صورة للتوضيح - shutterstock_dominique landau
تحوي العديد من الأطباق المشهورة حول العالم الأجبان الّتي تثريها بالمذاق الدّهنيّ اللّذيذ. لا يُعتبر هذا الأمر غريبًا، فمن منّا لا يحبّ الأجبان؟ بأنواعها المختلفة، قوامها ومذاقها المميّز. تعتبر الأجبان مصدرًا جيّدًا للبروتين والكالسيوم، ولها فوائد غذائيّة عديدة ومذاق مميّز. سنركّز اليوم على الأجبان البيضاء، وهي الأجبان الّتي لم تمرّ بعمليّة النّضج - وهي عمليّة ينضج فيها الجبن في ظلّ ظروف خاضعة للرّقابة.
يُصنع معظم هذه الأجبان من حليب البقر، الماعز أو الأغنام، ولها قوام ناعم ودسم - على سبيل المثال جبنة الفيتا، القريش، الريكوتا، الموزاريلا، الجبنة القشديّة، الماسكربونيّ وبالطّبع الجبن الأبيض. لبعضها قوام قشديّ، وللبعض الآخر قوام أكثر صلابةً ولكنّه طريّ ومرن، وهناك أيضًا أجبان بيضاء ذات قوام متفتّت. تختلف الأجبان عن بعضها في طرق التّحضير وفي الطّعم والقيم الغذائيّة، وغيرها المزيد. سنقدّم لكم اليوم وصفة المعجّنات البلغاريّة "بانيستا" (Banitsa): معجّنات من أوراق الأرزّ المحشوّة بالجبن والسّبانخ.
ماذا نحتاج؟
- 400 غرام من أوراق السّبانخ المغسولة (أو أكثر - حسب التّفضيل)
- كوب من جبن القريش (Cottage cheese)
- حوالي 200 غرام من الجبنة البلغاريّة مقطعة لمكعبات
- 100 غرام جبن كاتشوكافالو (Caciocavallo) مبشور
- 3 بيضات كبيرة
- ملح حسب التّفضيل
- فلفل أسود
- 10 أوراق أرز (Rice paper)
طريقة التّحضير
نقوم بخلط السّبانخ، جميع الأجبان، البيض والبهارات جيّدًا في وعاء كبير. سيقل حجم أوراق السّبانخ بشكل كبير. يجب دهن الزّيت على صينيّة فرن مستطيلة الشّكل مقاسها 28*20 سم أو بحجم مماثل.
نقوم بملء وعاء مسطّح بالماء، ونغمس فيه ورقة أرزّ حتّى تصبح ليّنة ورطبة، ثمّ نحشوها بالخليط ونلفّها ثمّ نضعها في القالب. نكرّر هذه الخطوات مع أوراق الأرزّ المتبقِّيّة.
ندهن أوراق الأرزّ المحشوّ بزيت الزّيْتون. ثمّ نقوم بخبزها في فرن مسخّن مسبقًا على حرارة 180 درجة مئويّة لمدّة نصف ساعة تقريبًا، حتّى يصبح لونها بنيًّا.
والآن، هيًّا ننتقل للعلم!
لإنتاج كيلوغرام واحد من الجبن الطّريّ، مثل الجبن الأبيض، القريش، الصّفديّ أو البلغاريّ، نحتاج إلى أربعة إلى خمسة لترات من الحليب الخامّ. في المرحلة الأولى من عمليّة إنتاج الجبن، علينا فصل بروتين الحليب الرّئيسيّ، المُسمَّى جُبنين أو كازين (Casein)، عن مكوّنات الحليب الأخرى، والّتي تشمل 90% من الماء، حوالي 4% من الدّهون، 5% من السُّكَّريّات وكمّيّة صغيرة من الملح والبروتينات الأخرى.
تترتّب البروتينات في الحليب على شكل فقاعات صغيرة تُسمّى أزاميل (Micelles)، والّتي تتكوّن من العديد من جزيئات الجُبنين الفرديّة. تتكوّن البروتينات من سلاسل طويلة من اللّبنات الأساسيّة الّتي تُسمّى الأحماض الأمينيّة. تحوي هذه السّلاسل مناطق ذات شحنة كهربائيّة سالبة، والّتي تشكّل رابطًا مع جزيئات الماء الموجودة في الحليب، وبالتّالي تُسمّى بعض المناطق مُحِبَّةً للماء (Hydrophilic)، ومناطق أخرى كارهة للماء (Hydrophobic).
