المحامي زكي كمال - تصوير: موقع بانيت وقناة هلا
وقبل أن تتكشّف خواتيمها السياسيّة والعسكريّة محليًّا. والقصد هنا في إسرائيل التي تشهد مطالبة بلجنة تحقيق رسميّة تعني الإطاحة بالمسؤولين الذين تنتهي جلسات اللجنة وأعمالها إلى إثبات مسؤوليتهم من المستويين السياسيّ والعسكريّ وغزيًّا من حيث ما سيؤول إليه مستقبل "حماس" بمستواها السياسيّ والعسكريّ على حدّ سواء، أو إقليميًّا خاصّة على ضوء الحديث أوروبيًّا عن مؤتمر سلام دوليّ ستبادر إليه الدول الأوروبيّة لحلّ النزاع الإسرائيليّ الفلسطينيّ، وحديث أمريكيّ عربيّ عن العودة بعد انتهاء الحرب إلى طاولة المفاوضات وإلى صيغة الدولتين (بمعنى استعادة السلطة الفلسطينيّة سيطرتها على قطاع غزّة بكل ما يعنيه ذلك)، ناهيك عن أبعادها الاقتصاديّة والاجتماعيّة إسرائيليًّا من حيث تكاليف الحرب والخسائر الاقتصاديّة، وانخفاض سعر العملة الإسرائيليّة وزيادة العجز الماليّ والبطالة وانحسار الاستثمارات وتضرّر فروع عديدة من الزراعة والصناعة والإنتاج، إضافة إلى الضرر الواضح الذي لحق بالعلاقات المتوتّرة أصلًا بين المواطنين اليهود والعرب داخل إسرائيل، وفلسطينيًّا من حيث المبالغ المطلوبة لإعادة الإعمار، وقبلها الأعداد غير المسبوقة من القتلى فلسطينيًّا وإسرائيليًّا، وغير ذلك من التبعات، تصرّ هذه الحرب رغم ما سبق إلا أنها تستوجب طرح أسئلة كثيرة تتمحور حول ما حدث من منظور أوسع، بمعنى أنها تستوجب دراسة التغييرات التي طرأت فلسطينيًّا وإسرائيليًّا، على حدة وطبيعة ومنطلقات النزاع الإسرائيليّ الفلسطينيّ خاصّة ذلك المتعلّق بقطاع غزة منذ 2007. وما سبقه من سنوات اتفاق أوسلو، والعقود التي سبقته. وهي تغييرات أدّت إلى ما نحن فيه اليوم، أو إلى حرب غزة 2023، أو حرب أكتوبر الثانية والتي فاقت في مدّتها كلّ الحروب التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط بعد قيام دولة إسرائيل ، وفاقت من حيث حجم الدمار اللاحق بالمدن والمواطنين المدنيين كلّ الحروب التي سبقتها، وكذلك عدد الضحايا من المدنيّين ومن الجانبين.
الأسئلة التي سأطرحها هنا وبخلاف الكثيرين لا تتعلّق بالظرف الحاليّ والمسؤول عنه، أو كيف ستكون نهايته وما إذا كانت الأهداف الإسرائيليّة المعلنة للحرب، وفي مقدّمتها القضاء على حركة " حماس " قابلة للتنفيذ خاصّة، ولا تتعلّق بالسؤال حول ما ترتقي إليه أفعال مسلّحي "حماس" الذين دخلوا الأراضي الإسرائيليّة والتي رشحت عنها تفاصيل موجعة ومذهلة وجب شجبها باعتبارها لا تمتّ بصلة إلى التحرير من الاحتلال، وفيها جرائم حرب وفقًا لكلّ اعتبار قانونيّ أو إنسانيّ، بل إنها أسئلة تتمحور حول المنظور الأوسع للنزاع، أو للعمليّات العسكريّة المتكرّرة ضد القطاع وقبلها العمليّات التفجيريّة التي نفّذتها "حماس" بعد اتفاقيّات أوسلو، وكانت سببًا رئيسيًّا في صعود اليمين الى السلطة برئاسة بنيامين نتنياهو، وحتى إلى عدم تنفيذ جميع بنود اتفاقيّة أوسلو التي كان بالإمكان أن توصل الشعب الفلسطينيّ إلى سيادة وكيان سياسيّ.
