logo

رحيل احد أعمدة عائلة صرصور الحاج عمر الخضر (أبو الرائد) 

بقلم: الحفيد الصحفي تامر صرصور
12-01-2023 17:30:09 اخر تحديث: 12-01-2023 19:57:15

فاجعة.. صاعقة.. وقعت علينا بوفاة جدنا المغفور له الحاج عمر احمد خضر صرصور "ابو الرائد" هي ثقيلة تلك


تامر صرصور - تصوير العائلة 


 المصائب التي تصيبنا بوفاة اعز الاعزاء بدون سابق انذارٍ ولكنها تكون اهون علينا بإيماننا بالقضاء والقدر, فلو كان هنالك من يُخلد فهي الاحقية لسيد البشر عليه الصلاة والسلام حيث قال له تعالى في محكم تنزيله وهو اصدق القائلين إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ونحن علينا ان نؤمن ونستعد لتلك اللحظة لعلها تكون راضية مرضية, نعم فراق الاحباب عسير ويتطلب صبراً كبيراً وايماناً مكتملاً بمن خلق الروح وقابضها ولكن في الآن ذاته فمن يرحل عن هذه الدنيا وفتنها يكون قد التجئ الى رحمةِ ربٍ اعطى وما اخذ الا الامانة وامانته هي روح الانسان, فمن ارحم لروح الانسان غير خالقها؟



ما يبقى من الشخص بعد وفاته هو الذكريات الجميلة والجلسات المؤنسة والحديث اللين ذو الطابع الإحتضاني وهذا يلامسك في كل مرة ترى مكان جلوسه حيث تتذكره صوتاً وصورة وفي كل مرة تتذكر موقفٍ كان له ترك اثراً كبيراً عليك وفي كل حديث كنت ترى بريق عينيه يسطع وهو يروي ما تيسر من سيرته وما تعسر في سبيله, ولكني اتسأل مع ايماني بقضاء الله وقدره أتكفي فقط الذكريات؟ الذكريات لن تنسينا فاجعة الموت التي المت بالحبيب بل تذكرنا بأنه فارقنا ولن يعود والادهى والامر ان الحبيب عند الفراق لا تسنح له الفرصة لأن يودع الاحباب إلا من خلال ومضات من الرموز نفك ثغرها بعد فوات الاوان ورحيل الحبيب, فما عسانا ان نفعل إن نحن انتبهنا لاقتراب اجل الحبيب؟.. لا شيء فـ أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة, فلا يمكن ان تمنع القدر من ان يتحقق فكما قُدر لك ان تحيا هذه السنين فقد حُتم عليك الموت بالنهاية.



بعد هذه المقدمة بودي ان اتحدث عن جدي المرحوم عمر احمد خضر صرصور " أبو الرائد " فمع كتابتي لهذه السطور لا اتمالك نفسي بالحزن والبكاء على رحيل جدي ومع كتابة هذه السطور لا اكاد اصدق ان جدي قد رحل ولن يعود, فالجلسات والحديث لن تعوضها الذكريات ولن تحل مكانها الا انها أتت مُجبرة بدون استئذان وربما لتكون هي مخففة للآلام. هو الامر الوحيد الذي يبقى فلا بد ان نتمسك به بكامل قوانا العقلية من اجل ان نحافظ على الذكريات دوماً في عروقنا.



جدي المرحوم كان مُلماً في أمورٍ عدة فقد نشط في محافل عدة منها الاجتماعية والسياسية والرياضية وبحديثك معه ترى الانسان المثقف الذي يحمل فكر متنور ويسعى من خلف حديثه ان يوصل رسالة او مغزى ترتوي منه وتحصل على ما لو جالست اكبر الساسة الكبار لن تحصل عليه فقد رُسمت شخصيته القيادية منذ نعومة اظافره ان كان بمعاصرة النكبة ومعايشة مجزرة كفرقاسم التي تركت به اثراُ كبيراً فقد استشهد عدد كبير من اقرباءه, ومنذ ذلك الحين فقد كان مناضلاً يحمل على اكتافه حب الوطن وفعل الخير حتى كان في الانتفاضة الأولى ناشراً للخير في كافة ازقة الوطن من خلال جمع المساعدات والصدقات للأهل المتضررين من الانتفاضة فقد كان هو الاب الروحي كما وصفه سكرتير الحزب الشيوعي عادل عامر "أبو بشار" لهذا المشروع وافعال خير أخرى لا تعد ولا تحصى.



