المحامي زكي كمال - تصوير: موقع بانيت
دون أن يتمكّن القانون الدوليّ لحقوق الإنسان، من صياغة تعريف واضحٍ ومتّفق عليه، وهو أمر متوقّع. فتعريف واضح وصريح لهذا المصطلح ومنحه الصفة الشرعيّة الدوليّة، ثمّ الصفة القانونيّة المحليّة، هو أمر لا يريده بعض الساسة الذين يمارسون ضمن حملاتهم الانتخابيّة والحزبيّة, هذا النوع من الخطاب متذرّعين بأنه جزء من حريّة الرأي وحريّة التعبير والفكر والإعلام، وبالتالي فإن هذا المصطلح ومضمونه، ما زال محلّ خلاف واسع بين أصحاب الخبرة والمسؤوليّة السياسيّة من جهة، لكنّ الحكومة التي تمادت بتصرّفاتها وسياساتها وتصريحات وزرائها وأعضاء الإئتلاف اليمينيّ المتطرّف الذي تستند إليه، ومواقف إعلاميّيها وأبواقها في الصحافة على مختلف أنواعها، تشكّل المثال الأفضل لممارسة هذا الخطاب، خطاب الكراهية، وفق تعريفه الواسع والفضفاض علنًا وخفيةً تحت غطاء حريّة الرأي والتعبير واختلاف الموقف السياسيّ، فملامح خطابها واضحة ومعالمه معروفة ومضمونه واضح كذلك، ملخّصها أنه خطاب يعتمد التحريض والإقصاء والحضّ على التمييز العنصريّ، استنادًا إلى عوامل تتعلّق بالدين أو الانتماء الإثنيّ، أو الجنسيّة أو العرق أو اللون أو الجنس، أو القوميّة واللغة، أو الخلفيّة الاقتصاديّة أو الاجتماعيّة، أو الإعاقة، أو الحالة الصحيّة، أو الميول الجنسيّة، عبر مشاعر غرائزيّة وغير عقلانيّة من الاحتقار والعداء باستخدام لغة غوغائيّة وانفعاليّة، وشعارات تشمل السبّ والقذف والإهانة والتحامل دون أيّ حجج وبراهين موضوعيّة، وكلّ ذلك بهدف تأجيج المشاعر والعواطف تجاه الفئات التي يستهدفها خطاب الكراهية، وبناء مواقف مبنيّة على العنصريّة والتمييز وخلق تفكّك وانقسامات مجتمعيّة وسياسيّة حادّة قد يعتبرها البعض مبررًا، أو شرعنة لممارسة التمييز أو ارتكاب اعتداءات وأعمال عدائية وعنف ضد الأشخاص المنتمين لهذه الفئة، تمهّد لذلك زيادة تجذير وشيوع مشاعر الكراهية والنفور تجاه مجموعة معيّنة، أو مكوّن واحدٍ من المجتمع والدعوة إلى إقصاء أفراده من أماكن العمل والتشغيل ومنع اندماجهم في قطاعات معيّنة، أو حتى الطرد وربما المسّ الجسديّ، وبين هذا وذاك بتقليص الحقوق والميزانيّات ووضع مقاييس واعتبارات "خاصة تمّ تفصيلها على مقاس هذه المجموعة"، ومعاملة هذه المجموعة كمواطنين من درجة ثانية، أو ثالثة أو حتى رابعة، وذلك استنادًا إلى نظرة فوقيّة واستعلائيّة يقول أصحابها أنهم يشعرون الشعور بالتميز والفوقيّة، وامتلاك القوّة والصلاحيّة والسلطة والحقيقة والحقوق، وهي كلّها مميّزات توفّرت وتوافرت في قرارات وتصرّفات وتصريحات وخطوات صدرت عن الحكومة الحاليّة، في الشهر الأخير تحديدًا وأشهر عمرها القليلة عامّة. وهي لم تنه بعد الشهر الثامن من عمرها من حيث طوله، أي فترته الزمنيّة، لكنها فترة كانت عريضة بمضمونها الذي كرَّس منذ اليوم الأوّل خطاب الكراهية تجاه كلّ ما هو مختلف ومُخالف، بدءًا باليهود الذين لم يصوتوا لأحزاب الائتلاف الحاليّ عامّة مرورًا بالمعارضين للانقلاب الدستوريّ، وصولًا إلى الفلسطينيّين في الضفة الغربيّة، وفي النهاية وبشكل خاصٍّ وخطير المواطنين العرب في إسرائيل.
