logo

أخصائية التغذية سهى خوري في صالون الكتاب :‘ ألف ليلة وليلة هي التي تشكل خياراتنا الغذائية الصحية لكل مراحل حياتنا ‘

موقع بانيت وصحيفة بانوراما
19-12-2022 07:52:17 اخر تحديث: 16-03-2023 11:23:08

القدس - تتبعت اخصائية التغذية ومدربة الحياة سهى خوري الفطرة البشرية المجبولة على " أن كل ممنوع مرغوب وان البشرية تمارس الحرمان والندم أمام الاغراءات مند آدم وحواء

       
صور من صالون الكتاب الثقافي

ونحن هنا نتكلم عن تفاحة آدم وليس تفاحة نيوتن ..؟! " . وأوضحت في محاضرتها القيمة التي نظمت في صالون القدس الثقافي بالمكتبة العلمية بالتعاون مع نادي الصحافة المقدسي " بأن الانسان عندما يعجز عن مقاومة المغريات والممنوعات يعيد قصة آدم وحوى في داخله وينهال على نفسه بالانتقاد الذاتي التي انبثقت عنها فكرة العقاب والحساب، وان هذه القابلية للإدانة الذاتية باتت من ضمن تركيب المبنى النفسي للانسان" .
وارتكزت خوري في شرح عنوان محاضرتها الطريق إلى الحصانة الذاتية في مواجهة " التحديات الداخلية أمام المغريات الغذائية" او المشهيات ، من شبسات ومناسف وشوكلاطات ومعجنات ، إلى التجارب العلمية وآخر الاكتشافات في علم الدماغ.
وأشارت في هذا السياق إلى تجربة " المارشميلو " التي قاست قدرة الطفل على مقاومة المغريات، حيث اشترك فيها اطفال يبلغون من العمر 4 سنوات، وضع كل واحد منهم في غرفة مزودة بالكاميرات أمام قطعة من المارشميلو وشرح له الباحث انها ملكه وانه يستطيع ان يفعل فيها ما يشاء، وان الباحث مضطر ان يترك الغرفة لبعض الوقت (15 دقيقة)، واعطي الطفل خيارين: اذا عاد الباحث ووجد ان القطعة ما زالت موجودة فسوف يحصل الطفل على قطعتين منها، اما اذا كانت القطعة مأكولة فلن يحصل الطفل على قطعة ثانية. تم متابعة الاطفال خلال عشرات السنوات اللاحقة، ووجد الباحثون ان الاطفال الذين نجحوا بالانتظار لمدة 15 دقيقة تمتعوا بأداء أكاديمي أفضل وأوزان صحية أكثر، حتى ان نسبة الطلاق لديهم كانت منخفضة اكثر.
ولعل أهم اكتشاف في هذه الدراسة كان من خلال تصوير الدماغ للاطفال حيث تبيّن ان الفرق بين أولئك الذين نجحوا بالانتظار أمام المارشميلو وأولئك الذين لم ينجحوا لم يكن بممارسة قوة الارادة (الفرامل) امام قطعة الحلوى وانما في عامل الاندفاع الذاتي الذي يقود الى السلوك القهري (دعسة البنزين) امام المغريات والذي يحدده مركب الدماغ "الدوبامين" المسؤول عن نظام المكافئة في الجسم. بمعنى آخر، عندما لا تكون دعسة البنزين خفيفة، لا نحتاج الى قوة كبيرة للفرامل. وأشارت خوري ان مستوى الدوبامين في الدماغ هو الذي يدفع الى السلوك القهري عندما يكون عاليا، ويتيح مساحة للتفكير وحرية الاختيار عندما يكون منخفضا.
وولجت خوري إلى الابحاث في علم الاعصاب التي تشير الى ان الشخصية المتهورة التي تمارس سلوكيات قهرية بدوافع لاواعية داخلية امام مغريات خارجية تتمثّل باضطرابات في نظام المكافأة (الدوبامين) في الدماغ يختل فيه مركز الضبط الداخلي يفقد فيه المرء مرجعيته الداخلية ويكون عرضة للتحكم من الخارج. وتطرقت خوري إلى الدراسات الجديدة في علم الاعصاب التي كشفت ان إنتاج ذات متماسكة مسيجة بحصانة نفسية ومرجعية ذاتية تعتمد على قدرة الام في بناء علاقة تعلّق آمنة مع الطفل اول الف يوم (او الف ليلة وليلة) من حياته، وهي الفترة التي تبدأ بأول يوم من الحمل الى آخر سنتين من عمر الطفل. وتشير الابحاث انه في هذه الفترة الحرجة يتعلم الطفل من خلال علاقة تعلّق آمنة مع الام التي تتسم بأم متواجدة عاطفيا، ثابتة في حضورها معه، ومتناغمة معه في الاجابة على احتياجاته من بناء نواة ذاته التي سترافقه مدى الحياة. من خلال علاقة التعلّق الآمن مع أمه اول الف يوم، يتمكن الطفل من التعرف على حدود جسمه، تنظيم مشاعره، التفريق بين مشاعره واحاسيسه، تنظيم الجوع والشبع، بناء ذات متماسكة، والتي يتم دعمها لاحقا من خلال علاقة داعمة مع الأب التي تتسم بقبول غير مشروط . عند الاستثمار بالطفل عاطفيا، تنضج شخصية متوازنة مرجعيتها الداخلية عالية، ذات مركز ضبط ذاتي قوي ومحصّنة امام المغريات الغذائية من التهور والاندفاع، حيث يمتلك الشخص حرية الاختيار ويستطيع الاستمتاع بالكميات المناسبة له التي لا يندم عليها لاحقا.
واضافت خوري ان معظم الناس لم يحظوا بهذه الطفولة المثالية، مع العلم ان الوالدين يقدمون دائما أفضل ما عندهم، الا ان ما يقدمونه لا يكون احيانا متناغما مع احتياجات الطفل، ويرغم الطفل في كثير من الاحيان على ترك ذاته والتأقلم مع احتياجات الوالدين والمجتمع، مما ينتج أشخاصا محبوبين من قبل من حولهم الا انهم يعيشون في فوضى داخلية ويكونون في حالة غربة مع انفسهم.
واستلهمت خوري حالة الغربة هذه بقصيدة للشاعر احمد مطر تقول كلماتها " صدفة شاهدتني في رحلتي مني الي ، مسرعا قبلت عيني وصافحت يدي ، قلت لي : عفوا .. فلا وقت لدي ، أنا مضطر لأن أتركني ، بالله .. سلم لي علي .. ؟!
وانهت خوري محاضرتها بأنه مهما كانت حالة الفوضى الداخلية، فإن الاوان لم يفت، حيث يستطيع الانسان دائما ان يختار ان ينهض بنفسه نحو ذات متماسكة ذات مرجعية داخلية عالية من خلال سيرورات تدريب الحياة او العلاج النفسي.