صورة للتوضيح فقط - تصوير :OMG_Studio- shutterstock
في مستعمرة النّمل تقسيم واضح للأدوار، وعلى كلّ نملة المساهمة في دورِها. على سبيل المثال، في مستعمرة النّمل المهاجم، يبحث النّمل العامل عن طعام أو فريسة، وعندما يجده يعود إلى العشّ لإعلام الجميع بما عثر عليه. في طريقه إلى العشّ، يشير إلى مسار من الهورمونات الّتي توصل إلى الطعّام. عند عودته إلى العشّ، ينضمّ إليه العمّال الآخرون لإحضار الطعام. لا تشارك ملكة العشّ في جمع الطعام وبناء العشّ، إنّما هي مسؤولة عن الاستمراريّة - بمعنى أنّ وظيفتها هي وضع أكبر عدد ممكن من البيض، والذي سيتطوّر مستقبلًا إلى نمل. للملكة مظهر مختلف: عادةً ما تكون لها أجنحة ذات حجمٍ أكبر من تلك الّتي للنّمل العامل.
أحيانًا، نجدُ بين النّمل نملًا مُنتحلًا! حيث "يتنكّر" على أنّه ملكات: وهي أكبر من باقي النمل، وأصغر من الملكة، ولديها أجنحة. تأكل من طعام المستعمرة، لكنّها لا تشارك في البحث عن الطّعام. والأسوأ من ذلك: عندما تتكاثر، فإنّها تلدُ المزيد من أجيال النّمل المُنتحِل. هذا نمل طفيليّ: يستمتع بمنتجات المستعمرة، لكنّه لا يساهم بشيء.
لسنواتٍ عديدة، حيّر السّؤال التّالي باحثي التّطوّر: "كيف تطوّر هذا النّمل الطّفيليّ؟"، في مقال جديد، أفاد باحثون من الولايات المتّحدة أنّهم قاموا بتربية نمل طبيعيّ في المختبر، وبعد بضعة أجيال، اكتشفوا أنّه بدأ يظهر في العشّ نمل منتحل-طفيليّ. للتّحقق ممّا إذا كان أصل هذه الظّاهرة وراثيًّا، أزال الباحثون النّمل المنتحل من العشّ، وقاموا بتربيته بشكل منفصل وتركوه يتكاثر. وبالفعل، اتّضح أنّ جميع نسله هم نمل منتحل.
يثير هذا الاكتشاف الدهشة، لأنّ السّمات المعقّدة مثل التّشكل (Morphology)- المظهر، الشّكل - عادةً ما تتأثّر بالعديد من الجينات، وعليها أن تمرّ أجيال عديدة لكي تتغيّر. في المقابل، في هذه الدّراسة ظهر النّمل المنتحل خلال جيل واحد فقط. لذلك، يبدو أنّ التّغيير الجينيّ الّذي يسبّب الظّاهرة ينشأ من طفرة واحدة، في مجموعة من الجينات الّتي تعمل كجينات فائقة، وهي طفرة تحوّل النّملة إلى محتالة.
الطفرة المصيريّة؟
في اختبار جينيّ للنّمل، اكتشف الباحثون أنّ أحد كروموسومات النّمل، الكروموسوم 13، يحمل العديد من الجينات المهمّة للنّموّ. في كلّ خليّة من خلايا النّملة نسختان من كلّ كروموسوم، كما هو الحال عند البشر. اكتشف الباحثون أنّ النّمل الشّائع لديه نسختان مختلفتان من هذا الكروموسوم. يحمل أحدهما الجين الفائق، بينما يحمل الآخر طفرة تُبطل عمله. من ناحية أخرى، عند النّمل المنتحل، الطفرة موجودة في نسختيْ الجين، وهي الّتي تجعلهما تبدوان كالملكات.
نوع النّمل الّذي دُرِس، النّمل المهاجِم، يتكاثر لا جنسيًّا: أي يمكن للفرد في المجموعة التّكاثر دون رفيق آخر أو زوج. لهذا السّبب، من المستحيل إجراء تجارب تكاثر عليها، والتّحقّق ممّا يحدث عندما تتزاوج نملة منتحلة مع نملة عاملة عاديّة. إذا كان من الممكن إجراء مثل هذه التّجربة، فسيكون لدى نسلها نسخة واحدة على الأقلّ مع الطّفرة، وستكون لدى نصفهم نسختان مع الطّفرة، لذلك من المحتمل أن يكون نصف النسل ملكات منتحلة. وكان بإمكاننا التحقق ممّا إذا كان للمنتحلين المولّودين في مثل هذه التجربة طفرة في كلتا النّسختين. سيثبت مثل هذا الاكتشاف أنّ الطّفرة في الكروموسوم 13 تسبّب هذه الظّاهرة. يحوي الكروموسوم 13، حيث تحدث الطّفرة، العديد من نسخ لجين الّذي قد يكون مشاركًا في رقابة الهرمونات. ممّا يعزّز الاعتقاد بأنّ هذه الطّفرة هي الّتي تجعل النّمل ينتحل صفات الملكات.
حتّى لو اكتشفنا في دراسات المتابعة أنّ طفرة في مكان مختلف تسبّب هذه الظّاهرة، فهذه هي المرّة الأولى الّتي يتعرّفون فيها الباحثون على مصدر جينيّ لظاهرة النّمل المنتحل - وأنّهم قد حدّدوا النّمل الطّفيليّ من نفس النّوع من النّمل.. حتّى الآن ، كان النّمل الطّفيليّ الّذي تمّ العثور عليه من نوع مختلف، عن النّمل الموجود في العشّ المضيف. يلقي هذا الاكتشاف الضّوء على طريقة تطوّر نوع من النّمل الطّفيليّ، ويشير إلى أنّ الأنواع الطّفيليّة ربّما قد تطوّرت من طفرة طفيليّة داخل الأنواع نفسها، وبمرور الوقت تطوّرت إلى نوع منفصل.
ترجمة الى العربية : ميرنا صافية – متى – معهد دافيدسون