logo

الى اين تتسرب العقول العربية ؟

د. احمد فياض محاميد يكتب:
25-05-2023 10:08:13 اخر تحديث: 25-05-2023 13:42:13

في هذا المقال اريد ان أُناقش ظاهرة هجرة المبدعين العرب الى دول اوروبا، برغم من ان شعوبهم بحاجة ماسة اليهم. دولهم لا تحبذ وجودهم وهي طاردة لهم


د. احمد فياض محاميد - صورة شخصية

مما يدعوهم للهجرة لدول توفر لهم الاجواء المناسبة لنمو قدراتهم العقلية. ولهذه الظاهرة تبعيات سلبية على التنمية مما يجعل شعوبها مستهلكة بدلا من ان تكون منتجة. مكانة الشعوب وقيمتها بين دول العالم لا تقاس في عددها بل في قدراتها على الانتاج ومدى حيويته للعالم. والسؤال الذي سنناقشه هل الشعوب العربية عديمة القدرات والكفاءات للابداع اما هي تصدرها للعالم نتيجة عدم توفير مناخ مناسب لنموه في اوطانها، مما يؤدي الى هجرة هذه الادمغة في مختلف مجالات العلم من بلد إلى اخر سعياً عن احوال معيشية وفكرية أفضل.

ميزات المبدعين
المبدعون هم عباقرة المجتمع، هم اصحاب العقول النيرة القادرة على اختراق المألوف والافكار النمطية، والاتيان بشيء جديد من شأنه تغير مجرة حياة المجتمع للأفضل، حيث انهم يمتلكون قدرات تجعلهم قادرين على اكتشاف روابط بين عناصر لا ينتبه لها الغير. المبدعون هم افضل ثروة بشرية تتمثل في القدرات والذكاء الخارق والمهارات والمعارف التي يمتلكها الأفراد في المجتمع، والتي يمكن استخدامها لتحقيق الأهداف المختلفة، وتطوير المجتمعات، وزيادة الإنتاجية، وتحسين مستوى الحياة، فالثروات البشرية تعد من أهم الموارد التي يمكن استغلالها في تحقيق التنمية الشاملة للمجتمعات، وذلك من خلال تطوير قدرات الأفراد، وتطوير المهارات والمعارف، من اجل تحسين مستوى المعيشة، لذلك ازدهار الشعوب منوط في مدى الاستثمار في هذه الشريحة.
نسبة هؤلاء المبدعين تُقدر بـ 5% من بين افراد المجتمع. توجد مجتمعات تعمل كل ما في استطاعتها لتنمية هؤلاء المبدعين، وهناك بعض المجتمعات تخشى من تواجد هذه الشريحة بين صفوفها لأنهم يعتبرونها تُشكل خطرا على النظام الحاكم، لذلك تعمل كل ما في استطاعتها من اجل تجفيفهم وطردهم من اوطانهم .
الدول العربية تُعد أكثر منطقة يضطر علماؤها الى الهجرة من : مهندسين، اطباء، علماء ذرة وفضاء، حيث أن أكبر نسبة في العالم من مهاجري الأدمغة هم من سكان الدول العربية .
حيث أظهرت بعض الدراسات التي قامت بها جامعة الدول العربية ومنظمة اليونيسكو والبنك الدولي، أن العالم العربي " يُصدر " ثلث هِجرة الكفاءات الى دول اوروبا وتُشير الدراسات الى 50% من الأطباء، و23% من المهندسين، و15% من مجموع اصحاب الكفاءات الفريدة من نوعها هم من العرب يهاجرون الى دول توفر لهم المناخ التي يتلاءم مع كفاءتهم. ودون أي شك توجد لهذه الظاهرة تبعيات سلبية على مستقبل التنمية دول الام، ليس هذا فحسب بل ذكرت بعض التقارير أن 54% من الطالبة العرب، الذين يدرسون في الخارج، لا يعودون إلى بلدانهم، كما واشرت التقرير ان الأطباء العرب في بريطانيا يشكلون 34% من مجموع الأطباء فيها. ومن الجذير في الذكر ان كُلفت اعدد هذه الكوادر المهاجرة تقدر بحوالي ملياري دولار تا تكبدها الدول العربية سنويا .

