المحامي زكي كمال
أو التوافق على الرأي القائل إن الأشهر الأولى من عمر أيّ حكومة إنما هي فترة تجريبيّة، أو بداية عهد، ولذلك يجب أن لا تقاس بعرضها، أيّ بأحداثها ومجرياتها، وما تمّ خلالها من تطوّرات وإنجازات، وهو ما تُقاس وفقه الحكومات المختلفة، إلا أن مجريات الأحداث في إسرائيل على مدار الأشهر الستة الأولى المنقضية من عمر حكومة بنيامين نتنياهو السادسة، تؤكّد أن الحكومة هذه نجحت، وخلال هذه الفترة القصيرة في كسر كافّة القواعد والمسَّلمات، ومناقضة كافة المفاهيم والتوقّعات، وفي كافّة المجالات الاقتصاديّة السياسيّة والحزبيّة والقضائيّة والجماهيريّة، وفي علاقتها مع المواطنين العرب داخلها ومع الفلسطينيّين. وهو ما تؤكّده أحداث يبدو للوهلة الأولى أن لا رابط بينها ليتضح العكس، بدءًا بتدهور الاقتصاد مرورًا بهجرة الأدمغة، وانعدام الاستثمارات وانتهاءً بالاحتجاجات التي تدخل شهرها السادس والمظاهرات الاحتجاجيّة العارمة التي شهدتها البلاد ضد الانقلاب القضائيّ، ونتائج انتخابات نقابة المحامين العامّة، والمواجهات العنيفة بين المواطنين العرب أبناء الطائفة المعروفيّة في الجولان والجليل والكرمل مع قوّات الشرطة، وكذلك وبوتيرة أقل المظاهرات ضد استفحال العنف في المجتمع العربيّ، خاصّة بعد جريمة قتل خمسة مواطنين في قرية يافة الناصرة قبل ثلاثة أسابيع.
وعملًا بالحديث "إذا لم تستح فاصنع ما شئت"، جاءت هذه الحكومة رافعة على رؤوس الأشهاد، ودون وجل أو خجل، رايات ومواقف وتصرّفات تشكّل في مجملها نظامًا سياسيًّا جديدًا يتّسم بصفات الدكتاتوريّة تحت غطاء الأغلبيّة الديمقراطيّة، أو ما كان الحكيم أرسطو قد سمّاه ديمقراطيّة الأغلبيّة الغوغائيّة. وهي التي كان قد حذَّر منها واعتبرها أسوأ أنواع الديمقراطيّات فهي لا تلتزم بالقانون، في أسوأ الحالات، أو تتجاهل القوانين والأعراف والأمور المتّبعة والمعروفة في أحسن الحالات، أو محاولة تغيير كلّ عرفٍ وقانون ونظام لا يتماشى ومواقفها السياسيّة والدينيّة والحزبيّة والقضائيّة وغيرها، مؤكّدة أنها تفهم الأغلبية الانتخابيّة على أنها تصريح وتفويض تامّ يتيح لها تقويض ما كان والانشغال بما يهمّ المنتَخَبين بدلًا من المُنْتَخِبين، وبمصالح النخبة بدلًا من مصالح العامّة، واستعاضت عن تفعيل الديمقراطيّة وتطبيقها وتحسين حال الدولة والمواطن والحفاظ على حقوق الأقليّة، بتفعيل غوغائيّات سياسيّة ودينيّة وحزبيّة وطائفيّة واجتماعيّة، وشرعنة تصرّفات دكتاتوريّة وانتقاميّة بدلًا من النظام والقانون، وكرَّست تقسيم مواطنيها إلى شعب وجماعات وفئات متقاتلة ومتخاصمة حتى الاقتراب من العداء التامّ، متناسية ما اتّفق عليه معظم الحقوقيّين والمفكّرين والسياسيّين الديمقراطيّين بأن فرص الأنسان في التقدّم والتطوّر والعطاء والإنتاج في أيّ مجتمع كان، تعتمد على كونه يعيش وفقًا لأحكام القانون، وفي ظلّ نظام يضمن حقوقه وكرامته. وإن صيانة القانون واحترامه من حيث المكانة والعموميّة وحتمية التنفيذ بمساواة تامّة، وعدم اعتباره توصية غير ملزمة، أو وسيلة تمييزيّة عنصريّة تشرعن فوقيّة مجموعة عرقيّة ما، وتوجه أيديولوجيّ وسياسيّ ودينيّ ما، وتكرِّس دونيّة مجموعة عرقيّة أخرى وتوجّه ايديولوجيّ وسياسيّ ودينيّ ما، من خلال صيانة القانون وتطبيق الدستور وضمان سيادة القانون ، وهذا مثلًا أحد مبادئ الدستور البريطانيّ.
