المحامي زكي كمال - تصوير: موقع بانيت وقناة هلا

والصراع الإسرائيليّ الفلسطينيّ عامّة، مميَز وخاصّ، بمعنى أنه صراع لا يتوقف أبدًا، وأن الحروب التي تلازمه والعمليّات العسكريّة التي تلازمه وتتعلّق به لا تغيّر من الواقع شيئًا. وأن العمليّات العسكريّة من حارس الأسوار وأمطار الصيف، الرصاص المصبوب، عامود السحاب، الجرف الصامد، الفجر الصادق، طلوع الفجر، الدرع والسهم، هي حملات تعدّدت أسماؤها والختام واحد، وأن الحال في غزة منذ العام 2007 خاصّة، يشبه برميل البارود، يمتلأ شيئًا فشيئًا ثم ينفجر ، وأن نهاية عمليّة عسكريّة لا تعني بأيّ حال من الأحوال، بدايةً للهدوء والسكينة، ولا تعني انطلاق عهد من السلم والسلام، بل إنها تعني، وهذا ما يدركه الطرفان، الإسرائيليّ والفلسطينيّ الغزيّ، بداية الاستعداد لمواجهة أخرى ستأتي آجلًا أم عاجلًا، طرفها الأول واضحٌ وهو إسرائيل، بينما طرفها الثاني الغزيّ، يختلف من مرّة الى أخرى، فهو إما حركة "حماس" أو حركة الجهاد الإسلاميّ، وهو أمر تقرّره إسرائيل، ولكن رغم ما سبق هناك فارق واحد بين الحملات العسكريّة الأخيرة الإسرائيليّة على القطاع خاصّة التي تلت اغتيال قادة الجهاد الإسلاميّ، وبين ما سبقها، وهو اختلاف يمكن تلخيصه بأن مجرياتها ونتائجها تؤكّد أن هناك من أطراف السجال المذكور، أي سلسلة المواجهات العسكريّة المتتالية بين إسرائيل وغزة، من يعتبر وهي حركة "حماس"، ومن لا يعتبر وهما إسرائيل وحركة الجهاد الإسلاميّ من جهة أخرى، وهو ما أكّدته مواقف حركة "حماس" والتزامها الهدوء، أو الحياد في المواجهات الأخيرة، وإبقاء الساحة لحركة " الجهاد الإسلاميّ" وهي الأصغر حجمًا وقوةً وتنظيمًا، وقبول إسرائيل بذلك وليس ذلك فقط، بل إنها انبرت أمام الكاميرات والميكروفونات لتبرئة ساحة "حماس" واعتبارها غير مشاركة في إطلاق الصواريخ، بل اعتبارها " الشخص البالغ والعاقل الذي يمكن التعامل معه والحديث إليه"، مقابل خصمه " الجهاد الإسلاميّ" المارق وغير المنضبط، وكأن إسرائيل تحاول خلق معادلة يمكن أن تفسرها لمصلحتها على أنها تحييد لحركة "حماس" وردعها وترهيبها ومنعها من المشاركة، بينما يمكن وصفها بأنها حالة أجاد ، المناضل من أجل الحريّة للأفارقة في جنوب أفريقيا، الراحل نلسون مانديلا وصفها حين قال إن صنع السلام مع عدو، يستوجب العمل مع العدو، حتى يصبح هذا العدو شريكًا، بمعنى أن إسرائيل مستعدة لتفاهمات وتعاون وربما تنسيق مع حركة "حماس"، وذلك بغية إبقاء حركة "الجهاد" وحيدة وضمان التوصل إلى سلام وهدوء معها، وحركة " الجهاد" هنا، وهذا ما أكّدته المواجهة العسكريّة الأخيرة، لم تتعلّم العبر ، وما زالت ردودها في كثير من الأحيان عاطفيّة ومتسرّعة لا تأخذ بعين الاعتبار الصورة الواسعة وبضمنها نحو مليونين وأكثر من المدنيين أمكنها لو تحلّت بضبط النفس أن تقيهم شرّ القصف والأضرار الماديّة والخسائر البشريّة، كما أمكنها في نفس الوقت منع إسرائيل وقادتها من استغلالها لتحقيق مآربهم وأهدافهم وتخليصهم من ويلات نشاطهم ورفع شعبيتهم.