وبالمجمل حول ما إذا كانت هذه العمليّات العسكريّة هي نتاج لأعمال ووجود حركة تنشد التحرّر القوميّ عبر أيديولوجيّة مختلطة ومبتكرة، تمزج بين البعد القوميّ الفلسطينيّ والبعد الدينيّ، أي بين الرغبة في التحرّر وإقامة الكيان السياسيّ وبين إضفاء الصبغة الدينيّة عليه، أم أنها تعبير عن أن ما يحدث مقابل قطاع غزة، وربما تنذر الأيام بحدوثه مقابل الضفة الغربيّة وتحديدًا سيطرة "حماس" على مقاليد الأمور إذا ما أجريت انتخابات رئاسيّة، أو تشريعيّة فلسطينيّة ، والتأكيد على ذلك هو ضعف السلطة الفلسطينيّة وخسارة حركة " فتح"، ومن معها رئاسة مجالس الطلبة والجمعيّات الأهليّة وغيرها، هو التأكيد على أن الحرب بين "حماس" وإسرائيل هي حرب دينيّة تنذر بأن القادم أسوأ باعتبارها حربًا لا تقبل التنازل، أو المساومة أو البراغماتيّة أو الاعتدال ، باعتبارها تجسيدًا لأوامر إلهيّة ما على الناس إلا تنفيذها وعدم مناقشتها فذلك خوض في الممنوعات والمحرمات، وأنها من جهة إسرائيل حرب تقود إلى أحد استنتاجين، أولهما أنه لا يمكن لإسرائيل أن تعيش في الشرق الأوسط بين "جدران حدوديّة من الإسمنت والأسلاك الشائكة" بشكل دائم، وأن ذلك لا يفيد ما دامت بين صفوف الشعب الفلسطينيّ خاصّة، والشعوب العربيّة، وليس القيادات في الدول العربيّة، توجّهات دينيّة لا تقبل أن تكون للفلسطينيّين دولة إلى جانب إسرائيل، وثانيهما أن الجدران العازلة على الحدود ليست كافية لإنهاء الصراع الإسرائيليّ الفلسطينيّ، وإنهاء الطموحات القوميّة الفلسطينيّة، إذا لم يرافق ذلك الشقّ الثاني من المعادلة ، وهو الوصول إلى حالة تعلن الدول العربيّة كلّها، أو معظمها أو تلك صاحبة التأثير من بينها، أن القضيّة الفلسطينيّة لم تعدّ همّها الأوّل أو قضيتها الأولى ، وأنها تريد السلام، أو الصلح مع إسرائيل، انطلاقًا من مصالحها الخاصّة والضيّقة، أو إدراكًا للواقع العالميّ الجديد والدولة العظمى الواحدة التي لا تستطيع، وربما لا تريد فرض حلٍّ الدولتين فعلًا على إسرائيل، رغم تصريحاتها للإعلام حول ذلك، ما يجعل إسرائيل تتجه نحو التشدّد واليمين المتطرّف الخلاصيّ، وإلى مزيد من الانعزال والانغلاق والتمترس وراء الجدران الحديديّة، بمعنى أنها حرب بين توجّهات دينيّة أصوليّة متزمّتة، غير قابلة للتفاوض من جهة "حماس"، وتوجّهات تقدّس نظريّة " الجدار الحديديّ" وفقًا لنظريّة، أو مبادئ زعيم الحركة اليهوديّة الإصلاحيّة زئيف جابوتنسكي، وباختصار نزاع بين الجدران الحديدية والنزعات الدينيّة كما يتضح من ميثاق حركة "حماس"، أم أن الحرب الحاليّة تشكّل نقطة تحوّل في ميزان القوى الإقليميّ وربما العالميّ، خاصّة على ضوء مواقف الولايات المتحدة والصين وروسيا والدول الأوروبيّة .