الدوافع لهجرة العقول العربية
لا شك بذلك بان هذه الارقام المخيفة تدعم الفكرة التي تؤكد ان البلدان العربية اصبحت بيئات طاردة للكفاءات العلمية وهي غير قادرة على احتضانهم.
هذه الشريحة من المبدعين تهاجر بحثا عن العيش الكريم وهو مطلب اساسي للإنسان حيث قال سبحانه وتعالى بسورة قريش : الذي أطعمهم من جوع وامنهم من خوف" أي لقمة العيش هي المطلب الاول ومن ثما امنهم من خوف، أي الشعور في الامن والامان، أي حرية الكلمة. وعلى ما يبدوا بان هؤلاء الشرطان غير متوفري لهؤلاء المبدعين في المجتمعات العربية ، لذلك هم يشعرون ُغربا في بلدانهم، مما يضطرهم الى الهجرة سعيا وراء ظروف أكثر حرية وأكثر استقرار.

التبعيات السلبية لهذه الظاهرة
هجرة العقول والكفاءات العربية إلى الغرب تترك اثأر سلبية وتتمثل على صاعدين الاول: عدم استفادة دولهم الأصلية من مهارتهم الفكرية والمعرفية وهو ما ينعكس سلبا في شتى المجالات: الاقتصادية، السياسية والاجتماعية، ومن ضمن إفرازاتها ضياع جهودها الإنتاجية والعلمية لبلدان الام وبدلاً من ذلك تقديم فائدتها إلى الدول التي تستقبلهم، في الوقت الذي تحتاج فيه الدول العربية إلى مثل هذه العقول، التي تُعتبر افضل ثروة للامة القادرة على الإنتاج الفكري والعلمي، وعلى الاختراع والابتكار، كفاءات من شأنها تطوير التنمية العربية.
اما الصعيد الثاني: فهي التكلفة المالية لدول الام الى حين يتم تأهيل وتعليم هؤلاء اصحاب الكفاءات إلى موعد هجرتهم. وبينما تكسب الدول المضيفة الملايين من الدولارات نتيجة هجرة هذه العقول والكفاءات إليها، هذه العقول لم تكلف الدول المضيفة شيئا في تنشئتها وتدريبها واعدادها.
ومن ضمن التبعيات السلبية لهذه الظاهرة على الدول العربية هي تحول نفسها بأيديها الى دول مستهلكة بدلاُ من منتجة وقيمتها تقاس في مدى انتاجها وأهميته وضروريتها للعالم.

 افضل تلخيص لهذه الافة
ووصف هذه الظاهرة الخطيرة المفكر والكاتب "نايف كريم"، بقوله: "ليس الدم وحده هو الذي ينزف في الوطن العربي، بل إننا نعاني نزيفا أعمق وأخطر واشد إيلاما، إنه نزيف الادمغة. ومكمن الخطورة في هذا النزيف القاتل انه يتم بهدوء من دون ضجيج كالذي يثيره نزيف الدماء مع ان آثاره اشد وطأة على مستقبل الوطن العربي، وتصيب اضراره كل مواطن عربي ولعدة اجيال.
يعتبر الرأسمال البشري من اهم الثروات الطبيعية لأي بلد، والبلدان التي تطورت سياسيا واقتصاديا وعلميا واجتماعيا (أي تفوقت حضاريا على الاخرين)، هي البلدان التي نجحت في استثمار مواردها البشرية، واستقطبت الكفاءات البشرية من دول العالم الأخرى. بينما فشلت الثروات الطبيعية الاخرى كالنفط والغاز في كثير من البلدان، التي من ضمنها البلدان العربية، في تحويل البشر الى قوة منتجة إذ لم يتم استغلالها وتأهيلها من اجل ذلك الهدف".

والسؤال الذي ما زال مفتوحا : شعوب التي لا تسطيع ان تستغل ثروتها ماذا يجب ان يطلق عليها...؟!

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع بانيت هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة راي التحرير في موقع بانيت .
يمكنكم ارسال مقالاتكم مع صورة شخصية لنشرها الى العنوان: [email protected]