وإذا كانت الحكومة الحاليّة قد حاولت ولو من باب الخجل وحسن التدبير والرغبة في "تخدير الرأي العامّ المحليّ والعالميّ" ، أن تخفي استنادها إلى خطاب الكراهية والتحريض والإقصاء، واعتباره أساسًا لسياساتها، بل كلّ سياساتها جاءت الأسابيع الأخيرة لتكشف المستور، ولتزيل الغبار عن الحقيقة وتقطع الشك باليقين، عبر تصريحات وزرائها على اختلاف أحزابهم والتي دعت إلى المسّ بالمواطنين العرب وحرمانهم من الحقوق المدنيّة والأساسيّة لهم كمواطنين يحملون الجنسيّة الإسرائيليّة، عبر وقف الميزانيّات المخصّصة لمواطني شرقي القدس والتي جاءت لضمان دمج الشباب هناك في مجال التعليم الأكاديميّ، وبعده الاندماج في سوق العمل على اختلاف أنواعه وقطاعاته، بقرار من وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي اعتبر أن تمويل اندماج الطلاب من شرقي القدس في التعليم الأكاديميّ وسوق العمل، إنما هي خطوات تشجّع الإرهاب، وتعزّز من التوجّهات المتطرّفة داخل الجامعات الإسرائيليّة وتوجّهات العداء لدولة إسرائيل، أو ما وصفها بـ"القوميّة الفلسطينيّة المتطرّفة"، وبأن هناك من القضايا المتعلّقة باليهود في الدولة، ويقصد المستوطنين بالمقام الأوّل، ما يستحق هذا المال وهذه الميزانيّة أكثر من العرب والفلسطينيّين، وبالتالي لن يتمّ تحويل هذه الميزانيات إليهم، وهو قرار تمّ اتّخاذه رغم أو بعكس وخلاف موقف بلديّة القدس، ووزارة شؤون القدس في الحكومة ، والشاباك، وكلّها جهات مارست على وزارة الماليّة لتمرير ونقل الميزانيات حيث أوضح الشاباك، للمسؤولين بوزارة الماليّة الإسرائيليّة، أن تشجيع التعليم العالي بين الفلسطينيّين يقلّل من الدافع إلى ارتكاب هجمات، أو اعتداءات ضدّ إسرائيليّين ،ومن ثمّ قرار الوزير ذاته، عدم تحويل الميزانيّات التي تعهدت الحكومة بنقلها، إلى السلطات المحليّة العربيّة، مدعيًا أن هذه الميزانيّات تصل الجماعات الإجراميّة المنظّمة، وليس إلى السلطات المحليّة، بما يشكّل دمغًا ووصمًا لمجتمع كامل بأنه رهينة لعصابات إجراميّة خطيرة، وذلك دون أن يستند سموتريتش، ومن تبعه وردّد تصريحاته وأقواله هذه كالببغاء أو جوقة التطبيل، إلى أدلة أو براهين، فالأدلة والمعطيات كلّها لا تصبّ في صالح سموتريتش وجوقة المطبّلين التي تردّد أقواله دون تمحيص ودون فحص، فالمعطيات تؤكّد أن