د. توفيق زعبي
إن الوعي لأهمية علاج المرض ومتابعة توازن مستوى السكر بالدم فور التشخيص، وعدم الاستهانة به والالتزام بتوصيات الطبيب وأخصائي التغذية، قد يكون نصف الطريق للعلاج ومواجهة المرض بشكل فعّال.
وعرّف د. زعبي السكري بأنّه "حالة من انعدام التوازن بمستوى السكر في الدم، وهو ناتج عن عدم إفراز الإنسولين، أو خلل في قدرة الجسم على استخدام الإنسولين". وأضاف: "هناك نوعان من السكري: نوع 1 ونوع 2. السكري من نوع 1 يتراوح بين 5-6% من إجمالي مرضى السكري وهو ناتج عن نقص تام بإفراز الإنسولين، ويظهر في جيل مبكّر نسبيًا. بينما السكري من نوع 2 وهو الأكثر انتشارًا، ويشكّل حوالي 94% من إجمالي مرضى السكري، ينتج عن خلل بإفراز الإنسولين أو عجز في قدرة الجسم على استخدام الإنسولين. السكري من نوع 2 قد يظهر في جميع الفئات العمريّة، إلا أننا نجده عادةً عند البالغين، أي في سن أربعين عامًا وما فوق، وقد نجده اليوم أيضًا لدى صغار السن الذين يعانون من السمنة الزائدة. في كلا النوعين يلعب العامل الوراثي دورًا ويكون أقوى لدى مرضى السكّري من نوع 2".
ولفت د. زعبي إلى أن "نسبة الإصابة بالسكري بسبب العامل الوراثي هي 15% لدى مرضى السكري عندما يكون أحد الوالدين مريض سكري". ويقول: "العامل الوراثي له أهمية بالطبع. ليس شرطًا أن يكون لجميع الأبناء انتقال وراثي للسكري، أما إذا كان الوالدان مصابين بالسكري فإن نسبة خطر إصابة الأبناء تكون أعلى، وقد تصل إلـى 75% تقريبًا. في بعض الأحيان يكون الانتقال الوراثي من الأجداد وليس من الوالدين"، مضيفًا أن "الأشخاص الذين نسبة السكر في الدم لديهم صباحًا عند الصيام، تتراوح بين 100 و125 ملغم/ديسيلتر، ينتمون إلى فئة الأشخاص في "مرحلة ما قبل السكّري- PRE DIABETIC"، يعتبرون على مسافة قصيرة جدًا من إصابتهم بمرض السكري، ومعظمهم يعانون من السمنة الزائدة. ولكي نمنع تطوّر وتفاقم المرض، يجب تثقيف وتوعية هذه الفئة عن طريق المراكز الثقافية والمدارس والمراكز الجماهيرية".
وعن العلاقة بين السمنة الزائدة والسكّري نوّه قائلًا: "حتى لو أنّ نسبة الإنسولين بالدم سليمة لدى من يعانون من السمنة الزائدة، إلا أنّ السمنة الزائدة تبطل مفعول الإنسولين. وبالتالي لا يقوم الإنسولين بوظيفته وهي نقل السكر من مجرى الدم إلى داخل الخلايا، ومن ثمّ إلى باقي أعضاء الجسم كالعضلات والمخ والكبد والقلب وإلخ.. في حال وجود خلل في فاعلية الإنسولين، ترتفع نسبة السكر في الدم، وتبدأ الأعراض بالظهور لدى المريض، وهذه الظاهرة شائعة أكثر لدى مرضى السكّري من نوع 2".
وحول الأعراض العامّة لمرض السكّري، قال د. زعبي: "إنها عديدة كالشعور بالإرهاق والضعف، الجوع بكثرة، التبوّل الزائد، العطش المستمر، جفاف الفم، النزول بالوزن رغم الأكل بشكل اعتيادي. قد لا تظهر جميع الأعراض لدى المريض، أو انها تظهر تدريجيًّا، وفي بعض الأحيان يتم اكتشافها عن طريق الصدفة ومن خلال الفحوصات الروتينية".
