logo

عندما يتحوّل المنزل الى مكتب

أمنون ديركتور - زاڨيت يكتب:
29-11-2023 11:31:53 اخر تحديث: 29-11-2023 13:34:29

بينما يقوم العديد من الموظفين بأعمالهم من داخل المنزل، تبقى مكاتبهم فارغة، ولتجنُّب إهدار تلك المساحة، هناك خوارزمية جديدة تستطيع تحديد أماكن تلك المساحات المهجورة،


صورة للتوضيح فقط - تصوير: Followtheflow shutterstock


من أجل تحويلها إلى مناطق سكنية.

على مدى سنوات طويلة، كان نموذج العمل في العالم الغربي ثابتًا إلى حد ما، حيث يذهب الموظفون إلى مكاتبهم صباحًا، ويعودون الى البيت في فترة ما بعد الظهر، أو عند المساء، وهكذا دواليك. ولكن كما هو معروف، منذ حوالي ثلاث سنوات، مع تفشّي فيروس كورونا، بدأت الحدود بين المكاتب والمنازل تتلاشى، عندما أُجبر العديد من الموظفين على هجر مكاتبهم، والانتقال للعمل من منازلهم، بحيث أصبح المنزل هو المكتب الجديد.

وبغضّ النظر عن الاجتماعات عبر الشاشات، التي سمحت لنا جميعًا باستراق النظر الى شقق الزملاء، والرؤساء، والمحاضرين، وغيرهم، فقد كان لهذا التوجّه الجديد، آثار واسعة النطاق، أحدها هو أزمة عقارية حدثت في العديد من المدن حول العالم، حين تم التخلي عن المكاتب، بينما ازدهر تطبيق الزووم ...

الآن، ومن أجل تجنّب إهدار تلك المساحات، هنالك خوارزمية جديدة، تتيح فحص كيفية تحويل أبراج المكاتب إلى مبانٍ سكنية. فما مدى أهمية هذه الخطوة؟ إنّ تشييد المباني الجديدة، والبُنى التحتيّة، هي المسؤولة عن حوالي %13 من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية، لذلك، فالحديث يدور هنا عن خطوة بيئية لها آثارها الإيجابية، وإذا كان الأمر كذلك، فهل اقتربنا من انتهاء عهد الأبراج شبه الفارغة؟

 هجران المكاتب

الى جانب أننا نعمل وبجانبنا فنجان القهوة، وملتحفين فراشنا، ومرتدين ملابس النوم، أو أقل من ذلك، فللعمل من المنزل فوائد بيئية، واجتماعية، واقتصادية. من بين تلك الفوائد، توفير زمن وصول الموظفين الى مكاتبهم، والطاقة الملوِّثة المطلوبة لهذا الغرض. علاوة على ذلك، فعندما يعمل عدد كبير من الناس منازلهم، ينخفض الازدحام في الطرقات، مما يؤدي إلى انخفاض الاختناقات المرورية وتقليل تلوّث الهواء، الى جانب ان العمل من المنزل، يُوفر على أصحاب العمل إيجار ونفقات المكاتب.

ومع هذا، عندما يعمل الموظفون من منازلهم، فإن العديد من المكاتب حول العالم تبقى فارغة. ففي عام 2022، وصل عدد المكاتب الفارغة، إلى مستوى قياسي في جميع أنحاء العالم ، ففي الصين، تم التخلي عن %26 من المكاتب، وفي الولايات المتحدة %18، وفي كندا %11، وفي أوروبا %10. وعندما تُهجر المكاتب، فهناك من هم مُطالبون بإعادة حساباتهم من جديد.

وجدت شركة الهندسة المعمارية الكندية، "غينسلر"، حلًا إبداعيًا وبيئيًا الى حد كبير لهذه الظاهرة، وهو خوارزمية جديدة، تجعل من الممكن إجراء تقييم دقيق، في غضون ساعات قليلة، حول إمكانية وكيفية تحويل مجمّع مكاتب إلى مبنى سكني. كيف تفعل ذلك؟ تُحلّل هذه الخوارزمية مجموعة من العوامل، مثل موقع المبنى، وشكل تموضعه على الأرض، وإمكانية إجراء تغييرات في واجهاته، وقد قامت الشركة المعمارية، حتى الآن، بمسح أكثر من 400 مبنى في 25 مدينة من أنحاء الولايات المتحدة وكندا.
أُجريت أكبر دراسة حتى الآن، باستخدام الخوارزمية، في مدينة "كالجاري" في جنوب كندا، ووفقًا للدراسة، فقد كان عام 2021 حوالي %24 من المساحات المخصصة للمكاتب في المدينة شاغرًا، وفي عام 2022 كان %32. وكشف الفحص أن 3 من أصل 10 مبانٍ كانت مناسبة لتحويلها لمنازل سكنيّة، بما في ذلك أعمال السباكة (إضافة مغاسل، أحواض الاستحمام، إلخ)، وبناء الشرفات، وإقامة أو توسيع مطابخ قائمة.

