logo

‘ الوطن والغربة ‘ - بقلم : الكاتبة أسماء الياس

13-07-2022 05:51:49 اخر تحديث: 18-10-2022 07:49:45

عندما تعلن عن الرحيل. يخطر على بالك كل الأحبة الذين سوف تتركهم وراءك، ولكن في مكانٍ آخر ينصب تفكيرك نحو الحياة التي تنتظرك، ربما تكون أناني بنظر الغير تفضل مصلحتك،


الكاتبة أسماء الياس - صورة شخصية

                      
وتضعها بسلم الأولويات، أعلم بأن هذا من حقك، لكن هناك أناس مرتبطين بك وهم اكثر مما تتخيل بحاجة إليك ولوجودك بحياتهم.
 وجدتك تنظرني. لكن هذه المرة لم تكن مثل باقي المرات، هذه المرة يوجد فيها شيء مختلف.
- كأنك عزمت على السفر؟
سألت:
 - كأنك تبحث عن وطنٌ آخر؟ نظراتك تؤكد لي بأنك لن تعود وكأنه الوداع الأخير، هل أنا صادقة بإحساسي؟
- نعم إحساسك صادق هذه المرة قررت السفر لبلاد بعيدة ربما وجدت الشيء الذي طالما بحثت عنه لكن مع الأسف لم أجده هنا.
- ما هو هذا الشيء هل بالإمكان معرفته؟
- أبحث يا عبلة عن شيء افتقدناه منذ أمدٍ بعيدٍ، السلام في مجتمع غارق في الدماء، كل يوم جريمة يسقط ضحيتها شباب في مقتبل العمر. لم يعد أمان، أصبحنا كل يوم ننتظر الجريمة القادمة، لا أحد يتحرك من أجل انهاء هذا الصراع، كأننا نعيش في مسلسل عنف لا نهاية له. 
 -هل تعتقد إذا هاجرت وتركت وطنك سوف يتغير الحال.
- لا لن يتغير، عندما يتربى الطفل منذ صغره في بيت عنيف، كيف سيكون حاله عندما يكبر؟
- مجتمعنا بحاجة لتأهيل يا عدنان بحاجة ليد حنونة تربت عليه لا ان نتركه غارقا في بحر من الظلمات.
- لكني لست بنبي، وزمن المعجزات قد ولى، ومحاربة تلك الآفة بحاجة لوقت وقلب وعقل وحب وروح محاربة، وانا استنفذت كل تلك الحاجات.
- لكن إذا اتحدنا ممكن أن نحدث تغيير ما.
- لكني لست مستعداً للمخاطرة بنفسي، ربما دون أن ادري قد تصيبني رصاصة تودي بحياتي، وانا حياتي غالية عليَّ، مثلما حياة كل إنسان غالية عليه.
لكن يا عدنان المفروض نحن أبناء هذا الوطن يجب أن نحميه من كل غازي ومتطفل.
- اسمعي يا عبلة العمر قصير يتسرب من بين أصابعنا بسرعة دون أن نشعر لا أدري كيف إلى اليوم لم أنتبه بأنني ناهزت الثلاثين دون أن يكون لديّ بيتاً وزوجة واولاد، عملت كل تلك السنوات وإلى اليوم لم أستطع أن اجمع القليل من المال حتى أؤسس حياة مثل أي شاب في أي مكان بالعالم، عملت من الصباح حتى المساء، والذي كنت أجنيه لم يعد يحميني من خصاصة، كيف لي أن أؤسس بيت وزوجة واولاد. لقد تعبت من الركض وراء الرغيف وأنت تعلمين يا عبلة غلاء المعيشة أكبر من أن يتحملها راتب موظف بسيط مثلي، لذلك قراري نابع عن قناعاتي، وقناعاتي لن يغيرها أحد.
- وأنا ألم تفكر فيّ طوال تلك المدة انتظرت أن يجمعنا بيت، كنت أقول ربما تغيرت الأحوال للأفضل. لكن الظاهر لم تعد تتحمل وصبرك قد نفذ.
- لكن يا عبلة الذي أسعى من أجله، والذي سوف يبعدني عنك إذا لم يكن من اجلنا من أجل من سيكون! أنت تعلمين بأنك الوحيدة التي صبرتني على هذه الحياة، وأنت الوحيدة التي تعلم بأن بعدك عني يحرق قلبي.
- ما أتمناه يا عدنان أن لا تندم بعد أن يكون الأوان قد فات.
- لا لن أندم طالما درست كل المعطيات وبعد أن تأكد لي بأن السفر هو الحل الأمثل، والذي سوف يجعلني قادراً على الوقوف من جديد على أرجلي.
وهذا كان آخر حديث جمع بين عبلة وعدنان، سافر عدنان بدعوات من عبلة بأن تكون عودته قريبة.
 لدى وصول عدنان لبلاد الغرب استقبله صديقه عازم الذي اسكنه لديه وأفرد له غرفة فيها كل ما يحتاجه الإنسان. وبعد أن دبر له ايضاً مكاناً يعمل به.
فقد تواصل عدنان مع صديق طفولته عازم ابن بلدته الجميلة القرية الرابضة في أعالي الجليل، ذات المناخ المعتدل الطبيعة الخلابة، لكن الشيء المحزن بكل موضوع الهجرة هي بلدته التي أحبها من كل البلدات العربية. لطيب سكانها ومحبة أحدهم للآخر.
 هذا الشيء كان زمان عندما كان طفلاً اليوم تغيرت المعادلة والحب تحول لبغض، كأن الحياة أصبحت لا تطاق في زمن المفروض يصبح كل شيء فيه أكثر سلاسة وأكثر انسياباً.
المهم عدنان اليوم بدل حياته وأراد أيضاً ان يغير تلك المناظر والأصوات والأخبار التي كان ينام ويصحو عليها.
اليوم مع تلك البداية الجديدة التي من المفروض ان تكون صعبة لكنها بدت له بغاية السهولة عندما تعرف هناك على عدة أشخاص من عدة جنسيات مختلفة.
الغربة توحد بين البشر هكذا قال لي مرة والدي.
ولأن عدنان بحاجة أن يفهم لغة تلك البلاد التي قرر البقاء بها مدة لا يعرف مداها، وبعد أن حصل على اذن عمل. فقد توجه للسفارة في بلاده وقدم طلب عمل مع أوراق تخرجه وأنه مهندس آلات طبية وافقوا على طلبه.
لذلك أول شيء كان بحاجة له، أن يدرس لغة تلك البلاد. سجله عازم لتلك الدورة التي تضم عدة عمال أجانب. حاول عدنان أن ينهي الدورة بفترة قصيرة نسبياً، وهكذا بأقل من ستة أشهر أنهى الدورة وتمكن من اللغة بشكلٍ كبيرٍ، فقد ساعده هاتفه النقال الذكي من خلال تطبيق الترجمة الفورية استعان به كلما لزم الأمر.
عمل عدنان على تحقيق النجاح والوصول للمكانة التي حلم بها أن يصبح له شأناً. تعرف هناك على فتاة فلسطينية الأصل لوالد فلسطيني وأم أوروبية. تزوجا وعاشا هناك بسعادة بعد أن أصبح مديراً لشركة هو صاحبها. فقد ساعده عمه أب زوجته في انشاء تلك الشركة، أما الوطن فقد أصبح له ذكرى جميلة في كل عيد ومناسبة دينية يتذكره. لكنه لم ينسَ بأن وطنه حيث مكسبه..
قصة قصيرة بعنوان الوطن والغربة بقلم الكاتبة اسماء الياس البعنة