logo

مقال : الوجهة القادمة للحكومة الإسرائيلية بعد القضاء...جهاز الإعلام

بقلم : بشار زغير
05-02-2023 09:16:03 اخر تحديث: 10-02-2023 05:56:09

بعد أن فرغ الائتلاف الحاكم الإسرائيلي من تجهيز خطته المحكمة للسيطرة على القضاء ها هم أقطابه يشحذون سيوفهم استعداداً للانقضاض على هدفهم القادم.... الإعلام.


بشار زغير - صورة شخصية وصلتنا من الكاتب

يَصعُب أن يَغفل المتابع للأحداث الأخيرة على الساحة الإسرائيلية الهجوم الذي تتعرض له وسائل الإعلام الأوسع انتشاراً والذي يُشَن من زوايا عدة ويأخذ أشكالاً مختلفة، تمثلت آخرها في التهجم على مراسلي قناتَي N12 و13 أثناء تغطيتهم لتداعيات العملية الأخيرة في مستوطنة نيفيه يعكوف في القدس حيث تعالت في وجوههم صرخات "إلى الخارج يا يساريين أنتم ومستشارتكم القضائية" في ربط مباشر بين جهازي الإعلام والقضاء وكأنهما وجهان لعملة واحدة يتوجب تغييرها بالنسبة للائتلاف اليميني وأنصاره. بالمقابل تبرز القناة ١٤ اليمينية والتي سيلاحظ من يتابعها أنها تأخذ منحى شبيه بقناة fox news الأميركية التي تمثل اليمين المحافظ الأميركي ومعروفة بانحيازها التقليدي للإدارات الجمهورية فيما تصف كل ما يصدر عن الوسائل الأخرى إن انتقدت الرئيس الجمهوري ببث أخبار زائفة fake news وتصنف خصومها كيساريين واشتراكيين.

لكن الموضوع لا يتوقف عند تهجم هنا وصراخ هناك بل أخطر وأعمق من ذلك بكثير إذ يستعد وزير الاتصالات شلومو كرعي للكشف عن "إصلاحات" في مجال الإعلام سائراً على خطى وزير القضاء ياريف لافين صاحب خطة "الإصلاحات القضائية" ومثل لافين تثير خطة كرعي الكثير من الجدل والمخاوف.

تحظى هيئة البث العامّة (صاحبة قناة كان) بنصيب الأسد من الخطة إذ لوح كرعي بإغلاقها قبل أن يتراجع خطوة إلى الوراء ويعلن عزمه تقليص الميزانية الممنوحة لقطاع الأخبار فيها على نحو كبير، ما سيؤدي حتماً إلى تأثر المضمون والجودة وإنهاء برامج وإغلاق قنوات في الهيئة كما ينوي خصخصة أقسام فيها.

حسبما سُرّب تشمل الخطة أيضاً إخضاع القنوات التجارية كــــــــ١٢ و١٣ و١٤ لجسم رقابي وإدخال تعديلات تجعل لصاحب القناة سلطة أكبر على نشراتها الإخبارية (ما يوفّر عنواناً واحداً لمن يود التأثير على مضمون الأخبار من الخارج واللبيب بالإشارة يفهم)

هذا المخطط دق ناقوس الخطر لدى المجتمع المدني والإعلامي الإسرائيلي الذي اعتبر ما يجري امتداداً للحرب التي يشنها زعيم الليكود ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على وسائل الإعلام ونشراتها الإخبارية التي لطالما صنفها ضمن "اليسار المناهض له" واتهمها بتلفيق الأكاذيب، كما نُظِّم الأسبوع الماضي مؤتمر طوارئ تم فيه التحذير من إسكات إعلام الشعب والانتقام منه لأنه ببساطة ليس بوقاً باسم الطبقة الحاكمة مقابل تقوية وسائل الإعلام التجارية المؤيدة للحكومة والرأسمالية الشجعة حسب وصف المشاركين.

