logo

لماذا تتطوّر الحساسيّة تجاه القطط؟

دافنا كيتر- رتسون تكتب:
22-09-2023 12:25:10 اخر تحديث: 22-09-2023 12:38:18

لماذا يعاني الكثير منّا من سيلان الأنف في حضور أصدقائنا ذوي الفراء؟ وما الّذي يمكن فعله حيال ذلك؟ قد يأتي الحلّ على شكل لقاحات – لنا ولقططنا


صورة للتوضيح فقط - تصوير:shutterstock_Sonsedska Yuliia

يجد الكثير منّا نفسه مصابًا بشكل متكرّر بسيلان الأنف، العيون المنتفخة والدّامعة والعطس المستمرّ في كلّ مرة نواجه فيها قطًّا أو قطة. ولسوء الحظّ، فإنَّ هذه الحساسيّة لا تتغاضى حتّى عن محبّي القطط، الّذين يضطرون في بعض الأحيان إلى الاختيار بين لعب القطّة المنزليّة في حضنهم، والحفاظ على صحّتهم وجودة حياتهم. لكن ربّما الحلّ في طريقه إليهم بالفعل، إذ يعمل الباحثون الآن على تطوير لقاح ضد البروتينات، الّتي تسبّب الحساسيّة في لعاب القطط.

ما هي الحساسيّة؟
الحساسيّة هي خطأ في تعرّف جهازنا المناعيّ. يظنّ الجسم بشكل خاطئ أنَّ الموادّ العاديّة الّتي لا تشكّل خطرًا علينا، مثل حبوب لقاح الزهور أو البروتين الّذي تنتجه القطط، هي عوامل مرضيّة خطيرة، فيُنتج أجسامًا مضادّة لمهاجمتها. تسمح الأجسام المضادّة لخلايا الجهاز المناعيّ بالتّعرّف على المادّة وإفراز الهيستامين، الّذي يسبّب ردّ فعل التهابيّ وأعراض حساسيّة. يمكن أن تتراوح هذه الأعراض من الطّفح الجلديّ، الحكّة، العطس وسيلان الأنف المزمن، العيون الدّامعة إلى أعراض الرّبو الشّديدة وصعوبات التّنفّس والبلع الّتي تهدّد الحياة.
إذا استنشقنا جزيئات صغيرة، فسنعاني غالبًا من أعراض تنفسيّة، مثل السّعال أو العطس. إذا تلامست جزيئات أكبر مع الجلد، فعادةً ما تحدث حساسيّة جلديّة، قد نواجه أيضًا عدّة أعراض معًا. خلاصة القول، هي أنّنا نشعر بالمرض ليس بسبب مسبّب الحساسيّة، إنّما بسبب ردّ فعل جهازنا المناعيّ.
تعتبر الحساسيّة للقطط ظاهرة شائعة: وبحسب الفرضيّات، فإنَّ 10-30 في المائة من سكان العالم يعانون منها. عندما نعاني من حساسيّة تجاه الثّدييات، فردّ الفعل عادةً يكون اتّجاه فرائها، ولكن خلافًا للاعتقاد الشّائع، فإنَّ الحساسيّة ليست تجاه شعر القطط، بل تجاه البروتينات الّتي تفرز في لعاب القطط، وتبقى في فرائها عندما تلعقها. البروتين الرّئيسيّ الّذي يسبّب التّفاعل يُسمّى Fel d 1.
ويمكن أيضًا العثور على نفس مسبّبات الحساسيّة في العرق، البول وخلايا الجلد الجافّة. وتعتبر الأخيرة مشكلة بشكل خاصّ، لأنّها صغيرة جدًّا، وتنتقل في الهواء لفترة طويلة، وتميل إلى الالتصاق بالأسطح، السّجاد، السّتائر والملابس. قد يبقى البروتين المسبب للحساسيّة على الأسطح حتّى بعد 6-9 أشهر من ملامسة القطّة لها، لذلك من الممكن التّعرّض لمسبّب الحساسيّة حتى دون وجود قطّة.
من الصّعب تجنّب التّعرّض لمسبّبات الحساسيّة بشكل كامل، لكن هناك عدّة طرق للتّعامل معها. على المدى القصير، يمكنك محاولة تنظيف المنزل الموجودة فيه القطط تنظيفًا كاملًا. تخفّف هذه الطّريقة من أعراض الحساسيّة، ولكن لفترة قصيرة فقط، وتتطلّب الكثير من الجهد. الحلّ الآخر هو تناول مضادّات الهيستامين لعلاج أعراض الحساسيّة. فهناك مجموعة كبيرة من الأدوية الّتي تمنع مستقبلات الهيستامين في خلايا الجسم، وبالتّالي تمنع الاستجابة الالتهابيّة الّتي تولِّدها.
تساعد الأدوية على منع ردّ الفعل التّحسّسيّ إذا تم تناولها قبل ملامسة مسبّب الحساسيّة، وتساعد على تقليل الأعراض إذا كنّا قد طوّرنا بالفعل ردّ فعل تحسّسيّ. مع ذلك، قد تكون لهذه الأدوية آثار جانبيّة، خاصّة إذا تناولها الشّخص بانتظام وعلى فترات متباعدة.
وقد يكون من الممكن أيضًا منع التّعرّض مسبقًا للصّدمة: تُظهِر بعض الدّراسات أنَّ التّعرّض للحيوانات في سنّ مبكّرة يقلّل من الميل للإصابة بالحساسيّة، والأمراض في الجهاز التّنفّسيّ العلويّ. يُنتج الأشخاص الّذين ليس لديهم ميْل إلى ردّ فعل تحسّسيّ شديد، أجسامًا مضادّة ردًّا على مسبّبات الحساسيّة، مثل تلك التي تُنتج غالبًا استجابةً للفيروسات، وتختلف عن الأجسام المضادّة الّتي تسبّب أعراض الحساسيّة. أولئك الّذين يتعرّضون للقطط في سنّ مبكّرة، هم أكثر عرضةً للانتماء إلى هذه المجموعة.