الحكومة الحاليّة، ونصف عامها الأوّل، كان عريضًا في سياق هدم ما كان وكشف عوراتٍ حاولت حكومات سابقة سترها، فهي تحاول عبر استغلال سافر للنظام الانتخابيّ الديمقراطيّ، تحويل الدولة الديمقراطيّة الإسرائيليّة، بنواقصها التي يعرفها الجميع، والتي تخلّلها تمييز ضدّ العرب وفرض الحكم العسكريّ عليهم، واحتلال الضفة الغربيّة وشرقيّ القدس والاستيطان، إلى نظام حكم يعتمد أسلوب السلطة والقوّة المطلقة في يد مجموعة ما استغلّت "الديمقراطيّة لقتل الديمقراطيّة" والوصول إلى وضع، يحدّد فيه ساسة اختارهم الشعب بحريّة انتخابيّة، دون قيود أو مراقبة أو مساءلة، تشريعات تحكم سلوك وتصرّفات كلّ فرد في الدولة بما يلائمهم، وتحديد حرّياته لمجرّد أنه مختلف سياسيًّا أو عرقيًّا، أو دينيًّا ، أي خلق وضع جديد يتمّ فيه استبدال حقّ الناس كلّهم في اختيار ما هو مناسب لهم، بحقّ كامل وتامّ للديكتاتور، أو الحاكم الأوحد، باختيار أو تقرير ما هو صحيح دون النظر إلى رأي الجماهير، أي تغليب ما في مصلحته على الأمور التي تصب في مصلحة العامّة، وتحويل الوضع القائم من دولة فيها الناس لا يهمّهم من يحكم، بل يهمّهم كيف يحكم، أي يهمّهم أن تكون الحكومات حتى لو لم يكونوا من مؤيّديها والذين صوّتوا لها، طريقة ووسيلة لضمان حياة وحريات مواطنيها كافّة وكرامتهم وحقوقهم وسبل عيشهم باحترام، وبالتالي للمواطنين الحقّ، عبر انتخابات دوريّة وديمقراطيّة وحرّة، في محاسبة ومساءلة ومعاقبة من لا يؤدّي مهامّه تلك، إلى دولة المهمّ فيها من يحكم دون التفات إلى كيفيّة حكمه وطريقته وإلى ممارساته، بمعنى تقديس الحاكم واعتباره الأهمّ، وانتهاء دور مؤسّسات وسلطات الدولة الديمقراطيّة كالمحاكم والشرطة والقانون بمعناه العامّ والواسع والعادل وزوال مصطلح حقوق الأقليّات، وسيادة حالة جديدة تكون الديكتاتوريّة، أو الاستبداد نظام حكم يكون فيه شخص واحد قويّ، أو مجموعة قويّة قليلة صاحبة القول الفصل ، تحكم الشعب بأكمله دون أيّ إذن، أو اعتراض أو مساءلة، ولكن ......"بموجب القانون" الذي تم تفصيله على مقاسها ويمكنها من اختيار القضاة الملائمين لها ولتوجّهاتها وأفراد الشرطة كذلك والمستشارين القضائيّين، كمن يضع العربة أمام الحصان، أو يحدّد الهدف، وما على الجميع سوى السير كالقطيع تجاهه.
