والتي انقذت العراق من خطر ابتلاعه من قبل التكفيريين والدواعش والعفالقة, ولهذا يحتاج الامر للكتابة والبحث, فالدرس المستخلص مما حدث يجب ان يرتكز في وعي الامة, كي لا تسقط مرة اخرى في نفس المستنقع, لذلك اليوم ساحاول البحث عن الجذور التاريخية للتطرف الاسلامي, وكيف كان شكله الاول, وما هي الظروف التي ساعدت على نموه داخل جسد الامة.
البحث التاريخي يعود بنا الى ايام معركة صفين بين جيش المسلمين بقيادة الامام علي عليه السلام, وجيش الخارجين على الخلافة الاسلامية بقيادة معاوية بن ابي سفيان, والذي كان السبب الرئيسي في الفتن التي اشتعلت, وتسببت بمقتل عثمان بن عفان, وفي خروج طلحة والزبير, وحصول معركة الجمل, كل هذا طمعا بالملك وتحقيقا لأهداف اليهود, في طعن الامة الاسلامية بخنجر الغدر الذي كان راسه معاوية.
• الخوارج اول المتطرفين
يعد الخوارج أول من أسس لأول فكر متشدد في تاريخ الإسلام ، بالرغم من أن فكرهم كان ينطلق من موقف سياسي معارض للتحكيم، إذ ذهب الخوارج الى حد تكفير خليفة المسلمين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ( بعد واقعة التحكيم) ولم يعترفوا بحكم معاوية، مع ان تحركهم كان بتخطيط اموي! حيث كان ولادة الخوارج بالدنانير الاموية, ثم تحولوا لخط سياسي متطرف, ومنذ ذلك الحين تبنوا فكرة وجوب الثورة على أئمة الجور والعنف والفسق بحسب رايهم، أي الأئمة الذين برروا نتائج التحكيم، سواء أكان بقبوله كأمر واقع أم بتبريره، وتحت هذا الموقف الذي اتخذه الخوارج قاموا بالجرائم والفضائح بحق كل من خالفهم بالراي, حيث تحول وجودهم لسرطان فتاك في جسد الامة.
وقد اتفق المؤرخون ان الخوارج هم المؤسسين الأوائل للبدايات الأولى لظهور التفكير التكفيري في الامة الاسلامية.
• احمد بن حنبل والاتجاه المتطرف
وقد وجد من يؤسس لهذه البدايات الأولى للفكر التكفيري فقهياً ، ما جعلها تتجسد بجلاء في المذهب الفقهي لأحمد بن حنبل ( 787 م- 855 م), الذي قام مذهبه بالاعتماد على النص القرآني والابتعاد عن الاجتهاد والتأويل! واضعاً برأيه هذا اللبنات الجديدة لتأسيس الفكر المتطرف، لكن صاحب هذا المذهب واجه فيما بعد فكر المعتزلة الذين كانوا يقولون بخلق القرآن، وهو الرأي نفسه الذي تبناه خلفاء تلك الحقبة من التاريخ الإسلامي، وفرضوه على قضاة وفقهاء تلك الفترة، وعندما عارضهم ابن حنبل تعرض للسجن والتعذيب, مما زاد في عدد أتباعه، نتيجة لما تعرض له ابن حنبل.
إذ يشير بعض المؤرخين الى أن المحنة التي تعرض لها مؤسس الفقه الحنبلي, هي التي أدت إلى تبلور الاتجاه المتطرف وانتصاره داخل هذه الفرقة من المسلمين، لذلك ينظر إليه كثيرون على اعتباره المؤسس التاريخي للتوجه السلفي, والذي يعتبر اليوم مرجعاً للحركات التكفيرية والسلفية الجهادية.
• ابن تيمية واعادة احياء التطرف
في القرن الرابع الهجري برزت فرقة من الحنابلة تدعى بالحشوية, حيث اعلنت التمسك بجميع الاحاديث حتى لو كانت ضعيفة, لأنها بحسب اعتقادهم أفضل من الإفتاء بالرأي، هذا الراي البعيد عن الوعي والمكرس للجهل, والمخالف للعقل ولسنة رسول الله (ص).
لكن هذا الفكر لم يتوقف عند هذا الحد، بل اتخذ منحىً أكثر تشدداً, وتجسد هذا في فتاوى فقهية أخرى ظهرت في القرن السابع للهجرة على يد أحمد بن تيمية (661 م- 728 م), وتأثيره بأطروحة العودة إلى السلفية الحنبلية (حشوة الحنابلة), حتى وصل الى مرحلة الاجتهاد بالحديث عن التشديد في قضايا معينة في الإسلام، إذ أخذ كل ما له علاقة بالعقوبات القصوى في الإسلام، ولم يتوانَ بتكفير كل من ينطق بالشهادتين، وبدأ باستعمال مصطلحات تتيح قتل المسلم، وأطلق عبارات غريبة غير مسبوقة مثل الإسلام المزيف والإسلام غير الحقيقي.
