logo

مقال :‘ تحذيرٌ من انتفاضة ثالثة ‘ - بقلم: خالد خليفة

بقلم: خالد خليفة
12-02-2023 09:09:47 اخر تحديث: 13-02-2023 05:59:21

لم تكن تصريحات رئيس المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) الحالي، وليم بارنس، التي حذّر فيها من إمكانية نشوب انتفاضه ثالثه في المناطق الفلسطينية المحتلة مفاجئة،

فقد جاءت بعد اقل من شهر من زيارته لإسرائيل والضفة الغربية حيث اجتمع مع المسؤولين هناك واطلع على الوضع الراهن، كما جاءت زيارته بعد أسبوع من زيارة رئيس مجلس الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان الى المنطقة، وبعد أربعة أيام من زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن الى إسرائيل في 30 يناير2023.

وقد صدرت هذه التحذيرات الأمريكية عن أرفع رجال الحكم في الولايات المتحدة والذين يناصرون حليفتهم إسرائيل تمشيا مع المصالح الأمريكية الاستراتيجية, إذ إنهم رأوا أن السياسة الإسرائيلية تتغوّل في قمع واضطهاد الفلسطينيين, حيث بات واضحاً للعيان ما تفعله حكومة الاستيطان في المناطق الفلسطينية من قتل يومي للشبان والمدنيين الأبرياء، واضطهاد الشريكة المفترضة، السلطة الفلسطينية بمصادرة أموالها, وهدم البيوت بمناطق سي (جيم), وزيادة البؤر الاستيطانية وقطع سبل الاتصال الجغرافي بين المدن والمناطق، والإصرار على إعادة الاستيطان في شمال الضفة الغربية: جنين ونابلس، خلافاً لما وقعته في اتفاقية أوسلو. ومن شأن ذلك كله وبرأي وليم بارنس المبطن، أن يؤدي الى انتفاضه ثالثه علماً بأنه هو نفسه لا يعرف شكلها وكيفية تطورها وسرعة تصعيدها، إلا أنه يخشى، كما يبدو، من هؤلاء المسؤولين الإسرائيليين الحاليين ومما يحدث على الساحة الداخلية الإسرائيلية حيث تقوم حكومة نتنياهو بأعمال متسارعة الوتيرة لتغيير نظام الحكم من شبه لبرالي لليهود في هذه البلاد إلى حكم دكتاتوري مطلق لصالح فئة من اليمين المتطرف. ولا نتكلم هنا في قضية الإصلاح القضائي وما ستحدثه هذه التغييرات بالنسبة لعرب هذه البلاد وللفلسطينيين إذ إنها سوف تؤدي إلى تدهور أوضاعهم الى الحضيض من الناحية القانونية والدستورية. ويمكن القول بان هذه التحديثات التي يسميها الوزير يريف لفين مجرّد إصلاحات قانونيه وحسب التفسير والنقد القانوني من الهيئة القضائية أي من محكمة العدل العليا لكافة القضايا التي تعرض عليه بحيث يكون القرار فقط للأغلبية في الكنيست، حكومة نتنياهو الحالية وهو من اهم اهداف تلك الإصلاحات التي توفر لحكومة ذات أغلبية برلمانية يستطيع إدخال تغييرات قضائية ذات أبعاد واسعة النطاق ويمكن أيضا ان تغير في نهاية الامر المسار القضائي لمحاكمة نتنياهو نفسه.

اما على الصعيد الفلسطيني فالتغيير لا أساس له من الصحة ولا يؤثر على سيرورة المواطن الفلسطيني المضطهد بحيث ان اليمين المتطرف بقيادة سموتريش وبن غفير مستمرٌ في حملة إخضاع الفلسطينيين وفرض قوانين كثيره مشابهه لقوانين الأبارثهايد والاحتلال المستمر منذ أكثر من خمسين عاما بدون أي حسيب أو رقيب.