العلاج المناعيّ
يشجّع العلاج المناعيّ التّقليديّ للحساسيّة الجسم على إنتاج أجسام مضادّة، من النّوع الّذي لا يسبّب ردّ فعل تحسّسيّ. الهدف هو أن تلتقط هذه الأجسام المضادّة مسبّبات الحساسيّة، قبل أن تصل إليها الأجسام المضادّة، الّتي تولّد الاستجابة المناعيّة الّتي تسبّب أعراض الحساسيّة. تتضمّن العلاجات المناعيّة التّقليديّة عادةً حقنًا أسبوعيّة دوريّة، ضدّ مسبّبات الحساسيّة النّقيّة، مثلًا، خليط من بروتينات القطط لمسبّبات الحساسيّة للقطط. قد يكون العلاج المناعيّ فعّالًا في بعض الحالات، لكنّه لا يوفّر دائمًا استجابة مثاليّة، ويستمرّ بعض المرضى في المعاناة من الأعراض، ويضطرّون إلى الاعتماد على مضادّات الهيستامين. بالإضافة إلى ذلك، يستجيب البعض للعلاج بنفس أعراض الحساسيّة الّتي يحاول الوقاية منها.
تتضمّن إحدى محاولات تحسين العلاج المناعيّ حقن الأجسام المضادّة ضدّ بروتين "المحفز للحساسيّة" (TSLP)، والّذي يشارك في الاستجابة المناعيّة لمسبّبات الحساسيّة. والأمل هو أنّه بعد تحييد هذا البروتين، سيعاني المرضى من الحساسيّة نفسها بحدّة أقلّ، وأن يستمرّ تأثير العلاج المناعيّ لفترة أطول. هذه العلاجات موجودة في مراحل بحثيّة متقدّمة على البشر، ويشير الباحثون في مقابلة مع مجلّة Nature العلميّة إلى نتائج واعدة، لكنّ النّتائج نفسها لم تنشر بعد. يبدو أنَّ العلاج نفسه سيكون مكلفًا، ولذلك يوصى به حتّى الآن فقط للأشخاص الّذين يعانون من أعراض الحساسيّة الشّديدة والرّبو. ويأمل الباحثون في المستقبل أن يُستخدَم العلاج ضدّ أنواع حساسيّة أخرى.
حاول الباحثون قبل بضع سنوات من خلال دراسة بدأت في إنجلترا، استخدام لقاح لا يحوي البروتين المثير للحساسيّة Fel d 1، بل يستبدله ببروتين اصطناعيّ أصغر حجمًا، يعتمد على بنية البروتين الأصليّ. يتمتّع البروتين الاصطناعيّ بفرصة أقلّ لإثارة ردّ فعل تحسّسيّ، بالتّالي يمكن إعطاؤه بجرعات أعلى. يأمل الباحثون في هذه الطريقة تمكين مقاومة الحساسيّة في أربعة علاجات فقط. وأظهر العلاج نتائج واعدة في تجربة على الحيوانات، وهو في مراحله التّجريبيّة على البشر.
تعتمد العلاجات المذكورة أعلاه، على قيام الشّخص المعرّض بتطوير استجابة مناعيّة محدّدة للغاية لمسبّب الحساسيّة، والّتي ستقوده إلى المناعة - إنشاء تلك الأجسام المضادّة للفيروسات، بدلًا من الأجسام المضادّة الّتي تشجّع إفراز الهيستامين. لكن ماذا عن الأشخاص الّذين لا يطوّرون الاستجابة المناعيّة المطلوبة؟ بالنّسبة لهم، يقوم باحثون من نيويورك بتطوير توجّه علاجيّ آخر.
يعتمد العلاج إعطاء نوعين من الأجسام المضادة المهندسة للمريض، القادرة على الارتباط بمسببات الحساسية، ثمّ التنافس مع الأجسام المضادة في الجسم التي تشجع أعراض الحساسية. بدلًا من تحفيز الجهاز المناعي والتأمل من تطوير الشّخص للأجسام المضادّة "المطلوبة" ضدّ مسبّبات الحساسيّة، كما هو الحال في العلاجات التّقليديّة، ستمنع الأجسام المضادّة المهندسة من "تحفيز" الجهاز المناعيّ، على ردّ فعل التهابيّ تنتج عنه أعراض الحساسيّة المزعجة. من سلبيّات هذا العلاج، عدم وجود استجابة مناعيّة حقيقيّة للجسم، إنّما إعطاء خارجيّ للأجسام المضادّة، فسيتعيّن على المرضى تلقّي حقن منتظمة من الأجسام المضادّة المهندسة.