ونصح مستشار مرضى السكري برفع التوعية والتثقيف لمنع الإصابة بالسكرّي في المجتمع العربي، وأخذ الحيطة والحذر كإنقاص الوزن الزائد، ممارسة الرياضة، والتوجّه لأخصّائي تغذية لوضع برنامج تغذية صحيح. وقال: "بإمكاننا وقاية أنفسنا من المرض عن طريق الالتزام بهذه التعليمات. هذا الأمر بيد الإنسان فهو بمقدوره أن يمنع تدهور الحالة ومنع تفاقم المرض".
وتابع: "بالرغم من اتّباع بعض مرضى السكري نظامًا غذائيًا صحيحًا والتزامهم بالتعليمات، إلا أن نسبة السكر لديهم تكون مرتفعة وهذه الحالة موجودة ومرتبطة بنسبة الإنسولين في الدم لدى المريض. إذا كانت نسبة الإنسولين في الدم منخفضة، فعندها يكون البنكرياس والخلايا التي تفرز الإنسولين متضرّرة، وبالتالي لا تفرز الإنسولين بكمية كافية، وبهذه الحالة ترتفع نسبة السكر في الدم. عندما تكون نسبة الإنسولين في الدم منخفضة، لا يكفي العلاج عن طريق الأقراص وبالتالي يحتاج المريض إلى علاج عن طريق الإنسولين".
وفيما يتعلّق بعلاج السكري، قال د. زعبي إن: "هناك 3 عناصر حيويّة: أولًا التغذية الملائمة والحمية الغذائية والالتزام بها بحسب توصيات أخصائي التغذية، إذ لا يكفي أن نلتزم بها لشهر أو شهرين وإنما يجب الالتزام بها كنمط حياة. ثانيًا، ممارسة نمط حياة صحّي كالنشاط الجسماني، إذ أن ممارسة المشي لمدة ساعة ونصف على الأقل بالمعدّل أسبوعيًا، (والتي من المفضل أن تكون موزّعة على ثلاثة أيام) أو ممارسة السباحة أو ركوب الدراجة الهوائية، بإمكانها أن تكون وسيلة ممتازة للوقاية من المرض أو علاجه. ثالثًا، العلاج الدوائي: وهذا يتعلق بالمرحلة التي يتوجّه المريض فيها للطبيب المعالج. فإذا كان المريض في مرحلة "TOXIC" أي لديه سكّري مرتفع جدًا ويظهر عليه المرض، يجب اعطاؤه حقن الإنسولين للخروج من مرحلة تسمّم السكر. وفي حالة خروجه من هذا الوضع بالإمكان اعطاؤه الأقراص، مع حقنة إنسولين واحدة أحيانًا. تحديد طريقة العلاج تتعلّق بحالة المريض وتشخيص الطبيب المُعالج، فعندما تكون نسبة السكر بالدم عند الصيام بمعدل 126 ملغم وما فوق عند إجراء فحصين متتاليين خلال يومين، أو عندما تكون نسبة السكر التراكمي 6.5 ملغم وما فوق، بفحصين خلال أسبوع أو أكثر، يكون المُشخّص مريض سكّري ويحتاج لبدء العلاج".
وتابع د. زعبي: "إحدى الأمور الهامّة هي اختيار العلاج: عندما يريد الطبيب اختيار العلاج الدوائي بالأقراص، يجب أن يتوفر أمران هامّان: أن يكون العلاج فعّالًا، وأن يكون العلاج آمنًا. ليس كافيًا أن يكون العلاج فعّالًا فقط بينما يتسبب للمريض مثلًا بهبوط السكر".
وفي ردّه على سؤال ما إذا كان بالإمكان الشفاء كليًّا من مرض السكّري، أجاب د. زعبي: "غالبية مرضى السكري الذين يأتون للمعالجة لديّ هم مرضى في سنواتهم الأولى، أي في المراحل المبكرة للمرض. أنصحهم دائمًا بإنقاص الوزن، وفي حالات معيّنة أوجههم للخضوع لعمليات تصغير المعدة وعليه من الممكن السيطرة على الوضع والشفاء من المرض".