الأسئلة التي سأطرحها هنا وبخلاف الكثيرين لا تتعلّق بالظرف الحاليّ والمسؤول عنه، أو كيف ستكون نهايته وما إذا كانت الأهداف الإسرائيليّة المعلنة للحرب، وفي مقدّمتها القضاء على حركة " حماس " قابلة للتنفيذ خاصّة، ولا تتعلّق بالسؤال حول ما ترتقي إليه أفعال مسلّحي "حماس" الذين دخلوا الأراضي الإسرائيليّة والتي رشحت عنها تفاصيل موجعة ومذهلة وجب شجبها باعتبارها لا تمتّ بصلة إلى التحرير من الاحتلال، وفيها جرائم حرب وفقًا لكلّ اعتبار قانونيّ أو إنسانيّ، بل إنها أسئلة تتمحور حول المنظور الأوسع للنزاع، أو للعمليّات العسكريّة المتكرّرة ضد القطاع وقبلها العمليّات التفجيريّة التي نفّذتها "حماس" بعد اتفاقيّات أوسلو، وكانت سببًا رئيسيًّا في صعود اليمين الى السلطة برئاسة بنيامين نتنياهو، وحتى إلى عدم تنفيذ جميع بنود اتفاقيّة أوسلو التي كان بالإمكان أن توصل الشعب الفلسطينيّ إلى سيادة وكيان سياسيّ.
وبالمجمل حول ما إذا كانت هذه العمليّات العسكريّة هي نتاج لأعمال ووجود حركة تنشد التحرّر القوميّ عبر أيديولوجيّة مختلطة ومبتكرة، تمزج بين البعد القوميّ الفلسطينيّ والبعد الدينيّ، أي بين الرغبة في التحرّر وإقامة الكيان السياسيّ وبين إضفاء الصبغة الدينيّة عليه، أم أنها تعبير عن أن ما يحدث مقابل قطاع غزة، وربما تنذر الأيام بحدوثه مقابل الضفة الغربيّة وتحديدًا سيطرة "حماس" على مقاليد الأمور إذا ما أجريت انتخابات رئاسيّة، أو تشريعيّة فلسطينيّة ، والتأكيد على ذلك هو ضعف السلطة الفلسطينيّة وخسارة حركة " فتح"، ومن معها رئاسة مجالس الطلبة والجمعيّات الأهليّة وغيرها، هو التأكيد على أن الحرب بين "حماس" وإسرائيل هي حرب دينيّة تنذر بأن القادم أسوأ باعتبارها حربًا لا تقبل التنازل، أو المساومة أو البراغماتيّة أو الاعتدال ، باعتبارها تجسيدًا لأوامر إلهيّة ما على الناس إلا تنفيذها وعدم مناقشتها فذلك خوض في الممنوعات والمحرمات، وأنها من جهة إسرائيل حرب تقود إلى أحد استنتاجين، أولهما أنه لا يمكن لإسرائيل أن تعيش في الشرق الأوسط بين "جدران حدوديّة من الإسمنت والأسلاك الشائكة" بشكل دائم، وأن ذلك لا يفيد ما دامت بين صفوف الشعب الفلسطينيّ خاصّة، والشعوب العربيّة، وليس القيادات في الدول العربيّة، توجّهات دينيّة لا تقبل أن تكون للفلسطينيّين دولة إلى جانب إسرائيل، وثانيهما أن الجدران العازلة على الحدود ليست كافية لإنهاء الصراع الإسرائيليّ الفلسطينيّ، وإنهاء الطموحات القوميّة الفلسطينيّة، إذا لم يرافق ذلك الشقّ الثاني من المعادلة ، وهو الوصول إلى حالة تعلن الدول العربيّة كلّها، أو معظمها أو تلك صاحبة التأثير من بينها، أن القضيّة الفلسطينيّة لم تعدّ همّها الأوّل أو قضيتها الأولى ، وأنها تريد السلام، أو الصلح مع إسرائيل، انطلاقًا من مصالحها الخاصّة والضيّقة، أو إدراكًا للواقع العالميّ الجديد والدولة العظمى الواحدة التي لا تستطيع، وربما لا تريد فرض حلٍّ الدولتين فعلًا على إسرائيل، رغم تصريحاتها للإعلام حول ذلك، ما يجعل إسرائيل تتجه نحو التشدّد واليمين المتطرّف الخلاصيّ، وإلى مزيد من الانعزال والانغلاق والتمترس وراء الجدران الحديديّة، بمعنى أنها حرب بين توجّهات دينيّة أصوليّة متزمّتة، غير قابلة للتفاوض من جهة "حماس"، وتوجّهات تقدّس نظريّة " الجدار الحديديّ" وفقًا لنظريّة، أو مبادئ زعيم الحركة اليهوديّة الإصلاحيّة زئيف جابوتنسكي، وباختصار نزاع بين الجدران الحديدية والنزعات الدينيّة كما يتضح من ميثاق حركة "حماس"، أم أن الحرب الحاليّة تشكّل نقطة تحوّل في ميزان القوى الإقليميّ وربما العالميّ، خاصّة على ضوء مواقف الولايات المتحدة والصين وروسيا والدول الأوروبيّة .
