بلال سعيد حسونة - صورة شخصية
في جميع المجتمعات، خصوصاً عند المتقاعدين الذين لا يريدون إكمال حياتهم بين جدران البيت وأشـجار الحدائق، بل يسـعون جاهدين أن يقدموا ما هو أفضل لهم وللناس من حولهم.
لا شـك أن وراء التطوع تكمن قيم اجتماعية وأخلاقيّة عديدة، هذه القيم تعود بالفائدة على المتطوع والجمهور على حد سـواء، فالمتطوع يشـعر بطاقات إيجابية وأنه جزء من مجتمع هو يحبه ويتمنى له الأفضل، كذلك الحال يفرحُ الناس حين يشـاهدون المتطوعين يمدون لهم ولأحبائهم يد العون في مجالات حيوية وهامة، مثل تنظيف الحدائق العامة والمقابر، التبرع بالدم، مجالسـة كبار السـن وأصحاب الحاجات الخاصة والاهتمام بشـؤونهم وجمع التبرعات لمشـاريع خيريّة وغير ذلك الكثير.
ولكن للأسـف فان بعض الافراد من الجمهور يسـيئون معاملة هؤلاء المتطوعين وأحياناً يوبخونهم. نعم، قد تسـتغربون هذا الأمر، لكنه فعلاً موجود، صحيح أن ذلك يبدو غريباً، لكن هذا هو الواقع الذي نعيـش، في البداية لم أكن أصدق ما كنت أسمع، لكن عندما عشتُ هذه التجربة شخصياً، ورأيت بأم العين ما الذي يحدث، قررت أن أكتب هذا المقال، علني أسلّط الضوء على واحدة من المعيقات الكثيرة لإصلاح هذا المجتمع والنهوض به من جديد.
قبل سنة ونيف، كنت أتطوع في إحدى الجمعيات الموجودة في البلدات العربية، وذلك عن طريق تقديم دورات مجانيّة للطلاب في موضوع اللغة الإنجليزية، وكان هذا في سـاعات الصباح من أيام السـبت، وكنتُ عندما ينتهي التعليم، أنتظرُ مع الطلاب في مدخل بناية الجمعية، حتى يأتي أهلهم ليقلوهم الى البيت، وهنا كانت لحظة الحقيقة حين رأيت أموراً أتمنى لو لم أرها:
• كان الأهل في أحيان كثيرة يصلون المكان متأخرين، يصرخون غاضبين يستعجلون أبنائهم ركوب السيارة، حتى أنه وصل الى مسـامعي كلمات ليـس بمكانها عن الجمعية والقائمين عليها، كل ذلك وأنا أقف في المكان.
• بعد انتهاء التعليم، كان الأهل يتأخرون في الحضور لأخذ ابنائهم، الأمر الذي جعل أبناءهم يتصلون عليهم من هاتفي، لم يكن الأهل متاحين لأخذ المكالمات حينها، فكانوا يعاودون الاتصال على هاتفي بعد الظهيرة، ليسـتفسـروا من المتصل، وعندما كانوا يكتشفون أن هذا الهاتف يعود لأحد المتطوعين في الجمعية، كانوا يتضايقون وينهون المكالمة بسرعة، بدلاً من الاستفسار عن أبنائهم وكيف يتقدمون في التعليم، ولا حتى كلمة شـكر للجمعية وللمتطوعين فيها.
• شـرحت الأمر لمديرة الجمعية التي حدثتني عن سلوكيات سـلبية مماثلة من قبل الجمهور بحق الجمعيات والمتطوعين فيها، فعلى سبيل المثال أنها ذهبت في أحد الأيام تقدم مبلغاً من المال لأحد الأسـر المحتاجة، فما كان من رب تلك الاســرة إلا أن صرخ بوجهها بحجّة أن المبلغ صغير!! شـو يا اخي الكريم ... هذا بدل ما تقول للأخت شـكرا؟
في الختام، لا يمكن أن يكون مجتمعنا بهذه العقلية وهذه النفسـية، هذه طاقات سـلبية لا تبشـر بالخير أبداً، خصوصا أنها تحبط المتطوعين عن عملهم وتعيق عطاءهم المجتمع. المتطوعون هم أشخاص رائعـون ضحّوا بأوقات راحتهم، وخصّصوا من أموالهم ووقتهم حصّةً للمجتمع، لا تسـيئوا إليهم ولا توجهـوا لهم الإهانات. تعالـوا نحترمهم قليلا، ليـس لشيء إنما من أجل أن يسـتمروا بعطائهم وانتمائهم لمجتمعٍ بات في أمـسّ الحاجة للتعاونِ والاحترام.