المحامي زكي كمال - تصوير موقع بانيت
والحرب الأوكرانيّة كما في كل حرب، تحمل في طياتها تحالفات جديدة، أو أنها تعزّز تحالفات قديمة، وربما تلغي بعضها، وهنا تحديدًا أشير إلى تحالف خاصّ ومثير طرفاه هما روسيا وإيران، وهما اللتان تنافستا أشدّ تنافس على " تسيّد" الموقف في سوريا، فحاولت الأولى، وهي روسيا فعل ذلك عبر دعم لنظام بشار الأشد وأسلحة روسيّة لجيش النظام وتواجد بحريّ في ميناء طرطوس، بينما سعت الثانية إلى ذلك بوسائلها، ومنها تواجد جنود فيلق القدس في مختلف مناطق القتال، ونشر عناصر من حركة "حزب الله"، وهو أحد أذرع النظام الإيرانيّ، ناهيك عن شحنات أسلحة متواصلة برًّا وبحرًا وجوًّا ، تواصل إسرائيل، بصمت روسيّ وربما بتفهّم وموافقة بوتين، قصفها بطائراتها ومروحيّاتها من الأجواء السوريّة واللبنانيّة، لكن ساحة الحرب الأوكرانيّة، وانطلاقًا من مصالح موسكو وطهران المتقاطعة، وفي مقدمتها العداء لأمريكا والخنق على أوروبا، تحوّلت إلى ساحة عمل مشترك، وذلك عبر تزويد إيران لروسيا بأسلحة وعتاد، في مقدّمته الطائرات المسيّرة والانتحاريّة، وهي نشاطات كشفتها أجهزة المخابرات العالميّة بعد أن تم رصد حركة طائرات نقل جويّ من إيران إلى روسيا، وسط تقارير أوردتها مصادر أمريكيّة تشير إلى أن مدربين إيرانيين من الحرس الثوريّ الإيراني، انتشروا في شبه جزيرة القرم لتعليم الجنود الروس كيفيّة تشغيل الطائرات المسيّرة ضد أهداف أوكرانيّة، إضافة إلى أن تحليل حطام الطائرات المسيّرة التي تم إسقاطها من قبل الجيش الأوكرانيّ والمتطوعين، يشير إلى أنها من نوعي شاهد 131 وشاهد 136 الأكبر، وهي طائرات مسيَّرة انتحاريّة تعرَّف على أنها طائرات "كاميكازي" يتم توجيهها لتسقط فوق أهدافها المحدّدة، كما فعل الطيّارون اليابانيّون الذين انتحروا بطائراتهم فوق السفن الحربيّة الامريكية في بيرل هاربر، خلال الحرب العالميّة الثانية، ما يؤكّد أن إيران أيضًا تعوّض روسيا عن النقص الكبير في ترسانتها من الأسلحة رغم نفيها ذلك. وإذا كان استخدام موسكو الطائرات المسيّرة التي حصلت عليها من إيران، لترهيب وقتل المدنيين الأوكرانيين، ولضرب محطات توليد الكهرباء، لا يكفي فإن الأنباء الاستخباراتيّة تتحدّث عن احتمالات تعتبر أسوا من هذا بكثير، إذ تمتلك إيران أسلحة أكثر تدميراً في ترسانتها العسكريّة، ومنها الصواريخ بعيدة المدى والتي كانت الولايات المتحدة قد اعتبرتها خطرًا عليها وعلى كافة العواصم الأوروبيّة، وحاولت إدراجها ضمن الاتفاق النوويّ، وفرض القيود على تصنيعها لمنع إيران من تحميلها الرؤوس النووية. وبالتالي هناك مخاوف حقيقة من أن تكون الأسلحة الإيرانيّة الأكثر خطورة مثل الصواريخ البالستيّة في طريقها إلى روسيا قريباً، خاصّة وأنها تحمل رؤوسًا حربيّة أكبر بكثير من الطائرات المسيّرة، يقابلها ضعف كبير في قدرة أوكرانيا على التصدي لهذه الأسلحة، ما يعيد إلى الأذهان من جديد احتمال قبول روسيا بتزويد طهران، بأنظمة دفاع جويّ روسيّة متقدّمة منها "إس 400" كردٍّ للجميل والمعروف، ما يعني أن الحالة قد تغيَّرت، وأن الأسلحة أصبحت الآن تسير في الاتجاه المعاكس، أي من طهران إلى موسكو، إلى حدّ كبير. كما أكّد جوناثان ماركوس من معهد الدراسات الاستراتيجيّة والأمن في جامعة إكسيتر، الذي أشار إلى أن المأزق