ما قلته سابقًا، هو دعوة إلى نظرة واضحة وثاقبة للنزاع الذي لا تبدو نهايته قريبة، أي دعوة إلى بحث عقلانيّ جريء ، يؤكّد ضرورة التمحيص في الأسباب، والمقصود هو أن محاولة كهذه يجب أن تعتمد النظرية السببيّة، أي محاولة وضع الإصبع على الأسباب والمسبّبات، فاجتياح مسلّحي "حماس" للبلدات الإسرائيليّة في الجنوب، وإن كان السبب المباشر للحرب الحاليّة، إلا أنه ليس السبب الأساسيّ والأوّل للنزاع والصراع والجولات العسكريّة المتكرّرة ، فالسبب الأساسيّ، أن "حماس" تعتبر المواجهة مع إسرائيل حربًا دينيّة وليست سياسيّة، أو قوميّة، أو أيديولوجيّة، وبالتالي فإن من يعتبر السابع من أكتوبر السبب الرئيسيّ والأساسيّ، يتصرّف كمن يعتبر أن قيام فقير معدم بقتل أبرياء جرّاء قيادته سيارة دون ترخيص مناسب، لأن أوضاعه الاقتصاديّة لم تسمح له بذلك، إنما سببه الفقر وليس تصرفات السائق ومخالفته القانون والعرف والأخلاق والرغبة الفطريّة في الحفاظ على الحياة، أو اتهام السلطات الرسميّة بأنها السبب في حادث طرق قاتل نتج عن قيادة سائق ثمل لسيارته، بدلًا من اتهام السائق ذاته، ومن هنا فإن القول ، إن الحرب الحاليّة بكل فظائعها سببها فقط ما حدث في السابع من أكتوبر 2023، والتي كانت بالنسبة للإسرائيليّين صدمة يمكن مقارنتها أو موازاتها لصدمة هدم مركز التجارة العالمي عام 2001، أو القصف في بيرل هاربر ، وبالتالي لا يمكن بأي شكل من الأشكال اعتبار الحرب الحاليّة محاولة للردّ على السبب الحقيقيّ والصحيح والجذريّ للنزاع والصراع، وهو دينيّ محضّ، فالحديث عن " إبادة" حركة "حماس" والقضاء عليها لا يعفي من الردّ على السؤال الجوهريّ حول ما سيكون عليه الحال بعد انتهاء الحرب، وهي حرب ستنتهي إن آجلًا أم عاجلًا، فالحملات العسكريّة الإسرائيليّة على غزة، أو الضفة الغربيّة تنتهي يومًا ما، حتى لو كانت طويلة مثل حملة " السور الواقي"، التي استمرت عدّة أشهر، لكن ذلك لا يعفي إسرائيل من التفكير في "ما بعد الحرب" ، فحتى لو تم القضاء على "حماس" سيبقى هناك نحو مليوني مدنيّ، يعيشون هناك، ما يعني أن الجولة القادمة من الصدام هي مسألة وقت ليس إلا، وربما أسرع ممّا يتخيّله كثيرون، وذلك انطلاقًا من حقائق أثبتها التاريخ، ملخّصها أن القتلى والدماء والدمار والخراب والثكل والرغبة في الانتقام، والتضليل الإعلاميّ، كلّها مشاعر تغذّي مواقف كلّ طرف من أطراف النزاع والصراع، وتعزّز إيمانه الدينيّ بمواقفه وتوجّهاته، وبالتالي تعزّز من