المحامي زكي كمال - تصوير: موقع بانيت وقناة هلا
وضمن سياق الصراع الإسرائيلي الداخلي حول الانقلاب ألدستوري القضائي، لا يعني وقف التشريعات من جهة او إرجاء الاحتجاجات من جهة أخرى، والدليل القاطع من قبل الائتلاف هو قيام الأحزاب المتدينة الأرثوذكسية المتزمتة الأسبوع الماضي بطرح مشروع قانون يعني إعفاء الطلاب في المعاهد الدينية اليهودية ، بشكل نهائي وبنص قانوني، من تأْدية الخدمة العسكرية من جهة ويمنحهم من جهة أخرى نفس المزايا المالية والتشغيلية والاقتصادية وغيرها من المزايا التي يحصل عليها الجنود الذين ينهون خدمتهم العسكرية، بينما الدليل القاطع من المعارضين للانقلاب القضائي من الأطباء وارباب الصناعة والهايتك وغيرهم، هو استمرار الاحتجاجات ونشاطات تشويش العمل والإضرابات، ودمغ الصفحات الأولى والرئيسية للصحف المكتوبة في إسرائيل باللون الأسود حدادًا على انزلاق إسرائيل نحو الدكتاتورية، والحديث عن خطوات احتجاجية جديدة ستكون كما قال قادة الاحتجاجات ، مبتكرة وغير مسبوقة ، بمعنى انها ليست النهاية بل ربما بداية مرحلة جديدة او استراحة المحارب، والتي سيعود بعدها الى ساحة الصراع والمواجهة، بهمة ونشاط، ورغم ذلك فهي فرصة مرحلية على الأقل لمراجعة ما كان واستخلاص العبر والنتائج ومحاولة الوقوف على تفاصيل ما كان ومسبباته، خاصة بكل ما يتعلق بالمظاهرات الاحتجاجية ودوافعها وطرق نشاطها من جهة، ومعانيها ومغازيها الحالية والمستقبلية سياسيًا واجتماعيا خاصة بتفاصيلها المتعلقة بانتهاء الحلم الإسرائيلي الذي اعتبر إسرائيل بوتقة انصهر فيها كافة اليهود من مختلف بقاع العالم ، فتنازلوا عن المختلف وكرَّسوا العوامل والقواسم المشتركة نحو صياغة اليهودي الاسرائيلي الجديد، الذي ينتمي ثقافيًا وحضاريًا الى الغرب يحمل راية العلم والتقدم التكنولوجي، يعتبر الانتماء الى الدولة صاحب المرتبة الاولى يتغلب على باقي الانتماءات الفئوية والطائفية والدينية والسياسية والعقائدية، إضافة الى أسئلة حول "قوة الجماهير" مقابل قوة السلطة، وكذلك مقارنة لا مفر منها من الوضع في دولة إسرائيل، وقوانينها التي تتيح للمواطنين إمكانية التظاهر وحق الاختيار وإمكانية ممارسة الضغط الجماهيري على صنَّاع القرار ، وإلزامهم او " إقناعهم" بتغيير القرارات والسياسات، وأقول هذا رغم انتقاداتي ومعارضتي لتوجهات عديدة وكثيرة للحكومات المتعاقبة في إسرائيل، وتأدية المواطنين واجبهم في الدفاع عن الديمقراطية عبر اعلان التوقف عن التطوع في مهام عسكرية او ربما سحب استثمارات ونقل مصانع من إسرائيل الى دول أخرى، وليس فقط الاكتفاء بالتصويت يوم الانتخابات، مقابل الوضع السائد في دول عديدة من الشرق الأوسط خاصة، وملخصه ان لا مكانة للمواطن في حياة الدولة ولا دور له، وانه لا حق له في أي محاولة لتحسين وضعه او تغيير الحالة السائدة او المطالبة بحقوقه بل ان السؤال هنا يجب ان يكون حول ما اذا كانت احتجاجات شعبية كالتي شهدتها إسرائيل منذ ثمانية اشهر تقريبًا، ممكنة اصلًا، أي ما اذا كانت السلطات ستسمح بوجودها، والسؤال الأهم: هل مثل هذه الاحتجاجات السلمية، رغم بعض مظاهر العنف التي تخللتها، ممكنة أصلًا بمعنى هل تسود الشرق الأوسط ثقافة الاحتجاجات السلمية ام انها سرعان ما تلبس ثوبًا قمعيًا خاصة من قبل السلطة، كما حدث في سوريا والتي بدأت الحرب الأهلية فيها بشرارة انطلقت حين طالب مواطنون بمساءلة مسؤول حكومي سوري، واتخاذ خطوات لتحسين الوضع الاقتصادي وضمان الحريات الشخصية، لترد عليها السلطة بالنار والحديد.
