logo

مقال :‘ إسرائيل الى أين ؟! تدهور دستوري ودولي ‘

بقلم : خالد خليفة
19-02-2023 08:35:20 اخر تحديث: 23-02-2023 11:24:33

يسود في خضم تطورات هذه الأيام، صراع قاس وشبه دموي في المجتمع الإسرائيلي، حيث بات واضحا للعيان انه مباشرةً، وبعد تسلم نتنياهو زمام الحكم إثر الانتخابات الأخيرة،


خالد خليفة - صورة شخصية

بدا ما يسمى الانقلاب الدستوري وتمرير الإصلاح القضائي الذي يتيح له هيمنه مطلقة تقريباً على السلطة القضائية، ويسمح للسياسيين بتعيين القضاة وفرض فقرة تجاوز وإلغاء قرارات محكمة العدل العليا.

 وبهذا يتسنى لنتنياهو تعيين مزيد من القضاة الشرقيين والمتدينين ذوي الصبغة الدينية الأصولية في الجهاز القضائي بما في ذلك محكمة العدل العليا، وفي نهاية الأمر يحقق ما يسعى إليه من تحكم بالقضاة الذين سيجلسون يوماً ما لإصدار الحكم في قضيته هو..

ومهما يكن من أمر، فإنه لا بدّ من الوقوف طويلا وباستغراب شديد أمام تلك الجرأة والسرعة في تمرير هذا القانون في القراءة الأولى في 13 شباط 2023، واحتمالات تمريره نهائيا في الأسابيع المقبلة ليصبح بذلك قانونا نهائيا يغلق الباب أمام قوى المعارضة التي تتظاهر أسبوعيا بمشاركة عشرات الآلاف في القدس وتل أبيب وأمام الكنيست.

" فرض واقع آخر "
إن هدف هذه الحكومة هو فرضٌ سريع للأمر الواقع الدستوري داخليا لكي يتسنى لها فرض واقع آخر وهو واقع الاحتلال، حيث بات جلياً أنها غير معنية إلا بواقع الوضع الراهن في المناطق الفلسطينية واستمرار الاحتلال للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزه وفقاً لما تم الاتفاق عليه مع الإدارة الأمريكية منذ زمن بعيد. ولكن هذه الحكومة الإسرائيلية تطمح إلى تجاوز ذاك الاتفاق بتعميق الاحتلال واستعمال القبضة الحديدية في التعامل مع السكان الفلسطينيين وتكثيف الاستيطان انطلاقا من رؤيتها بأن الانتفاضة قادمة لا محالة وعليه، وبدلا من أن تتفاوض مع الفلسطينيين فإنها تدفع بهم الى الحائط كي لا يكون عندهم أيّ بديل آخر. ولا يهم هذه الحكومة الجديدة ما يحدث داخليا وانتقادات المعسكر الإسرائيلي الداخلي الذي بات يخشى من الخروج الهائل للاستثمارات من إسرائيل الى الخارج وتدهور مكانة إسرائيل الدولية. ولعل الأهم من كل ذلك بكثير هو التدهور الواضح في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية.

" تحذيرات الإدارة الأمريكية "
وقد زار إسرائيل في الشهر الماضي شخصيات هامة من الإدارة الأمريكية وحذروها من مغبة ما يحدث، ولكن من الواضح، ومن خلال عزمها على إقرار قانون الإصلاح القضائي، انها لا تكترث لتحذيرات الإدارة الأمريكية. لقد أقرّت أخيراً قانونية 9 بؤر استيطانية في الضفة الغربية وخاصه في مناطق كان قد تم الاتفاق على الانسحاب منها في منطقة جنين ونابلس؛ وهنالك نية بان تعود إلى مزاولة الاستيطان في منطقة غلاف غزه على عكس ما قرره شارون، حين انسحب منها عام 2003.
لقد أضحى من المؤكد أننا سنرى في الفترة المقبلة مزيداً من الصراع الداخلي حيث حاول الرئيس الإسرائيلي إسحاق هيرتسوغ التوسّط بين المعسكرين المتنازعيْن لكنه فشل فشلا ذريعا وهكذا سيستمر يائير لبيد ومعسكره المعارض بالوقوف ضد خطة ما يسمى "الإصلاحات القضائية"، ويواصلون التصدي لهذه الإملاءات القانونية والدستورية.