إمكانيّة واحتمال الصدام العسكريّ القادم، وتجعله مؤكّدًا وواقعًا مستقبليًّا، خاصّة وأن الفكر الإسلاميّ هو السائد في قطاع غزة، ولن يتمكن تغيير السلطة فيه من نزعه بسرعة أو فورًا من رؤوس وقلوب وأذهان المواطنين هناك، ولن تأتي أيّ انتخابات بنتائج تخفّف من التأييد له، بل ربما ستؤدّي هذه الانتخابات إذا جرت إلى سيطرة عقيدة "حماس" على الضفة الغربيّة كما غزة، فالفكر الدينيّ الأصوليّ، وهذه المرة نتحدّث عن حركة "حماس" ابنة الإخوان المسلمين ، فكر لا نقاش فيه، كما يظهر من ميثاق حركة" حماس" الذي يؤكّد أن الله غايتها، والرسول قدوتها، والقرآن دستورها، والجهاد سبيلها، والموت في سبيل الله أسمى أمانيها ، وأنّ لا مكان في فكر "حماس" لأيّ مبادرات سياسيّة، أو حلولٍ دبلوماسيّة، أو مفاوضات وحلول وسط، فهي كلّها تناقض عقيدتها، مبدأ الإسلام هو الحلّ، والخلاصة هي دولة الخلافة. وهذا هو البعد الزمانيّ الذي يعتبر أن جذوره تعود إلى أيام الرسل والأنبياء، وأنها قضيّة مقدّسات إسلاميّة.
"الجدار الحديدي"
من جهة إسرائيل، الأمر لا يختلف كثيرًا ، فهي في ظلّ حكم اليمين عامّة وحكومات نتنياهو خاصّة منذ العام 1996، وهو رئيس للحكومات منذ نحو 20 عامًا ، ومن منطلق رفضه الدينيّ الأصوليّ لأيّ تنازل عن أي جزء من "أرض إسرائيل"، وهو الاعتراض الذي واجهه اليمين وحكومته برئاسة مناحيم بيغن حين ناقش البرلمان الإسرائيليّ اتفاقيّة السلام مع مصر بعد اتفاقيّات كامب ديفيد، وإخلاء كافّة المستوطنات الإسرائيليّة من شبه جزيرة سيناء، وهو ما حاول بعض أعضاء اليمين المتطرّف داخل حكومة اليمين ومنهم إسحق شمير وغئولا كوهين ويغئال هوروفيتس( 18 عضو كنيست من أصل 120) ، اختارت إسرائيل اليمينيّة، والعودة إلى العام 1923، إلى مبدأ " الجدار الحديديّ" الذي صاغه زئيف جابوتنسكي، زعيم ومؤسّس الليكود، أو الحركة الإصلاحيّة اليمينيّة التي عارضت الأحزاب العماليّة التي أقامت دولة إسرائيل توارثيًّا عام 1948، وذلك انطلاقًا من إيمان اليمين بأمرين أولهما أن أرض إسرائيل كلّها تابعة لشعب إسرائيل، وأن لا مجال للتفاوض حولها، فالجدار الحديديّ وفق جابوتنسكي، يكرّس مواقف نتنياهو واليمين الاستيطانيّ اليوم، والتي تؤكّد أنه من غير المجدي التفاوض مع الفلسطينيّين لأنهم – اليوم كما في عشرينيّات القرن الماضي كما يعتقد اليمين- لن يتنازلوا من منطلق دينيّ عن أي شبر من فلسطين، ولن يقبلوا بوجود إسرائيل كدولة، وبالتالي لا بديل عن تنفيذ المشروع