جميل السلحوت - صورة شخصية
بل هي نتيجة حتميّة للتّربية وللفكر الصّهيوني، مع التّأكيد بأنّ لا فوارق في الأهداف بين ما يسمّى اليمين والوسط واليسار الصّهيوني، وما الفوارق إلّا في التّكتيك، وتاريخهم يشهد لهم بأنّهم يجيدون فنّ إدارة الصّراع بجدارة. وجميعهم يعتقدون وتربّوا على أنّ فلسطين التّاريخيّة "أرض إسرائيل" هي أرض وعدهم بها الرّب! ويجب أن تكون لهم وحدهم دون غيرهم، وأنّهم "شعب الله المختار"، ومنزّهون عن الخطأ لأنّ الله معهم، فالدّنيا لهم والآخرة لهم أيضا. وما "الأغيار" إلّا دوابّ خلقهم الله لخدمتهم، وبناء على هذا المعتقد فإنّه ليس غريبا ما تلفّظ به أحد حاخامتهم حول زيارة وزير إماراتيّ قبل أشهر، فاعتبره من "حمير موسى"!
ونتنياهو المتسلّط المتعجرف يؤمن بأنّ الصّراع على فلسطين صراع وجود لا صراع حدود، ويستحيل أن ينسحب من شبر واحد من الأراضي الفلسطينيّة أو العربيّة المحتلة، أو أيّ أرض يحتلّونها بقوّة السّلاح، وشعاره "أنّ ما لا يمكن تحقيقه بالقوّة يمكن تحقيقه بقوّة أكبر،وهو على قناعة تامّة بأنّ أنظمة عربيّة ستوافقه في كلّ معتقداته، ففي كتابه الصّادر عام 1994 بالإنجليزيّة، وترجمه غازي السّعدي إلى العربيّة تحت عنوان "مكان بين الأمم" ركّزعلى قضيّة "أنّ العرب يرفضون أيّ حلول تطرح عليهم، لكنّهم لا يلبثون أن يتكيّفوا معها لاحقا"، ولم يخب ظنّه بأنظمة عربيّة، فقد انساقت إلى التّطبيع المجّانيّ، والتّحالفات الأمنيّة والعسكريّة مع اسرائيل، واعتبرت أنظمة أخرى هذا قرارات سياديّة!
وقد مهّدت أنظمة التّطبيع المجّانيّ وتخلّيها عن "مبادرة السّلام العربيّة" بمشاركة إسرائيل وأمريكا في حروب بالوكالة على العراق، لبنان، سوريا، الجزائر، ليبيا، اليمن وغيرها، وتتهافت أنظمة عربيّة أخرى إلى الخروج من التّطبيع السّرّي إلى العلنيّ مثل حكم العسكر في السّودان والجنرال حفتر في ليبيا.
ويلاحظ أن نتنياهو بعد فوزه وحلفاءه في الإنتخابات الأخيرة سيعمل على تطبيع العلاقات مع أنظمة عربيّة أخرى. وأن لا حلول عنده للقضيّة الفلسطينيّة غير الحلّ الإقتصاديّ، الذي يتمثل بتحسين الأوضاع الإقتصاديّة لفلسطينيّي الأراضي المحتلة عام 1967، مع إعطائهم إدارة مدنيّة على السّكان دون الأرض التي ستبقى نهبا للإستيطان اليهوديّ. لكنّ حليفه بن غفير لن يكتفي بذلك، بل سيعمل إلى ما هو أبعد منه بكثير والذي قد يصل إلى مذابح ضدّ الفلسطينيّين يصاحبها تطهير عرقيّ، وإلى هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه. ويلاحظ أنّ أنظمة عربيّة مطبّعة شاركت وتشارك في الحرب على سوريّا، وفي حصار لبنان وتدمير اقتصاده، وفي حصار ايران، وفي الحرب الدّائرة في ليبيا، وفي حشد الجيوش على حدود الجزائر، وفي تمويل سدّ النّهضة في اثيوبيا، وفي غيرها تعتبر قوى المقاومة حركات ارهابيّة معادية للسّلام. بينما لم تعتبر أيّ حزب أو جماعة صهيونيّة متطرفة ارهابيّين. وتطبّع مع اسرائيل التي تواصل احتلال الأراضي الفلسطينيّة وتستوطنها، وفي الوقت نفسه تعارض عودة سوريا إلى شغل مقعدها في الجامعة العربيّة.
إنّ موقف أنظمة عربيّة المستجيب دون نقاش لمطالب أمريكا وإسرائيل والتّطبيع المجّاني مع اسرائيل، له دور كبير في دعم أحزاب اليمين الإسرائيلي، وتحريض غير مباشر للنّاخب الإسرائيلي لانتخاب هذه الأحزاب. ولا يخفى على أحد أنّ أنظمة عربيّة ترى استمراريّتها في الحكم هو في خضوعها اللامحدود وغير المشروط لإسرائيل.