هذه فقط بعض الحوادث التي وقعت مؤخّرًا والتي تمّ الاعتداء فيها على موظّفين، ناشطين ومنتخبي جمهور سقطوا ضحايا لمنظّمات الإجرام.
أقلّ من ثلاثة أشهر على الانتخابات المحلّيّة، وكلّ ما يحصل مؤخّرًا من تفاقم للجريمة في البلدات العربيّة يبدو وكأنّه قصّة مكرّرة ومعروفة. هناك تخوّف حقيقيّ من أنّ منظّمات الإجرام ستحاول استغلال فترة الانتخابات لإحكام قبضتهم على بلداتنا، من خلال السيطرة أكثر على السلطات المحلّيّة، وإلحاق الضرر بمن لا يتعاون معهم. كلّ هذا يحدث في ظلّ أمرين: الأوّل، تقاعس الشرطة وعدم قيامها بواجبها حيال وقف العنف والجريمة المنظّمة. الثاني، الاستمرار باهمال مرافق حياتيّة أساسيّة من خلال المسّ بالميزانيّات التي من المفروض تحويلها للسلطات المحلّيّة العربيّة.
تعاني سلطاتنا المحلّيّة من شحّ الموارد والميزانيّات لأسباب متعدّدة تعود بالأساس لسياسات التمييز ضدّنا كمجتمع عربيّ من قِبل الحكومات الإسرائيليّة المتعاقبة. وفقًا لبحث أجرته جمعيّة سيكوي-أفق، حول مصادر دخل السلطات المحلّيّة العربيّة، تبيّن أنّ في العامّ 2018 بلغت مدخولات السلطات المحلّيّة العربيّة، التي يقطنها نحو 14% من مواطني الدولة، نحو 3.8 مليار شيكل فقط، أي أقلّ من 10% من مدخولات السلطات المحلّيّة في إسرائيل. وهو ما يعني أنّ مدخولات السلطات المحلّيّة العربيّة كانت أقلّ بكثير من المتوسّط القطريّ.
كاعتراف بهذا التمييز والفجوة الناتجة على مرّ السنوات، جاءت القرارات الحكوميّة المختلفة من أجل تقليص الفجوات الاقتصاديّة-الاجتماعيّة في المجتمع العربيّ، آخرها خطّة 550، للسنوات 2022-2026. وفقًا لهذه الخطّة، يتمّ تحويل الميزانيّات للسلطات المحلّيّة العربيّة من أجل سدّ الفجوات في مجالات ومرافق حياتيّة أُهملت منذ عقود، مثل: التخطيط والبناء، التربية والتعليم، المواصلات، التشغيل وغيرها. رغم هذه الحاجة الماسّة للميزانيّات، يُصدر مؤخّرًا وزير الماليّة، بتسلئيل سموتريتش، قرارًا يقضي بتجميد 200 مليون شيكل، من الخطّة الحكوميّة، وعدم تحويلها للسلطات المحلّيّة العربيّة. يقوم وزير الماليّة بهذه الخطوة التعسّفيّة بذريعة أنّ هذه الأموال ستذهب إلى منظّمات إجراميّة تسيطر على السلطات المحلّيّة العربيّة، مستغلًّا الوضع الراهن لتبرير خطواته العنصريّة، مع العلم أنّه لا يأبه لحال مجتمعنا والهدف من هذه الخطوة ليس محاربة منظّمات اجراميّة، إنّما معاقبة الضحيّة-السلطات المحلّيّة واضعافها أكثر فأكثر.
إضافة للخطّة 550، والتي بدورها تعمل أيضًا على تقليص العنف والجريمة من خلال معالجة عوامل جذريّة، هناك خطط وبرامج تعمل على تحسين إنفاذ القانون ومحاربة الإجرام المنظّم. إحدى هذه الخطط جاءت في القرار الحكوميّ 549، الذي يضمّ بنودًا لتنفيذ برامج، كبرنامج "وقف سفك الدماء"، عن طريق السلطات المحلّيّة. تنفيذ مثل هذه البرامج يستوجب تجنيد موارد وميزانيّات من السلطة المحلّيّة ذاتها. سلطاتنا المحلّيّة تعاني من عجز ماليّ وتمييز اقتصاديّ تمارسه السلطات والوزارات ضدّها منذ سنوات وعليه لا يمكنها تنفيذ هذه البرامج على أتمّ وجه ومحاربة العنف والجريمة المنظّمة.
إنّ مكافحة الجريمة لا تقتصر على إنفاذ القانون والأعمال الشرطيّة فقط، وبالتأكيد لا تتمّ من خلال إدخال الشاباك أو استخدام أوامر الاعتقالات الإداريّة، التي تمسّ بحقوق المواطن والإنسان. المسألة تتطلّب تعاملًا شاملًا ومعالجة جذريّة للعوامل الأساسيّة التي أدّت إلى إضعاف المجتمع العربيّ وتحويله إلى أرض خصبة لممارسات العنف والجريمة. يتوجّب على الحكومة النظر للسلطات المحلّيّة كعامل هامّ في تطوير بلداتنا وقرانا العربيّة ومكافحة العنف والجريمة. وعليه يجب تنفيذ البرامج القائمة والمطروحة على الطاولة، تحويل الميزانيّات التي تقوّي السلطات المحلّيّة وتُمكّن من تحقيق التطوير الاقتصاديّ والاجتماعيّ للمجتمع العربيّ، ومواصلة الاستثمار وتخصيص الموارد في هذا الشأن. هكذا فقط يمكن أن نقوّي السلطات المحلّيّة العربيّة لكي تتمكّن من منع اختراق منظّمات الإجرام لها والعمل على المساهمة بتحقيق الأمن و الأمان في البلدات العربيّة. كلّ تعامل آخر مع قضيّة العنف والجريمة، ما هو إلّا تعامل يفتقر للمهنيّة وفي جوهره نوايا غير سليمة، ولهذا فإنّه سيزيد الطين بلّة وستتفاقم الأوضاع في المجتمع العربيّ.
*وصال رعد- مركّزة تغيير السياسات في مجال مكافحة العنف والجريمة في المجتمع العربيّ في جمعيّة سيكوي-أفق.