الصهيونيّ من طرف واحد حتى لو كان ذلك بالقوة، ومن هنا انطلقت رؤية جابوتنسكي لضرورة تنفيذ المشروع الصهيونيّ خلف جدار من حديد يعجز العرب في فلسطين التاريخيّة في حينه، والعرب والفلسطينيّون اليوم عن هدمه، ومن هنا على إسرائيل "حبس نفسها بين جدران" عالية وقويّة ومحكمة لا يمكن اختراقها، حتى لو تكررت المحاولات الفلسطينيّة والعربيّة ، التي تنتهي دون جدوى، وكأنه يقول إن العرب والفلسطينيّين سيواصلون ضرب رؤوسهم بهذه الجدران حتى تتوجّع، وحتى يتملّكهم اليأس من إمكانيّة هزم إسرائيل، أو هدمها وما شابه، وبعد ذلك سيفهمون أن لا جدوى من محاولاتهم، وعندها، كما توقّع جابوتنسكي، سيفهمون أنهم الطرف الضعيف وأن ضعفهم يزداد حدّةً وشدة مع مرور الوقت، وهو الوقت المناسب لإطلاق مفاوضات معهم يتنازلون خلالها عن بعض أو معظم حقوقهم القوميّة في فلسطين، وهذا ما آمن به مثلًا إسحق شمير رئيس الحكومة في ثمانينات القرن الماضي وأكبر المتشدّدين الليكوديّين، الذي اعتبر "الجدار الحديديّ" الوقاية التامّة في التغيير والوسيلة المضمونة، كي يبقى الفلسطينيّون في حالة تشتّت وضعف، وهو ما فعله نتنياهو الذي ترك الشأن الفلسطينيّ جانبًا رغم حديثه عام 2009 في خطاب بار ايلان الشهير عن "حلّ الدولتين" ، وسعى بدلًا منه إلى تنفيذ الشقّ الثاني من "جدار جابوتنسكي الحديدي"، وأقصد هنا السعي إلى مصالحة وسلام مع الدول العربيّة عامّة والخليجيّة خاصّة وفي مقدّمتهم السعوديّة، حيث يقول جابوتنسكي إنه ، لضمان تنازل الفلسطينيّين طوعًا، أو عنوةً عن طموحاتهم القوميّة، يجب أن تحصل الحركة الصهيونيّة ومشروعها وهو إقامة وطن قوميّ لليهود، ليس فقط بقبول من جميع الشرائح الفلسطينيّة، وهذا ربما الصعب، بل قبول باقي العالم العربيّ كسوريا والعراق ومصر وليس فقط هذه الدول، بل إنه يتحدّث عن إقناع دول الخليج (عرب مكّة كما وصفهم هو) بأن فلسطين غير مهمّة لهم فهي ليست مهمّة بالنسبة إليهم، وهكذا يبقى الفلسطينيّون وحدهم، وعندها يمكن ممارسة الاستيطان والسيطرة عليهم ، مع الإشارة هنا إلى أن نهج الجدار الحديديّ ساد منذ 1977، باستثناء السلام مع مصر الذي أراده مناحيم بيغن لتحييد مصر وضمان قبولها لإسرائيل، واتفاقيّات أوسلو مطلع تسعينيّات القرن الماضي، التي كان مصيرها الإجهاض، عبر تعاون غير معلن بين العمليّات الانتحاريّة والتفجيريّة التي أطلقتها حركة "حماس" والمعارضة اليمينيّة الاستيطانيّة للاتفاقيّات المذكورة، والتي قادها بنيامين نتنياهو.
