ريم بركة - صورة شخصية
تحديدها بالأرقام، مثل تأثيرها على الجانب النفسي ودورها التعليمي. هل يمكن أن نسّعر شعور " رؤية الأخضر الجميل " أو الإبداع التي توفره لنا الطبيعة؟
تخيّل أن تيّارا من الماء يتدفق بالقرب من منزلك، لديك الكفاية من الحظ أن تسكن قرب مورد طبيعي لم تطأه قدم التنمية الحضرية. كم تستحق تجربة الاستيقاظ قرب هذا النهر بالنسبة لك؟ الفكرة الأولى التي ربما تطرأ في بالك، هي كم يكلّف هذا؟
العديد سيبدأ التفكير حول قيمة عقارات الأرض ويبدأ في حساب القيمة الاقتصادية التي يمكن أن يوفرها لنا هذا المورد الطبيعي.
لكن حقا كم تكلّف تجربة الاستمتاع بالمياه الباردة في يوم صيفي حار؟ هل يمكن قياسها بالشيكل؟ ماذا عن تجربة متعة الجلوس في المساء والاستمتاع بصوت هدير المياه؟
للأسف في عصرنا الحالي، أدوات القياس الاقتصادية لا تترك مجالا للتعامل مع أهمية الأشياء التي لا يمكن وضع بطاقة سعر عليها.
تجبرنا أزمة المناخ التي تزداد سوءًا كل عام على إعادة فحص علاقتنا بالبيئة والطبيعة من حولنا. يشير تقرير نشرته الأمم المتحدة مؤخرًا إلى أن المشرعين في جميع أنحاء العالم يضعون جل تركيزهم على الفائدة المباشرة التي نحصل عليها من استخدام الموارد الطبيعية ومساهمتها في النمو الاقتصادي (مثل استخدام الموارد الطبيعية للغذاء. على سبيل المثال)، وإهمال الخدمات العديدة التي يوفرها النظام البيئي ويصعب تحديدها، مثل تأثير الجانب النفسي والصحي للطبيعة.
كتب أحد رؤساء اللجنة التي جمعت التقرير الجديد، البروفيسور أوناي باسكوال: " يميل المشرعون إلى اتخاذ قرارات تستند إلى مؤشرات مبسطة، يمكن قياسها كميًا. هذا النهج يتجنب ما يجب على العلوم الاجتماعية والإنسانية فعله عن علاقتنا بالبيئة ".
لمساعدة المشرعين على اتخاذ القرارات التي تتبنى القيمة الكاملة للطبيعة، بما في ذلك الجوانب التي يصعب قياسها كمياً، يقدم التقرير لهم أربعة مناهج لفحص قيمة البيئة، والتي هي قيد الاستخدام وصحيحة لمختلف الأشخاص. يؤكد كاتبو التقرير أن الناس قد يرون قيمة في الطبيعة وفقًا لعدة مناهج.
إذا عدنا إلى النهر من بداية المقال، فإن منهج "الحياة من الطبيعة" المعروض في التقرير سوف يعتمد بشكل أساسي على الأسماك الصالحة للأكل التي تعيش في النهر، وقيمتها في السوق. كما ذكرنا، فإن هذا النهج يتم استخدامه بالفعل من قبل العديد من المشرعين اليوم.
ومن ناحية أخرى، يؤكد نهج "الحياة في الطبيعة" على أهمية إحساسنا بالانتماء إلى الطبيعة وتقاربنا الحياتيّ معها والفوائد الصحية للعيش في الطبيعة.
وأما النهج الثالث، يؤكد "العيش جنبًا إلى جنب مع الطبيعة"، الذي تحركه الرغبة في حماية الطبيعة، على الأهمية التي يوليها الكثير من الناس للتنوع البيئي، ويفحص قيمة التيار بالنسبة للكائنات الحياة في مياهها. وأخيرًا، ينظر نهج "الحياة كجزء من الطبيعة" إلى الإنسان كجزء من الطبيعة، على المستوى الجسدي والعقلي والروحي.
نحن لسنا مركز الكون
يمكن أن يكون التواجد في الطبيعة تجربة مذهلة، أمام جمالها وقوتها. خذ على سبيل المثال أشجار السيكويا العملاقة التي تنمو في أمريكا الشمالية. الشجرة المعروفة باسم "الجنرال شيرمان"، والتي تنمو في متنزه سيكويا الوطني في كاليفورنيا، ترتفع إلى 83 مترًا، وتستقطب ما يقرب من مليوني زائر كل عام. إن التحديق أمام الشجرة العملاقة، التي يقدر عمرها بـ 2700 إلى 2200 سنة، يذكرنا بأن هناك أشياء أكبر بكثير منا - بالمعنى الحرفي والمجازي.