بخلاف الاحتجاجات السابقة التي شهدتها إسرائيل، لم تكن هذه الاحتجاجات فئوية تنحصر في قطاع خاص، كتلك القليلة التي نظمها المواطنون العرب ضد قانون القومية او التي نظمها المستوطنون ضد قرار الحكومة عام 2005 الانسحاب من طرف واحد من قطاع غزة ومستوطنات شمال الضفة الغربية، او التي بادر اليها اليهود الفلاشا من أصل اثيوبي او تلك التي ينظمها بين الفينة والأخرى المنتمون الى التيارات الدينية المتزمتة- الحريديم- رفضًا للتجنيد العسكري، مع الإشارة هنا الى قواسم مشتركة بين احتجاجات المستوطنين والعرب والمتدينين، باعتبارهم مجموعات يميزها التمسك بثوابت معينة فالمستوطنون يرفضون التنازل عما يسمونه حق اليهود في ارض اسرائيل والاستيطان والعرب يرفضون التنازل عن وجودهم هنا وارضهم وبقائهم بينما يرفض الحريديم التنازل عن رفضهم لتأدية الخدمة العسكرية وإصرارهم على دراسة التوراة، بل انها جاءت نتيجة لتيار جديد ، تجمعه قيم ديمقراطية ليبرالية تكنولوجية علمانية يريد أفراده المساواة وينشدون التقدم الاقتصادي والأكاديمي ويختلفون في أنماط تصويتهم ومنطلقاتهم السياسية من حيث تصويتهم ومكانتهم وامكانياتهم الاقتصادية، ناهيك عن ايمانهم التام بعدم جواز او قبول نظام حكم يعتمد على مجموعة سكانية واحدة يعمل لمصلحتها ويخدمها دون غيرها ويمارس التمييز الواضح ضد الآخرين، وعن ان كافة القرارات التي تتعلق بطبيعة الدولة ونظامها الديمقراطي يجب ان تتخذ بالتوافق او بعد مشاورات ودون سياسة تحطيم الرؤوس، مقابل مجموعة مؤيدي الانقلاب الدستوري التي تؤمن بالقوة ثم المزيد من القوة، وتتبنى مبدأ النصر التام واكتساح المعارضين او الخسارة التامة او لعبة الرصيد الصفري وهي لعبة تمارسها عادة أنظمة دكتاتورية وجماعات متطرفة ترفض التعددية والرأي الآخر، وهو ما تمارسه وتريده الحكومة الحالية بتركيبتها اليمينية المتدينة المتطرفة والخلاصية، فهي تريد اولًا وقبل كل شيء هزم حركة الاحتجاج مهما كلف ذلك الأمر من ثمن سياسي واقتصادي ودولي واجتماعي داخلي، عملًا بمبادئ الاحزاب الدينية والتعليمات التوراتية التي تنص حرفيًا على قتل الأعداء وإخضاع المناوئين كي لا تقوم لهم قائمة، حتى لو كان الثمن كما هو عليه اليوم، بعد اقل من أسبوعين من تمرير "قانون المعقولية" او "قانون الأرجحية" ، فقدان الجيش قدرته العسكرية او جاهزيته العملياتية ولو خسرت البورصة الإسرائيلية نحو 5% من قيمة أسهمها ولو انخفض سعر العملة الإسرائيلية، ولو هربت عشرات مليارات الدولارات من أموال الاستثمار الأجنبي في مجال صناعات الهايتك والصفقات المستقبلية المختلفة وانهيار علاقات إسرائيل بالدول الأوروبية عامة والولايات المتحدة خاصة، ولو انفك الرابط الداخلي الاجتماعي والإنساني الذي حاولت دولة إسرائيل صياغته منذ قيامها عام 1948، وحتى لو تحولت إسرائيل الى ما هي عليه اليوم، أي الى دولة تقودها حكومة يمينية متطرفة هوجاء، تمارس العنصرية علنًا وتعتبرها رايتها الاولى، وتنتهج التطرف القومي سبيلًا .