كثيرة هي الحالات التي يتخاصم فيها اثنان فيكون ثالث هو الرابح الأكبر، وهذا هو حال حركة "حماس" في هذا السياق ، فهي الرابح الأكبر من عدة نواح، أولها أنها كرَّست مكانتها كحاكم معترف به لقطاع غزة حتى من إسرائيل، وبالتالي فإن اعتبار إسرائيل لها على أنها العامل، أو الطرف المسؤول والعاقل والمنطقيّ من جهة أخرى، وعامل " مردوع وخائف" يساوره القلق من نتائج مواجهة عسكريّة مباشرة مع إسرائيل خاصّة إذا كانت تلك معركة عسكريّة واسعة النطاق، يجعل موقعها أفضل مقابل إسرائيل، فهي مسؤولة عن كيان مستقلّ اسمه غزة، وبديل عن السلطة الفلسطينيّة التي ترفض إسرائيل الحوار معها وتعتبرها عاملًا يعيق السلام والحلّ السياسيّ وهي "ليست شريكًا" ، وبالتالي فإن لإسرائيل مصلحة عليا، وهذه هي سخريات القدر السياسيّ، أو طبيعة العلاقات بين الدول وفق مصطلح عدو عدوّي هو صديقي، أو مبدأ "انتقاء الأعداء واختيار أهون الشرين"، وهو ما يجعلها، وإن لم تعترف بذلك عمليًّا تمتنع عن الإفراط في استخدام القوة العسكريّة ضدّها، بينما تشعر إسرائيل بحريّة أكبر في ضرب " الجهاد الإسلاميّ" ، فهي بالنسبة لها وفي عرفها، حركة إرهابيّة متطرّفة وعنيفة وغايتها الكفاح المسلّح ضد إسرائيل فقط، ولا طموح لها بالسيطرة على منطقة، أو سكان، ولا ترى بنفسها بديلًا عن السلطة الفلسطينيّة، وبالأحرى لا تريدها ولا تراها إسرائيل كذلك، فهي لن تكون ولا يمكنها أن تكون ما تعتبره إسرائيل بمكانة المسؤول، ولهذا تسمح لنفسها بتوجيه ضربات قاسية وشديدة لها، وذلك لتحقيق هدف ربما لن يعترف به أحد علنًا وهو إضعاف خصم "حماس" وردعه، والحفاظ على "حماس" سلطة فعليّة في غزة وحاكمًا لها، انطلاقًا من كونها حركة سياسيّة وعسكريّة واجتماعيّة في آن ٍ واحدٍ معًا، وهي في هذا بمثابة " ذخر استراتيجيّ لإسرائيل" وهو ما كتبته في مقالي قبل عامين تقريبًا وتحديدًا بتاريخ 21.5.2021 تحت عنوان:" نتنياهو و"حماس" بين الحرص المتبادل والعداء الدائم"، فالتزام "حماس" الصمت هنا وعدم توسيع نطاق المواجهة وعدم تشديد، أو زيادة قوة الضربات لإسرائيل من حيث عدد الصواريخ ومداها، يصبّ هذه المرّة في مصلحة بنيامين نتنياهو الذي كان بحاجة ماسّة إلى رواية انتصار ملخصها أن إسرائيل ألحقت بالجهاد أضرارًا كبيرة وقتلت قياداته، وسبّبت له الشلل من جهة ، وردعت "حماس" عن المشاركة في المجهود العسكريّ، أو صورة نصر عبارة عن حديث عن مواجهة سريعة وقاصمة مع خصم صغير تم تدمير قوّته العسكريّة وترهيبه، وذلك رغم أنها تدرك أن المواجهة الاخيرة بادرت إليها إسرائيل ليس لأهداف ومبررات أمنيّة ولوجود خطر داهم يجب منعه، بل لأسباب سياسيّة داخليّة منها استطلاعات الرأي العام التي أشارت إلى تدهور قوة الليكود وهبوط حادّ في شعبيّة نتنياهو ومدى اعتباره المرشح الأفضل لرئاسة الحكومة ، في تأكيد آخر على أن اسرائيل لا تملك سياسة خارجيّة، بل سياسة داخليّة فقط، وتجسيد لقول سيمون ويل أن الخطأ الكبير في جميع دراسات الحرب تقريبًا، هو اعتبار الحرب حلقة في السياسات الخارجيّة، عندما تكون فعلًا من أفعال السياسة الداخليّة.