من الإنسان إلى القطّة
تنتج جميع القطط، حتّى القطط الصّلعاء مثل أبو الهول، البروتينات المسبّبة للحساسيّة، ومن بينها بروتين Fel d 1. من المسلّم به أنَّ هناك اختلافات في مستويات البروتين بين القطط: فينتج الذكور غير المخصيّين بروتينًا أكثر من الإناث، ولدى القطّ السّيبيريّ، على سبيل المثال، اُكتشِفَت طفرة قد تُضعِف إنتاج البروتين المسبّب للحساسيّة، وتكون مستويات البروتين فيه أقلّ. مع ذلك، يمكن للمستويات المنخفضة حتّى أن تسبّب الحساسيّة.
يمكنك تقليل مستويات البروتين الّتي تفرزه خلايا الجلد الجافّة، إذا قمت بتحميم قطّتك مرّتين في الأسبوع. مع ذلك، يعود مستوى البروتين إلى طبيعته خلال يوميْن، ونظرًا لكره معظم القطط للماء، فمن المحتمل ألّا تكون هذه فكرة جيّدة، على أيّ حال، بالنّجاح! ما ينصح به هو تمشيط القطط بشكلٍ متكرّر، للحفاظ على صحّة بشرتها، وتقليل كمّيّة الفراء الّتي تتساقط حول المنزل.
تنشر القطط الّتي تسقط فراءً أقلّ مسبّبات حساسية أقلّ، لكن "القطط المضادّة للحساسيّة" هي أسطورة. لكن ربّما سيكون هناك قطًّا كذلك في المستقبل: يختبر الباحثون إمكانيّة استخدام التّحرير الجينيّ، لإنشاء قطط لا تنتج البروتين المسبّب للحساسيّة. تملك الكلاب العديد من البروتينات المسبّبة للحساسيّة، لكن في القطط يكفي إزالة البروتين الرّئيسيّ Fel d 1، لتقليل الحساسيّة بشكل كبير. المشكلة هي أنَّ الباحثين لم يتوصّلوا بعد إلى الدّور الدّقيق للبروتين، الّذي يسبّب الحساسيّة، لذا فهم لا يعرفون ما قد يحدث للقطط بدون البروتين. وبحسب بعض الفرضيّات، فإنَّ البروتين يساعد في النّشاط الهرمونيّ الجنسيّ، كما أنّ هناك باحثين يعتقدون أنّه يحمي الجلد.
علاج تجريبيّ آخر هو العلاج الجينيّ الموجّه، المصمّم لإزالة الجين الّذي يرمز للبروتين، المسبّب للمشكلة في القطط "العاديّة" - وهي طريقة أخرى لإنشاء قطّة حقيقيّة مضادّة للحساسيّة. وهذا الحلّ متاح أيضًا للقطط غير المعدّلة وراثيًّا منذ الولادة، ولا يتطلّب منّا إنتاج سلالة جديدة من القطط.

