي لما يصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجراح النفسية الَّتي يُلحقها به المشركون، ولـما توفيت فَقَدَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم هذا البلسم الشافي. 

وبعد أن اشتد أذى قريش خرج رسول الله إلى الطائف يطلب نصرة الحق وإحقاقه طالبا الحماية ولكنهم ردوه. 

ولم يكتفوا بذلك، بل أرسلوا إلى قريش رسولاً يخبرهم بما جاء به رسول الله فتجهزت له قريش، وأضمرت له الشر، فلم يستطع رسول الله صلى الله عليه وسلم دخول مكة إلا في جوار رجلٍ كافر، فزاد حزن رسول الله حتى سُمي ذلك العام بالنِّسبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم "عام الحزن"

هي تعويض للرسول

أن رحلة الإسراء والمعراج أنعم الله بها على نبيه محمد صلي الله عليه وسلم كي يعوضه عما لاقاه من اضطهاد وأذى من قبل أهل الطائف ليعلمنا الله أنه حتما سيأتي الفرج مهما اشتدت المحن طالما نيتنا خالصة له وحده ومتوكلين عليه حق التوكل، وأن الغرض الحقيقي من أعظم آية في الإسراء والمعراج ليس المسري برسول الله من المسجد الحرام إلي الأقصي للفسحة والنزهة وليس المعراج للترفيه وإنما كان القصد من هذه الرحلة الأرضية السماوية هو تثبيت قلب رسول الله نتيجة ما لاقاه من أهل الطائف ولذلك أراد الله أن يثبت قلب رسول الله صلي الله عليه وسلم "لنثبت فؤادك" 

مهما اشتدت المحن 

هي إشارة وعلامة من الله سبحانه وتعالي لتلك الأمة أنها إذا نزلت بها المحن وضاقت عليها السبل واشتد عليها الكرب فيجب أن تسري وتعرج بنفوسها إلي الخالق الأعظم وفيها إشارة ودلالة من الله سبحانه وتعالي لشباب الأمة أنهم يجب عليهم ألا يصبهم الكدر والضيق واليأس فإن مع العسر يسرا.

من المحنة إلى المنحة

كما لم تكن الإسراء والمعراج مجرد رحلة أريد بها تكريم النبي صلى الله عليه وسلم والتسرية عنه، بدلاً من الحزن الذي أصابه بموت سندَيْه الكبيرين: عمه أبي طالب، وزوجه السيدة خديجة, نعم، كان هذا أمرا مقصودا وأمرا مهما ؛ فلئن ضاقت الأرض وضاق المفسدون من أهلها بنبي الله ، فإن رب السماوات والأرض والملأ الأعلى والملائكة الأطهار مرحبون بالنبي صلى الله عليه وسلم، ويعرفون له قدره ومكانته، وكفى بهذا تكريمًا وتسرية عنه صلى الله عليه وسلم من عناء الدعوة وما لاقاه. 


من الألم إلى الأمل 

طلبت قريش من النبي عليه الصلاة والسلام أن يصف لها بيت المقدس ورسول الله عليه الصلاة والسلام قد جاءه ليلا ولم يكن قد رآه من قبل يقول عليه الصلاة والسلام: ((فأصابني كرب لم أصب بمثله قط))، أي أن الأمر سيفضح أي النبي عليه الصلاة والسلام سوف يتهم بالكذب ولكن حاشا لله أن يترك أولياءه يقول عليه الصلاة والسلام : فجلى الله لي بيت المقدس فصرت أنظر إليه وأصفه لهم باباً بابا وموضعاً موضعا ( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ) درس لكل صاحب هم لكل صاحب قلب مكلوم ألا يلتفت قلبه إلا إلى الله عز وجل: رسول الله عليه الصلاة والسلام رجل واحد يحمل هم الدنيا كلها رجل واحد يحمل أمانة تنوء بها الجبال ماتت زوجه خديجة التي كان يأوي إليها عند تعبه مات عمه أبو طالب الذي كان يحميه كان يبحث عن رجال صدق يعينونه في تبليغ أمر دعوة الله عز وجل ذهب إلى ثقيف ولكنها ردته رداً سيئا وأغرت به السفهاء فضربوه بالحجارة حتى أدميت قدماه الشريفتان لجأ النبي عليه الصلاة والسلام إلى حائط وأخذ يناجي رب العزة سبحانه: (( اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس إلهي أنت رب المستضعفين أنت ربي إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري أعوذ بنور وجهك الذي أضاءت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل علي غضبك أو أن تحل بي عقوبتك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بالله)

أحْرج الله بها قلوب الجاحدين الناكرين وأقر الله بها أعين المؤمنين الصادقين، وصفّى الله بها أفئدة المنتسبين إلى الدين.

هي معجزة أُعلن فيها كثير من القرارات والقناعات، لهذه الأمّة ولنبيها الكريم.

هي معجزة تأتي بعد محن وشدائد يمر بها نبينا صلى الله عليه وسلم، فبعد وفاة عمه وزوجه، ومقاطعة اقتصادية واجتماعية في شِعب أبي طالب، وبعد اعتداء أهل الطائف عليه، ورفض دعوته عليه الصلاة والسلام فيأتي الأمل بعد الالم. 

إنّ سنة الله في الحياة الابتلاء، وقد سبق بيان الحكمة في وجود الابتلاءات، إلا أن المؤمن الصادق، يرى من وراء الشدة فرجا ، ومع العسر يسرا ومن باطن المحنة تولد المنحة، اشتدت برسول الله الشدائد ، لكنه لم ييأس، ولم ينس أن له رباً قادراً يقدر المقادير، ويأذن بفرجه في الوقت الذي يريد في الوقت الذي نريد.