logo

مقال : تخصيب الأرض القاحلة (في السعودية) - بقلم: أمنون ديركتور، ‘زاڨيت‘

31-01-2024 19:15:18 اخر تحديث: 31-01-2024 19:17:29

في قلب صحراء المملكة العربية السعودية الملتهبة، سيتم إنشاء مشروع دفيئات، لتزويد سكان البلاد بالمحاصيل الزراعية.


(Photo by FRANCK FIFE/AFP via Getty Images)

هل نحن بصدد مشروع أمن غذائي واعد، أم خطوة أخرى مسرفة وملوّثة، من صناعة السعودية؟

معظمنا على دراية بالوضعية التالية: ندخل السوبر ماركت القريب منزلنا، ونشتري اللحوم القادمة من الأرجنتين. ثم نضع في سلّة التسوّق، الأفوكادو من إسبانيا، والبقوليات المزروعة في كندا، والسلمون من النرويج. الحقيقة هي أننا اعتدنا على هذا التنوع، وكذلك على حقيقة، أن الطعام الموجود في طبقنا، يأتي من جميع أنحاء العالم.

إلى جانب قائمة الطعام الغنيّة، من ناحية المأكولات، والعالمية، التي تسمح لنا بها العولمة، تنطوي تلك الحالة أيضًا، على العديد من المشاكل. أزمة المناخ، وعدم الاستقرار السياسي، والحروب، كتلك التي تجري حاليًا في أوكرانيا، قد تعطّل سلسلة تزويد الغذاء، للسكان الذين يعتمدون على الغذاء، من بلدان أخرى في العالم. ونتيجة لذلك، تستثمر بلدان مختلفة في تعزيز الصناعات الغذائية والزراعية المحلية، في محاولة لخلق الأمن الغذائي لسكانها.

وفي هذه الأيام، تعمل الحكومة السعودية على مشروع حول هذا الموضوع، وهو مشروع طَموح للغاية، إذ ستقوم الحكومة ببناء دفيئات لزراعة المحاصيل، في وسط صحاري الدولة، والتي تهدف إلى توفير منتجات عالية الجودة على مدار العام.

دفيئات في وسط أرض قاحلة

وتشمل الخطة السعودية، والتي تستأجر الدولة من أجلها، خدمات الشركة الزراعية الهولندية، "فان دير هوفن"، بناء دفيئتين عملاقتين، بمساحة 110 آلاف متر مربع، فيها ستتم زراعة المحاصيل الزراعية، باستخدام الزراعة في الماء، (هيدروبونيك، وهي طريقة تنمو فيها النباتات بدون تربة، في المياه ذات تركيز مثالي، للعناصر الغذائية)، وأنظمة آلية، ونظام تكييف وتبريد، يخلق مناخًا خاضعًا لنظام تحكّم.

 يقول الدكتور دانيال مدار، الباحث، والمستشار العلمي، وأحد مؤسسي SP Interface: "يمكن أن تؤدي زراعة النباتات في دفيئة مائية، مع نظام تحكّم بالمناخ، إلى زيادة المحصول، بمقدار 50 ضعفًا لكل متر مربع، مقارنةً بالنمو في الحقل. ويرجع ذلك، إلى الظروف المثلى التي تحظى بها المزروعات، والتي تتلقّى أيضًا حماية من الحشرات الضارّة، دون استخدام كميات كبيرة من المبيدات الحشرية. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن لهذه الطريقة توفير %90 من الري لكل كيلوغرام من المنتجات. علاوة على ذلك، ونظرا لإمكان زراعة المحاصيل، دون استخدام الآلات الثقيلة، ولكن فقط الكهرباء، فمن السهل التأكّد من أن تكون كل الطاقة المستخدمة في المشروع هي طاقة متجددة ".

بالإضافة إلى ذلك، ستوفّر محطة تحلية المياه، والتي تم بناؤها خصيصًا من أجل المشروع، السقاية اللازمة لمحاصيل الخضروات في الدفيئات. وأيضا، بفضل استخدام الذكاء الاصطناعي، ستكون كميّة الأسمدة والطاقة المستخدمة في المشروع، قليلة قدر الإمكان. كم سيكلف كل هذا؟ تُقدّر تكلفة هذا المشروع المتطور، بمبلغ 120 مليون دولار.

الدفيئات ليست سوى جزء صغير، من مشروع طَموح للدولة، حيث تشيد مدينة ضخمة، جديدة ومستقبلية، في شمال غرب البلاد، تُسمى "نيوم"، وهو عبارة عن مشروع عملاق، بتكلفة 500 مليار دولار، والذي يُعتبر أحد المشاريع الرائدة والمشهورة للمملكة السعودية، وقائدها، الأمير محمد بن سلمان. اسم المدينة، مشتق من مزيج من الكلمات "جديد" في اليونانية ("neo")، و "مستقبل" باللغة العربية، ومن المتوقع أن يشمل المشروع منطقة صناعية، وميناء حاويات، سيتم بناؤه على الماء، كجزء من جزيرة اصطناعية، ومشروع سياحي، يشتمل على منتجعات التزلج، والبحيرات الاصطناعية، والفنادق الفاخرة.

