صورة للتوضيح فقط - تصوير :red mango - shutterstock
العقود الأخيرة. إنّه مريح، ويتطلّب صيانةً واستهلاكًا أقلّ للماء من العشب الطبيعيّ، ويزيّن لنا الحديقة باللون الأخضر دون الحاجة إلى الريّ أو المصاريف المتعلّقة بصيانة العشب الطّبيعيّ. يُستخدم العشب الاصطناعيّ في الحدائق العامّة والخاصّة، وفي ساحات الرّياضة وَالملاعب.
بدأ استخدام العشب الاصطناعيّ في ستينيّات القرن الماضي في الولايات المتّحدة، وانتشر في أوروبا في سنوات الثّمانين. كان العشب الاصطناعيّ الأوّل مصنوعًا من ألياف النّايلون الخضراء الّتي أُلصِقت ببعضها البعض لإنتاج سجّادة ووُضعت على سطح الأرض. لم يبدُ كالعشب الطّبيعيّ، يسخُن بسرعة كبيرة ولم يكن مريحًا للاستخدام. منذ ذلك الحين، تمّ تطوير العشب الاصطناعيّ كثيرًا، واليوم يتضمّن أليافًا طويلة وناعمة من البولي إيثيلين والّتي تحاكي العشب الحقيقيّ. يتمّ ملؤها بحبيبات مطاطيّة ورمليّة مُصنّعة من الإطارات المُعاد تدويرها، فتخفّف الاهتزازات أثناء الركض وتقلّل من الاحتكاك النّاتج عند السّقوط. إنّ التّشابه مع العشب الطبيعيّ والصّيانة البسيطة جعلا العشب الاصطناعيّ منتجًا مطلوبًا، وازدهرت الصّناعة المحيطة به: قدّرت قيمتها في سنة 2020 بحوالي 2.7 مليار دولار في أمريكا الشّماليّة فقط، واستبدلَ واحد من كلّ عشرة أشخاص في إنجلترا العشب الطّبيعيّ في حديقته بالعشب الاصطناعيّ.
على الرّغم من أنّ العشب الاصطناعيّ يبدو لنا كالعشب الطّبيعيّ، إلّا أنّه ليس كذلك لدى الحشرات. المشكلة هي أنّ العشب الخالي من الحشرات يمنع أيضًا وصول الطّيور الّتي تتغذّى على هذه الحشرات إلى الحديقة. صرّحت لين ماركوس (Marcus)، إحدى رؤساء مجلس الإدارة في شركة تصميم الحدائق في بريطانيا، لصحيفة الغارديان: يمكن أن يدّعي النّاس أنّهم يرون فراشات ونحلًا حول النّباتات المحيطة بالعشب الاصطناعيّ، ولكن في نهاية الأمر، هذا مثل شقّ طريق رئيس في منتصف الغابة. لا يمكن للحيوانات الوصول من جانب واحد من العشب إلى الجانب الآخر من أجل أن تتكاثر.
علاوة على ذلك، يتيح العشب الاصطناعيّ إعادة التّدوير. من بين ما يقارب ثلاثة مليارات إطار مطاطيّ يتمّ إلقاؤها سنويًّا في النّفايات- ومن المتوقّع أن يصل هذا العدد إلى خمسة مليارات بحلول سنة 2030 نظرًا لارتفاع عدد المركبات- يُستخدم في أوروبا %21 منها في صناعة العشب الاصطناعيّ. ومع ذلك، فإنّ حلول إعادة التّدوير للعشب الاصطناعيّ القديم محدودة، وباستثناء عدد قليل من الشّركات الّتي تعيد تدويرها، فإنّ معظمها يصل إلى المزابل. بالإضافة إلى ذلك، هناك احتمال ظهور مشكلة أخرى: يزعم بعض الأشخاص أنّ تقطيع الإطارات لجزيئات صغيرة يحوّلها إلى جسيمات بلاستيكيّة صغيرة ملوِّثه، والّتي يمكن أن تنتشر في بيئتنا وحتّى في مياه الشرب. هذا ادّعاء معقولٌ جدًّا، ومع ذلك لا تزال كميّة جزيئات الإطارات الّتي تنتقل من العشب الاصطناعيّ إلى البيئة غير واضحة. علاوة على ذلك، لا يزال تأثيرها في الكائنات الحيّة غير واضح: من التّجارب الّتي أجريت على الدّيدان، والقشريّات، والأسماك والبلانكتون، يبدو أنّ تأثير جزيئات المطّاط فيها ضئيل في المدى القريب، على الرّغم من أنّه لا تعرف التأثيرات في المدى البعيد.
هل هي جيّدة للرّياضيّين؟ ليس بالضّرورة
وماذا عن صحّتنا؟ قد يكون للعشب الاصطناعيّ التأثير السلبيّ فيها. لاحظت مدرّبة فريق كرة القدم للسيّدات إيمي ﭼريفين (Griffin)، واللّاتي يلعبنَ على ملعب العشب الاصطناعيّ في جامعة واشنطن، زيادة في عدد لاعبي ولاعبات كرة القدم في واشنطن الّذين أُصيبوا بمرض السّرطان. قدّمت تقريرًا للسّلطات الصحّيّة في ولاية واشنطن، والّتي قرّرت فحص ما إذا كان معدّل الإصابة بالسّرطان بين لاعبي كرة القدم أعلى من معدّله الطبيعيّ بين السّكان. وفي التقرير الرسميّ الّذي نشر في سنة 2017، تبيّن أنّ معدّل الإصابة بالسّرطان بين لاعبي كرة القدم لم يتجاوز معدّل الإصابة بين عامّة السكّان. ومع ذلك، من بين قائمة تضمّ 53 لاعب كرة القدم والّذين أُصيبوا بمرض السّرطان، كان أكثر من 60 في المائة منهم يلعبون كحارسي مرمى. قد يكون هؤلاء اللاعبين أكثر قربًا للأرض ومعرّضين بشكل أكبر للجزيئات الّتي تتطاير منها أو لاستنشاقها.