لقاحات للقطط
تبحث دراسة جديدة نسبيًّا أجريت في سويسرا، إمكانيّة تطعيم القطط نفسها بنسخة هندسيّة من البروتين المثير للحساسيّة على شكل فيروس، بحيث تنتج القطّة أجسامًا مضادّة لها، وتهاجم البروتين المسبّب للحساسيّة الموجود في القطط. تنتج القطط نفسها. الهدف هو أن تقوم الأجسام المضادّة للقطط بمنع البروتين قبل أن يصل إلى الأنف فوق خلايا جلد القطّة. طوّر الباحثون لقاحًا يتكوّن من بروتينات سمّ الكزاز، وغلاف الفيروس الذي يصيب النّباتات عادةً، بالإضافة إلى بروتينات مسبّبة للحساسيّة معدّلة وراثيًّا. سيتعامل الجهاز المناعيّ للقطط اللّقاح على أنّه فيروس، وينتج أجسامًا مضادّة له.
بعد إعطاء اللّقاح في التّجربة، سُجِّل انخفاض كبير في مستويات البروتين في دموع القطط. في اختبار شمل 13 قطّة مصابة بالحساسيّة، أبلغ أصحابها عن انخفاض في الأعراض، وزيادة في مقدار الوقت الّذي يمكنهم البقاء بالقرب من القطط، قبل حدوث ردّ فعل تحسّسيّ. ولم تُسجّل أيّة آثار جانبيّة مثيرة للقلق في القطط. مع ذلك، هذه دراسة صغيرة جدًّا، وليس من المعروف بعد إلى متى سيستمرّ تأثير اللّقاح. من المحتمل أنّه في مرحلة ما سيكون من الضّروريّ تعزيز اللّقاح بجرعات أخرى.
إذا طُرِح اللّقاح لموافقة السّلطات الصّحّيّة عليه، فستتمّ أيضًا مناقشة مسألة ما إذا كان من المناسب أخلاقيًّا، إجراء عمليّة طبّيّة على حيوان لا يساهم بأيّ شيء في صحّته. قد تمّت الموافقة على مثل هذه اللّقاحات في السّابق في الولايات المتّحدة، لكن ليس في أوروبّا. ويعتقد الباحث الرّئيسيّ باكمان (Bachmann)، الّذي يعاني هو نفسه من حساسيّة تجاه القطّة الّتي يربّيها، أنَّ اللقاح سيكون فعّالًا أيضًا على للبشر، وسيتسبّب في تغيير سلوك جهاز المناعة، وعدم إنتاج الهيستامين استجابةً لمسبّب الحساسيةّ. حتّى أنّه أخبر مجلّة Nature أنّه جرّب نسخة أوّليّة من اللّقاح على نفسه.
يحاول منتج آخر موجود بالفعل في السّوق القضاء على الحساسيّة، عن طريق طعام قطط مغطّى بالأجسام المضادّة. بحيث قام الباحثون بتعريض الدّجاج لبروتين القطط المثير للحساسيّة، وقاموا بتكوين أجسام مضادّة له انتقلت مباشرة إلى بيضها. كان طعام القطط مغلفًا بمساحيق هذا البيض. في التّجربة، ترك الباحثون القطط تأكل الطّعام لمدّة ستّة أشهر، دون أيّ آثار جانبيّة. وفي دراسة أخرى، بعد تناول الطعام المغطّى بالأجسام المضادّة، سُجِّل انخفاض بنسبة حوالي 47 في المائة، من تركيز البروتين المثير للحساسية في فراء 105 قطَّة.
تساهم الحيوانات الأليفة بطرق عديدة ومتنوّعة في حياتنا. حيث أنّهم يساهمون في صحّتنا، مثلًا، عندما يدعونا الكلب للذّهاب معه في نزهة، وفي صحّتنا النّفسيّة عندما يمنحوننا الحبّ غير المشروط ويعلموننا الرّحمة. بناءً على الأبحاث الجديدة في هذا المجال، هناك أمل أن يتمكّن المزيد من الأشخاص من الاستلقاء على الأريكة مع القطّة في يوم بارد، دون المعاناة من العطس.

* ترجمة: د. عمّار أبو قنديل - معهد دافيدسون