الروسيّ في أوكرانيا دفع موسكو إلى اللجوء إلى طهران للحصول على كميّات من الأسلحة الدقيقة حيث تتراجع بسرعة مخزوناتها الخاصّة من هذه الأسلحة. ولكن من الواضح لكلّ مراقب أن لهذه العلاقة العميقة بين موسكو وطهران تداعيات محتملة على كثير من الأصعدة، ومعاني كثيرة تتعلّق بدول العالم التي تخضع لسيطرة وحكم الرجل الواحد، أو النهج الواحد، أو أسلوب الحكم الدكتاتوريّ والحكم الثيوقراطيّ. ولكن، قبل الخوض في هذا البعد، أشير هنا إلى أن التداعيات الأولى تتعلّق بمستقبل الاتفاق النوويّ المتجمّد المتّجه نحو التلاشي بين المجتمع الدولي وطهران، بالإضافة إلى أنه يمكن لهذه العلاقة بشكل أو بآخر أن تغيّر ميزان القوى الدقيق في سوريا، مع عواقب وخيمة على إسرائيل، وبالتالي على علاقتها مع موسكو، انطلاقًا من أنه من الواضح أن كلًّا من روسيا وإيران بحاجة إلى أصدقاء، فكلاهما معزول ومحاصر، إذ تواجه روسيا عقوبات اقتصاديّة بسبب حربها بأوكرانيا، وهي حرب لا تسير على ما يرام بالنسبة لموسكو، بينما تخضع إيران أيضًا لعقوبات امريكية ودوليّة بسبب برنامجها النوويّ، وعقوبات إضافيّة متواصلة تتمثّل بحجز أصول مصرفيّة وبنكيّة في الولايات المتحدة وأوروبا، تطال الشخصيّات والمؤسّسات بسبب سجل طهران في مجال حقوق الإنسان خاصّة على ضوء ما حدث مؤخّرًا من قمع للنساء الإيرانيّات نجمت عنه "ثورة أو انتفاضة الحجاب"، ما يضعهما ضمن نادي الدول المنبوذة، أو الدول الاستبدادية، إلى جانب الصين، التي لا تسعى فقط إلى تحقيق أهدافها الاستراتيجيّة الإقليميّة الخاصّة بها، بل التصدي للنظام العالميّ الحالي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، ناهيك عن أن تسليح إيران لروسيا وغضب الدول الأوروبيّة على ذلك، قد يؤدّي إلى إعادة بعض العقوبات المتعلّقة بالملف النوويّ الإيرانيّ. وستؤدي هذه التوترات الجديدة إلى تقويض جهود العودة إلى "خطة العمل الشاملة المشتركة" – وهو الاسم الرسميّ للاتفاق النوويّ الإيرانيّ - التي تهدف لمراقبة أنشطة إيران النوويّة، والتي انسحبت منها الولايات المتحدة بإدارة ترامب في أيار 2018. إضافة الى ما سبق فإن تداعيات هذا التعاون العسكريّ الروسيّ الإيرانيّ قد تصل إسرائيل، خاصّة إذا ما قرّرت روسيا، تقديرًا "لجميل طهران"، واعترافًا بدورها في دعم المجهود الحربي الروسي، منح ايران أسلحة روسية اكثر تطورًا ومنها منظومات الدفاعات الجوية المتقدمة، والتي ستحاول طهران، دون شكّ، نقلها إلى سوريا وربما لبنان، تحت سيطرة حركة" حزب الله" ، ما يحتّم طرح السؤال ما إذا كانت هذه التطوّرات الجديدة في العلاقات الروسيّة الإيرانيّة قادرة على تغيير طبيعة العلاقة بين روسيا وإسرائيل مثلًا في سوريا، علمًا أن روسيا كانت قد سحبت بعض الدفاعات الجويّة وقواتها من سوريا، أي هل سيؤدّي هذا إلى تحوّل في موقف إسرائيل من كييف التي ترفض إسرائيل علنًا اليوم، وحتى الآن ، تزويدها بأسلحة وتكتفي بعتاد عسكريّ بسيط كالخوذات الواقية، مقابل أحاديث عن أن شركات سايبر إسرائيليّة ما زالت تزوّد روسيا بنظم معلوماتيّة ووسائل تقنية تمكّنها من اختراق هواتف الجنود الأوكرانيين الذين يقعون في الأسر، أو هواتف خلوية للمعارضين والمعتقلين، ومنها تقنية UFED التي طوّرتها شركة" سلبرايت"، وكأننا نتحدث عن نسخة أخرى