تصوير : علاقات عامة
عندما حدّثنا سمير صلاح الدّين (من مدينة المغار) عن مجرى حياته وحياة عائلته وأولاده، وتحديدًا عن ابنه عامر، كان صوته متّزنًا، قويًا، ثابتًا ويذكّر بالصمود. بعد أن واجه هو وزوجته فقدان ابنه البكر طارق، رحمه الله، نتيجة مرض لم يعرف الطبّ مصدره أو أسبابه أو طريقة علاجه في ذلك الحين، وتكهّن الأطباء حوله بكونه ضمورًا في العضلات، اضطر سمير وزوجته بعد سنوات طويلة أن يعيشا ويعايشا صعوبة الموقف مرّة أخرى، وأن يواجها المرض مجددًّا مع ابنهما الأصغر عامر البالغ من العمر اليوم 20 عامًا.
مع بلوغ عامر الـ 3 شهور من عمره علمنا بأنه يعاني من مشكلة ما، تشبه تلك التي واجهها طارق أخوه. لم يكن باستطاعته أن يحرّك رأسه أو جسده الصغير لوحده، وكان يستصعب جدًا عند الرضاعة. تبيّن من الفحوصات الأوّلية وجود نفخة ("خشّة") في القلب، وبعد إجراء تخطيط للقلب واستشارة طبيّة مع مختصّة بالأمراض الوراثية، تبيّن أنه يعاني من مرض "بومبي" وهو مرض وراثي كان مألوفًا لنا من أفراد عائلة آخرين عانوا منه.
"بومبي" هو مرض يسبّب تراكم الجليكوجين (السكّر المعقّد) في الجسم، ما يؤثّر بشكل كبير على عضلات الهيكل العضلي ويسبّب قصورًا في القلب والرئة، ويحدّ من القدرة على الحركة. "بومبي" هو مرض نادر سببه نقص في أحد الإنزيمات الذي له وظيفة رئيسية في عملية التمثيل الغذائي في العضلات ما يؤدّي الى تراكم المواد على أنسجة العضلات ومع الوقت إضعافها وشللها.
"للحظّ كان دور كبير في نجاة عامر"
عندما سألنا سمير ما هو المختلف في طريقة علاج ابنه عامر، وكيف هذه المرّة وجدت طريقة للتحسّن، قال سمير: "للحظّ كان دور كبير في نجاة عامر، فعند ولادته كان هناك بحث طبّي يفحص إمكانية إعطاء مرضى "بومبي" انزيمًا بديلًا يمنع تراكم الجليكوجين في العضلات. ومن حسن حظّ عامر انه اشترك في هذا البحث وبدأ يأخذ هذا الانزيم، حيث تبيّن لاحقًا انه علاج ناجح جدًّا بالفعل. بعد مدّة قصيرة من العلاج بدأت تظهر علامات التحسّن لديه، إذ أخذت قدراته الجسدية وقدرته على التحرّك تتحسّن. بدأت الحيويّة تشعّ منه. بعد سنة من العلاج استطاع عامر الوقوف على رجليه والمشي لوحده. كان تأثير العلاج سريعًا جدًا ومتواصلًا. اليوم عامر بصحّة أفضل، إلا أن المرض ترك ضررًا ما".
مع أنه يتلقّى العلاج، وبالرّغم من كون عامر ما يزال يعاني اليوم من بعض تأثيرات المرض، مثل الشعور بالضعف في كفّتي قدميه، ما يحدّ من قدرته الطبيعية على المشي مقارنةً مع أبناء جيله، إلّا أن عامر وكما وصفه والده، هو فريد من نوعه ومتميّز جدًا بذكائه: "عامر كَبر مع المرض وكَبر مع التعقيدات والصعوبات التي واجهها من ناحية نطق وحركة، غير أن هذه الصعوبات علّمته معنى القوّة والصلابة والعزيمة والتفاؤل، معنوياته كانت دائمًا عالية، وهو يعتبر نفسه محظوظًا في هذه الحياة، فالفرصة التي أتيحت له لم تكن متاحة لغيره. هذه الظروف علّمته كيفية التعايش مع الأمور. العلاج علّمه الصبر والتحمّل والإرادة، ونمّى لديه حُب العلم، وبالتالي، أصبح عامر متفوقًا في المدرسة وخاصةً في المواضيع العلمية. وقد تبنّته جامعة بار ايلان في مشروع تحضيري يسمى "פרחי רפואה" لدراسة الطب، للطلاب المتميّزين في المواضيع العلمية والذين يهتمون بدراسة الطب، كخطوة داعمة نحو جعلهم أطباء المستقبل".
"التحلّي بالصبر والإيمان بالله عزّ وجلّ"
طلبنا من سمير أن يوجّه رسالة خاصّة للأهالي الذي يعاني أولادهم من مرض "بومبي" أو أي مرض آخر.. شاركنا سمير بحرارة: "نصيحتي هي التحلّي بالصبر والإيمان بالله عزّ وجلّ، فخدمة المريض والقيام على رعايته مهما طالت ومهما تخلّلها من صعوبات ومعاناة ما هو إلّا لوجه الله. ومن ثم علينا أن نحرص على تثقيف أنفسنا، ودراسة حيثيات المرض والمفردات التي يستعملها الأطباء حتى يسهل علينا استيعاب متطلّبات العلاج والرعاية الطبية. صحيح أن الطفل المريض يحظى بوقتنا وعطفنا ورعايتنا كأهل، وقد يكون ذلك على حساب الآخرين من أبنائنا، فلننتبه ونأخذ هذا الأمر بالحسبان. ولا بد من كلمة أخيرة نناشد بها أبناء مجتمعنا عامةً بضرورة إجراء الاختبارات الجينية قبل الزواج وخلال فترة الحمل وبعد الولادة بسبب أهمّية التشخيص المبكر لعلاج الأمراض النادرة".