صور من الكاتب
وصدر عن "مكتبة كل شيء" الحيفاوية لصاحبها الأستاذ صالح عباسي.
أعجبني الكتاب بظرفه شكلا ومضمونا، فقد حمل مقالات كتبت في مواضيع مختلفة بشكل لطيف وظريف لا تثقل على القاريء، وتجعله يقبل عليها بنهم خاصة وأن الكتاب عمد إلى التسهيل عليه – خاصة غير المتمكن من اللغة العربية- بأن قام بتشكيل حروف الكلمة لتسهيل مهمة القراءة والفهم على القاريء.
يدرك الكاتب أن القاريء وبعدما يقع نظره على غلاف الكتاب واسمه، لا شك سيتساءل لماذا الهدهد؟ ويسرع الكاتب بالكشف عن ذلك، فالهدهد "طائر له عرف مميِّز/ مميَّز.. وهذا الطائر من أصدقاء الفلاحين". وأظن أن اختيار الكاتب لهذا الطائر وتسمية الكتاب به وخاصة عينه، لقول العرب "أبصر من هدهدٍ لقوّة إبصاره".
إن مضمون الكتاب يدلّ على ثقافة الكاتب حسين مهنا الواسعة، وخبرته الكبيرة في الحياة، والتي اكتسبها خلال سنوات عمره وعطائه، فلم يترك موضوعا أدبيا، اجتماعيا، تربويا، إنسانيا إلا وتطرق اليه معالجا إياه بأسلوب متسامح، عارضا إياه بشكل موجز، مقدما النصح أو الخلاصة والعبرة بشكل أخوي. ولأن المواضيع عديدة ومتشعبة ولا يمكن التطرق إليها جميعا، آثرت التوقف عند أكثرها اهتماما لديّ.
يتوقف الكاتب عند مسألة "الثقافة" ويستشهد برأي عميد الأدب العربي طه حسين، ويعود الى "لسان العرب" ليوضح معناها اللغوي، ويخلص الى رأيه المتمثل في أن "الثقافة بحرٌ ونحن السابحون"، والفائز هو من يعرف الغوص في أعماق البحر. وفي "الالتزام" له رأي جديد يتمثل في استهجان ما نشأنا عليه من اعتقاد، بأن الالتزام من نصيب أتباع "الواقعية الاشتراكية"، ويرى في الاجمال ان الالتزام يتمثل في الأدب الهادف الراقي، الذي ينتظره الناس لأنه ينفعهم. ويؤكد موقفه النقدي بالنسبة للواقعية الاشتراكية حين يتطرق الى موضوع "المدارس الأدبية"، حيث يرى "عقم المفاضلة بين مدرسة وأخرى" لأنه يؤمن أن لكل شجرة ثمرها الخاص بها.
يمر الكاتب على الأنواع الأدبية من شعر وتفرعاته، ونثر من قصة ورواية ومقالة ونقد وغيرها، متوقفا هذه المرة مطولا عند "الوضوح والغموض في الأدب" بثلاثة مقالات متعاقبة، ويعود الى النقاش الأزلي حول الموضوع منذ أيام أبو تمام الى أيامنا، ويرى كاتبنا أن الأدب سواء كان غامضا أم واضحا، لا يجديه نفعا وفائدة إلا بالوصول الى القمة وهي قلوب القراء، وهذا يتجلى في أن نعصرن أدبنا ليظل يشبهنا (ص 71 و75).
وبالنسبة للعودة الى المقالة، يفضل الكاتب الايجاز وجماليّة التعبير فها، كما امتاز بها كتابها الروّاد، ويدعو كتابنا اليوم للعودة إلى المقالة للحفاظ على "الأسبقية"، التي انتشرت في منتصف القرن الـ19 "لنرتاح قليلا من سطوة الشعر"، وربما هذا يفسّر استراحة الشاعر من كتابة الشعر وضيقه بما آل إليه حال الشعر في أيامنا، فلجأ إلى كتابة المقالة الموجزة، فشعرت بارتياح لدعوة الكاتب المتجددة والتي انتهجتها منذ بداية ممارستي الكتابة حتى اليوم، ورحبت بانضمام الشاعر القدير باستراحته في باب المقالة، التي أبدع فيها ليس أقل من ابداعه في الشعر.
وفي باب اللغة العربية، فان كاتبنا لا يتورع عن التعصب لها بمحبة، منتقدا أولئك الذين يرون في لغتنا عائقا وعجزا وتحجرا، ويدعوهم للاقتداء بمقولة طه حسين عن يسر لغتنا وبذلك نعمل على تحديثها لتكون مواكبة للعصر. (ص 90 – 92).
وفي ختام هذه العجالة، لا يسعني إلا أن أوجّه تحية لشاعرنا وكاتبنا المتميز حسين مهنا على كتابه الجديد، والذي يعتبر جزءا ثانيا بعد "صباحكم سطّر"، والذي سار فيه على نفس النهج من حيث الشكل والأسلوب والمضمون. ومرة أخرى أشد على يديّ كاتبنا الراقي، متمنيا له دوام الصحة ومديد الأيام ليستمر في عطائه الأدبي والفكري خدمة لشعبنا وثقافته الإنسانية.