لم يخطئ شكسبير في قوله" الغلو بالثقة هو العدو الأكبر لبني البشر"، وكأنّه يصف الحكومة الحاليّة، فهي التي يكرّر أفرادها وأعضاء ائتلافها ترديد عبارة "حصلنا على ثقة غالبيّة الشعب في الانتخابات والنتيجة هي أغلبية واضحة" لم تفهم ، أو ربما غالت في ثقتها بنفسها، فاعتقدت أن ذلك يعني إطلاق اليد والعمل دون ضوابط ودون رادع، وادّعت أن هذه الثقة تعني أن بإمكانها تنفيذ أمور لم تكن أصلًا موجودة خلال الحملات الانتخابيّة وتكريس كافّة الجهود لحماية رئيسها من السجن، ولشرعنة وزرائه الذين أدينوا ، ومنهم من أدين مرتين، بمخالفات جنائيّة، إضافة إلى من أدين بدعم الإرهاب، وهدم جهاز قضائي بدوافع سياسية شخصية ضيقة بل انتقامية تريد ديمقراطية لليهود اليمينيين والمتدينين والمستوطنين وديمقراطيّة مشروطة لليهود اليسارييّن وحتى مؤيّدي أحزاب المركز ونزع الشرعيّة عن المواطنين العرب، وكم بالحريّ عن الفلسطينيّين في الضفة الغربيّة، متجاهلة المبدأ الأول للديمقراطيّة. وهو أن الفوز في الانتخابات ليست كلّ الشرعيّة، بل أوّلها، وأنه لا يضمن الثقة بالحكومات ، بل إن الشرعيّة هي محصلة أداء الحكومة ومدى تحقيقها لمطالب مواطني الدولة، فجاءت المظاهرات الاحتجاجيّة والتحرّكات الجماهيريّة، والغضب الجماهيريّ والإعلامي والمعارضة من رجال الاقتصاد وأرباب الصناعة وأصحاب رؤساء الأموال وغيرهم لتقول للحكومة، ما كان من المفترض أن يكون مفهومًا ضمنًا، من أن الأغلبيّة الانتخابيّة، وإن منحتها حقّ تشكيل الائتلاف والحكومة، فإنها لا تمنحها شعبيًّا ولا قانونيًّا ولا دستوريًّا وبحكم مبادئ وتقاليد الديمقراطيّة، حقّ دوس الأقليّة وإنكار حقوقها وإقصائها والتمييز ضدّها عبر تشريعات وقوانين ، فالأقليّة وبحكم النظام الديمقراطيّ الذي تتغنّى به الأغلبيّة والحكومة والائتلاف، لها حقوق قانونيّة ودستوريّة تسبق واجباتها، وذلك بحكم مواطنتها في الدولة بغضّ النظر عن العرق والجنس والدين والانتماءات الأخرى، وأنها جزء من الدولة يتمتّع بالحقوق السياسيّة والمدنيّة والثقافيّة والاجتماعيّة. وهي حقوق لا تلغيها الأكثريّة الانتخابيّة، وبالتالي لا يتم سنّ القوانين لمصلحة الأغلبيّة السياسيّة فقط، بل لصالح الجميع، وأن الأغلبيّة السياسيّة لا تعني التسلّط والتسيُّد وغبن الأقليّة.
الغلو بالثقة الذي أصاب الحكومة والائتلاف، تجلّى بكونها استهانت بغير من صوَّت لها من اليهود عامّة والعرب خاصّة، فاعتبرت الفئة الأولى مهيضة الجناح ضعيفة حان الوقت للانتقام منها وممّا تمثله من توجّهات، وما يمثّلها من هيئات ونخب قضائيّة وصناعيّة وعلميّة وإعلاميّة وفنيّة وغيرها عبر تحطيمه وهدمه بحجة الإصلاح وتدميره بدافع حقد دفين تجلّى في سؤال وزير الماليّة الحالي بتسلئيل سموتريتش :" أين كانت المحاكم عندما وقّعت حكومة رابين اتفاقية أوسلو، وعندما قرّر أريئيل شارون، الليكوديّ اليمينيّ، الانسحاب من غزة من طرف واحد عام 2005"، وكانه يقول للمحكمة والجهاز القضائي انهم لم يتصرفوا كما أراد منهم حينها واليوم حان الوقت لعملية تدفيع ثمن سياسية وقضائيّة، ستكون خاطفة وسريعة وتتمّ بعنجهيّة لا تضع للغير وزنًا، ولا للاعتبارات البرلمانيّة أيّ اعتبار ولا تلتزم بأبسط قواعد الديمقراطيّة، فالانقلاب القضائيّ يتمّ بسرعة