نُشرت مؤخّرًا شهادة إضافيّة تثير شكوكًا حول العلاقة بين السّرطان والعشب الاصطناعيّ في صحيفة الغارديان. نُشِر أنّ ستّة لاعبين سابقين من فريق البيسبول فيليز (Phillies) في فيلادلفيا، والّذين لعبوا على ملعب عشب اصطناعيّ، أُصيبوا بسرطان دماغ نادر. لفحص هذه القضيّة، حصل الباحثون من جامعة نوتردام على قِطَعٍ من الملعب الّذي فاز فيه فريق الفيليز بلقب البطولة في سنة 1982. وجد الباحثون فيه أنواعًا مختلفة من الهيدروكربونات العطريّة ذات الحلقات المتعدّدة (Polycyclic aromatic hydrocarbons أو PAHs)، وعلى الرّغم من أنّها تعرّف كمسرطنة، إلّا أنّ خبراء سرطان المخّ لا يتسرّعون في استنتاج الاستنتاجات. قال هنري فريدمان (Friedman)، أخصّائي الأورام العصبيّة من جامعة ديوك لصحيفة الغارديان: "النّتيجة النّهائيّة هي أنّ كلّ شيء ممكن، ولكن في الوقت الحالي ليست هناك طريقة لإثبات علاقة مباشرة بين الأمور".
ليس من المؤكّد أنّ عدم اليقين العلميّ يمكن أن يشجّعنا. فإنّ جزيئات المطّاط المستخدَمة من الإطارات المعاد تدويرها تحوي العديد من الملوِّثات مثل المعادن الثّقيلة و الهيدروكربونات العطريّة ذات الحلقات المتعدّدة، ولكن من التّجارب تبيّن أنّها موجودة بتركيز منخفض. ومع ذلك، فإنّ العديد من الموادّ المستخلَصَة من تلك الجزيئات المطّاطيّة المستخدَمة في الإطارات المُعاد تدويرها لم تخضع لاختبارات التسمّم، وتشير التّجارب الأوّليّة إلى أنّ بعضها ملوّث وقد يسبّب السّرطان. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الموادّ المستخلَصة من جزيئات المطّاط، مثل المعادن الثّقيلة، هي ثابتة ولا تتحلّل على مرّ الزّمن، ولذلك يجب إجراء تجارب إضافيّة لاختبار التأثير طويل المدى للعشب الاصطناعيّ، مثل اختبار تأثيره في خزّانات المياه المجاورة للمَلاعب ذات العشب الاصطناعيّ.
التقييدات والموانِع
نظرًا لِعدم اليقين، قرّر الاتّحاد الأوروبيّ تقليل المخاطر واتّخاذ إجراءات للحدّ من الضّرر الّذي قد تسبّبه تلك الهيدروكربونات العطريّة ذات الحلقات المتعدّدة. لقد قام الاتّحاد الأوروبيّ في أوغسطس 2022 بتخفيض الحدّ المسموح به لثمانية من هذه المركّبات بنسبة %80 في العشب الاصطناعيّ مقارنة بالحدّ المسموح به في السّابق. بالإضافة إلى ذلك، يدرس الاتّحاد حظر بيع جزيئات الميكروبلاستيك الّتي تُستخدَم لملء العشب الاصطناعيّ، أو، في المقابل، تطبيق تنظيمات تقلّل من انتشارها من العشب إلى الطّبيعة، مثل وضع حواجز. أملًا بأن يقلّ التلوّث البيئيّ بهذه الطريقة. ومن خلال ذلك، انضمّ الاتّحاد الأوروبيّ إلى عدد من المدن في الولايات المتّحدة، مثل بوسطون وعدد من المدن في ولايات كاليفورنيا وكونيتيكت، والتّي قيّدت استخدام العشب الاصطناعيّ. وقام بعضها بحظر تركيبه أيضًا مستقبَلًا في الحدائق العامّة. حتّى الآن، لا توجد أيّة قيود تُذكر على العشب الاصطناعيّ في البلاد، والّذي تمّ تركيبه وما زال يركّب في العديد من المدن في أنحاء البلاد.
وماذا عن حديقتكم البيتيّة؟
إذا كنتم ترغبون في حديقة خضراء ولا تستطيعون العناية بالعشب الطبيعيّ، أو، ببساطة، إذا كان غير مناسب لظروف المناخ في منطقة سكنكم، يمكنكم اختيار بدائل أكثر خضرة مثل زراعة الخضروات، نباتات محليّة إسرائيليّة، وحتّى استخدام موادّ مصنوعة من النّباتات في تعبئة العشب الاصطناعيّ مثل ألياف جوز الهند وقشور الجوز. يبدو أنّ البيئة الطّبيعيّة، حتّى لو كانت تربة بها نباتات وليست منظرًا أخضر، أفضل للصحّة- سواء لنا أو للبيئة.
* معهد دافيدسون – ترجمة : محمد وتد