الغالبيّة العظمى من الشخصيّات الجماهيريّة ورؤساء السلطات المحليّة والوزراء والنواب في البرلمان الذين أدينوا بإساءة استخدام مهامهم معظمهم من المجتمع اليهوديّ عامّة، ومن الجناح اليمينيّ والمتديّن خاصة، ومنهم رؤساء بلديّات ووزراء ونواب في البرلمان وكذلك مديرو الشركات والمؤسّسات الذين أدينوا بالعلاقة بجهات جنائيّة وتلقي الرشوة أو خيانة الأمانة، ناهيك عن أشرطة الفيديو والصور التي كشفت العلاقات الوثيقة بين وزراء في الحكومة بشخصيّات كانت ضالعة بالإجرام وعائلات إجرام ناشطة حتى اليوم، لكن سموتريتش يعمل وفق القول الشهير:" لا تدع الحقيقة تمنعك من قول الكذب"، فيعلنها صراحة أنه ينتهج سياسة تعتمد الكراهية والإقصاء والتمييز العرقيّ والقوميّ والدينيّ، وأنه يعتمد نهجًا علنيًّا يسيء للمجتمع العربيّ، وينتقص من حقوق أفراده، ويقلّل من مكانتهم المدنيّة وإخلاصهم لدوائر انتمائهم بدءًا بالأسرة ثمّ البلدة ثمّ الدولة، متناسيًا أن الانتماء بمعناه الواسع لا يقبل التجزئة، وبالتالي فإن وزيرًا أيًّا كان ، ينفي انتماءه إلى مواطنيه ومواطني دولته مهما كانوا وأيًّا كانوا، ويكتفي بالانتماء إلى المربّع الأوّل في أسوأ الأحوال، وهو الأسرة والثاني في أحسن الأحوال وهو "مجموعة الانتماء"، أي المستوطنون المتطرفون المسيحانيّون في حالة سموتريتش هذه، هو وزير وشخصيّة لا انتماء لها ولا مصداقيّة، فالإناء بما فيه ينضح، وإناء سموتريتش وحكومته ينضح بالآراء المسبقة والأفكار النمطيّة، وشيطنة العرب واعتبارهم خطرًا داهمًا، وهم بذلك لا يختلفون في نظره عن اليهود اليساريّين والعلمانيّين ومعارضي الاحتلال وحكم شريعة التوراة أي دولة الشريعة، وبالتالي فسموتريتش يتبنّى خطاب الكراهية الذي يقيِّم مواطني الدولة وفق العرق أو الدين أو الجنس والانتماء السياسيّ، أو الميول الجنسيّة، بما يتعارض مع قيم الديمقراطيّة والتعدديّة الثقافيّة، عبر ترديد ومحاولة " شرعنة" منشورات ومواقف غوغائيّة تتساوق، بل تنافس عشرات الآلاف من منشورات العداء والإقصاء الموجّهة من على صفحات التواصل الاجتماعيّ ضد المواطنين العرب وأعضاء الكنيست العرب، علمًا أن الإحصائيّات تشير إلى أن 10% من هذه المنشورات( أي منشور واحد من كلّ عشرة مناشير) يشمل دعوه لارتكاب أعمال القتل والطرد والإبعاد، أو الإعدام وغير ذلك.
