logo

مقال: حتى نلتقي خارطة الطريق

بقلم : يوسف أبو جعفر ( ابو الطيب) من رهط
28-07-2022 09:09:35 اخر تحديث: 18-10-2022 08:00:20

يقولون أن الرؤية الأفضل للحدث هي الارتفاع أو إرتقاء موقع أعلى، ولذلك وضع المفكرون النظريات الكثيرة حول هذا الموضوع، ففكرة البلكونه (الصعود إلى السقف الأعلى)


الكاتب يوسف أبو جعفر - صورة شخصية

ومراقبة المنطقة تعطيك فهمًا أكبر، أو الصعود إلى قمة جبل لرؤية التضاريس لاستكشاف ما حولك، كل هذا لكي تستمر الرحلة.
قلة هم من يصعدون المنحدر ليروا الاحداث، هذه القلة تمتلك القدرة عادة على تخطيط المسار حسب المعطيات الماثلة أمامها وليس تخمينًا للتضاريس.
ما الذي يمنع من صعود الناس إذًا إلى البلكونة أو أعلى المنحدر؟  في الغالب أحد إثنين، داخلي في نفس الفرد والشخص الذي لا يريد معرفة الحقيقة، يخاف أن يكتشف ما لا يطابق النفس والهوى،  وأخر خارجي مرهون بفهم الحدث والواقع، والاستسلام للحالة الموجودة، وهذا يجرنا إلى سؤال حقيقي ، أيحدث هذا لوحدة أم أن هناك من يلعب في الخفاء؟. وليس المقصود الغيبية أو تدخل القوة الإلهية، فهذه لا نقاش فيها كمن يؤمن بالله، المقصود هنا البشر.

خذوا مثلًا صراع الطائفية المنهك بين السنة والشيعة، هل هو مقصود؟ بمعنى  أخر تحرك داخلي أم خارجي؟ في الغالب مزيج بين الإثنين ولكن من أقوى؟ الذي سيصعد إلى القمة سيرى العجب، فصراع ايران الحالي قد يبدو للوهلة الأولى صراع حول قوة عسكرية ولذلك يرتجف الخليج خوفًا، في حين أن من يصعد إلى السطح يدرك أن هناك من يتلاعب في المنطقة ووضع هذه المسألة لنسهو عن الحقيقة ، هذا الشرق لا يمتلك مجازًا وحقيقة القدرة على إطعام نفسه ولا يملك القدرة على التصنيع بتاتًا، محروم من أبسط مقومات التكنولوجيا،لو منع الغرب ذلك لن يستطيع أحد بناء محراث يدوي  تجره جاموسة أو جمل أو بغل، ولا يمتلك طاحونة، ناهيك عن صناعة ماسورة لضخ الماء، الشرق لا يمتلك بنزينًا لمحركات سياراته الفارهة رغم آبار البترول العملاقة، عندما تدرك ذلك جيدًا تعي أن الصراع هو على الاستقلال تكنولوجيًا، من هنا لا تستغرب عندما نشتغل ليل نهار في حروب وخوف من البعبع الشيعي ( ولا ندرك الحقيقة البسيطة أن هذا الخلاق ثانوي ولو شرح لك شيوخ الدين كل القضايا) تذكر أنها كانت موجودة وستبقى موجودة ولن يغيب الشيعي والسني من المشهد ، وليس في ذلك ضير. من هنا تدرك أن أحدهم صعد إلى الجبل وقال فليضربوا الواحد الأخر، يشعل الصراع ليرتاح هو ويفرك كفيه في سعادة المنتصر.

لقد شطحت بكم قليلًا لنعود إلى واقع حياتنا اليومية في القرى والمدن والعائلات والقبائل، ما الذي يحدث لنا؟ من الذي يحركنا؟ أو ربما ماذا؟ أهو صراع داخلي؟ أم خارجي!  أحدهم يفرك يديه طربًا لأن البعض اقتنع بنظرية الخلافات الداخلية ولا يرى التضاريس كاملة!
المحزن أن الصورة واضحة ولكن يغلب عليها  في هذا الزمن رسم الحدود حسب هوى النفس في زمن السحيجة الحمقى، وللأسف أذكر يومًا قلت فيه نعم القدس في خطر ولكن أم الفحم ورهط في خطر أكبر، يومها حاول البعض كما سيحاول البعض الآن  أن يفسر المقولة على هواه وليس على السياق السليم، وها هي الأيام تجري لتثبت أن الصراع ليس على جبهة واحدة بل على جبهات مركبة التضاريس والمعالم ( يكفي أن نراقب ماذا حدث لنا في العقدين الاخيرين لنفهم من الذي في خطر).
 
النقب وكل البلاد والشرق يغرق في قضايا ثانوية فرعية ليست مهمة وينسون الطريق، قد نصحو يومًا بعد الصراعات الداخلية لنجد أنه لم يتبق لنا شيء.
لا بد أن ندرك جيدًا أن وظيفة البعض الصعود إلى قمة الجبل، وليس الكل، وليكن الأقدر على فهم خارطة الطريق وليس الأكثر ضوضاء وضجيجًا، كفى فقد لا يبقى شيء لنتقاتل عليه بل وبالأحرى ربما تكون هذه فرصتنا الأخيرة.
وحتى نلتقى، أطالب كل فرد فينا ليصعد لحظة إلى البلكونة ليرى نفسه وما حوله ثم ليقرر أيريد  صعود الجبل، فقط الصادقون والأقوياء هم الذين يعترفون بضعفهم وفقط المتهورون الذين لا يرون غير أنفسهم يعتقدون أنهم يملكون الحلول، في حين أن الحكمة تقتضي الوقوف على القمة لرسم خارطة الطريق قبل المسير.