البرق في جلسات لجنة التشريع والدستور البرلمانيّة، عبر قيام الأغلبيّة بدوس الأقليّة، ومنعها من إسماع صوتها، بل طرد نواب المعارضة من الجلسات والاستهزاء منهم، وخلق حالة يتمّ التصويت فيها على كلّ شيء بشكل تلقائيّ وأتوماتيكي، ودون أيّ نقاش وكأن الأغلبيّة تنفّذ قول تشارلز بوكوفسكي الذي قال إنه في الدكتاتورية لا يجب حتى أن تضيع وقتك في التصويت"، يرافقها خطوات أخرى، بشكل يفتقر إلى أدنى مقوّمات العمل السياسيّ، بل يرقى إلى " هدم البيت على ما فيه" ، وبتصريحات علنيّة ملخصها أنها ستدوس كلّ من لا تشمله الحكومة ولا يشمله الائتلاف، وأنها لا تريد التغيير، بل السيطرة والتسلّط وليس ذلك فقط، بل ضمان السيطرة لعقود قادمة عبر تشريعات انتقائيّة تكرّس الفساد والمحسوبيّة وتمنع الشفافيّة والمساءلة والمراقبة، وتجعل الوزراء فوق ذلك فكلّ منهم حاكم أوحد في وزارته، متناسية ما كان قد حذَّر منه المؤلّف والمحاضر الأميركيّ الشهير وأين داير حين قال:" الثقة بالنفس لا تعني الغرور لكنّ الثقة بالنفس لدرجة استصغار الآخرين هي تعالٍ فارغ"، فكان الردّ مدوّيًا مفاده أن فئات كثيرة من الشعب الإسرائيليّ كانت "فئات راقدة وهامدة" فهمت أن الخطوات الحاليّة تعني تجاهلهم واعتبارهم مجموعة مفروغ منها، عليها أن تقبل دوسها ودوس حقوقها أمرًا مفروغًا منه، وأن الحكومة الحاليّة بيمينها المتطرّف ومستوطنيها ورئيسها الذي يريد التهرّب من طائلة القضاء سواء كان السجن، أو صفقة ادّعاء حتى دون أن تشمل تهمة الرشوة والفساد، تريد تحويل الديمقراطيّة إلى خبر كان، وأن تحوّل البلاد إلى دكتاتوريّة يخشى قضاؤها قول الحق وإعلامها كشف الحقيقة، وإلى مطية تخدم أهداف فئة من المواطنين ... وحكَّام شرق أوسطيين بامتياز يركع الجميع لهم خوفًا، ويعتبرون الديمقراطيّة مقبولة إذا كانت تخدمهم فقط، ودولة يتم فيها اختيار أصحاب المناصب والوظائف في كافّة المجالات وفق انتماءات سياسيّة، ومدى ولائهم الأعمى والمطلق للزعيم الواحد، وليس كما في الديمقراطيّة، حيث يتم انتخاب المرشحين المؤهّلين من خلال عملية انتخابات حرّة ونزيهة، وبعد ذلك يصبحون مؤهّلين لشغل الوظائف العامّة وفقًا للمؤهّلات والقدرات.
وإذا كان الحال كذلك مع اليسار والمركز اليهوديّ، جاء الحال مع المواطنين العرب على اختلاف انتماءاتهم الدينيّة والاجتماعيّة، أسوا وأكثر عداءً وتمييزًا وتعاليًا، فهم الذين كانوا العنوان الأول للحملة الانتخابيّة التحريضيّة التي خاضها اليمين عامّة وطالب فيها بإبعاد" الحركة الإسلاميّة وداعمي الإرهاب" عن الحكومة والائتلاف (داعم الإرهاب الوحيد في البرلمان هو وزير الأمن القوميّ إيتمار بن غفير الذي أدين فعلًا بدعم الإرهاب) وقائمة الوزيرين بن غفير وسموتريتش خاصّةً ، التي ادّعت أن العرب يسيطرون على أراضي الدولة، ويتعاونون مع أعدائها ويشكّلون خطرًا على مواطنيها اليهود خاصّة في المدن المختلطة، ويشترون الشقق في المدن اليهوديّة ويغيّرون الطابع القوميّ للدولة، أصبحوا بعد الانتخابات وخاصّة مع تقلّص القوّة البرلمانيّة للأحزاب العربيّة، بفعل انقسامات لا مبررات سياسيّة، أو أيديولوجيّة، أو منطقية أيًّا كانت، بل كلّها بدوافع الأنا الشخصيّة، وتقلّص عددهم حتى في الأحزاب اليهوديّة وانعدام وجودهم في