وسموتريتش في هذا ليس وحيدًا، وإن كان أكثر الوزراء إعلانًا لمواقفه بل تفاخرًا به، فقد سبقه إلى خطاب الكراهية، زميله وشريكه الانتخابيّ إيتمار بن غفير، الذي وإن كان بحنكة غير مألوفة قد نجح في إخفاء هذا الخطاب علنًا حتى جاء لقاءه الإعلاميّ الأخير الذي "بقّ فيه الحصوة"، وعاد إلى حقيقته العنصريّة الكهانيّة حين قال إن حقّه وحقّ زوجته وأولاده في الحركة والسفر في شوارع الضفة الغربيّة، وهي أرض فلسطينية محتلة وفق كافّة القوانين الدوليّة وحتى وفق القانون الإسرائيليّ، يسبق حقّ الفلسطينيّين (أصحاب الأرض) في أفضل تعبير عن خطاب الكراهية الذي يصل حدّ الإقصاء من آدميّة الفلسطينيّين في الضفة الغربيّة، وهو نهج كان بن غفير قد اتّبعه بهدوء وحنكة وذكاء وصمت، تجاه المواطنين العرب في إسرائيل فألغى ، لأسباب تتعلّق بالانتماء القوميّ والسياسيّ والدينيّ، كافّة الميزانيّات المخصّصة لمكافحة العنف والإجرام في المجتمع العربيّ، وليس ذلك فحسب بل ألغى كافّة خطط الحكومة السابقة،حكومة بينيت – لبيد - عباس لمكافحة العنف، والتي نجحت في خفض لهيب الجرائم وعدد ضحاياها، ولم يكلف نفسه عناء التعلّيق ولو ببيان على تضاعف عدد القتلى وانعدام الأمن الشخصيّ، مناديًا بإدخال جهاز الأمن العام لمكافحة الإجرام ومراقبة المواطنين العرب، وكأنهم خطر أمنيّ وسياسيّ على الدولة، واستخدام الاعتقالات الإداريّة وهي اليوم حصر على الفلسطينيّين في الضفة والمستوطنين المتطرّفين اليهود هناك، لترفع عصابات الإجرام رأسها وتعيث في أبناء المجتمع العربيّ قتلًا وترهيبًا وتخويفًا، ناهيك عن ترهيب وتخويف وقتل كبار الموظفين والمرشحين للسلطات المحليّة وابتزازهم، وهو ما استغله سموتريتش للترويج لمواقفه وتبريرها وتسويغ خطوته التمييزيّة بوقف الميزانيات، في تقاسم خطير للأدوار في تراجيديا خطاب الإقصاء والكراهية، فبن غفير يخلق الظروف عمدًا وعن سابق الإصرار والترصّد ، ليستغلها سموتريتش في لعبة سياسيّة يتم تنفيذها بالتوافق وتوزيع الأدوار، بين ذكاء وحنكة سموتريتش وعنصريّة وغوغائيّة بن غفير والنتيجة واحدة.
"انتقاص حقوق العرب"
لم يتوقف خطاب الكراهية عند هذا الحدّ، بل وصل وزراء آخرين، قرروا انتقاص حقوق العرب، وهذه المرّة إلغاء مكانة ووجود اللغة العربيّة من امتحانات التأهيل في الوزارات والمؤسّسات الحكوميّة، وذلك عبر قرار للوزير يوآف بن تسور، وزير العمل، إلغاء إمكانيّة التقدّم لامتحانات باللغة العربيّة في مواضيع التأهيل المهنيّ والمواضيع التكنولوجيّة التي تستوجب ترخيصًا حكوميًّا لمزاولة المهنة، وذلك بادعاء كون اللغة العبريّة اللغة الرسميّة الوحيدة في دولة إسرائيل وإلغاء قانون القوميّة عام 2018 مكانة اللغة العربيّة كلغة رسميّة ثانية في إسرائيل ، واستبدالها باعتبارها " لغة لها مكانة مميزة"، وهي خطوة كانت عبر القانون المذكور بداية إقصاء المواطنين العرب والانتقاص من حقوقهم المدنيّة وحقوق المواطنة، ومنع إقامة بلدات عربيّة جديدة ومنح اليهود أولويّة في العمل والدراسة والبناء وتوسيع مناطق النفوذ، والسكن في بلدات يهوديّة، كما يريد وزير القضاء الذي ينادي المحاكم والقضاة بمنع العرب من شراء شقق ومساكن في مدن يهوديّة، علمًا أن وزارة ألعمل تراجعت عن قرارها هذا بعد أن