إضافة إلى ما سبق من شرح للأسباب الحقيقيّة عميقة الجذور للحرب المتكرّرة بين الفلسطينيّين وإسرائيل عامّة والحرب الحاليّة خاصّة، فإن الحرب الحاليّة تؤكّد حدوث تغيير واضح، وتحوّل جذريّ في ميزان القوى الإقليميّ بل ربما الدوليّ، الذي أعاد مع انطلاق الحرب في أوكرانيا العالم إلى مرحلة "ثنائيّة القطب"، أي اعتبار روسيا قوّة موازية للولايات المتحدة والغرب تهدّد أمنها وتشكّل تحدّيًا كبيرًا لها، وهو تغيير استغلته الصين لمصلحتها الخاصّة، فهي أي الصين تلعب اليوم ومنذ بداية الحرب، دورًا اعتادت روسيا وقبلها الإتحاد السوفييتيّ على لعبه، وهو دعم الطرف النقيض لمن تدعمه الولايات المتحدة، وهذا ما تفعله الصين فهي من بين الدول القليلة والمعدودة التي رفضت شجب أفعال مسلّحي "حماس" واكتفت ببيان عام يؤكّد رفض الحرب وضرورة الحفاظ على القانون الدوليّ، والامتناع قدر الإمكان عن المسّ بالمدنيّين، وهي مناسبة جيدة للوقوف فيها في مواجهة، أو مقابل الولايات المتحدة ردًّا على الخطوات الأمريكيّة ضد الشركات والتقنيّات الصينيّة، وضد موقف الولايات المتحدة من قضية تايوان، ورغم ذلك ولأنها، أي الصين، تجيد قراءة الخريطة الإقليميّة والدوليّة ، فإنها تدرك، بل ربما تخشى اتّساع رقعة الحرب، لتتحوّل من حرب بين طرفين إلى حرب إقليميّة تؤدّي إلى المسّ بمصالح الصين الاقتصاديّة في المنطقة وسيطرتها الاقتصاديّة على معظم موانئ دول الخليج واليمن وغيرها والمسّ بطرق الملاحة البحريّة، خاصّة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، ومن هنا فقط ينبع تعاونها، أو تفاهمها المحدود مع الولايات المتحدة، دون أي نشاط أو عمل مشترك، لكبح جماح إيران والضغط عليها لمنع دخول "حزب الله" الحرب وذلك عبر قنوات دبلوماسيّة سريّة، تستغلّ فيها بكين علاقتها الممتازة مع طهران، والتي تمثّلت برفضها طلب أمريكا دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي عام 2018، وهي علاقات بلغت ذروتها في الوساطة لاتفاق استئناف العلاقات الدبلوماسيّة بين إيران والسعودية، وهو الذي حوّلها إلى لاعب إقليميّ، بل دولي لا مكان لتجاهله، ومن هنا اكتفت الولايات المتّحدة "مجبر أخوك لا بطل" خلال محادثة وزير خارجيتها أنتوني بلينكن، مع نظيره الصينيّ وانغ يي، كما كشفت صحيفة " فايننشال تايمز"، بإعلان مشترك مقتضب، يؤكّد الطرفان فيه" ضرورة الحفاظ على الاستقرار الأمنيّ والعمل على منع، أو ردع جهات أخرى من دخول الحرب"، ما يؤكّد أن للطرفين مصلحة مشتركة هي إبقاء الحرب برقعتها الحاليّة الدينيّة المحدّدة ، لما لتوسيعها من تبعات سياسيّة وعسكريّة واقتصاديّة إقليميّة ودينيّة وعالميّة.
