وسام زغبر - صورة شخصية
ورفض الاضطهاد الذي يمارس عليهم من أرباب العمل، رافعين شعار «ثماني ساعات عمل، ثماني ساعات نوم، ثماني ساعات فراغ للراحة والاستمتاع».
ويعود إحياء الأول من مايو (أيار) إلى عام 1886 عندما خاض نحو 400 ألف عامل في شيكاغو وتورنتو إضراباً عن العمل مطالبين بتحديد ساعات العمل، والذي بموجبه جرى إعدام عدد من العمال بمحاكمة جائرة ومنهم العامل الأميركي أوغست سبايز الذي قال قبيل إعدامه مقولته الشهيرة «سيكون هناك وقت يكون فيه صمتنا أقوى من الأصوات التي تخنقها».
ومنذ ذلك التاريخ يحيي عمال العالم، يوم العمال العالمي في الأول من أيار (مايو) من كل عام، فألف تحية للعمال والعاملات في عيدهم وفي نضالهم الاجتماعي العادل، ولا سيما عمال فلسطين الذين سيبقون على الدوام، هم الكتلة النضالية الأكثر صلابةً وتماسكاً واستعداداً للتضحية، وهم يرفعون راية الكفاح العمالي النقابي من أجل الدفاع عن حقوقهم النقابية والحياتية والاجتماعية، ومن أجل مصالحهم اليومية والمباشرة وحقهم في بيئة عمل وأجور لائقة وصحة وسلامة مهنية مناسبة، والارتقاء بمنظماتهم النقابية، في مواجهة تحديات الفقر والجوع والبطالة، والاحتلال والاستيطان والقوانين العنصرية والفاشية، والسياسات الاقتصادية الخاطئة لحكومات السلطة الفلسطينية وسلطة الأمر الواقع في قطاع غزة.
يوم العمال في فلسطين يختلف عن غيره من بلدان العالم، فعمال فلسطين لا يواجهون أرباب العمل لوحدهم ولا سياسات حكوماتهم، بل يناضلون ضد احتلال لا يتوقف عن تدمير مؤسساتهم وأدوات انتاجهم وحياتهم وتكبيلها بقيود اتفاق باريس الاقتصادي أكثر فأكثر، كون الاحتلال الإسرائيلي ليس احتلالاً عسكرياً فحسب بل هو احتلال استعماري استيطاني كولونيالي، ويكافحون من أجل حقوقهم ومنها قانون عمل ينصفهم بساعات عمل وأجور لائقة، وإعادة الاعتبار لقانون الضمان الاجتماعي.
تقع على العمال الفلسطينيين مهمات وتحديات عديدة وخاصة في ظل الاحتلال الذي يعيق كل أشكال التنمية بما فيها التنمية المستدامة، وفي ظل قوانين مجحفة تترافق مع تهرب أرباب العمل من تطبيق الحد الأدنى للأجور وغياب الحماية الاجتماعية إلى جانب تشوه بنية وتركيبة الاقتصاد الفلسطيني. حيث إن قطاع الخدمات يشكل 66% من إجمالي الناتج المحلي على حساب القطاعات الإنتاجية، في حين أن قطاع الزراعة يشكل أقل من 3% والصناعة أقل من 13% والإنشاءات نحو %8، ما أدى لإغلاق مؤسسات اقتصادية بكاملها وهجرة عمالها لسوق البطالة والفقر والعوز الاجتماعي.
إن الباب ما زال مفتوحاً ليطرح تساؤلات كثيرة، أبرزها، أين حقوق عمالنا في مناطق الـ48 والتي تقدر بمليارات الشواكل؟، ولماذا تواصل السلطة الفلسطينية الصمت على ذلك؟، وأين دور المؤسسات الحكومية والاتحادات والنقابات العمالية في ملاحقة وفضح سماسرة تصاريح العمل داخل الـ48 والذي يقدر عددهم بنحو 75 ألفاً ويلحقون خسائر للعمال تقدر بـ((143 مليون شيكل شهرياً، ومن المسؤول عن سياسة إغراق الأسواق بالسلع الرخيصة المستوردة دون ضوابط أو قيود، والسوق المحلية بالمنتجات الإسرائيلية رغم وجود بدائل لبعضها، ومن المسؤول عن استمرار ارتباط الاقتصاد الفلسطيني بنظيره الإسرائيلي دون التحرر من قيود بروتوكول باريس الاقتصادي، ولماذا لا نجري مراجعة لواقع مؤسساتنا الاقتصادية ودورها في رسم سياسات تشجيع الاستثمار وبحث أسباب هروب رأس المال الفلسطيني إلى الخارج؟، ولماذا لا نجري مراجعة للشركات الكبرى والتي أرباحها السنوية في تزايد وتقدر بعشرات بل ومئات الملايين من الدولارات؟، فيما اقتصادنا في تراجع دائم والبطالة في تفاقم وتصل إلى نسب لا مثيل لها!.
