خاصة على نسب التضخم المالي النتزايدة، تسريح بين %8-%25 من مستخدمي الهايتك، سحب استثمارات اجنبية بحجم 70 مليارد شاقل، وانسداد افق الاستثمارات المستقبلية لسنوات طويلة، رفع الفائدة البنكية، تراجع قيمة الشاقل امام الدولار، ارتفاع الاسعار بنسب عالية غير مسبوقة، وتحذيرات متوالية من مراكز الائتمان العالمية حول وضع الاقتصاد الاسرائيلي والمخاطر القادمة.
كيف علينا ان نفهم مصالح القوى المتصارعة في اسرائيل من الزاوية الطبقية والايدلوجية، والمتمثلة في حركات الاحتجاج التي تجرف الشارع الاسرائيلي للشهر الرابع على التوالي؟؟؟
-قيادة الاحتجاج الرسمية، هم بالاساس يمثلون المصالح الطبقية والاقتصادية للدولة العميقة ، وهي الشريحة الاشكنازية صاحبة اللون الابيض ، الشريحة التي اقامت دولة اسرائيل، هم الجنرالات والاستخبارات والموساد، هم ممثلو الشركات الاقتصادية النيوليبرالية، المحلية والعالمية، هم يمثلون المصالح الطبقية للفئات الوسطى والغنية، هم اصحاب القرار في الصناعة العسكرية والتجارة الدولية والهايتك، والمؤثرون الكبار على قرارات البنوك الكبرى وشركات القوى العاملة خاصة تلك التي تقدم خدمات أمنية. هذه الشريحة اكثر ما يهمها ابقاء النظام الاقتصادي النيوليبرالي لتبقي السيطرة على مرافق الحياة المختلفة. فهذه الشريحة لديها مصالحها الاقتصادية والسياسية، وتشعر بانها مهددة وتريد حماية نفسها ومصالحها.!
الدوله العميقة لا تريد اكثر من " ابقاء الوضع الحالي"
اي تقديس الامن والاحتلال والفوقية اليهوديه بهامش ديمقراطي محدود جدا، هي اكثر ما تخشاه ان يتحول النضال والاحتجاج لتغييرات جذرية عميقة في المجتمع الاسرائيلي، وصولا لقضية انهاء الاحتلال، واسقاط القوانين العنصرية، وتغيير طابع الدوله ليصبح اكثر ديمقراطيا واقل يهوديا، لذا فهي تتحدث عن" خطر وجودي" بمعنى: انه في حالة عدم ابقاء الوضع الحالي( كما يريدون) ، فاسرائيل ذاهبة الى الهاوية!!
- بالمقابل، نرى غياب شبه كامل للنخب السياسية والنقابية والشعبية والتي من المفروض ان تحمل هم الشرائح المستضعة، العمال والموظفين الصغار، والنساء والفقراء وخاصة العرب والحريديم عن رفع صوت طبقي وايدلوجي آخر، يقول وبكل وضوح أن المعركة ليس من اجل ابقاء الوضع الحالي والذي هو السبب في بؤس الناس، وانما هنالك ضرورة لتغيير كل المنظومة النيوليبرالية المتوحشة، لنظام اكثر عدالة ، يسعى لجسر الهوة الاقتصادية بين الشرائح المجتمعية، ويسعى لرفع الحد الادنى للأجر، توجيه الميزانيات للتعليم والصحة والعمل الاجتماعي، لا للاستيطان والتسلح واغناء الاغنياء ورفع اسعار المعيشة.
لا شك ان المسرحية التراجيدية الخيانية التي قام بها رئيس الهستدروت بار دافيد بالتنسيق مع عائلة نتنياهو باعلان اضراب وهمي لمدة ساعتين، انما يدل على كل المشهد، خاصة وان الهستدروت لم تنبس ببنت شفا منذ بداية الاحتجاجات، ونأت بنفسها، بحجة ان الاحتجاجات لا تهم العمال ومصالحهم!!
-نشر المعهد الاسرائيلي للديمقراطية هذا الاسبوع نتائج بحث يتعرض لتأثير الانقلاب القضائي على معيشة الناس مفاده أن الفئات المستضعفة والتي تحصل على الحد الادنى للاجر ( ٥٣٠٠ شاقل) تآكل راتبها مؤخرا بحجم ١٠٠٠ شاقل، اي ما يعادل 20% من قيمة الراتب، وهذه الشريحة يصل عددها لمليون ونصف المليون من السكان. بينما الشرائح الوسطى والعليا تضررت بنسب اقل بكثير من ذلك ( 8%-12%). هذا يقول امرين:
الاول- أن المتضرر الاساسي من الانقلاب الحالي هم الشرائح المستضعفة، وعلى رأسهم العرب والذين يشكل الفقر 52% من عائلاتهم، ( بالمقابل18% من العائلات اليهودية).
والثاني- أن لا ديمقراطية حقيقية بدون عدالة اجتماعية، وتغيير المنظومة النيوليبرالية المتوحشة، والتي تمتزج -بالحالة الاسرائيلية- بالفوقية اليهودية واخضاع الشعب الفلسطيني واحتلاله واستثمار موارده واستغلال قوة عمله.
-الاحتجاجات الغير مسبوقة في المجتمع الاسرائيلي كشفت عمق الازمة السياسية والايدلوجية والاقتصادية والاخلاقية للمجتمع ، ووضعت بذور نقاش واسع على جميع المستويات، فهي ابعد من " حركات احتجاج" كلاسيكية كما كانت ٢٠١١، وهي ابعد من " الانقلاب القضائي" وابعد بكثير من موضوع " الديمقراطية" انها التجليات الاسرائيلية في المفترق الطرق في المشهد الدولي والاقليمي، ولن ينته هذا الصراع بمجرد التوصل الى اتفاق بين الاطراف برعاية رئيس الدولة، ولن ينته حتى ولو تغيرت الحكومة وجاء غانتس او لبيد.
-هذه الاحتجاجات فتحت افقا واسعا حول القضايا الجوهرية، وعلى رأسها قضية المنظومة النيوليبرالية وموبقاتها وانعكاساتها على حياة الناس ، ارتباطا بسياسات الاحتلال والعنصرية والفوقية اليهودية. لذا فنحن امام فرصة لاستعادة الرؤيا الطبقية في تحليل المشهد، والدفع بما يخدم الناس الغلابه والمظلومين، العرب واليهود..فهل نحن فاعلون؟؟