ومن الصعب التنبؤ بقدرة الحكومة على الاستمرار في عملها المنتظم، ومن الواضح أن شللا ما سوف بصيب تحركاتها ويؤثر على مسارها.
أما الخطر الذي يمكن أن يؤدي إلى سقوط هذه الحكومة فهو وارد أيضا نتيجة للخلافات الشديدة بين أعضاء حكومة متطرفين من جهة والجهاز العسكري والأمني من الجهة الأخرى. لقد بدأ العسكر يُبدون معارضه معينه لسياسة هذه الحكومة في الوقت الذي نرى بان بن غفير يريد اتباع سياسة السور الواقي حتى في القدس الشرقية إضافة للضفة الغربية. وقد رأينا بعض المعارضين له في الجهاز العسكري، ولكنه في النهاية يطبق ما يريد.
فعملية هدم البيوت في القدس تحوّلت إلى ممارسة يوميه وبأعداد ضخمه ولا تُطاق، ويجري ذلك على الرغم من عدم وجود أي سند قانوني لهذا الهدم.
وإذا ما أخذ بالحسبان ما يقوله العديد من المحللين عن اندلاع انتفاضة ثالثة فان التدهور السياسي والأمني سيكون سريعا ويفرض نفسه كحالة جديدة على الساحة الإسرائيلية.

أما على الساحة السياسية العربية في الداخل، فيسود أيضا خلاف واسع النطاق بين الأحزاب العربية والنواب العرب، فمنصور عباس يريد المشاركة والتفاعل الجماهيري في إضرابات المعارضة ولكن بدون أن تعطي هذه المعارضة الوسط العربي حق الكلام والتعبير عن الراي, تماما كما كان انضم منصور عباس في الماضي إلى حكومة لبيد، فكان مؤيدا من الكرسي الخلفي، ومع ذلك جرى اتهام لبيد لاحقا بانه يؤيد الإسلاميين وكلفه ذلك كثيرا في صناديق الاقتراع. وأما اليوم، فإن لبيد يريد من العرب أن يتظاهروا من دون إعطاء الانطباع بأنهم مشاركون حقيقيون في هذه المظاهرات بل مع التشديد بان هذه الاحتجاجات هي يهودية بحتة.

" منصور عباس شركاءه العرب السابقين "
ويوافق منصور عباس على ذلك الطرح ويتهم شركاءه العرب السابقين بأنهم هم من أفشل حكومة لبيد، ذلك أن لبيد يريد العرب شركاء مُضاربين وليس أصيلين، تماما كالزواج العرفي المسموح به في بعض الدول الإسلامية أو كشُهّاد الزور..

وفي الوقت الذي يشتعل فيه الشارع الإسرائيلي فإن هناك احتمال إصابة المرافق الحيوية بالشلل لاحقا. ويبدو لنا الموقف من الداخل، مزيجاً من الالتفاف حول المعارضة، ولكن بدون انضمام الشارع العربي حيث بدأت الحكومة بفرض سياسة القبضة الحديدية على سكان القدس والضفة الغربية.

ويمكن القول إن أوصال علاقتها الدولية بدأت أيضا تتأثر وتتضعضع خاصه على صعيد علاقاتها مع الولايات المتحدة وأوروبا حيث بات من اليقين أن هذه الحكومة تريد الاستمرار في الاحتلال والسيطرة على 6 مليون فلسطيني بشكل معمق والى الأبد.
وتبقى التفاعلات البنيوية التي نجمت عن هذه الأزمة هي الأمر الوحيد الذي يعيننا على الإدراك الكامل لكيفية وماهية تسارع هذا الصراع.