تلهم قوة الطبيعة الرهبة والتواضع فينا، الامر الذي يثبت تأثير قوة الطبيعة على سلوكنا الاجتماعي، وعلى إحساسنا بالانتماء إلى المجتمع المحلي والإنساني. على سبيل المثال، أظهرت دراسة في علم النفس الاجتماعي نُشرت في عام 2015 أن الإعجاب بالطبيعة يساهم في السلوك الاجتماعي الإيجابي: الأشخاص الذين شاهدوا فيلمًا عن الطبيعة المذهلة أظهروا كرمًا أكبر في لعبة جماعية. وجدت دراسة أخرى من عام 2021 صلة بين وجود المساحات الخضراء في البيئة الحضرية وانخفاض معدلات جرائم العنف. يقترح الباحثون أن هذه العلاقة تنبع من قدرة الوجود في الطبيعة على غرس السلام فينا، وكذلك تحفيز الشعور بتقارب المجتمع. ببساطة القرب من الطبيعة يذكرنا بأننا لسنا مركز الكون كأفراد أو كمجتمع بشري، ويدفعنا للتصرف وفقًا لذلك.
التنوع البيولوجي يوّفر تنوعا في الحلول
يقدم عالم البيئة البحرية من كلية علم الحيوان وعلوم الحياة في جامعة تل أبيب البروفيسور أفيغدور أبيلسون، زاوية أخرى للفائدة التي يستمدها الإنسان من الطبيعة، والتي تلهم الخيال ألا وهي إمكانية تطوير تقنيات تعتمد على الطبيعة. يقول: "في العقود الأخيرة ، تم تطوير تقنية نسيج مستوحاة من جلد القرش، والتي تسمح للأسماك بتوفير الطاقة عندما تتحرك في الماء، وقد تم استخدامها لصنع ملابس سباحة للسباحين المحترفين".
ارتدى السبّاح الأولمبي مايكل فيلبس ملابس السباحة بتقنية "جلد القرش" عندما تنافس في أولمبياد بكين 2008، حيث فاز بثماني ميداليات ذهبية قياسية، وأرجع هذه التقنية فعليا إلى جزء من نجاحه الأولمبي. مؤخرًا، بعد أن أظهرت المعطيات أن "جلد القرش" يمنح مرتديه ميزة غير عادلة على منافسيهم، قرر الاتحاد الدولي للسباحة التنافسية حظر استخدام ملابس السباحة هذه.
لا تقتصر فائدة الإلهام من الطبيعة على مساعدة الرياضيين، ووفقًا لأبيلسون، فقد توفر أيضًا حلولًا لواحدة من أكثر القضايا إثارةً في الوقت الحاضر- البحث عن مصدر للطاقة الخضراء. إحدى التقنيات التي يتم التحقيق فيها اليوم كجزء من هذا البحث هي طاقة الصهر النووي، والتي يتم إجراؤها عن طريق دمج نواتين من ذرات الهيدروجين في نواة واحدة من ذرات الهيليوم (الآلية التي من خلالها يتم إنشاء الطاقة التي تضيء الشمس). ومع ذلك، لبدء العملية، هناك حاجة إلى حرارة تصل إلى عشرات الملايين من الدرجات المئوية، والعلم اليوم ليس لديه القدرة على خلق مثل هذه الظروف بطريقة دقيقة. يقول أبيلسون: "قبل بضعة أشهر، أعلن باحثون في جامعة أكسفورد أنهم نجحوا في محاكاة آلية النقر بالكماشة للقريديس العضّاض، الذي تنبعث منه حرارة عند درجة حرارة تزيد عن 1000 درجة مئوية". "إنهم يزعمون أن هذا الاكتشاف قد يكون طفرة في التحول إلى طاقة الاندماج."
فائدة أخرى قد يجنيها الإنسان من الطبيعة في الجانب الطبي. يقول أبيلسون: "في السنوات الأخيرة، تمت دراسة جينوم الفيل، والذي يتضمن آليات تنظم زراعة الخلايا، والتي تقلل من فرصة الإصابة بالسرطان…إذا تسببنا بابادة الفيلة كما أبدنا الماموث (جنس من الثدييات الفيلية من فصيلة الفيلة، وهو فيل ضخم منقرض كان يعيش في أوروبا الوسطى قبل مليون سنة) في الماضي، لم نتمكن من اكتشاف هذه الآليات، ولم نكن لنصل إلى هذه المعرفة التي قد تساعد في المستقبل في علاج السرطان."
يقول أبيلسون: "يمكنني التفكير في أمثلة لا حصر لها للإلهام نستقيها من الطبيعة: من تقنيات التمويه إلى المبادئ المعمارية". ووفقا له، فإن الاحتمالات المتعددة التي تكمن في الطبيعة توضح حاجتنا للحفاظ على التنوع البيولوجي. ويختتم قائلاً: "نحن غير قادرين على تخيل الفوائد التكنولوجية التي يمكننا الحصول عليها من دراسة الآليات في الطبيعة - وإذا ركزنا على الفوائد قصيرة المدى، فقد نفقد معرفة قيمة في المستقبل".
* المقال ترجم وتم ملائمته للغة العربية على يد ريم بركة وجمعية مواطنين من اجل البيئة، عن نص باللغة العبرية لعنبر نعمان من زافيت - وكالة الأنباء التابعة للعلوم والبيئة