"اضرار فادحة"
ورغم ما سبق أي رغم شرعنة حجة المعقولية ، والأضرار الفادحة التي الحقها ذلك بإسرائيل على مختلف الأصعدة، إلا انه يمكن القول ان حركة الاحتجاج، وهذه واحدة من مميزاتها الخاصة هذه المرة، أنقذت إسرائيل من حكومتها وأنقذت مواطني البلاد كافة وفي مقدمتهم أولئك الذين "يؤيدون"" الانقلاب - الدستوري القضائي وربما من منطلق موقفهم السياسي وتأليههم لشخص بنيامين نتنياهو واليمين وكراهيتهم الغرائزية وربما الفطرية لليسار والعرب والفلسطينيين ، من ويلات كبيرة وخطيرة فهي دون غيرها التي أوقفت الحكومة الحالية عن تسونامي تشريعاتها وكبحت جماح البرلمان وأشعلت الضوء الأحمر امام صناع القرار، او من ما زال بالإمكان وصفه بالعقلاني من بينهم، وبالتالي فهي حركة احتجاج، تجيء بالأساس لخدمة كافة مواطني الدولة بمن فيهم أولئك الذين ينعتون المتظاهرين والمحتجين بأقذع الشتائم ويلصقون بهم صفات الخيانة والفوضوية، أي أنها احتجاج لمصلحة الجميع بمن فيهم العرب الذين لا يكاد احد منهم يشارك فيها، وتهدف الى ضمان ان تبقى إسرائيل دولة ديمقراطية حية (كما كان نتنياهو قد وعد بايدن، قبل ان يتضح زيف هذا القول)يتمكن الجميع من العيش فيها دون ان تتحول الى دولة دكتاتورية تحكمها الشريعة اليهودية، وضمان بقائها دولة تملك من القوة العسكرية ما يردع خصومها واعداءها، ويشكل سلاح الجو فيها " اليد الطولى" والسوط المسلط على ايران وغيرها، وكي تبقى الحكومة كما هو الحال في كل دولة ديمقراطية، المسؤولة عن كل ما يحدث في البلاد، والمسؤولة الأولى عن توفير احتياجات المواطنين وضمان الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والأمن الشخصي وضمان العلاقات المثمرة مع دول العالم بدلًا مما يحدث اليوم، فالحكومة تعمل فقط لمصلحة وزرائها ورئيسها، وتتناسى التدهور الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وتقديم الصناعات والاستثمارات قربانًا على مذبح المطامح الشخصية والفئوية، ومواصلة اتهام الحكومة السابقة بكل أمراض إسرائيل الاقتصادية والسياسية والعسكرية بما في ذلك الادعاء بان الرئيس الأمريكي جو بايدن لم يدع نتنياهو لزيارة البيت الأبيض بسبب تحريض المعارضة الإسرائيلية ، جنبًا الى جنب مع محاولة الحكومة دوس السلطات الأخرى وخاصة السلطة القضائية وتقليم اظافر المسؤولين القضائيين وفي مقدمتهم المستشارة القضائية للحكومة غالي باهراف ميارا، خاصة بعد ردها على التماسات ضد قانون التغيب ليؤكد انها من منصبها الرفيع، تقول ان البرلمان اليوم يشكل دمية في يد السلطة التنفيذية وانه يسن القوانين بعد تفصيلها على مقاس وزير او رئيس الحكومة أي ان الحكومة تستغل قوتها وسلطتها لتعزيز سيطرتها المطلقة وهدم الجهاز القضائي ، ومن بعدها كافة المستشارين القضائيين في الوزارات والمؤسسات الحكومية، وكذلك القضاة في مختلف المحاكم وفي مقدمة القائمة، قضاة محكمة العدل العليا وهم الذين تنتظرهم تحديات خطيرة تتعلق بقرارات عليهم اتخاذها حول قضايا أساسية منها التشريعات الأخيرة التي اقرتها الكنيست والحكومة، ومنها حجة المعقولية وغيرها والتي سيتم البت بها في شهر أيلول القادم.