إن الاقتصاد الفلسطيني لم يعد انتاجياً بل أصبح هشّاً وأكثر تشوهاً، والمفارقة بين قطاع غزة والضفة كبيرة، حيث أن عدد العاطلين عن العمل في فلسطين بلغ 367 ألفاً، تبلغ البطالة في الضفة ما نسبته 13%، وفي قطاع غزة ما نسبته 45%، فيما يعتمد نحو 80% من سكان القطاع على المساعدات الإنسانية في ظل الارتفاع الحاد لأسعار السلع ولا سيما الأساسية التي تمثل قوت الفقراء.
حتى في غزة ذاتها المفارقة كبيرة بين صغار الكسبة والكادحين الذين يكافحون من أجل قوت أطفالهم اليومي ويتعرضون لأشكال الاستغلال والابتزاز والملاحقة، فيما مئات الفنادق والمنتجعات والشاليهات والمولات الضخمة تفتح أبوابها وتعج بأصحاب الدخول العالية.
أمام الواقع المرير الذي يعيشه الإنسان الفلسطيني، بات مطلوباً إعادة قانون الضمان الاجتماعي، والأخذ بعين الاعتبار مصالح الفئات الدنيا من الطبقات الفقيرة والوسطى، من أجل العدالة الاجتماعية ووضع حد لسياسات الاستغلال والنهب التي يتعرض لها عمالنا وأبناء شعبنا الفلسطيني.
قوانين كثيرة أقرتها حكومة السلطة الفلسطينية لم تجد طريقها نحو التنفيذ، كـ«قانون الحد الأدنى للأجور» والذي لم تضع خططاً لإلزام أرباب العمل لتطبيقه وخصوصاً في القطاع الخاص، فيما لم تُفعّل الصندوق الوطني للتشغيل والحماية الاجتماعية للمساهمة في الحد من معدلات الفقر والبطالة في صفوف العمال لمواصلة دورهم النضالي والاجتماعي، كما لم تُعدل «قانون العمل الفلسطيني» لضمان الحماية لحقوق العمال والعاملات في سوق العمل الفلسطيني، وإنشاء المحاكم العمالية المتخصصة لفض النزاعات العمالية وحلها بين العمال وأرباب العمل بعيداً عن التسويف والمماطلة.
وللأسف لم يترك أصحاب المصالح الضيقة في غزة والضفة شيئاً لعمالنا وشبابنا ولأجيالنا القادمة إلا وأغلقوها في وجوههم دون ترك أي بصيص أمل لمستقبلهم. لذا بات على السلطة وصناع القرار في الضفة وغزة الاعتراف بخطورة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ورفض شروط المؤسسات المالية الدولية التي تزيد من إفقار الفئات الفقيرة وتعمق تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الإسرائيلي، بالعمل على معالجتها قبل فوات الأوان بتبني سياسات اجتماعية واقتصادية تعزز صمود المواطنين وحقوق الطبقة العاملة.
واقعنا مؤلم والانفجار قادم لا محالة، والحالة الفلسطينية تعيش حالة من التيه والضياع، فيما الانقسام باقٍ رغم ما ضيّع على الشعب الفلسطيني من فرصٍ كثيرة، فأصبحنا سلطة بلا سلطة وضحايا للتوحش الرأسمالي، وأصبحت الحركة العمالية والنقابية الفلسطينية تعيش تحت سطوة الهياكل البيروقراطية والمصالح الطبقية والاجتماعية الفئوية