من فضيحة" بيغاسوس" وهي التقنية الإسرائيليّة التي استخدمتها دول عربيّة للتجسس على معارضيها وزعماء دول أخرى، مع الإشارة إلى أن جوناثان ماركوس ،الأستاذ الفخريّ في مركز الدراسات الاستراتيجيّة والأمن بجامعة إكسيتر، يؤكد أن ذلك غير مرجّح في الوقت الحالي، مع اقتراب موعد الانتخابات العامّة الإسرائيليّة، لكن العلاقة الجديدة بين روسيا وإيران تحمل في طيّاتها إمكانية التأثير على الشؤون العالمية بما يتجاوز الحرب في أوكرانيا، وهذا كلّه رغم نفي إيران الرسمية لهذه الأنباء، كما أكّد وزير الخارجيّة الإيرانيّ، حسين أمير عبد اللهيان، أنه " خلال الحرب في أوكرانيا، نظرًا لموقفنا المبدئيّ ضد الحرب، نعارض تسليح روسيا وأوكرانيا. لم نزوّد روسيا بأيّ أسلحة، أو مسيّرات للاستخدام في الحرب ضد أوكرانيا. نعم في الماضي تلقينا أسلحة من روسيا، ولا زلنا نتلقى في إطار التعاون الدفاعيّ، ونزود روسيا بأسلحة وتجهيزات"، مؤكّدًا استعداد طهران لبحث الأمر مع كييف التي أعلنت في أيلول 2022 ، خفض مستوى تمثيل إيران الدبلوماسّي على أراضيها، ولمحت إلى إمكانية قطع العلاقات بالكامل.
" ستار الديمقراطيّة والقانون"
فوق ذلك فإن تحالف المنبوذين هذا، والذي تجتمع فيه على قول واحد، دولتان تقودهما الدكتاتوريّة الفرديّة، أو الدينيّة يؤكّد ما كنت قد أشرت إليه في السابق، من خطر داهم للعالم إذا ما تمكّنت أنظمة حكم استبداديّة تستند إلى سلطة الرجل الواحد، أو إلى أسلوب " حكم الخونتا الدينيّة، أو رجال الدين، أو دولة الشريعة"، أو العسكريّة – سمّها ما شئت- من استلام مقاليد الحكم والسيطرة عليه حتى لو بشكل ديمقراطيّ، فكافّة موبقات التاريخ ارتكبت تحت ستار الديمقراطيّة والقانون، لأن ذلك يعني بشكل واضح وصريح ازدهار سياسة صناعة الأعداء، وخرق كافة القوانين والنظم والمعاهدات، بما فيها تلك التي تحكم حقوق الإنسان، وحتى المعاهدات التي تحكم الحروب بين الدول فتحرم استخدام أنواع من الأسلحة بأشكال معينة ضد المدنيين، كما تحرِّم قصف المنشآت الطبيّة والصناعيّة والحيويّة التي تمكن المواطنين من مزاولة حياة أقرب إلى المعتاد وبشكل يضمن سلامتهم وأمنهم، وهو ما لا تفعله روسيا باستخدامها الطائرات المسيَّرة الانتحاريّة، كما أنه تحالف يؤكّد خطورة هذه التوجّهات الدكتاتوريّة وتوجّهات الإقصاء وخاصّة المدعومة من رجال الدين ( المجلس الثوريّ الأعلى في إيران)، أو من الحاخامين اليهود في إسرائيل، كما يظهر من توجّهات بعض الحركات السياسيّة والدينيّة اليمينيّة المتزمتة في إسرائيل، والتي تتحدّث مدعومة بفتاوى دينيّة، عن إلغاء لكافّة السلطات بتشكيلتها المدنيّة الحاليّة في إسرائيل، وتقزيم دور أجهزة المحاكم والقضاء، وجعل تعيين القضاة أمرًا سياسيًّا يحدّده وزير القضاء، أو سياسيّ آخر، ناهيك عن اقتراحات بإلغاء، بأثر تراجعيّ، لمخالفات جنائيّة نصّ عليها القانون، ومنها مخالفة" خيانة الأمانة والثقة" التي يخضع رئيس المعارضة بنيامين نتنياهو للمحاكمة بسببها، والتي نصّت عليها تشريعات واضحة من الأعوام2007، 2010 وكذلك 2015، ناهيك عن اقتراحات قوانين إضافيّة منها منح الحصانة للجنود الإسرائيليّين، ومنع محاكمتهم إذا ما ارتكبوا جرائم بحقّ فلسطينيين في الضفة الغربيّة، وهو اقتراح قانون فيه من السذاجة والغباء الكثير، خاصّة