اتّضح أنه يعني حرمان آلاف او عشرات آلاف الطلاب من اجتياز امتحانات الترخيص الحكوميّة، وهو ما سيؤدي إلى نقص خطير لأصحاب الحرف والمهن من جهة ولزيادة عدد "أصحاب المهن غير المرخّصين الذين لا يمكن مراقبتهم، أو مراقبة جودة عملهم"، أي لأسباب اقتصاديّة، أو عن طيب خاطر، فالغاية هي منع الضرر بالاقتصاد، وهي تبرر الوسيلة حتى لو كانت السماح باجتياز امتحانات باللغة العربيّة. وهو الحال في قرار وزارة الماليّة ولجنة الماليّة البرلمانيّة تحويل 150 مليون شيقل من الميزانيات المخصّصة للمجتمع العربيّ إلى الأحزاب اليهوديّة المتديّنة، فميزانيّة "دولة اليهود" ستكون لليهود فقط، أما العرب فمصيرهم الإقصاء والحرمان والمسّ بالحقوق، وهو ما أكّدته جلسة الحكومة في السابع والعشرين من آب 2023، والتي ناقشت قضايا ميزانيّات المجتمع العربيّ، حيث لم تتورّع الوزيرة عيديت سيلمان، وزيرة جودة البيئة من حزب الليكود، عن الإعلان والتصريح علنًا أنها لن تمنح السلطات المحليّة العربيّة والمجتمع العربيّ قرشًا واحدًا، لأن العصابات والاحتكارات تسيطر عليه، علمًا أن سيلمان التي نقضت قبل عام واحد انتماءها الحزبيّ والسياسيّ والأيديولوجيّ إلى حزب" البيت اليهوديّ" برئاسة نفتالي بينيت رئيس الوزراء حينها، ما أدّى مع عوامل أخرى منها مواقف بعض النواب العرب في البرلمان إلى حلّ الحكومة، وهي التي نقضت بتصريحها هذا انتماءها المدنيّ إلى دولة إسرائيل ومواطنيها ، وقرّرت اختصار انتمائها ببعده الفئويّ الضيّق والعنصريّ، والاكتفاء بدعم وضمان جودة البيئة والحياة للمواطنين اليهود، أو لمن ينتمون للعرق اليهودي، في أخطر تعبير عن خطاب الكراهيّة، فجودة الحياة وفق سياسة ونهج الوزيرة سيلمان هي من حقّ اليهود أمّا مجرد الحقّ في الحياة فهو ليس حتى من حقّ العرب وفق سياستها وسياسات بن غفير، وحذت حذوها وزيرة الدولة لشؤون الإعلام الخارجيّ، غاليت ديستيل أتبريان ومهمّتها الأساسيّة شرح مواقف إسرائيل لدول العالم والدفاع عنها باعتبارها دولة ديمقراطيّة تصون حقوق الإنسان وتضمن الفصل بين السلطات، التي كانت الأوضح والأكثر صراحة في خطاب كراهيتها ودعوتها إلى الإقصاء، حين قالت أن على الحكومة أن تتحدّث إلى مخزون أو قاعدة مصوّتيها ومؤيّديها من اليهود فقط، فالحكومة لليهود كما الدولة لليهود، وكان قد سبقها إلى خطاب الكراهيّة مسؤولون كبار ، وصفوا المجتمع العربيّ بأنه عنيف وقاتل لأسباب ثقافيّة وحضاريّة، وأنه يربّي أبناءه على العنف وعدم الانصياع للقانون، بل مخالفته عمدًا، ومنهم المفتش العام للشرطة، إضافة إلى وزراء طالبوا بعدم تمويل مدارس عربيّة لا تربّي طلّابها على قيم الإخلاص للدولة اليهوديّة، وليس ذلك فحسب، بل تصرّ على إطلاعهم على الرواية الفلسطينيّة حول النزاع الإسرائيليّ الفلسطينيّ وقضيّة النكبة، وسعي إلى مشاريع قوانين تحرم الطلاب العرب في الجامعات الإسرائيليّة من حريّة النشاط السياسيّ، والحقّ في المشاركة في المظاهرات وحملات يمينيّة تدعو إلى التوقيع على عرائض مطالبة بذلك، وممارسة الضغط على إدارات الجامعات لمنع لجان الطلاب العرب في الجامعات من ممارسة نشاطها، ومنع الطلاب من إبداء أيّ تضامن أو تعاطفٍ مع الفلسطينيّين، أو أي انتقاد لدولة اسرائيل وسياساتها مهما كانت.