أحزاب العمل والليكود وميرتس -التي اختفت عن الساحة-( بقي النائب حمد عمّار في يسرائيل بيتينو فقط)، عنوانًا لحملة شرسة من التصرّفات الحكوميّة التي لم تكتف بقانون القوميّة الذي جعل العرب مواطنين من المسلمين والدروز والمسيحيّين من الدرجة الثالثة، لتتنامى مظاهر الاعتداء عليهم وعلى مقدّساتهم كما يحدث في حيفا مؤخّرًا من اقتحام لليهود المتدينين لكنائس خاصّة في منطقة ستيلا ماريس، واعتبر لغتهم لغة خاصّة، وسلخ عنها صفتها كلغة رسميّة، ومنع إقامة مدن وقرى جديدة لهم ، بمعنى منع توسيع قراهم ومدنهم، بل يريد تحويلها إلى غيتوات، أو قانون كمينيتس الذي أصبح سيفًا مسلّطًا على أعناق من يحاول من المواطنين العرب إقامة منزل له، وما رافقه من تحريض لوزراء أرادوا من القضاة أن يمنعوا بقرارات محاكمهم أيّ مواطن عربيّ من شراء شقّة في بلد يهوديّ، بل اتّسع الحال إلى بناء خطط لتدفّق اليهود النقب حيث تعمل الحكومة على إنشاء مستوطنات جديدة في النقب، وتشجيع إنشاء البلدات اليهوديّة في النقب على أراض عربيّة، أو بجانب أو في أماكن تواجد قرى بدويّة تنتظر الاعتراف بها منذ عقود، وإلى الجليل والجولان عبر إقامة بلدات خاصة وجديدة ومنحهم تسهيلات مميزة تمنع العرب من الحصول على شقق هناك بفعل قانون لجان القبول التي مهمّتها " انتقاء من يقيم في البلدة" وبكلمات أقل دبلوماسيّة "منع العرب من الإقامة هناك"، وبالمقابل إصدار أوامر هدم لآلاف المنازل في القرى والبلدات العربيّة وبالذات في المجتمع الدرزيّ، ومنع توسيع مناطق النفوذ، مقابل إقرار إقامة عشرات البؤر الاستيطانيّة غير القانونيّة في الضفة الغربيّة للمستوطنين اليهود ، وتضييق الخناق على العرب سكنيًّا وتشغيليًّا واقتصاديًّا، ومصادرة أراضيهم في الجولان لإقامة مراوح هوائيّة عملاقة لتوليد الطاقة الكهربائيّة، رغم اعتراضات أصحاب الأرض، ورغم التقارير الاقتصاديّة وتقارير الجدوى التي تؤكّد أن إنتاجها من الطاقة لن يتجاوز واحد من ألف جزء من الإنتاج الكليّ للطاقة الكهربائيّة، وهذا في أحسن الحالات، وأن أخطارها كارثيّة على البيئة والسكّان والمزروعات، ليتم استخدام العنف المفرط والقمع الشرطيّ ضدهم لمجرّد احتجاجهم الديمقراطيّ على ذلك. فالأمر في ظل الحكومة الحاليّة، ليس مسألة حقوق ديمقراطيّة، بل " مسألة قوميّة"، وبالتالي يجب منع العرب من الاحتجاج باعتبار ذلك بمثابة تحدٍ للروح القومية اليهودية، ومحاولة للتمرد يجب قمعها مهما كلف ذلك، فإسرائيل دولة تشكل الصهيونية فيها ،كما يريد اليمين اليوم ،العامل الأول والاعتبار الرئيسي لكل قراراتها وخطواتها ومن هنا فلا مكانة ولا مكان لمن هو غير صهيونيّ، ولا حقوق له. فالصهيونيّة فوق اليهوديّة وفوق الديمقراطيّة، وإلى ذلك تضاف خطوات أخرى تتعلّق بالإقصاء الممنهج للعرب منها حرمان، أو استثناء المعلمين العرب من التدريس في مدارس يهوديّة رغم النقص الحادّ في المعلمين هناك، ورغم أنهم يخوضون نفس مسار التعليم والتأهيل المهنيّ والأكاديميّ لمجرّد أنهم من قوميّة مختلفة، والاستعاضة عنهم بطلاب أنهوا للتو تعليمهم الثانويّ سيتم "تأهيلهم لذلك" لمدّة أشهر فقط، في إقصاء ما بعده إقصاء لأسباب تمييزيّة وعنصريّة. وهذا إضافة إلى قرار الحكومة ممثّلة بوزارة الأمن القوميّ ، إلغاء خطط مكافحة العنف والجريمة في المجتمع العربيّ، والتي أوقعت حتى اليوم قرابة 110 ضحايا، ووقف النشاطات الهادفة لذلك، واستبدالها بنقاش عقيم حول إدخال جهاز الأمن العام- الشاباك_ إلى هذا المجال، وغيره،