وقد ساوى ابن تيمية بين الجهاد والصلاة، بل قدم الجهاد على الحج والعمرة واهتم بأفكاره بقتال المسلمين! ويعد ابن تيمية صاحب تأثير كبير على الصحوة الإسلامية بتياراتها المختلفة، ولاسيما التيار السلفي الجهادي, الذي تعتبر تنظيمات مثل القاعدة وداعش إحدى نتاجات هذا النوع من الفكر المتشدد الذي انتصر للنص على حساب العقل.
لقد ظل ابن تيمية مرجعاً مقدساً يحتكم إليه كثير من الجماعات الإسلامية المتطرفة المؤمنة بخيار العنف، وكانت فتاويه صريحة في الدعوة للعنف بعنوان الجهاد تحت شعار قتل الرجال المشركين! بل ذهب إلى أبعد من ذلك عندما أحلَّ قتل حتى من ينطق بالشهادتين! إذا ما خالف العقيدة التي عليها جماعة ابن تيمية!
• الوهابية واعاد احياء التطرف
بعد ستة قرون وجد فكر أحمد بن تيمية المتشدد من يحييه، وبصفة خاصة العقيدة الوهابية التي اشتركت معه في الكثير من القواسم, بل ويعتبر أتباع هذا الفكر ابن تيمية الأب الروحي لهم, فالتطور الكبير في الفكر التكفيري جاء على يد محمد بن عبدالوهاب (1703م – 1791م), ولقد اهتم وبشكل لافت للنظر بجملة من الأمور منها الولاء والبراء, وكان من أبرز مظاهره هو الغلو في التعصب للجماعة وجعلها مصدرا للحق، والغلو في البراءة من المجتمعات المسلمة، وتقسيم العالم إلى عالم كافر مشرك وآخر مؤمن مسلم, حتى أن أتباعه اعتبروه بأنه من أحيا الدعوة وأعاد الناس إلى العقيدة الصحيحة، وبغية تحقيق هذه الغاية تبنى فكرة الجهاد كأسلوب لإعادة إقامة دولة الإسلام ودولة الخلافة.
• جماعة الاخوان والاعتماد على التطرف
بعد سقوط الخلافة العثمانية شعر كثير من المسلمين ولاسيما الشباب المتحمس والمطالب بعدم انفراط عقد الأمة، بأمل عودة الخلافة الإسلامية وسعى كثير منهم إلى تحقيق ذلك, وعاش بعض الشباب المتحمس على هذا الحلم ومنهم حسن البنا، وظل يسعى حتى وضع حجر أساس جماعة الإخوان المسممين عام 1928 م, وكان من دعائم هذه الجماعة ما يعرف بالتنظيم الخاص، وهو جيش خاص بالجماعة، مسؤول عن إزاحة وتصفية أعداء الجماعة, وكل من يختلف بالراي معهم, والدفاع عنها إذا تطلب الأمر حمل السلاح, وفي القرن العشرين بدأت السلفية الخاضعة سياسيا، التي رفضت التمرد السياسي، وفسحت المجال أمام التكفيرية السياسية التي حملت راية الخلافة والتمرد والجهاد، وفي الوقت نفسه أدى تنامي نفوذ المُثل السلفية إلى تسلف جماعة الإخوان المسلمين.
وكان من المعروف أن سيد قطب تبنى في خمسينيات وستينيات القرن الماضي المفاهيم السلفية لتأسيس إيديولوجية تكفيرية شاملة, إذ قال سيد قطب إن المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة تعيش في حالة من الجاهلية! وان جميع الإيديولوجيات الموجودة آنذاك بما فيها الرأسمالية والشيوعية وحتى القومية العربية باءت جميعها بالفشل، وأن الإسلام هو الوحيد الذي سينجح في العالم وهو المرجع الوحيد للمجتمع, وحث الشباب على رفض مجتمعاتهم وضرورة قيادة التغيير.
وسيد قطب هو الذي وضع دستور الجهاديين في كتابه (معالم في الطريق), وهكذا انطلق الفكر التكفيري بعد ان وضعت له قواعد واصول, لينتج الجماعات الجهادية والسلفية والتكفيرية, والتي تدعو لحرق الارض وقتل الناس تحت عنوان الجهاد!
• اخيرا:
كان ثمرة الفكر المتطرف في زماننا هو ظهور تنظيم القاعدة التكفيري المدعوم من المخابرات الامريكية, والذي نجح في تحقيق اهداف امريكا في الشرق الاوسط, ثم ظهور تنظيم داعش الارهابي, المدعوم من امريكا والصهيونية, والذي نشط في العراق وسوريا ومصر وليبيا, وكان مخطط له ان يحرق هذه البلدان, فعلى المسلمون الانتباه لخط التطرف, حيث يجب على المدارس والمعاهد الدينية التحذير من خطر افكار التطرف, وازالة هالة القداسة عن رجال التكفير الاوائل, كي يسقط هذا الخط من ذاكرة الامة ويتعرى امام الاجيال.