ما سبق يعيدني إلى ما كتبه فريدريك ويري، الباحث الأمريكيّ في شؤون الشرق الأوسط والخبير السياسيّ الحاصل على الدكتوراة من جامعة أكسفورد، الذي أجاد تعريف وتفسير ظاهرة خطاب الكراهية مؤكّدًا أنها ظاهرة متعدّدة الجوانب والتجلّيات والانعكاسات، بل ظاهرة تتواجد وتكون بين القوى المدنية والجماعات القوميّة والتيّارات الدينيّة والطوائف والمذاهب وبين القاطنين في المركز والضواحي (الهامش كما يسميه ويري) وبين داعمي ومعارضي حركات ونشاطات الإصلاحات والثورات سواء كانت ثورات على النظام، أو قلبًا لموازين السلطة، ما يعني أن خطاب الكراهية لا يمكنه أن يكون حالة فجائيّة، وإن كانت الأحزاب والمجتمعات المتطرّفة والقومجيّة والعنصريّة تشجّعه وتمارسه وتحاول شرعنته، فهو يؤكّد أن خطاب الكراهية كجزء من ظاهرة الكراهية القوميّة والمدنيّة والدينيّة عامّة، هو حالة كامنة في كثير من الأحيان ، تصبح علنيّة في أحيان أخرى، تنعكس في تصريحات ومواقف وسلوكيّات، من وزراء وحكومات وشخصيّات اعتباريّة وجماهيريّة وإعلاميّة، وربما أيضًا أكاديميّة ودينيّة، كما تنعكس في غضب يسود الشارع يشكّل نتيجة مؤكّدة لظواهر سياسيّة ومدنيّة وأخرى، تبدأ بخلاف المواقف وعدم الاتفاق، وتصل حدّ التشويه المتعمّد للخصوم تمامًا، كما يحدث اليوم من اتهام معارضي الانقلاب الدستوريّ في إسرائيل بالخيانة والخضوع لإملاءات مموّلين وأصحاب رؤوس أموال أجانب، واتهام المواطنين العرب بالخيانة وعدم الإخلاص للدولة لمجرد تضامنهم مع الفلسطينيّين ورفضهم لسياسات الحكومات المتعاقبة ومظاهر التمييز ضدّهم، وصولًا إلى حالة من الانتقام السياسيّ والمدنيّ والإقصاء المتبادل، وتصل إلى حدّ التكفير ونزع الوطنيّة، وتصل حد القتل والإبادة الجسدية في بعض الدول في الشرق الأوسط والعالم.
خلاصة القول، إن الحكومة الحاليّة تشكّل في خطوات بعض وزرائها خاصّة، وتوجّهها العامّ تجسيدًا لخطاب الكراهية الذي قال عنه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في أيار 2019 أنه يشكّل تهديدًا للقيَم الديمقراطيّة والاستقرار الاجتماعيّ والسلام محليًّا وعالميًّا. وأنه يجب العمل على مواجهته، لأن السكوت عليه يمكن أن يوحي بعدم الاكتراث لمظاهر التعصّب وعدم التسامح، حتى تتفاقم الأوضاع ويتحوّل المستضعفون ( وهم العرب في حالتنا اليوم في إسرائيل) إلى ضحايا، مع تأكيده على أن مكافحة خطاب الكراهية لا تتم، ولا يجب أن تتم عبر كبت الحريّات، أو تقييد حريّة التعبير والصحافة أو حظرها، بل تستوجب اتّخاذ إجراءات وسنّ قوانين وتشريعات تمنع تفاقم الظاهرة، ووصولها حدّ شرعنة التحريض على مجموعة ما، وشرعنة العنف تجاهها بكافّة أشكاله القضائيّة والماليّة والتعليميّة والتشغيليّة والسياسيّة والحزبيّة والحياتيّة وغيرها.