وعملًا بالحديث:"إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت"، لم تخف الحكومة الحاليّة أن كافّة قوانينها السابقة والحاليّة والقادمة، لم تأت فقط لتكريس فوقيّة اليهود ودونيّة المواطنين العرب، ولم تأت لتقول للمواطن العربيّ أيًّا كان ومهما كانت مقوّماته وقدراته أنه لن يحصل على أيّ وظيفة، أو عمل أو منصب إذا كان منافسه يهوديّ باعتبار اليهود أولًا، بما يؤكّد نظام التفرقة وتكرسها، بل إنها تطالب المواطن العربيّ، على اختلاف انتماءاته الدينيّة والجغرافيّة، بالتسليم بفوقيّة اليهوديّ، بمعني إجبار المواطن العربيّ على تذويت الشعور بالدونيّة والقبول به أمام اليهوديّ، وأن يرضى باعتباره مواطنًا من الدرجة الثالثة دون حقوق في أيّ من مجالات الحياة كالعمل والتعليم والبناء والسكن والصحّة، إلا ما "تبرّع به اليهوديّ له أو تخلّى عنه"- كما البيض والأفارقة في جنوب أفريقيا- واعتبار تصاعد معالم ومظاهر العنصريّة رسميًّا وشعبيًّا قضاء وقدرًا، أو قرارًا سلطويًّا إيّاه أن يستأنف عليه أو يعارضه، وإلا سيلقى الويل، فاحتجاجاته ومطالبته بحقوقه المدنيّة في نظر هذه الحكومة كما قال رئيس لجنة الدستور البرلمانيّة سيمحا روطمان، توازي أعمال الحرق والتدمير التي نفّذها المستوطنون الأسبوع الأخير في القرى الفلسطينيّة في الضفة الغربيّة، فالحالتان احتجاج بالنسبة له.
ستّة أشهر من عمر هذه الحكومة، كانت كافية لتؤكّد أنها تعامل المواطنين العرب فيها على أنهم أعداء، تمامًا كما الفلسطينيّين في الضفة الغربيّة، وأنها تريد قمع تطلّعاتهم وضرب مؤسّسات المجتمع المدنيّ والأحزاب السياسيّة التابعة لهم، عبر فرض قيود على تمويل الجمعيّات من خارج البلاد، وتجفيف مصادر تمويلها، والمستقبل يشمل تشريع قوانين تتيح فصل المعلمين الأكاديميّين في الجامعات والكليّات، على خلفيّة آرائهم، أو مواقفهم التي تعتبرها "مناهضة لإسرائيل"، والقادم أكبر وأخطر، ما يطرح السؤال حول ما إذا كان المجتمع العربيّ، وبعد أن بانت معالم هذه الحكومة وملخصها أنها حكومة لا تخجل ولا ترتدع، ولا تعترف بالديمقراطيّة وحقوق المواطن والإنسان إلا إذا كان صهيونيًّا ويهوديًّا، مجتمعًا يريد الحياة ومستعدًّا، أو قادرًا لذلك على خوض نضال مدروس ومتواصل وشامل لضمان حقوقه الأساسيّة كمواطن، حتى لو قرّرت دولته التخلّي عن ديمقراطيّتها، أم أنه يكتفي باحتجاجات موسميّة وآنيّة سرعان ما ينطفئ لهيبها وتخفت حرارتها حتى تختفي؟؟؟ وهي احتجاجات الشعوب والجماعات قصيرة النفس وغير المتماسكة التي ليس لديها مؤسّسات فاعلة وحقيقيّة ووطنيّة مخلصة بعيدًا عن الغوغاء والشعارات، والجماعات غير الحاضرة للدفاع عن حقوقها ووجودها وكيانها؟ وعلينا هنا الإجابة: أين نحن من هذه المعادلة؟
وعليه "الأقنعة لا تحتاج إلى ريح كي تسقط بل إلى أزمة" !!! ولكلّ إنسان مهما بلغ من سماحة النفس والأخلاق طاقة محدودة في تحمل من يُخطئ بحقّه ويستهين به "!!! و" لا تستغرب إن وجدت الشرّ في المكان الذي غرست فيه الخير فهناك أراض لا تصلح للزراعة "!