ودعونا نتخيل ما يحدث في غمرة هذه الأيام التي يتضامن فيها العالم كله مع ما يجرى في تركيا وسوريا بعد الزلزال المدمِّر وهدم الآلاف من البيوت وموت الآلاف من الناس، ثم تأتي حكومة نتنياهو ويتفاخر نائب الوزير ألموغ كوهين وهو أحد أعضائها، عبر وسائل الإعلام بان هذه الحكومة هدمت عشرات البيوت في القدس الشرقية خلال الأسبوع الأول من هذا الشهر، وتعتزم أيضا الاستمرار في هدم حي الخان الأحمر، وأحد المباني الكبرى في حي كفر قدوم في سلوان. والعجيب أن الحكومة قررت الهدم في نفس اليوم الذي يتضامن فيه العالم مع ما جرى في تركيا وسوريا.

اما بن غفير فقد أعلن " انتظروا فإننا سنستمر في المهمة ونهدم هذه البيوت الفلسطينية قريبا". ولا نعلم بالضبط إن كان لتحذيرات رئيس الـ سي آي إيه أي تأثير على الوقف المؤقت لعمليات الهدم هذه

لكن، ومهما يكن من أمر، فان الولايات المتحدة تشعر بالقلق إزاء ما يمكن أن تتمخّض عنه حركات هذه الأيام بالنسبة لحليفتها إسرائيل من تقلبات وتطورات خطيره على الساحة الداخلية والإقليمية؛ فأمريكا أيضا بدأت تفقد شيئاً من تأثيرها على حلفائها العرب في الشرق الأوسط. ويبدو أن هنالك تباعداً وانكفاء في العلاقة مع النظام السعودي على خلفية رغبتها في مزيد من الدعم السعودي بما يتعلق بالحرب الأوكرانية – الروسية، والتقارب السعودي - الصيني – الروسي. وهنالك أيضا تباعد وتصعيد عداء مع إيران، وعدم قدرة واضح المعالم في تقرير مسألة النووي الإيراني. كما أن سياستها مع مصر بدأت تتراجع ما أدى إلى تقلص المساعدات العسكرية السنوية لمصر بحجة انتهاك حقوق الإنسان. أضف إلى ذلك تضاؤل الوجود العسكري الأمريكي في العراق فأضحت مكانتها تتأرجح على كف عفريت في العراق وفي سوريا أيضاً. ولوحظ أن واشنطن لا تدعم بالشكل الكافي الأردن سياسيا أو اقتصاديا، ولكنها تدعم إسرائيل وبكل قوه وتريد منها الحفاظ على الوضع الراهن مع الفلسطينيين في هذه المرحلة وهو امر يكاد يكون شبه مستحيل.

ولربما كان هناك ما يعزّز من مصداقية تحذيرات رئيس المخابرات المركزية الأمريكية CIA وليم بارنس، كونه شغل منصب سفير الولايات المتحدة لدى الأردن ما بين 1998- 2001 أي أنه كان قريباً من، وشاهد عصر على نشوب الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، وبهذا قد يحقّ له أن يقلق على امن إسرائيل من نشوب انتفاضة ثالثة.

لقد كانت الانتفاضة الأولى عام 1987 قاسية جدا على إسرائيل حيث اضطرتها إلى التوقيع على اتفاقية أوسلو التي لم تفِ بتنفيذها كما هو متفق عليه عام 1999. ثم نشبت الانتفاضة الثانية وأدت الى انسحابها الكامل من منطقة غلاف غزه. ولا نعلم ماذا ستفعل إسرائيل في حال نشوب انتفاضة ثالثه، وكيف سترد عليها، ولكن الكل يُجمع على أن أي عدم استقرار يسود تلك المناطق سيكون مختلفا عما سبقه. فاليوم تبدأ الدول بالحروب ولكنها لا تعرف كيف تنهيها. انظر إلى الحرب الروسية الأوكرانية وكيف بدأت ولا أحد يمكنه التكهن بنتائجها ولا كيف ستنتهي..