الجانب السياسي كانت وسيلة له, فأسمى أهدافه هو فعل الخير فكان يفعل ذلك بكل الطرق المتاحة وابداً لم يتنازل عن مبادئه وما يؤمن به فقد رفع لواء الحق بما يؤمن دوماً بدون تلون وسعى بما يؤمن به حتى النخاع وكان يقول وينادى بما يؤمن حتى ولو كان ما يؤمن غير مقبول على البعض الا انه ظل ينادي دوماً ولم يغير ما امن به ابداً حتى ولو في بعض الأحيان يكون قد تعصب لأفكاره وبما يؤمن فيتعصب بعض الناس منه بالمقابل, فقد كان مخلصاُ لما يؤمن وبما يقتنع خاصة ان كما ذكرت فهي بالنسبة له فقط وسيلة وهنالك اهداف غامضة خلف أفكاره النيرة وهذه الأهداف هي الإصلاح بالمجتمع وفعل الخير وليس إلا.

مراحل سيرته واسعة جداً ولا تكفي كتابتها بين هذه السطور ولكن مفاجئة الفاجعة لم تترك لنا الكلمات لنوصف مدة حزننا وبكاءنا فأحياناً لا يمكن وصف الحزن الا من خلال البكاء ليس إلا.



[ رحيل جدي – الساعات الأخيرة ] 
كنت عند جدي انا وأخي واعمامي في الليلة الأخيرة له في هذا العالم, وقد جلسنا بجانبه وهو في حالة جيدة بالمستشفى لم نكن ندرك للحظة انها لحظاته الأخيرة في هذه الدنيا فقد كنا بجانبه ننتظر الفحوصات التي كانت جميعها إيجابية ولكن جدي كما كان يقول لي عندما اسئله عن حاله كان يقول انه يشعر بالهزل ويا لها من كلمة بقولها تضعف الجسد, فقد كان فعلاً هزيلاً يعاني كثيراً في أيامه الأخيرة وقد كان يفقد من الوزن وكأن الدنيا تأخذ من عمره ببطئ لتعيده نقياً طاهرا, فقد عانى بهزله هذا الكثير فهو ليس مرض او داء يمكن علاجه بل انها معاناة الشيخوخة التي تنهش من الروح قبل الجسد.

كان جدي قبل رحيله لا يخرج من غرفته ليس لانه لا يريد بل لأنه لا يقدر مع شعوره بالهزل والضعف فقد أصبحت جدران غرفته تأويه وتحتضنه ساعات وايام ونهوضه عن سريره اصبح امراً نادراً هي فعلاً الأيام والسنين قد اضعفته وما هو مرض او داء انما هي انفلونزا الشيخوخة التي المت به وصارت تنهش من أيامه كالنار بالهشيم وقد كان يحاول جدي ان يتعايش مع الامر دوماً حتى لحظاته الأخيرة ولكن كنا نرى كيف كانت أنفاسه قد بدأت تتلاشى شيء فشئ.

انا وقد كنت بجانبه وقد حصلت على شرف خدمته قبيل رحيله حيث طلب مني وبكلماته ( تامر, غطي جرياتي ) وانا قد فعلت وهو يشعر ببردٍ لربما كان برد الشعور بقُرب الأجل, ومع اقتراب الساعة الثالثة والنصف صباحاً طالبنا جدي ان نذهب لنرتاح ولا داعي ان نبقى وبكلماته الأخيرة التي سمعتها منه ( مع السلامة, الله معكم ). باليوم التالي وقد افاق ليوم جديد هو الأخير في حياته وقد كان كعادته حامداً راضياً راغبا رحمة الله, حيث مع اقتراب اذان العصر وقد كان عمي بجانبه بدأت على ما يبدو صراعات النزاع حيث انتزع ما كان عليه من الآت وقد سلم امره لقدره واستسلم كما روي عمي انه قد حدّق امامه بشئ لربما هو فقط من يراه وقد تمتم بالشهادة ورفع السبابة تاركاً هذه الدنيا وراحلاً لما بعدها تاركاً إيانا مع حسرة الوداع وبكاء طويل لن ينتهي ابدا.

عندما كنت بجانبه في ليلته الأخيرة قبل وفاته بساعات وقد حصلت على شرف خدمته قبل رحيله عنا رأيته راضياً حامداً ومبتغياً رحمة الله ولم افكر للحظة انها لحظاته الأخيرة في هذه الدنيا بل انه حديثٌ اخر بيننا كما كان في الأيام الخوالي ولكن في اليوم التالي اتضح انه كان اخر حديث بيننا والذي انتهى بـ " مع السلامة, الله معكم".

جدي الغالي سنفتقدك كثيراً ونلتقي ان شاء الله في جنةٍ عرضها السموات والأرض اعدت للمتقين.



اللَّهُمَّ، اغْفِرْ له وَارْحَمْهُ، وَاعْفُ عنْه وَعَافِهِ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بمَاءٍ وَثَلْجٍ وَبَرَدٍ، وَنَقِّهِ مِنَ الخَطَايَا كما يُنَقَّى الثَّوْبُ الأبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِن دَارِهِ، وَأَهْلًا خَيْرًا مِن أَهْلِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِن زَوْجِهِ، وَقِهِ فِتْنَةَ القَبْرِ وَعَذَابَ النَّارِ.


الجد عمر الخضر ابو الرائد