بسبب هذه البنية، تترتّب البروتينات على شكل كرات صغيرة، بحيث تتّجه فيها المناطق الكارهة للماء إلى الدّاخل والمناطق المحبّة للماء للخارج نحو جزيئات الماء الموجودة في الحليب. بهذه الطّريقة ترتبط الكرات بجزيئات الماء وتنتشر فيها بشكل موحّد وبدون كتل.
تشكيل الرّوائب
لفصل البروتينات عن المكوّنات الأخرى، يجب تغيير هيكل كرات البروتين حتّى تتمكَّن من الارتباط معًا، في مجموعات كبيرة صلبة من البروتينات تسمّى الرّوْبَة (Curd). يمكن تشكيل الرّوائب بعدّة طرق.
إحدى الطّرق هي إضافة حمض إلى الحليب، مثل الخلّ أو عصير اللّيمون. يؤدّي ذلك إلى تغيير بنية البروتينات، في عملية تسمّى الإفساد البروتينيّ (Denaturation)،ثمّ يصبح مبناها بلوريًّا في عمليّة التّخثّر(Coagulation). بعد ذلك، تُصفَّى المادّة الصّلبة النّاتجة وتُضغَط لإزالة بواقي الماء، ثمّ يتمّ تشكيل الجبن.
هكذا، على سبيل المثال، يُنتَج الجبن الأبيض وجبن القريش. لتحضير الجبن الأبيض، يجب غلي الحليب وإضافة الخل أو عصير اللّيمون إليه، ثمّ تصفيته لبضع ساعات أو أيّام، ثم يُحفَظ بعدها في الثّلاجة. يبدأ تحضير جبن القريش مثل الجبن الأبيض، لكن عندما تتشكّل الرّوبة، تُفصَل جزئيًّا عن الماء، ثمّ تُضاف القشدة إليها.
هناك طريقة أخرى لتحضير الجبن، والّتي تتمثّل باستخدام إنزيم الرّينين (Rennin)، الّذي يقوم بتفكيك مناطق معيّنة في بروتينات الجُبنين، ممّا يتسبّب في تكوين الرّوائب. ثّم يُطهَى الخليط لتبخير المزيد من الماء. يُصفّى الجبن الصّلب ويُضغَط لتكوين الشّكل المطلوب. بهذه الطريقة، تتشكَّل روبة صلبة تُستَخدَم لصنع مجموعة متنوّعة من الأجبان، بما في ذلك جبن التّشيدار، الموزاريلا والبري.
يمكن أيضًا إنتاج الجبن بمساعدة البكتيريا الّتي تحوّل سكّر الحليب، اللّاكتوز، إلى حمض اللّاكتيك. يُغيِّر حمض اللّاكتيك بنية بروتينات الجُبنين بنفس طريقة الأحماض الأخرى الّتي ذكرناها. بواسطة هذه الطّريقة تُصنع الأجبان من نوعيْ القريش والفيتا.
في بعض الأحيان، يتمّ الجمع بين عدّة طرق، مثل دمج الحمض مع إنزيم الرّينين، أو مع البكتيريا المحلّلة للاكتوز لتكوين الرّوائب. يؤدّي التّحكّم في كمّيّات الأنزيم، البكتيريا، الحمض ودرجة حرارة الحليب أثناء تشكيل الجبنة لإنتاج عدّة أنواع مختلفة من الرّوائب، لكلّ منها خصائصه الفريدة المناسبة لصنع جبن معيّن.
أجبان دسمة؟
يمكننا اليوم فصل الطّبقة الغنيّة بالدّهون عن باقي الحليب باستخدام جهاز طرد مركزيّ (Centrifuge)، الّذي يدور فيه الخليط بسرعةٍ عاليةٍ. هنا أيضًا، يعتمد الفصل على الاختلافات في كثافة الموادّ في الخليط. ترسب المواد ذات الكثافة العالية - الثّقيلة - في قاع الوعاء الدوّار، وتنفصل عنها الطّبقة الخفيفة الغنيّة بالدّهون في الأعلى، ولهذا يسهل فصلها عن باقي خليط الحليب.