"حماس" هنا وبالنظر إلى موقفها وتصرّفاتها، وخلال الحملات العسكريّة الثلاث الأخيرة ضد قطاع غزة، وهي حملات تمّت في عهد يحيى سنوار كرئيس للمكتب السياسيّ لحركة "حماس" ، تؤكّد أنها الطرف الذي يعتبر، فهي تدرك الواقع وخاصّة ما يتعلّق بفارق القوة بينها وبين إسرائيل، وبالتالي تمتنع قدر الإمكان عن أيّ عمل عسكريّ غير ضروريّ خاصّة وأنها حركة اجتماعيّة وسياسيّة، تحكم كيانًا تريد له أن يبقى، وأن يطول عمره، كما تدرك أنها العنوان الرئيسيّ لكلّ ما يحدث في القطاع، ومن سيطالب بالردّ على الغضب الشعبيّ إذا ما أدّت تحرّكاته العسكريّة إلى منع 20 ألف عامل غزيّ من دخول إسرائيل للعمل وتقاضي راتب يومي يقارب 100 دولار أمريكي وهو مبلغ يوازي المدخول الشهريّ للفرد في غزة، كما أنها المسؤولة في نظر المواطنين عن نتائج أي مواجهات عسكريّة يخوضها الجهاد. ولذلك، فهي تتصرف كسلطة بكافّة المقاييس ، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى دور يحيى سنوار، في تحويل حركته إلى جهة تعتبر، فهو كمن قضى في السجون الإسرائيليّة 23 سنة بعد أن حُكم عليه عام 1988 بالسجن المؤبّد 4 مرات وأطلق سراحه عام 2011 ضمن صفقة التبادل التي تم بموجبها إطلاق سراح الجنديّ الإسرائيليّ المختطف غلعاد شليط، ودرس هناك تاريخ دولة إسرائيل والحركة الصهيونيّة، تعلّم كما يبدو ، العبر التاريخيّة من حيث كيفيّة بناء الكيانات السياسيّة وضرورة وجود سلطة واحدة وسلاح واحد فقط في أي ّكيان يريد الحياة، وهو ما فعله قادة إسرائيل ومن أقاموها عشيّة، أو فور إعلان استقلالها من حيث تفكيك كافّة الحركات المسلّحة ووضعها تحت راية وقيادة جيش واحد. ومن هنا جاء اهتمام "حماس" بوجود سلاح واحد، هو سلاحها وشرطتها وسلطتها، إضافة إلى استثناء صغير هو" الجهاد" الذي يدرك أعضاؤه وقياداته أن وجودهم منوط برضى "حماس" عنهم ووجودهم منوط بها، ويقينًا أن أحدًا من قادة "حماس" لا يذرف الدمع إزاء إضعاف إسرائيل "الجهاد"، ناهيك عن أن سنوار والذي كان ما زال في السجن عام 2007، حين سيطرت حركته على القطاع وطردت السلطة الفلسطينيّة وكوادر "فتح " السياسيّة والعسكريّة بين ليلة وضحاها، تعلّم الدرس والعبرة من خطأ القيادة الفلسطينيّة حينها، والتي سمحت بأكثر من سلاح وأكثر من سلطة وحاولت إبقاء سلاح كلّ الفصائل الفلسطينيّة متناسية أن السلطة الواحدة والسلاح الواحد هما أساس الدولة الحديثة والكيان الذي يريد البقاء.

"حل تام ونهائي"
إسرائيل ضمن هذا السياق لا تختلف عن " الجهاد الإسلاميّ" ، فهي مثله لا تعتبر، فبعد 15 عامًا من سيطرة "حماس" على غزة، وبعد عقدين أو اكثر من الحملات العسكريّة ضد غزة، ما زالت عاجزة تمامًا، وليس فقط غير قادرة، على الردّ على التحديات المتمثّلة في غزة ، وهي على اختلاف وزراء أمنها ورؤساء وزرائها، لم تحاول بناء استراتيجيّة واضحة المعالم تجاه قطاع غزة، ولم تبحث عن حلّ تامّ ونهائيّ، فضلًا عن أن مراجعة سريعة لما حدث في العقدين الماضيين تؤكّد بما لا يقبل الشك، أو التأويل أن إسرائيل تعرف كيف تبدأ العمليّة العسكريّة مع غزة لكنها تجد صعوبة في إنهائها ولا تعرف كيف، وبالتالي فإنها في قرارة نفسها تعلق الآمال على الوساطات المصريّة أو القطريّة، أو الوساطة السعوديّة وفق معلومات رشحت عن وساطة كهذه خلال المواجهة العسكريّة عام 2014 (حملة الرصاص المصبوب) تخللها زيارة لقائد هيئة الأركان العامّة الإسرائيليّ الجنرال أفيف كوخافي ورئيس الموساد تمير باردو، إلى مدينة جدّة في السعودية ولقاء مع رئيس المخابرات السعوديّ الجنرال بندر بن سلطان، وهو ما حدث هذه المرّة أيضًا وفق تسريبات أشارت إلى أن حكومة نتنياهو علّقت