logo

أردوغان معاوية العصر

الشيخ د. محمد دهامشة يكتب:
04-06-2023 06:38:21 اخر تحديث: 05-06-2023 10:25:07

لماذا كل هذا الاهتمام بالانتخابات التركية؟ الغرب والشرق العرب والعجم الإسلاميون والعلمانيون، جميع هؤلاء شغلتهم الانتخابات التركية وانقسموا بين مؤيد للرئيس أردوغان ومعارض له (أكثر من كونه مؤيدا لكمال أوغلو).


الرئيس التركي أردوغان - تصوير: (Photo by Evrim Aydın/Anadolu Agency via Getty Images)

باعتقادي أن كل هذا الاهتمام نابع من عدة أمور أهمها:
1- أن الديمقراطية التركية وانتخاباتها حقيقية ليس فيها تزييف.
2- أن تركيا أصبحت ذات وزن وثقل عالمي سياسي واقتصادي لا يستهان به.
3- وجود تركيا في الشرق الأوسط وكونها مركز ربط ووصل بين الشرق والغرب.
4- كونها دولة مسلمة ذات تاريخ مجيد سيطرت باسم الخلافة الإسلامية على مساحة كبير من هذا العالم شرقه وغربه وشكلت إحدى أعظم الإمبراطوريات عبر التاريخ.
5- وجود رئيس قوي له طموح قادر على المناورة لا يضع نفسه في جيب أحد من القوى المتصارعة.

" قواعد، ألاعيب وموازنات "
لهذه الأسباب وغيرها كان الاهتمام الخارجي بالانتخابات التركية، ولو نظرنا في حقيقة الأمر بالنسبة للمحبين والمبغضين من خارج تركيا فإن الرئيس أردوغان لن يستطيع أن يجلب الخلاص لمؤيديه ومحبيه ولا البؤس والشقاء لمعارضيه ومبغضيه. لأن المعنيين الحقيقيين بالحكم في تركيا هم الشعب التركي نفسه وإن العناية الحقيقية للرئيس هي للشعب التركي ذاته قبل أن توجه لأي شيء آخر.
وعليه لن نكون أكثر فرحا من المؤيدين له من أبناء الشعب التركي ولا أكثر خيبة من المعارضين له من أبناء الشعب التركي. لأن التأثير المباشر في المحصلة هو على تركيا وشعبها حاضرا ومستقبلا. وإن التنافس على القيادة والزعامة وربما على خدمة مصالح الشعب هو أمر داخلي أولا وأخيرا وتحكم هذا التنافس الكثير من القواعد والألاعيب والموازنات والتكتيكات (ولو تغاضى عن بعض المبادئ) التي يحاول كل لاعب سياسي اغتنامها من أجل تحقيق انتصاره والوصول إلى سدة الحكم.
 لقد أثبت الرئيس التركي الطيب أردوغان أنه شخصية كارزماتية يتقن السياسة ويلعبها بحذاقة، يعرف كيف يستقطب الشعب ويبني شعبيته فهو يليق بالزعامة، والزعامة تليق به قد استلمها منذ كان عمدة لاستانبول أواسط التسعينات لم يخض منافسة انتخابية إلا وخرج منها منتصرا. وإن صح التشبيه مع الفارق فهو شبيه معاوية ابن أبي سفيان حين قال عنه ابن عباس ابن عم علي بن أبي طالب رضي الله عنهم قال:" ما رأيت رجلا كان أخلق للملك من معاوية" بل يقول ابن عمر:" ما رأيت بعد رسول الله أسود (من السيادة) من معاوية فقيل: ولا أبوك؟ فقال: أبي رحمه الله خير من معاوية، وكان معاوية أسود منه".

" السيادة والقيادة "
فالسيادة والقيادة بصفاتها ومواهبها يولد منها الكثير مع الشخص أحيانا ويعرف دارسو التاريخ وقادته عبر العصور ذلك ويشهدون به وقد وجدنا الكثير من القادة الذين لم يرثوا الزعامة أبا عن جد وإنما حققوها لباقة وحنكة وموهبة، ( محمد علي باشا كمثال) فطال حكمهم ودام عزهم وحققوا لشعوبهم من الثروة الامن والاستقرار ما لم يحققه من جاءهم الحكم على طبق من ذهب.
وعليه فلا أنصح لغير الأتراك بالمبالغة في الفرح إن كانوا مؤيدين ولا بالخيبة عن كانوا مبغضين، صحيح أن الدول والزعماء في الخارج لها مصالح وتقيم سياستها بناء على توجهات تركيا وعلاقاتها الخارجية ولذلك تفضل التعامل مع هذا الزعيم أو ذاك، بل وتسعى للتدخل أحيانا في وصول هذا او ذاك إلى الحكم بما يتوافق مع مصالحها، وتحاول أن تأتي بالرئيس الضعيف الذي يتعلق بالخارج ويعتمد على مساندته ويفسح لها المجال للتدخل في سياسة البلد واستغلال مقدراته. (كما تفعل أمريكا) ولكنها في النهاية تضطر للتعامل مع الفائز أيا كان.
أما الشعوب المجاورة لتركيا والمتأثرة بها فأنصح لهم بالتريث قليلا فمن حقهم التعاطف مع هذا الرئيس أو ذاك، ولكن ليست القضية قضية عودة للخلافة الراشدة أو ضياع لحلم كان قاب قوسين أو أدنى من التحقق. من حق الإسلاميين أن يفرحوا بفوز الرئيس أردوغان لأنه يمثل نموذجا يحتذى للقائد القوي الذي يستطيع أن ينهض بشعبه وأمته ويستطيع أن يتخلى عن التبعية الذليلة للغرب أو الشرق.

" زعيم قوي "
من حق الإسلاميين أن يفرحوا لنجاح رئيس يحمل بداخله العقيدة الإسلامية ويحافظ على الفروض والتعاليم الإسلامية على المستوى الشخصي ويخرج مع زوجته أمينة بحجابها المشرق المتألق ليكون نموذجا يحتذى للقائد الذي يجمع بين التدين والقيادة والسياسة والمناورة، وليس (بالبعبع) الذي يخاف الشعب (أو يخوفونه) من وصوله إلى السلطة. فوظيفة الرئيس والقائد أولا وقبل كل شيء تحقيق الأمن الغذائي والأمن والشخصي لمن هم تحت قيادته {أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف} وأمر التدين متروك للحرية الشخصية.
من حق الإسلاميين العرب أن يفرحوا بفوز الطيب أردوغان أملا بأن تتحرك الشعوب العربية لتحقيق حريتها باختيار من يخدمها ويأخذ بيدها لتحقيق طموحاتها وأحلامها رخاء، واستقرارا، وعزة، ومنعة وكرامة. ولكني أنصحهم بالتريث وعدم المبالغة، فأردوغان لن يكون خليفة منتظرا للمسلمين، ولكنه زعيم قوي للأتراك. فمبروك لتركيا وشعبها اختيارهم الحر، وندعوا الله ان يبعث لنا أردوغانا كما لهم أردوغان.

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع بانيت هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة راي التحرير في موقع بانيت .
يمكنكم ارسال مقالاتكم مع صورة شخصية لنشرها الى العنوان: [email protected]