قد تتراوح نسبة الدّهون في القشدة الّتي يتمّ الحصول عليها بهذه الطريقة من عشرة بالمائة إلى أكثر من خمسين بالمائة. تتساوى نسبة البروتينات والدّهون في الحليب الطّبيعيّ، بينما تكون نسبة الدّهون في القشدة أعلى بعشرة أضعاف أو أكثر من كمّيّة البروتين. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر قوام القشدة أكثر سمكًا من الحليب، وذلك لأنّ كُريات الدّهون الموجودة بداخله تكون مضغوطة في حجم أصغر بكثير من الماء، وتكون حركتها أبطأ ممّا هي عليه في الحليب الخامّ.
يمكن إضافة الدّهون إلى الحليب العادي بحسب النّسبة المرغوب بها، ثمّ الاستمرار في صنع الأجبان الدّهنيّة بالطّرق الّتي قمنا بذكرها سابقًا.
بين الجبنة القشديّة والماسكربونيّ
تحوي الجبنة القشديّة الشّائعة المصنوعة من حليب البقر نسبة عالية من دهن الحليب. طَوَّر عملية تحضيرها في عام 1873 مزارع الألبان في نيويورك ويليام أ. لورنس (William Lawrence)، عندما حاول إنتاج جبنة دسمة مشابهة لجبنة نيوفشاتيل (Neufchâtel). أسفرت إضافة الدّهون إلى إنتاج الجبنة القشديّة. بعدها بقليل، أفادت منظّمة الزّراعة الأمريكيّة أنّ الجبنة القشديّة التّجارية عليها أن تحوي 33 في المائة من دهن الحليب وَ-55 في المائة من الماء. كما يجب أن يكون الجبن حامضًا ومصنوعًا من حليب البقر.
تعتبر جبنة الماسكربوني دسمة ذات لون أصفر، ذات قوام ناعم بشكل خاصّ ومناسب للدهن. يعود قوامها المميّز إلى نسبة الدّهون العالية فيها، والّتي قد تصل إلى 75 في المائة. تُصنع جبنة الماسكربوني بإضافة حمض الطرطريك أو حامض السّتريك إلى القشدة الغنيّة بالدّهون، وبقيّة العمليّة مشابهة لتلك الخاصّة بالجبن الأبيض.
نسبة الدّهن المختلفة لهذين النّوعين من الأجبان هو ما يعطيها الطّعم والقوام المميّز. تحوي الماسكربوني ما لا يقل عن ضعف كمّيّة الدّهون الموجودة في الجبنة القشديّة، لذلك مذاقها غنيّ جدًّا ويكاد يذوب في الفم. بينما تميل الجبنة القشديّة إلى أن تكون أكثر صلابةً وذات مذاق أخفّ حدّة.
هناك وصفات يمكنك من خلالها استبدال الجبنة القشديّة بالماسكاربوني، لكنّ النّتيجة قد تكون أقلّ ثراءً ودسمًا. كما أنّ الماسكربونيّ ليس بديلًا مثاليًّا للجبنة القشديّة، في الوصفات الّتي تتطلّب طعمًا حامضًا قليلًا. بالتّالي، من المهم أن نفهم كيف يمكن أن تؤثّر الاختلافات بينهما على ملمس المعجّنات أو الحساء ومذاقاتها.
ويظلّ ما عرضناه اليوم غيضًا من فيض، حيث توجد مجموعة متنوّعة من الأجبان البيضاء المتوفّرة في الأسواق اليوم. يعتبر فهم المصنّعين لعمليّات تحضير الأجبان، ومعرفة المكوّنات النّشطة في الحليب أساسيّ لتكييف عمليّة تحضير نوع الجبن المطلوب. يتطلّب تحضير الأجبان الدّسمة مهارة خاصّة، لكنّ النّتيجة هي منتج لذيذ من الممتع وضعه على الطاولة. بالصّحّة والعافية!
* ترجمة : حنان أبو طه - معهد دافيدسون
صورة للتوضيح - shutterstock_Gregory Gerber