"علينا أن نعيد حساباتنا"
ما يثير القلق في المجتمعات المختلفة هو الحقيقة الواقعة، ومفادها أن مواجهة واقتلاع خطاب الكراهية ليست عمليّة سريعة، بل عملًا تتضافر فيه جهود كافّة الهيئات والمؤسّسات بدءًا بتلك الحكوميّة والرسميّة والتشريعيّة والقضائيّة والإعلاميّة والجماهيريّة، ومعها منظمات المجتمع المدنيّ والهيئات الدينيّة والثقافيّة والتربويّة والأكاديميّة، وأن نجاحها مرهون بتفكيك البيئة الحاضنة له، وهي هنا ممثّلة في الأحزاب والبرلمان ورجال الدين المتزمّتين وإعلاميين كبار، ومعها تعزيز دور الدولة وديمقراطيتها ومفاهيم وقيم المساواة فيها، واحترام الاختلاف وتفاوت الآراء، وتعزيز دور التوجهات السياسيّة المتنوّرة والتوجهات الدينيّة المعتدلة، واستعادة الثقة بجهاز القضاء وأجهزة تطبيق القانون والثقة بخطواتها وقراراتها وأحكامها في مواجهة العنف والجريمة، وضمان نزاهتها وعدم تحيزها ، واعتبارها الحامي لحقوق الأقليّات وليس عدوّة للأغلبيّة، وبثّ قيم حقوق الإنسان واحترام الآخر المختلف في المناهج الدراسيّة، وتغيير الآراء المسبقة والقوالب الفكريّة بين المجموعات المختلفة مدنيًّا وعرقيًّا وسياسيًّا ودينيًّا، وهو أمر يبدو وللأسف من المتعذّر حدوثه اليوم في بلادنا، التي أصبحت أرضًا خصبة لخطاب الكراهية الذي يغذّيه الساسة لأهداف ضيّقة تحرق الأخضر واليابس، وتطال كلّ من يعارض استمرار الوضع الحاليّ من العرب والفلسطينيّين، وحركة الاحتجاج والمستشارين القضائيين والمحاكم والقضاء ومعظم وسائل الإعلام، ومن يختلف أو يخالف الرأي المتزمّت في التوجّهات والميول والتفكير والكلام، في حالة تنشر الظلام والخوف ، ما يذكّرني بالقول الشهير للمناضل من أجل الحرية وضد الكراهية مارتن لوثر كينغ:" الكراهية تغلّف الإنسان بظلام دامس، وتحرمه من النور الذي يحتاجه لكي يرى الحقيقة." ، فهل ومتى، سترى الحكومة الحاليّة الحقيقة، أم أنها ستواصل وهم وكذبة اعتقادها أنها قادرة بأغلبيّة ائتلافيّة متطرّفة أن تغير الحال، وأن تمارس انقلابًا قضائيًّا – دستوريًّا وتمييزًا ضدّ ربع سكان ومواطني الدولة العرب، ونصف سكان الدولة من معارضيها قبل أن تصطدم بالواقع الذي يجبرها على فهم حدود القوة، ولكن بعد حين ،أي بعد فوات الأوان، أو بعد مخاض عسير تظهر بعده الحقيقة ويتكشّف الكذب، واستحالة تنفيذه رغم سهولة انتشاره واقتناع الناس به، كلّ لأسبابه، عملًا بقول مارك توين:" يمكن للكذبة أن تسافر حول نصف الكرة الأرضيّة، قبل أن تنتعل الحقيقة حذاءها" ، فالحقيقة مؤلمة لمن اعتاد الوهم، ونحن العرب علينا أن نعيد حساباتنا ونمنع الإجرام والقتل المستشري في صفوفنا قبل أن نفقد كلّ شيء.
هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع بانيت هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة راي التحرير في موقع بانيت .
يمكنكم ارسال مقالاتكم مع صورة شخصية لنشرها الى العنوان: [email protected]