هذا هو السؤال الأهم في نظري اليوم وفي الأشهر القادمة، أي هل ستقوم محكمة العدل العليا بإلغاء قوانين سنتها الكنيست، ومنها قانون الأرجحية او المعقولية، وربما قانون " التغيب او العجز عن تأدية المهام الدستورية"، والجواب هو ان المحكمة قد تفعل ذلك في خطوة قد تكون الأخيرة في عهد الرئيسة استير حيوت، في محاولة لتصحيح "خطأ " كانت محكمة العدل العليا قد اتخذته في بداية عهد حكومة نتنياهو السادسة حين أقر قضاتها بالإجماع ان القانون يمنح نتنياهو إمكانية التنافس على رئاسة الحكومة وترأسها رغم ملفاته الجنائية ولوائح الاتهام المقدمة بحقه، وهي خطوة وإذا ما اخذنا بعين الاعتبار ، تهديدات الوزراء والنواب من الائتلاف المبطنة والصريحة للقضاة بان عليهم ان يدركوا محدودية صلاحياتهم وانهم يحاولون الانقلاب على الحكومة وقرار الشعب او تنحية رئيس وزراء منتخب من قبل مجموعة موظفين غير منتخبين، ستؤدي الى ازمة دستورية تشريعية ستقرر الحكومة كلها ولأول مرة في تاريخ دولة إسرائيل، رفض الانصياع لقرارات المحكمة العليا، علمًا ان الأمر حدث مرة واحدة ولكن بشكل أقل وطأة حيث رفض رئيس الكنيست يولي ادلشتاين، بعد الانتخابات قبل الأخيرة قرار محكمة العدل العليا الذي الزمه بدعوة الكنيست الى جلسة خاصة بعد ان اتضح ان نفتالي بينيت تمكن من تشكيل حكومة التغيير، وبالتالي سيضطر مسؤولون كبار خاصة في الأجهزة الأمنية الكبيرة ومنها الجيش والموساد والشاباك والشرطة والمستشارين القضائيين وغيرهم الى اتخاذ قرار واضح وصريح حول من يملك ولاءهم: الحكومة والسلطة السياسية ام القانون والعدالة والقضاء، ومنهم من سارع الى الإعلان عن موقفه ، وهو ما قاله مسؤولون في الموساد والشاباك بأن" الوقوف في الجانب الصحيح من المعادلة"، وهو ما ستثبته الأيام القريبة رغم تشكيلة محكمة العدل العليا ووجود قضاة من التيار المحافظ فيها ومنهم نوعام سولبرغ الذي حاول بنيامين نتنياهو استخدام اسمه ومواقفه كمسوِّغ لإلغاء حجة المعقولية ، حتى إضطر سولبرغ الى الإعلان بأن ما ينقله نتنياهو والائتلاف عن مواقفه، هو خاطئ ومشوه ربما بشكل مقصود وانه لم يدع الى الغاء حجة المعقولية بل ربما إعادة النظر في وتيرة استخدامها من قبل القضاة.