مع ذلك، وعلى الرغم من أن السعوديين يدّعون أنه سيتم بناء المدينة بصورة "بيئية" و "مستدامة"، فمن الصعب العثور على تفسيرات لأسئلة مثل: من أين ستأتي المواد؟ كيف سيحافظون على البيئة البكر والخاصّة في المنطقة؟ وما هي البنية التحتية المطلوبة لبناء المدينة؟

يقول مدار: "نتحدّث عن مدينة مسوّرة، سيصل ارتفاعها إلى 500 متر وطولها 170 كيلومترًا، في منطقة طبيعية بغالبيّتها". وبحسب أقواله، فإن بناء المدينة سوف يُسبّب أضرارًا حرجة، للحاجة الضرورية للحيوانات، لمساحات متّصلة للمعيشة، ويضيف: "لا يمكن لأي كائن حي، أن ينتقل من المنطقة الواقعة شمال المدينة المسوّرة، إلى المنطقة الواقعة جنوبها، والعكس صحيح، ولا حتى لمعظم الطيور. إن آثار هذه المدينة على البيئة، في تلك المنطقة سوف تكون رهيبة. انه تقطيع أوصال كامل، للعديد من النظم البيئية، على نطاق غير مسبوق، وبمقاييس عالمية".

كل صحراء لها قصّتها

من المفترض أن يساعد مشروع الدفيئات، مدينة نيوم، على توفير الغذاء لملايين السكان الذين سيعيشون في المنطقة، في العقود القادمة. ولكن، كما ذكرنا، فإن إنشاء دفيئات، في بلد مثل المملكة العربية السعودية، ليس تحديًا بسيطًا، على أقل تقدير.

المملكة العربية السعودية، هي أكبر دولة في شبه الجزيرة العربية، ومعظم أراضيها صحراوية وغير مأهولة. في الواقع، نظرًا للمناخ القاسي، الذي يمكن أن يصل إلى أكثر من 50 درجة مئوية، ونسب الرطوبة العالية، فإن %1 فقط من كامل أراضي البلاد، مناسب للسكن البشري.

ويوضح الدكتور يوفال كاي، عالم فيزيولوجيا النبات، ومدير محطة تجارب الزراعة الصحراوية، في رمات هنيغيف: "هناك أنواع مختلفة من الصحاري، ولا يشبه أي منها الآخر. فهناك المرتفِع وهناك المنخفض، وهناك صحراء تتميز بالرطوبة العالية أو بالجفاف الشديد. ومن أجل القيام بالزراعة المثلى في الصحاري، نحتاج إلى معرفة كيفية تكييف أنواع الدفيئات، والتقنيات، لكل منطقة بطريقة خاصّة بها، فمناخ حارّ ورطب، مع نقص حاد في المياه، يجعل من زراعة المحاصيل في الصحاري، تحدي صعب"

بالإضافة إلى ذلك، ووفقًا لكاي، فإن هذا مشروع يحتوي على الكثير من التفاصيل، والتي يتوجب فحصها، من عدّة جوانب. ويضيف: "من حيث الرّي، هذا مشروع اقتصادي نسبيًا، لأن المياه يتم إعادة تدويرها، وكذلك الأسمدة. أما من ناحية استهلاك الطاقة، فستكون الدفيئات ذات استهلاك مرتفع للطاقة، بالأساس في فصل الصيف، وربما أيضًا في ليالي ذروة الشتاء. فكما ذكرنا، انه مشروع متعدد الجوانب، ويجب دراسته على هذا الأساس"

أيضًا من الناحية الاقتصادية، تشكّل مشاريع كهذه، تحدّيًا. وبحسب أقوال كاي، صحيح انه "بوجود المال والتكنولوجيا، يمكن زراعة المحاصيل في أي مكان"، إلا أن مثل هذه المشاريع، يجب أن تكون ربحيّة، وإلا احتاج المزارعون إلى دعم من الدولة. ويوضح قائلًا: "في نهاية الأمر، من المفروض أن يدفع المواطن السعودي، سعرًا معقولًا مقابل كيلو الطماطم، وإذا كان إنتاج الطماطم في الدفيئات الجديدة سيكلّف 8 شيكل للكيلوغرام الواحد، وتباع في محلات السوبر ماركت مقابل 16 شيكل للكيلوغرام الواحد، في حين أن الطماطم المستوردة من تركيا ستكلف حوالي 4 شيكل للكيلوغرام الواحد، فسيتطلّب الأمر دعم الزراعة المحلية".

شكرًا للذكاء الاصطناعي

انها ليست المرة الأولى، التي يتم فيها تنفيذ مشروع لزراعة المحاصيل، في الدفيئات الذكية، في دول الخليج، فقد أنشأت الشركة الهولندية، التي ستبني الدفيئات في المملكة العربية السعودية، دفيئة في الإمارات العربية المتحدة منذ عدة سنوات. تلك الدفيئة، التي كانت شبيهة، لكنها أصغر بكثير من تلك التي في مشروع المملكة العربية السعودية المستقبلي، كانت شبه مفتوحة في أشهر الشتاء، ومغلقة تمامًا في أشهر الصيف، بطريقة مخصّصة للمناطق المناخية الحارة والجافة.

يقول كاي: "لقد تم بالفعل إنشاء مثل هذه المشاريع في دبي وإسرائيل، (على نطاق صغير، في مرتفعات النقب مثلًا). هذه الدفيئات، تعزل النباتات، باستخدام تكنولوجيا متطورة، مما يحقق محصولًا جيدًا، يغطّي تكلفة البناء، والطاقة، وتكاليف تشغيل المشروع".

 يحدث كل ذلك، بمساعدة سخيّة من الذكاء الاصطناعي، الذي يهدف إلى تنجيع عملية الزراعة. ويخلص كاي الى القول: "الذكاء الاصطناعي، يمكن أن يسفر عن خبرات في جميع مراحل تشغيل الدفيئة، من الظروف المناخية، الى جودة المياه، وقدرات التبريد، وجودة الإنتاج، الى أن نحصل على صورة واسعة ومعمّقة، تمنحنا معرفة أفضل طريقة لزراعة المحاصيل".

أعدّت المقال “زاڨيت" – وكالة الأنباء التابعة للجمعيّة الإسرائيلية لعلوم البيئة