بفضل النتائج التي توصّلت إليها آليّة الفحص الجديدة، أعلنت البلدية عن خطة لإحياء مركز المدينة، بميزانية 10 مليارات دولار، والتي تتضمن حوافز لتحويل المكاتب الى منازل، وذلك لتشجيع السكان على العيش في تلك المناطق. بالمناسبة، يتم تفعيل الخوارزمية اليوم، بمساعدة نظام داخلي لشركة الهندسة المعمارية، ومن غير المعروف، حتى الآن، ما إذا سيتم فتحها لاستخدام الجمهور الواسع من المهنيين.

تدفّق باتجاه المدن

الفوائد البيئية لمثل هذه التحويلات عديدة وكبيرة. أولا، قد يؤدي استخدام المباني القائمة إلى الحد من البناء في الأماكن المفتوحة، ومثل هذه الخطوة ستزيد من الاكتظاظ في المدن، وتسمح بنقل سكان جدد إلى مراكزها. ثانيا، يمكن أن يؤدي تحويل أبراج المكاتب لمبانٍ سكنية، إلى توفير في الطاقة ومواد البناء، فكما ذُكر سابقًا، فإن البناء الجديد، يؤدي الى انبعاث كميّات هائلة من ثاني أكسيد الكربون، وقد يوفّر ترميم المبنى بدل هدمه بالكامل، حوالي %90 من مواد البناء.
على الرغم من كل ذلك، ووفقًا للدكتورة إفرات تولكوفسكي، المديرة العامّة لمعهد "جي سيتي" للأبحاث العقارية في جامعة رايخمان، فإن آلية الفحص الجديدة، في نسختها الحالية، لا تأتي بمخطّطات ذات جدوى اقتصادية كافية، وتشرح قائلةً: "إن أكثر العناصر تكلفةً في عملية تحويل عمارات المكاتب إلى مباني سكنية، هي السباكة وتركيب النوافذ، وفي الوقت الحالي، لا تتضمّن هذه الآلية أفكارًا مبتكرة لخفض تكلفة، أو زيادة نجاعة تلك الترميمات المطلوبة".

نهاية أزمة السكن؟

إذاً، هل ستغيّر مدن المركز في إسرائيل صورتها؟ تقول تولكوفسكي: "لست متأكدةً من مدى تغيير هذه الآلية لقواعد اللعبة في حالتنا، فلدينا سوق صغير، فيه عدد قليل نسبيًا من أبراج المكاتب، والمأهولة بالموظفين غالبًا". وبحسب أقوالها، فإن إحدى المشاكل في تحويل مباني المكاتب إلى مساكن، هي الخدمات الأخرى التي يجب على البلديّة توفيرها للسكّان في مثل هذه الحالة، كالمؤسسات التعليمية مثلًا.

أمّا من المنظور البيئي، فإن أساليب البناء الصديقة للبيئة في إسرائيل مختلفة، وتشرح قائلةً: "الأدوات التي نملكها من أجل الاكتظاظ والحفاظ على المساحات المفتوحة هي مشاريع "الإخلاء والبناء"، “التجديد الحضري"، و"تاما 38".
صحيح أن العديد من المدن حول العالم لا تزال في أوج أزمة عقارية في سوق المكاتب، إلا أن الوضع هنا بالذات مختلف قليلًا، ورغم أنه في خضم جائحة كورونا، أثارت وسائل الإعلام الإسرائيلية الشكوك حول مستقبل سوق المكاتب، وشرَعت بعض الشركات العقارية الكبيرة باتخاذ تدابير للحد من بناء أبراج المكاتب، إلّا أنه في الأعوام 2021-2022، تعافى سوق المكاتب الإسرائيلي بشكل أسرع من المتوقع . ويرجع ذلك، بالأساس، إلى الازدهار في فروع تكنولوجيا الهايتك، والتوجه نحو إعادة الموظفين إلى المكاتب.

وفقًا لتولكوفسكي، فإنه من أجل التكيّف مع التغييرات التي تحدث في العالم، هناك حاجة إلى رؤيا واسعة، تكون أكبر من مجرد استخدام خوارزمية كهذه أو تلك، وتختتم قائلةً: "حتى لو كانت الآلية الجديدة، عبارة عن مبادرة ناجعة، يمكن أن تفيد البيئة في أماكن مختلفة حول العالم، إلّا أن الخطوة المطلوبة، هي تشييد مباني تتّصف مُسبقًا بالمرونة، حيث تسمح بتحويلها بسرعة، وسهولة، من مباني سكنية الى مكاتب للتجارة والعمل، والعكس صحيح" وتخلص الى القول: "من بين المهام الجوهرية الموكلة للمهندسين المعماريين، هي ابتكار حلول إبداعية، وصديقة للبيئة، تأخذ بعين الاعتبار الثقافة الآخذة بالتغيّر".

أعدّت المقال زاڨيت – وكالة الأنباء التابعة للجمعية الاسرائيلية لعلوم البيئة