"انفلات تشريعي حكومي"
هذه الأمور سابقة الذكر وملخصها انفلات تشريعي حكومي يواصل الائتلاف الحالي فيه استغلال اغلبيته البرلمانية والانتخابية، رغم الاستطلاعات التي تؤكد تضاؤل قوته، لتنفيذ انقلاب قضائي ودستوري ينقل إسرائيل الى مصاف الدول التي تقف على شفا هاوية الدكتاتورية وحكم الرجل الواحد والحزب الواحد او حكم الشريعة اليهودية دون حسيب قضائي ودون رقيب جمهوري ، بعد ان قزَّم نتنياهو دور مكتب مراقب الدول بتعيين مقربه متنياهو انغلمان مراقبًا للدولة دون أسنان (بدعم النواب العرب في البرلمان) ، وحكومة تريد لنفسها سلطات غير مسبوقة وبرلمانًا يخضع له وينفذ اوامرها ورغباتها ونزوات أعضائها لتغيير قوانين سارية المفعول منذ 75 سنة، ومنها تغيير " قانون الشرطة" لمنح ايتمار بن غفير سلطات وصلاحيات غير محدودة تصل حد تحديد السياسات العملياتية للشرطة وإصدار أوامر الاعتقال الإداري بحق المواطنين العرب، او تعديل القانون بما يسمح للوزير السابق ارييه درعي من حركة "شاس " المتدينة لليهود الشرقيين، بتولي منصب وزير رغم ادانته بتهم الرشوة وزجه في السجن مرة واحدة وتكرار ارتكاب مخالفات الغش والخداع وخيانة الأمانة، والسماح للوزراء بإقالة المستشارين القضائيين دون سبب وتعيين المقربين وتكريس الفساد والمحسوبيات الحزبية، وإعلان وزراء ان قرارات المحاكم هي توصيات غير ملزمة، لم أوردها هنا عبثًا، بل دليل على امرين أولهما يفسر التدهور الخطير في القيم القانونية والسلطوية لدولة إسرائيل وحكومتها ، وكذلك ما طال الجهاز القضائي من " خوف ورعب" جعلها تتنازل عن رقابتها وتسمح لمتهم بتهم جنائية بإشغال منصب رئيس الوزراء، والتي كان القاضي إدموند ليفي، قاضي المحكمة العليا ، وهو متدين ومن اصل يهودي شرقي قد حذَّر منها في عام 2008، حين حاول البعض ومنهم المستشار القضائي للحكومة في حينه ميني مازوز ، اقناع المحكمة بقبول صفقة ادعاء في قضية اتهام رئيس الدولة آنذاك موشيه كتساف بتهمة اغتصاب موظفة عملت لديه، حين قال في معرض موقفه الرافض للاتفاق او للصفقة المذكورة (وهو قرار مخالف في المحكمة حينها) :" في مواجهة الفساد المستشري في القطاع العام حيث قرر علينا تعزيز قوة الجهاز القضائي، وهو تعزيز يبدو القيام به بعيدا عن قلوب وعقول شخصيات وهيئات رفيعة المستوى في السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، وليس ذلك فحسب، بل ان هذه الشخصيات والهيئات ، تواصل العمل دون كلل او ملل كمن اصابها مسٌ من الجنون، لنزع الشرعية عن الجهاز القضائي متذرعين بحجج واهية وشعارات فارغة ، تتحدث عن فصل السلطات ، وتحاول تنفيذ ذلك عبر تشريعات وقوانين تهدف الى زيادة التدخل السياسي في تعيين القضاة وتحديد صلاحيات المحاكم والمحكمة العليا ، مع الإشارة الى أمرين إن هذا هو تهديد لم يسبق ان واجه الجهاز القضائي مثله والثاني ان هذا