زياد شليوط
ما نعيشه في الأيام الأخيرة من نقاش وحيرة وقلق، بعدما أعلن عن اجراء انتخابات جديدة للكنيست في إسرائيل هي الخامسة من نوعها خلال ثلاث سنوات.
وجعلتني هذه الآية أراجع في ذهني خلال دقائق معدودة، وقائع علاقتنا كأبناء للشعب الفلسطيني الذين بقوا في موطنهم بعد قيام دولة اسرائيل، وكان مصيرهم أن يتحولوا إلى مواطنين داخل إسرائيل رغم إرادة الدولة الفتية التي عرّفت نفسها ومنذ اليوم الأول على أنها "دولة اليهود"، أي أنها ترفض أي شعب آخر والمقصود الشعب الأصلاني لهذه البلاد، وهذا يفسّر عدم رغبتها في منح من بقي في وطنه من الفلسطينيين الهوية الإسرائيلية، مما اضطر إلى خوض معركة "الهويات" والتي لعب فيها محامي الأرض المرحوم حنا نقارة، دورا بارزا مما ساهم في تثبيت وجود الشعب في أرضه ووطنه ضمن الدولة الجديدة.
ورغم رفض الدولة الجديدة قبولنا في صفوفها كمواطنين عاديين، إلا أن محاولات عدد كبير من عربنا في الاندماج في حياة الدولة، لم تأت بنتائج تذكر. فقد حاولت بعض الزعامات التقليدية دخول السياسة الإسرائيلية عبر الكنيست، وشكلت تحالفات وطيدة مع الأحزاب الصهيونية وخاصة الحاكم منها، لتحقيق بعض المطالب وتسهيل حياة المواطنين العرب، الذين خضعوا للحكم العسكري كشكل من أشكال رفضهم وابعادهم عن المجتمع اليهودي الذي تحول إلى مجتمع الأغلبية في الدولة.
وهذا ينسف الادعاءات بأن منصور عباس، الذي تحول إلى ظاهرة حديثة في نهج الاندماج، هو أول من أسس لنهج جديد يتمثل في دخول الائتلاف الحكومي والتقرب من السلطة، من أجل الحصول على بعض المكاسب المادية الملموسة لتحسين وضع المواطنين العرب. فهو لم يكن الأول ولن يكون الأخير. دائما كانت هناك محاولات كهذه بشكل أو بآخر، ودائما صدّ الجانب اليهودي تلك المحاولات. من لا يذكر من أبناء جيلي لقاءات "التعايش" كما أطلقوا عليها بين طلاب المدارس العربية واليهودية، والتي فشلت فشلا ذريعا ليس بسبب الطلاب العرب انما بسبب رفض الطلاب اليهود والمعلمين كذلك، الذين تحفظوا من تلك اللقاءات ولم يقبلوا عليها كما أقبل الطلاب العرب، وكانوا سلبيين جدا إلى حد عدم التقرب من العرب، وهكذا وجد العرب أنفسهم في موقف محرج ومخيب للآمال.
وعلى صعيد الأحزاب السياسية خاصة تلك التي صنفت كأحزاب "يسار" وإنسانية وغيرها من الألقاب المزورة، أغلقت الأبواب أمام انضمام أعضاء عرب إلى صفوفها، وخاصة "حزب العمل" الذي كان ممثلا في تنظيم الأحزاب الاشتراكية في العالم! وأكثر ما كان يمكنه قبوله هو تشكيل قوائم عربية تدور في فلكه وتكون تابعة له من الخارج.
ولا ذلت اذكر جيدا حالة الحزن الشديد، التي انتابت المجتمع العربي على مقتل رئيس الحكومة الإسرائيلية يتسحاك رابين عام 1995، خاصة أني كتبت مقالا أتحدث فيه عن رفض المجتمع اليهودي مشاركة العرب لهم حزنهم، حتى حزننا لا يريدونه، ويومها تعرضت لانتقاد بعض الأصدقاء القوميين الذين فهموا مقالي خطأ أيضا. وسبق أن رفض المجتمع اليهودي اتكاء رابين على أعضاء الكنيست العرب (الكتلة المانعة).
ومرة أخرى أراد العرب أن يتقربوا أكثر نحو مركز القرار والمشاركة في التأثير من الداخل، ورأينا ذلك في توصية القائمة المشتركة، يوم ضمت جميع الأحزاب العربية، على بيني جانتس لتشكيل الحكومة، لكن الرفض جاء مرة أخرى من الجانب اليهودي، حيث لم يتجرأ جانتس من اتخاذ قرار شجاع خشية معارضة اليمين، وخسر بالتالي فرصة تشكيل حكومة برئاسته تعتمد على الصوت العربي، دون الدخول للائتلاف. إلى أن جاء منصور عباس واتخذ خطوة أخرى نحو الأمام، حيث أسقط كل المحرمات وتخلى عن الثوابت جميعها، ودخل الائتلاف "عنوة" عن المعترضين اليمينيين، مستغلا الفرصة التاريخية التي سنحت لليميني بينيت بتشكيل حكومة تعتمد على أصوات النواب العرب من "الموحدة"، فهل قبله المجتمع اليهودي والأغلبية اليمينية في الكنيست؟
واستفقت ثانية على صوت الكاهن يردد كلمات السيد المسيح، له المجد، التي أوصى فيها تلاميذه بالخروج لنشر الدعوة قائلا لهم "وأيّ مدينةٍ دخلتم ولم يقبلوكم فاخرجُوا إلى السّاحات وقولوا: إنّا ننفضُ لكم حتّى الغبارَ العالقَ بأرجُلِنا من مدينتكم. ولكن اعلموا أن ملكوت الله قد أتى." (لوقا 10: 10-11)، فهل سيجرؤ المجتمع العربي بأحزابه وحركاته وقياداته على مواجهة المؤسسة الإسرائيلية بالقول " إنّا ننفضُ لكم حتّى الغبارَ العالقَ بأرجُلِنا من برلمانكم"؟!