وأن منحهم الحصانة ومنع محاكمتهم، هو الباب الذي ستدخل منه محكمة الجنايات الدوليّة كي تحاكمهم، باعتبارها الهيئة الدوليّة العليا التي يمكنها محاكمة جنود وضباط وسياسيين ارتكبوا مثل هذه المخالفات، وسط حصانة يمنحهم إيّاها قانون بلادهم تتيح لهم بشكل أو بآخر ارتكاب المخالفات وتشرعنها، وهو ما حصل في قضية مشابهة مع الجيش البريطانيّ الذي حقّقت المحكمة عام 2014 في شبهات قيام جنوده بارتكاب مخالفات قتل وتنكيل واغتصاب ترقى إلى مرتبة جرائم الحرب في افريقيا، وبالتالي جاء التقرير ذات الصلة في عام 2017، ليؤكد أن هناك أدلة قد تثبت تورّط الجنود البريطانيين في ارتكاب هذه الجرائم، لكن كلّ هذه الأدلّة انتهت عام 2020 دون تقديم لوائح اتهام خاصّة وأن السلطات البريطانيّة حقّقت فيها أيضًا، وبالتالي قرّرت محكمة الجنايات الدوليّة والمدعية فاتي بنسودة، أن لا مجال للمحاكمة، لأن الجنود خضعوا لتحقيق ومحاكمة في بلادهم، وأنه لم تمنح لهم الحصانة، ما يعني أن قانون" الحصانة للجنود الإسرائيليين" هو ما سيقودهم إلى المثول أمام محكمة الجنايات الدوليّة في لاهاي (هاغ)، بمعنى أن اليمين سيمسّ بالجميع وبالجنود، ويفتح الباب أمام محاكمتهم دوليًّا، عبر تقزيم المحاكم والنيابة العامّة، وتقييد أو تكبيل أيادي القضاة وأفراد الشرطة والمحققين ومراقب الدولة، وينظر إلى محكمة خاصّة من طرف جهات يمينيّة بأنها تقف حجر عثرة أمام " فرض القانون وبسط السيطرة أو الحوكمة " ( خاصّة عندما يدور الحديث عن المواطنين العرب في النقب أو الجليل، أو المدن المختلطة وليس عن المستوطنين طبعًا)، وذلك بسبب تدخّلها في عمل الحكومة والكنيست، أي أن معسكر اليمين في إسرائيل يعتقد أنه آن الأوان لتنفيذ مشروعه الذي يريده منذ سنوات، وبشكل متزايد في السنوات الأخيرة، ويهدف إلى تخليص بنيامين نتنياهو من محاكمته ولوائح اتهامه، عبر تكبيل يدي المحكمة العليا، ووقف الثورة الدستوريّة، وتعيين قضاة من التيار المحافظ ومن قبل سياسيين، لا يتورّعون عن اتهام المحكمة العليا بأنها تناصر الفلسطينيين والعرب رغم أن ذلك غير صحيح، والتوجّهات السياسيّة اليسارية عامّة والمعادية لليمين والمتدينين واليهود من أصول شرقيّة، وتريد إسرائيل دولة يسودها قانون تمّ "صياغته" وفق أهواء اليمين المتطرف قد يشمل اشتراط الولاء للدولة اليهوديّة، وليس الديمقراطيّة شرطًا للمواطنة وجعل المواطنين العرب مواطنين من الدرجة الثالثة، أو مواطنين مشروطين تحكمهم حكومة تستند إلى عقيدة شرعيّة ودينيّة تعتبرهم أغيارًا لا حقوق لهم ولا مكانة، بل أعداء وإن كانوا يقيمون فوق نفس الرقعة من الأرض، أو جيران يجب كسر شوكتهم ودوس حقوقهم، كما فعلت روسيا مع أوكرانيا هذه الأيام ومع دول أخرى قريبة سابقًا، وكما تفعل إيران في أماكن عديدة، ناهيك عن أبعاد ذلك على العلاقات الداخليّة في البلاد خاصّة التوجهات نحو أولئك، المختلفين سياسيًّا ومبدئيًّا وعقائديًّا وعرقيًّا. وهو الأمر الذي يثير المخاوف من صدام بين أصحاب التوجهات اليمينيّة والدينيّة والاستيطانيّة العنيفة والخطيرة، الذين يريدون دولة شريعة وتزمّت دينيّ تميّز ضد العرب والنساء والأقليّات وأصحاب الميول الجنسيّة المختلفة، والأجانب وغيرهم، وبين من ما زال يريد إسرائيل دولة للجميع تسودها المساواة قدر الإمكان، وهو ما