التصرف هو الوصفة السحرية والأكيدة للمس الخطير بالديمقراطية، وضمان للفساد السلطوي وفساد القيم". وأضاف:" اعتدنا في سنوات الدولة الأولى قادة يعيشون حياة تقشف وزهد، يكرسون وقتهم لمصلحة الدولة والشعب، وليس لمصلحتهم الخاصة، لكننا في السنوات الأخيرة نلاحظ حالات كثيرة استغل فيها رجال الجاه والشخصيات العامة مناصبهم وسلطتهم لتحقيق مآرب شخصية لهم ولمقربيهم، وكثيرًا ما يكون ذلك على حساب الأموال العامة والمال العام، وبأختصار هي دليل مرض خطير يشكل خطرًا على إسرائيل لا يقل حدة عن الأخطار والتهديدات الأمنية الوجودية.". واختتم قائلاً:" الحقيقة القاسية ربما أكثر هي ان المجتمع الإسرائيلي يعتاد مظاهر الفساد وينظر اليها كأنها امر المعتاد، وربما ينبع ذلك من الشعور بالعجز وعدم القدرة على التغيير او بسبب الرأي السائد من ان الشخصيات الهامة اذا ما فسدت فإنها تعامَل بالحسنى وبتسامح وان شؤونهم يتم "ترتيبها" بحلول إبداعية تتم في غرف "مغلقة"، وهو ما يحاول القضاة اليوم فعله في ملفات نتنياهو عبر التصريح بأن ادانته بتهمة تلقي الرشوة صعبة للغاية وبالتالي ربما يجب التوصل الى صفقة ادعاء او تجسير.
ولكن يبدو ان تشريعات الحكومة الحالية التي يلفها نوع من نشوة الأغلبية والشعور بانها تملك صلاحيات غير محدودة وانه يمكنها بأغلبيتها البرلمانية ان تتخذ أي قرار تريد وأن تمرر أي تشريع تريد لمجرد انه يمكنها ذلك ، ولمجرد كون اليسار والمركز في تقهقر مستمر وتراجع شعبي وبرلماني ما جعل الحكومة تظن ان بإمكانها دوسه وتجاهله فهو في عداد الموتى ، وان تفرض على السلطة القضائية القيود وان تعين القضاة "وفق مقاييس حزبية وولاء عقائدي" وان تحول القطاع العام الى مرتع للمحسوبيات والفساد وان تمارس قمع الرأي المهني للخبراء، وغير ذلك من خطوات، كانت وبفعل تركيبتها وتصرفات وزرائها ونوابها واعلامها المجنَّد ، كانت القشة التي قصمت ظهر البعير او تلك نقطة الماء التي يبدأ معها الفيضان، على شكل احتجاجات تتواصل منذ ثمانية اشهر ونشوء تيار مركز يسار ليبرالي يرفض الدكتاتورية والقيود ودولة الشريعة، ويقول للحكومة ان للقوة حدودا، وكأن براقش قد جنت على نفسها، او بكلمات مبسطة لما قاله القاضي إدموند ليفي، ان إسرائيل تحولت من دولة وصفها قادتها بأنها نور ومنارة للعباد الى دولة يسودها ويحكمها الفساد ، يسعى وزراؤها ومسؤولوها الى مزيد فمزيد من المناصب والسيطرة والسلطة، متناسين ان السلطة مفسدة إذا ما أساؤوا فهمها، او كما قال الرئيس الأمريكي توماس جيفرسون:" كلما وضع الإنسان المناصب نصب عينيه بدأ الفساد في سلوكه".
هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع بانيت هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة راي التحرير في موقع بانيت .
يمكنكم ارسال مقالاتكم مع صورة شخصية لنشرها الى العنوان: [email protected]