آمالًا كبيرة على نجاح المخابرات المصريّة في التوصّل إلى وقف إطلاق نار مع "الجهاد الإسلاميّ " بعد يومين فقط من بداية الحملة، وهو الحال أيضًا مقابل حركة" حزب الله" في لبنان كما أكدت حرب لبنان الثانية والقرار 1701 ، وبالتالي فإنها أي إسرائيل تواصل العمل خلافًا للقول الشهير لألبرت اينشتاين ، بأن الغباء هو فعل نفس الشيء مرتين بنفس الأسلوب ونفس الخطوات وانتظار نتائج مختلفة، ولم تفهم بعد أن العمليّات العسكريّة المتكرّرة وعددها 14 عملية خلال عقدين، لا تضمن أيّ حلّ للوضع في قطاع غزة، ولا تشمل أيّ حلّ كان لوجود الجماعات الفلسطينيّة المسلحة في القطاع، كما أنها ترفض الاعتراف- وهي تدرك هذه الحقيقة- أن الحملات المتكرّرة ليست الحلّ رغم أنها تعزّز قوّة الردع الإسرائيليّة حتى جولة التصعيد المقبلة، إضافة إلى قضية الاغتيالات والتصفيات ، فإسرائيل تتجاهل الحقيقة الواقعة، وهي أنها حتى لو توجّهت إلى اغتيال مسؤولين فلسطينيّين، لن تحقق الحسم، وبالرغم من اغتيال قيادات عسكريّة من الجهاد فإن إطلاق الصواريخ استمر وتواصل، وهو ما أثبتته التجارب المتعلّقة بقضية التصفيات الجسديّة، والتي شرعنتها محكمة العدل العليا في إسرائيل بشروط منها أن يكون الاغتيال منعًا لتنفيذ عمليّات مسلحة ضد إسرائيليين جنودًا أو مدنيين، وأن لا يتم الاغتيال إذا توفرت إمكانية لاعتقال القياديّ ذات الصلة، والامتناع عن تنفيذ الاغتيال في حالة وجود خطر لمسّ بالأبرياء، فالتجارب كشفت أن أولئك الذين تم القضاء عليهم من قادة الفصائل الفلسطينيّة ومنهم الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي ويحيى عياش وأبو علي مصطفى وبهاء أبو العطا وأحمد الجعبري، سرعان ما يتم إيجاد ورثة لهم يواصلون طريقهم . كما أن إسرائيل لا تفهم أن اغتيال قائد عسكريّ أو سياسيّ لا يمسّ بحركته، بل يحول المغتال إلى شهيد وتقوي حركته، إضافة إلى أنه بات من الواضح أن كل حملة عسكريّة ضد غزة، وكل إطلاق صواريخ من غزة تزيد قوة الارتباط بين الضفة الغربيّة وغزة، خاصّة وأن حركتي " حماس" والجهاد تربطان كلّ حملة عسكريّة بالأقصى والقدس والضفة الغربيّة، وتحاولان ضم العرب في إسرائيل إلى مظاهرات واحتجاجات، أي أن التهدئة أو وقف إطلاق النار مع غزة تحدّد موعده وحيثياته وشروطه أحيانًا كثيرة ، الأوضاع في الضفة عامة والقدس والمسجد الأقصى خاصّة. والأحداث والاشتباكات والعمليّات المسلحة التي تشهدها وليس فقط رغبة "حماس" أو الجهاد، أو الجهود المصريّة والإقليميّة، وهو ما يجب على إسرائيل أن تفهم منه أنه يلزمها بصياغة إستراتيجيّة تعيد الهدوء للضفة، خاصّة وأن الهدوء الحالي وهو نسبي في الضفة الغربيّة رغم الاجتياحات الإسرائيليّة المتكرّرة في جنين ونابلس واعتداءات المستوطنين واستمرار الاستيطان ومنح الصلاحيات للأحزاب الاستيطانيّة برئاسة بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، يزيد من حالة الاحتقان وينذر بانفجار الأوضاع في الضفة ليصل الأمر، وفق توقعات الخبراء والمحلّلين العسكريّين والسياسيّين، إلى تصعيد يمكن السيطرة عليه ما دام الرئيس الفلسطينيّ محمود عباس يتولّى مقاليد السلطة، وسيصل ذروة خطيرة للغاية عندما لا يكون أبو مازن في رئاسة السلطة الفلسطينيّة، وربما توتّر يتّسع نطاقه إلى مواجهة تسميها إسرائيل" مواجهة متعدّدة الجبهات" تشمل غزة والضفة وحزب الله في لبنان وربما إيران، وهو ما تخشاه إسرائيل كما اتّضح من تصريحات صدرت عن قياديين فيها ، جاء فيها أن ضرب إسرائيل لحركة " الجهاد الإسلاميّ" يشكّل رسالة واضحة المعالم لحزب الله وايران والفصائل المسلحة في الضفة الغربيّة وحتى الحوثيين في اليمن وكذلك إيران.