عبّر عنه رئيس جهاز الأمن العام(الشاباك) السابق يوفال ديسكين الذي أعرب عن خشيته من حرب أهليّة وتفكّك لأواصر الدولة محذّرًا من خطورة اندلاع "حرب أهليّة" فيها، وذلك في إطار حالة التشرذم والانشقاق التي يتعرض لها المجتمع الإسرائيليّ وهي غير مسبوقة. وأضاف في مقالة له نشرتها صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أنّ إسرائيل تعرّضت ثلاث مرات لخطر حقيقيّ على وجودها، الأول والثاني كانا في عامي 1948 و1973، أمّا الخطر الحقيقيّ الثالث والوجوديّ لمستقبل الكيان فهو في العام الحالي 2022، وأنّ الخطرين السابقين كانا عبارة عن معارك مباشرة مع جيوش عربيّة، أمّا الحالي فهو خطر تفكّك وانهيار داخليّ، وبالتالي الذهاب نحو اقتتال داخليّ وحرب أهليّة، فالأيديولوجيّات المختلفة والاختلاف في الآراء كانت دائمًا موجودة وهي ضروريّة، لكنها اختفت في العقد الثاني والثالث بعد العام 2000، وحلّت مكانها الكراهيّة التي يتمّ إشعالها عبر شخصيّات عدّة من ذوي المصالح، تشكِّل الكراهية العامل المشترك لمعسكرهم، ليصل الأمر إلى حالة خطيرة في السياسة الإسرائيليّة التي باتت لا تحتمل الآخر، فإمّا أنا أو أنت، سواءً في اليمين أو اليسار أو العرب واليهود، الأشكناز أو الشرقيين، المتدينين والعلمانيين فقد تشرذم الجميع، وبالتالي فإن استمرار هذا الحال يعني أن المجتمع الإسرائيليّ سيتفكك إلى قبائل وكتل تُصنف هويتها بناء على مدى كراهيّتها للكتل الأخرى، فالكراهية تفرض في المجتمع حوارًا كحوار الطرشان، يديره مستشارو إعلام وصحافيين من الأطراف. وحوار الكراهية المدمّر هذا يتم عبر قنوات تلفاز موجهة، ويتم تضخيم ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ.
" مصلحة آنيّة صغيرة"
هكذا هو الحال اليوم في هذا العالم، تحالفات بين أنظمة دكتاتوريّة تجمعها مصلحة آنيّة صغيرة تتجاوز بسببها كافّة الخلافات باعتبار أن الاختلاف لا يفسد للودّ قضية ما دام التحالف الحاليّ يعود بالمصلحة على الجميع، خاصّة إذا كانت هذه الأنظمة مدعومة بهيئات دكتاتوريّة سياسيّة وسلطويّة ودينيّة تضفي الشرعيّة على كافّة نشاطاتها وأعمالها بفتاوى سياسيّة ودينيّة، وبجهاز قضائيّ مأمور خنوع، يتم تعيينه سياسيًّا، وبالتالي يدين بالولاء لأسياده ومن منحه السلطة ضاربًا عرض الحائط بالأنظمة والقوانين والمعاهدات والاتفاقيات وحقوق الإنسان والأعراف الدولية. وهي تحالفات تكون خارجيّة لكنها لا تختلف في جوهرها عمّا يحدث، أو سيحدث في دول تدّعي الديمقراطيّة، وستحولها أحزاب يمينيّة متديّنة ومتزمّتة وعنصريّة إلى دكتاتوريّات بغطاء قانونيّ، كما تشير التوجهات اليمينية المتطرّفة في إسرائيل، وكما انكشفت معالمها من الحملة الانتخابيّة اليمينية الليكوديّة المتديّنة التي وضعت الجهاز القضائي في مرمى نيرانها، وتريد علنًا دولة لليهود فقط، وكهذه فهي تجيز للجنود قتل الفلسطينيين عبر منحهم الحصانة ومنع القضاء والعدالة من أن تأخذ مجراها، عبر تقليم أظافر المحاكم، وجعلها محاكم تقرّر أحكامها وفق أهواء الحاكم وتضرب بسوطه، متجاهلة المواطن والقانون الذي قرّرت إسكات صوته.. فحذار !.
* هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع بانيت هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة راي التحرير في موقع بانيت .