ليس فقط في غزة بل في كل مناطق فلسطين وشتاتها وعلى تنوّع التجارب الفلسطينية، والتي رغم تباين تفاصيلها وتمظهرات معاناتها تحت الاحتلال، يجمعها الإنسان، سواء أكان مرأة أو رجلاً أو طفلاً، الذي لا يحلم إلا بحياة كالحياة. وما أريده هو أن أقدم التجربة الإنسانية للإنسان الفلسطيني الذي يُواصل التطور والمراكمة تحت الاحتلال، وتصوير هذه التجربة الاجتماعية والثقافية هو مهمة الأدب والفنون عمومًا، الأدب الفلسطيني سيحلق بعيدًا كلما التصق بهويته أكثر".
هذا ما قالته الكاتبة الفلسطينية نيروز قرموط، في تصريحات لصحف ووسائل إعلام مصرية وعربية وعالمية، بعد صدور كتابيها "عباءة البحر وقصص الجديلة" و"عُبور" في القاهرة، مؤكدة: "في عمق مصر وعتق حجارتها إنه لمن الطبيعي أن أعتز بإطلاق أعمالي بلساننا العربي. هذه البلاد التي يدمج فيها الإنسان بين عراقته وبساطته ورخامة مخيّلته، إنها الموسيقا في لحن إنسان ينطلق من شرق وعنوان جديد".
قضية الإنسان
واعتبرت الأديبة الشابة الحاصلة على جائزة "القلم البريطاني" للأعمال المترجمة للغة الإنجليزية عام 2017، والتي تصدّرت مجموعتها القصصية قائمة الكتب الأكثر مبيعًا في مهرجان إدنبرة الدولي للكتاب عام 2019، أنّ هذا التجاوب مع قصصها التي ترجمت إلى الإيطالية والهولندية بعد الإنجليزية "كان تجاوبًا عاليًا وراقيًا، ارتفع بقصتي وجعلها تجول العالم. الأدباء والنقاد العالميون يقتربون إلى صوت الإنسان في قصة مؤثرة، كتبت بتقنية فنية يُحترم لها ما يجدد في الأسلوب وما يأسر في الأفكار. ليكون التضامن مع القيم التي لا تلقن نفسها للآخر وإنما تجذبه إليها علّه يفهمها ويؤمن بجوهرها. الفلسطيني يمتلك قضية الإنسان التي من خلالها يُعاد تعريف العدل في هذا العالم. وإلى جانبنا الكثير من المتضامنين والمساندين لعدالة القضية وحقوق شعبها المسلوبة.
وردًا على سؤال قناة "العربي 2" حول المنافسة على جوائز عربية بعد نجاح أعمالها باللغات الأجنبية، قالت: "لم أخطط يومًا لأن أنافس، لكن عندما يتعمّق هذا الخيال، ويجعلك أكثر عطاءً، فلا بد أن يصل صوتك، ولربما ينافس ويحبه الناس، ويصل إلى المنصات التي تعكس صورة الجميع من خلال كلمة واحدة أو قصة واحدة، أو كتاب واحد".
إبداع رغم الاحتلال
وفي حوار مع موقع "رصيف 22"، حول كيفية تقديم التجربة الإنسانية للوضع الفلسطيني شديد التعقيد من الناحية الاجتماعية والسياسية، قالت قرموط: "أبحث عن التوازن في النظرة. الأدب في بدايته هو رؤية، رؤية دقيقة للواقع المحيط ومن ثم صياغته بخيال جديد وأكثر حداثة وبساطة بما لا ينفي الواقع المعاش. ولكن لدي إيمان أن الفن بكل أشكاله وتحت كل الظروف الخارجية، يتطور من تلقاء ذاته. الإبداع يتفوق على المحيط. ما أريده هو أن أقدم التجربة الإنسانية للإنسان الفلسطيني الذي يُواصل التطور والمراكمة تحت الاحتلال، وتصوير هذه التجربة الاجتماعية والثقافية هو مهمة الأدب والفنون عمومًا، الأدب الفلسطيني سيحلق بعيدًا كلما التصق بهويته أكثر".
وفي حديث لصحيفة "الأهرام" علّقت الكاتبة الفلسطينية على ما جاء في إحدى المراجعات للنسخة الإنجليزية من "عباءة البحر" عن تأثرها بكتابة الأديب المصري الكبير نجيب محفوظ: "طبعًا هذه شهادة كبيرة ومسؤولية أكبر، فبقدر ما أنّ الإبداع قائم على التفرّد والتحليق في فضاءات جديدة، فلا بد أن ينطلق من التجارب الحاضرة التي تصوغ وعينا الجمعي وذائقتنا الفنية. ومن هنا تجد أيضًا حضورًا لقصائد شاعرنا الفلسطيني الكبير محمود درويش في أعمالي، وكذلك مارغريت أتوود، فرانز كانون، تشيخوف، ايزايبيل الليندي، نيتشه، غاستون باشلار، غارسيا ماركيز، وميلان كونديرا وريموند كارفور، وتجد سميح القاسم وإدوارد سعيد وحنا مينه وفدوى طوقان وغسان كنفاني وغيرهم من الأقلام العربية والعالمية التي أغنت التجربة الأدبية والإنسانية، على اختلاف توجهاتها وفلسفاتها ومفرداتها.
واختتمت قرموط حديثها للصحيفة المصرية العريقة: "إلى فلسطين أنطلق، إن كنت من جنوبها إلى جنوب قد مشيت، فإن رحلة إلى الشمال وتكامل الرؤية لن تكون إلا من مصر الفيروز والقمر".
نيروز قرموط، أديبة فلسطينيّة من غزة. كاتبة وباحثة وصحافيّة مدافعة عن حقوق الشّباب والنّساء والإنسان. ولدت في مخيّم اليرموك للّاجئين الفلسطينيّين في سوريا عام 1984، وعادت وأسرتها إلى القطاع عام 1994. درست الصّيدلة وتحصّلت على بكالوريوس في الاقتصاد وإدارة الأعمال من جامعة الأزهر في غزّة. عملت في وزارة شؤون المرأة الفلسطينية. لها العديد من الدراسات والأوراق البحثية، ومئات مقالات الرّأي في الصّحافة الفلسطينيّة والعربيّة والدوليّة.
صدرت لها خمسة كتب: "عباءة البحر" (11 قصة قصيرة) باللغات الإنجليزية (The Sea Cloak) والإيطالية (Il mantello del mare) والهولندية (De Zeemantel)؛ ومؤخرًا صدر في القاهرة عن دار "ميريت" المصرية وبالتعاون مع "دار راية للنشر" الفلسطينية مجموعة "عباءة البحر وقصص الجديلة" وتضم 15 قصة قصيرة في 212 صفحة من القطع المتوسط، ومتوالية "عُبور" التي تضمّ قصص "كيف تستعيد النساء أجسادهنّ بعد الحرب" و"النرد" و"ألفريدو روج"، في 148 صفحة من القطع المتوسط.