"اضرار اقتصادية"
الحملة العسكريّة الأخيرة كمن سبقها من حملات تلحق بإسرائيل وغزة أضرارًا اقتصادية واسعة النطاق تلقي بظلالها على قطاع غزة حيث نسبة البطالة تبلغ 60 بالمئة ونسبة الفقر 64%، كما أنها تصيب مرافق عديدة في الاقتصاد الإسرائيليّ بالشلل، وتوقف حتى حركة الطيران إلى إسرائيل ومنها، فضلًا عن أنها تدفع آلاف الإسرائيليّين إلى ترك منازلهم ومغادرة المناطق المتاخمة للحدود مع القطاع، وهي حالة تلحق بالاقتصاد الإسرائيليّ أضرارًا بعشرات وربما مئات مليارات الدولارات. وهذه عوامل لها تأثيرها على قرارات السياسيّين والعسكرييّن في الطرفين المتعلّقة بوقف إطلاق النار والتوصّل إلى هدنة طويلة المدى كما أرادت إسرائيل أن تفعل مع "حماس" عام 2014 ولمدّة خمس أو عشر سنوات.

تنتهي الحملات العسكريّة، وينقشع غبار المعركة، وتتبخّر تصريحات الطرفين بأن كلًّا منهما فاز وانتصر. وهو الدليل على أن الطرفين خسرا، لتبدأ عمليات الترميم وإصلاح الأضرار البشريّة والفيزيائيّة والاقتصاديّة، وإعادة بناء مئات المنازل التي تهدّمت بفعل القصف الإسرائيليّ للقطاع أو التي تضررت، أو تلك المنازل التي تضررت في إسرائيل والحركة التجاريّة والزراعيّة والصناعيّة التي توقفت في إسرائيل وتعويض أصحاب المصانع والمصالح التجاريّة والتجار والمزارعين ، وهي خسائر أمكن تفاديها لو اعتبر السياسيّون والعسكريّون، بل أمكن استثمارها في أمور ذات فائدة، وهو ما قاله السياسي الأمريكيّ تشارلز سمنر الذي قال:" أعطوني المال الذي تم إنفاقه في الحروب وسوف أكسو كل رجلٍ وكل امرأة وكل طفل في العالم بملابس كتلك التي يفتخر بها الملوك والملكات .سأبني مدرسةً في كل واد على كامل الأرض. سأتوّج كلّ تلّة بمكان عبادةٍ مكرّسٍ للسلام"، وبعد أن تنتهي المعركة وتصمت أصوات المدافع تعود إلى الواجهة القضايا الحياتيّة واليوميّة كالتشغيل والتعليم والصحة وحقوق الفئات المستضعفة وغلاء المعيشة والأسعار، أي أنه "تصمت المدافع ليرتفع صوت الهموم اليوميّة والحياتيّة"، خاصّة في قطاع غزة الذي يضطر فيه 200 ألف مواطن إلى انتظار مساعدة قيمتها 10 دولارات شهريًّا (كما في اليمن التي لقي فيها 85 مواطنًا مصرعهم خلال تدافع للحصول على دعم قيمته 9 دولارات بمناسبة انتهاء شهر رمضان الفضيل) تقدّمها منظمة غوث وتشغيل اللاجئين" الأونروا" التي سبق وقلت إنها تكرس الفقر واللجوء والعجز الاقتصاديّ، بدل مساعدة الناس على الخروج من الضائقة، وتصمت المدافع فيرتفع صوت الأمعاء الخاوية والفئات الفقيرة والمعدومة والجائعة، كما جاء على لسان الشاعر محمود درويش في " يوميّات الحزن العادي" إذ قال:" عندما تسكت المدافع من حقّي أن أشعر بالجوع".

هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع بانيت هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة راي التحرير في موقع بانيت .
يمكنكم ارسال مقالاتكم مع صورة شخصية لنشرها الى العنوان: [email protected]