وحول المخاطر والأضرار المستقبلية التي قد يواجهها مريض السكّري إذا لم يتبّع نظامًا غذائيًا صحيحًا أو لم يتعالج بالإنسولين بشكل صحيح، أفادنا الدكتور توفيق زعبي بأن "مرض السكري هو مرض غير مؤلم. ولو كان كذلك لكان المريض قد استبق المخاطر وعالج الأمر لدى الطبيب فور شعوره بالألم. إلا أنه وبسبب كونه غير مؤلم، فهو لا يدرك مدى خطورة الأمر، خاصةً في بداية تشخيص المرض (في السنتين الأولى أو الثانية)، ويقوم بالتوجّه للطبيب فقط عند ظهور الأعراض، والتي عند حدوثها، لا رجعة منها. وهنا نعود الى موضوع التوعية الذي له أهمية كبرى بنجاح اتزان مريض السكري ومنع الأعراض التي قد تؤدي الى الوفاة".
إن الأضرار المستقبلية قد تلحق بالأعضاء "الميكروفاسكولار" (الأعضاء التي بها شرايين دقيقة جدًا) والتي تنسدّ عند مريض السكري. فمثلًا هذه الشرايين موجودة بالكلى، و50% من مرضى الدياليزا (غسيل الكلى) هم مرضى سكري. ذلك لأنهم لم يكونوا متوازنين من ناحية نسبة السّكر في الدم. هذه الشرايين الدقيقة الموجودة في الكلى وظيفتها تصفية المواد السامة وإفرازها في البول. وعندما يتم انسداد هذه الشرايين، فإن الكلى لا تقوم بعملها كما يجب، فترتفع نسبة المواد السامة في الدم مما يؤدي الى مشاكل في أعصاب الدماغ، الأمر الذي قد يؤدّي لحالات النسيان، وأحيانًا فقدان الوعي، مشاكل واضطرابات في القلب وممكن حتى أن يؤدي للوفاة. ناهيك عن انسداد الشرايين في العيون الأمر الذي قد يسبب العمى، إذ أن 20% من مرضى السكري يصابون بالعمى نتيجة عدم اتّزان السّكر لديهم لسنوات عديدة. كما أنّ مرضى السّكري الذين لديهم دهنيات في الدم وضغط دم مرتفع معرضون لجلطات دماغية وقلبية أكثر من غيرهم بـ 6 أضعاف. وعليه، العلاجات لا تكون فقط للسكري، فمرض السكري يؤدّي الى الجلطات، وإذا عالجنا السّكري ولم نعالج الدهنيات، فإننا لن نمنع الجلطات القلبية أو الدماغية. هذه النقطة مهمة لأطباء العائلة، فيجب التطرق إلى جميع أبعاد المرض وليس فقط إلى السكري".
بخصوص المجتمع العربي واليهودي والفرق بينهما في تعامل المريض مع مرض السكري، أشار د. زعبي إلى وجود تفاوت في التعامل مع المرض، وقال: "عندما يتعلّق الأمر بالالتزام بالتعليمات فإن ذلك يعود أولًا لمدى وعي وفهم المريض لخطورة المرض وأهمية المعالجة فور التشخيص. فإذا لم تتوفّر الوسائل التوعوية الصحيحة، فمن الطبيعي أن يكون هناك تفاوت في استخدام الأدوية والنظرة الى المرض والتعامل معه. هنالك أيضًا فئة من الأشخاص من المجتمع العربي كما اليهودي الذين يأخذون المرض على محمل الجدّ ويلتزمون بالتعليمات ويحافظون على توازن السكر لديهم طيلة فترة مواجهة المرض".
واختتم د. توفيق زعبي اللقاء بتقديم نصائح للتعامل مع مرض السكري خاصةً في موسم الشتاء البارد بقوله: "أحد الأعراض التي تصيب مريض السكري هي ضرر في أعصاب الأطراف كالضرر بعصب القدمين، الذي قد يؤدّي الى فقدان المريض للشعور بالألم. ولذلك نصيحتي لمريض السكري ألّا يصاب بجروح في القدمين وأن يرتدي ملابس واقية، والإبتعاد قدر الإمكان عن أجهزة التدفئة التي من الممكن أن تعرّض قدميه للحروق دون شعوره بذلك. وهذا أمر خطير قد تصعب معالجته لاحقًا، لأنها قد تؤدّي إلى التهاب وربّما بتر القدم. وعليه، رسالتي لمرضى السكري أن يتحمّلوا المسؤولية على أجسامهم، وأن ينظروا إلى مرض السكري بجديّة أكبر، فبهذه الطريقة بإمكانهم أن يسيطروا على المرض وأن يمنعوا تفاقمه. أتمنّى للجميع كل الصّحة والسلامة".