"تغيير ميزان القوى"
في سياق "تغيير ميزان القوى" يندرج أيضًا التغيير في نظرة ومواقف إسرائيل الرسميّة، وتحديدًا رئيس الوزراء ووزرائه من اليمين، من الولايات المتحدة بإدارتها الحاليّة، وهو موقف انتقل من مطالبة وزراء في الحكومة، الولايات المتحدة، بعدم التدخل في شؤون إسرائيل الداخليّة، والانشغال بهمومها الداخليّة فقط، بل اتهام الإدارة الحاليّة الديمقراطيّة والإدارة الديمقراطيّة السابقة برئاسة باراك أوباما، بالعداء لإسرائيل ووصف جو بايدن بأنه عجوز أخرق وخَرِف، إلى كون أمريكا الصديق الوفيّ والحامي والأمين لإسرائيل الذي زودها بالأسلحة اللازمة والمعلومات الاستخباريّة، بعد أن اتضح فشلها في السابع من أكتوبر، ولم يكتف بذلك، بل أرسل حاملتي طائرات إلى البحر المتوسط، ويشارك وزير خارجيته أنتوني بلينكن ورئيسه جو بايدن مباشرة، أو عن بعد في جلسات المجلس الوزاريّ لشؤون الحرب، ويعلن قبل إسرائيل عن موافقة رئيس وزرائها على زيادة ومضاعفة حجم الإغاثة والمساعدات الإنسانيّة التي تدخل قطاع غزة، ناهيك عن معلومات تشير، دون تأكيدها، إلى مشاركة وحدات من قوات النخبة الأمريكيّة في العمليّات العسكريّة داخل القطاع خاصّة تلك الهادفة للبحث عن الرهائن، وإطلاق سراحهم، بل ربما قيادة هذه العمليّات، لكن أمن وتفوّق إسرائيل ليس هو السبب فقط، وهنا أعود الى المعضلة الهامّة في الفلسفة وهي معضلة السببيّة، بمعنى أن خلف هذا الدعم الأمريكيّ السياسيّ والعسكريّ والاقتصاديّ وتبنّي أمريكا الموقف الإسرائيليّ بكامله، حول أعمال القتل والاغتصاب وقطع رؤوس الأطفال، من قبل حماس سبب أمريكيّ خالص، فواشنطن تدرك أن اتساع رقعة الحرب وخاصّة مع مشاركة "حزب الله" وإيران والحوثيين في اليمن، ضمن الحرب الدينيّة ضربة لأمريكا ، فكم بالحريّ اتساع رقعة الحرب لتصبح حربًا عالميّة ، خاصّة إذا تدخّلت روسيا والصين سيتمّ جرّ الولايات المتحدة إليها دون أن تكون لها القدرة للتحكّم بها والسيطرة عليها، بعكس الحرب الدائرة حاليًّا في غزة، التي تسيطر عليها واشنطن عبر مواصلتها مطالبة إسرائيل بالالتزام بالقانون الدوليّ، وقوانين الحرب وبكلمات أخرى، عدم تهجير مواطنيها.
ختامًا تثير الحرب الحاليّة، أو يجب أن تثير أسئلة كثيرة حول " التعايش" الذي أراده نتنياهو مع حركة "حماس"، وحول قبوله من قبل كافّة الهيئات والأجهزة السياسيّة والعسكريّة، وأراد نتنياهو من خلاله إضعاف السلطة الفلسطينيّة وإبقاء "حماس" ضد السلطة الفلسطينيّة وذلك منذ 2009 وحتى السابع من أكتوبر 2023، وهو ما يثير السؤال مرة أخرى حول عدم تدخل إسرائيل عام 2006، لمنع سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، وكأنها أرادت ذلك لخلق قوة موازية للسلطة الفلسطينيّة، وكأن قادة إسرائيل حينها ردّدوا القول الشهير لألبير كاميه": عظمة الأنسان تكمن في "قراره أن يكون أقوى من الظروف التي يعيشها"، أي أن قادة إسرائيل حينها عملوا عكس المتوقّع منهم، وكانوا أقوى من الظروف، أو ما تتطلّبه منهم الظروف، وهو دعم ومساعدة السلطة الفلسطينيّة"، كما أن الحرب الحاليّة تؤكّد لمن حاول إيهام نفسه بغير ذلك أن الحرب بين إسرائيل والفلسطينيّين تحوّلت وستتحوّل قريبًا بشكل كامل وعلى كافّة الجبهات، إلى حرب أصوليّة ومواجهة أصوليّة تفتقر إلى العقلانيّة، تسيطر على الطرفين فيها الغيبيّات والأمور المنبثقة عن الدين كالحقّ التاريخيّ في الأرض وهي فريضة توراتيّة والرغبة في" الجهاد" وهي جزء من ميثاق "حماس"، والردّ وفق قانون "العين بالعين"، أو "من يخطط لقتلك بادر أنت إلى قتله" ، وهذا هو الخطر الداهم بعينه.
هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع بانيت هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة راي التحرير في موقع بانيت .
هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع بانيت هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة راي التحرير في موقع بانيت .
يمكنكم ارسال مقالاتكم مع صورة شخصية لنشرها الى العنوان: [email protected]