مخطئ بشدة من يعتقد أن استهداف الإعلام بدأ مع هذه الحكومة فما الأحداث التي ذكرناها سوى اللمسات الأخيرة على طبخة يجري الإعداد لها على نار هادئة منذ سنوات، بدءاً من عودة نتنياهو إلى السلطة عام 2009 مروراً بشغله إلى جانب رئاسة الحكومة منصب وزير الاتصالات بين عامي ٢٠١٤ و٢٠١٧ علماً أنه وسّع عبر سلسلة من القوانين صلاحياته في هذا الصدد ويمكن تلخيص أبرز محاولات نتنياهو التأثير على الإعلام في إسرائيل بما يلي:

- محاولته وضع بصمة في إصلاحات سلطة البث (صاحبة القناة الأولى) التي تحولت إلى هيئة البث وسط معارضة داخل الائتلاف التي اتهمته بأنه يحاول السيطرة على الهيئة ما هدد بالتوجه إلى انتخابات مبكرة وهو ما أفشل مساعيه.

- إلزام الشركتين المشغلتين للقناة الثانية وهما كيشيت وريشيت بالانفكاك عن بعضهما وإدارة قناتين مستقلتين تحت مسمى وقف الاحتكار وتشجيع المنافسة بينهما وبالتالي حدث انقسام داخل القناة الثانية التي أصبحت بعد التغيير N12 بيد أن ذلك لم ينجح في ضرب نشرة أخبارها التي غدت حوتاً في مجال المعلومات والأخبار قضّ مضاجع نتنياهو.

- منح التسهيلات لإطلاق قنوات تجارية وإخبارية جديدة تكسر هيمنة الوسائل التقليدية وتطلع نتنياهو من خلال هذه الخطوة إلى ولادة قنوات أقرب إلى توجهاته وتوجهات حكوماته اليمينية فنشأت القناة ٢٠ والتي سميت لاحقاً القناة ١٤.

- الهجوم المستمر على إذاعة صوت الجيش (جالي تساهل) ومحاولات إما إغلاقها أو خصخصتها وإتباعها لأحد أباطرة الإعلام المقربين من نتنياهو.

- محاولة نتنياهو التأثير على تغطية صحيفة "يديعوت أحرنوت" بأن تنشر أخباراً مؤيدة له عبر عقد صفقة مع مالكها أرنون موزس تقضي بالمقابل إضعاف صحيفة "يسرائيل هيوم" المؤيدة لنتنياهو والتي توزع بالمجان ما ألحق خسائر بالصحف الورقية الأخرى وعلى رأسها يديعوت.

- محاولة نتنياهو التأثير على تغطية موقع "والا " الإخباري لصالحه عبر صفقة مع مالكها وهو مالك شركة "بيزيك" للاتصالات شاؤول ألوفيتش مقابل تسهيلات كسب من خلالها ألوفيتش أرباحاً بمئلات ملايين الشواقل.

النقطتان الأخيرتان يحاكم عليهما نتنياهو حالياً بتهم الفساد وخيانة الأمانة. بالمحصلة ولاختصار الموضوع يبدو أن اليمين الإسرائيلي وبجهود يقودها نتنياهو يحلم بتسخير الإعلام لأجله، أن يصبح الأخير أشبه بإعلام الدول الشمولية مع إخفاء أي صوت للمعارضة مقابل الترويج للحاكم وإبداء الطاعة المطلقة له! وسط تساؤل حول مدى إمكانية تحقيق ذلك على الأرض وتمرير الخطة الإعلامية في وقت اتضحت فيه نوايا نتنياهو واليمين وضوح الشمس فيما تزداد في الشارع قوة المعارضة لهذه التغييرات والتي إن مرت جنباً إلى جنب التعديلات القضائية ستمر إسرائيل بتغييرات بنيوية تجعلها إسرائيل أخرى غير التي نعرفها.