المحامي زكي كمال
بما فيها الضفة الغربية وقطاع غزة، أو لقوا حتفهم مستهدفين من قبل أنظمة حكم ديكتاتورية تعتبر حرية الصحافة خطرا عليها وتعتبر الصحافيين أصحاب الأقلام الحرة والرسالة الواضحة والصريحة، اعداءً يجب تحييدهم، هي قائمة طويلة وستطول، لكن مقتل شيرين شكَّل حالة خاصة ومميزة، لأسباب كثيرة وعديدة بدءًا من موقع مقتلها، مدينة جنين، التي تقع ضمن المناطق المصنفة "A" وفق اتفاقيات أوسلو، والتي تملك السلطة الفلسطينية السيطرة الكاملة أمنيًا ومدنيًا عليها، ويحظر على الجيش الإسرائيلي دخولها ويعتبر كل دخول اليها خطوة مناقضة للاتفاقيات والمواثيق بل عملًا غير قانوني، وتتعلق بمكان عملها وهو قناة " الجزيرة " والتي تعتبرها إسرائيل وعلى لسان كافة قادتها وسياسييها وجنرالاتها " قناةً إخبارية معادية "، وانتهاءً بتكرار الروايات الإسرائيلية المتناقضة حول الحادث، والتي كان مستهلها الإنكار التام للمسؤولية والقاءها على مسلحين فلسطينيين، ونشر مقاطع فيديو " تؤكد في نظر إسرائيل " ان مسلحًا فلسطينيًا هو من اطلق النار على شيرين وزميلها الصحفي علي السمودي، ليتضح ان هذه المقاطع لا تمت للحادث بصلة، بل انها وقعت في موقع آخر بعيد، تلاه تغيير للروايات بشكل متواصل واعتراف بأن هوية من أطلق العيار الناري باتجاه شيرين ليست واضحة، وأنه من الممكن ان يكون جنديًا اسرائيليًا، وهو ما أكدته تقارير صحفية إسرائيلية أشارت الى ان قناصًا إسرائيليًا اطلق النار عليها من بعد 150 مترًا، والى ذلك يُضاف رفض السلطة الوطنية الفلسطينية إجراء تحقيق مشترك مع إسرائيل في ملابسات الحادث وأن يتم فحص الطب العدلي للجثة بواسطة طاقم اسرائيلي فلسطيني مشترك أو حتى طاقم دولي، علمًا أن تقرير الطب الشرعي الفلسطيني لم يحدد بشكل تام مصدر العيار الناري، وإذا كان كل ما سبق لا يكفي لجعل مقتل شيرين حدثًا غير مسبوق جاءت العوامل الأخرى، وهي الاعتداء على مسيرة الجنازة داخل أروقة وساحات المستشفى الفرنسي في القدس، وهي منطقة تابعة لفرنسا وقرب كنيسة الروم والتي نقلتها التلفزة العالمية ببث مباشر ودون رتوش، كما جاءت قضية أنها كما شقيقها أنطون تحمل الجنسية الأمريكية وكونها تعمل في شبكة تابعة للحكومة القطرية، هذا ناهيك عن قضية حرية الصحافة التي رافقت هذا الحدث.
" وضع مأساوي وتراجيدي "
بداية ومن اجل الشفافية، أقول أنني اعرف المرحومة شيرين شخصيًا والتقيت بها، بحكم كوني لسنوات عديدة المستشار القضائي لشبكة " الجزيرة "، في عهد مديرها المؤقت الإعلامي وائل أبو دقة عام 1998 وبعدها المدير الحالي الإعلامي القدير والفذ وليد العمري، ولقاءاتها المتلفزة لي، ومن هنا أقول انها كانت في موتها كما في حياتها صحفية مميزة من ذلك النوع الذي يعتبر الصحافة رسالة لشعبها ومسؤولية ملخصها ومضمونها نقل الحقيقة كاملة دون نقصان ومن الميدان، رغم إدراكها للأخطار التي ترافق العمل الميداني خاصة في مناطق التوتر التي غطتها شيرين من شمال الضفة الغربية الى جنوبها ومن شرقها الى غربها خلال الاجتياحات الإسرائيلية وبعدها وقبلها، وكلها مواعيد متوترة وعصيبة، ولذلك فمقتلها ربما خلافًا لصحافيين آخرين لقوا مصرعهم، لن تختفي معالمه، فهو رمزي لشعب بأكمله، وتعبير عن وضع مأساوي وتراجيدي لصراع متواصل بين شعبين منذ نحو مئة عام، دون سلام او هدنة او نهاية ما تلوح في الأُفق، وبالتالي فإن مقتلها يستوجب تحقيقًا دوليًا يُظهر الحقيقة ويتم عبر هيئة تحظى بثقة الأطراف ذات الصلة، وهي تشمل هنا السلطة الفلسطينية وقطر وامريكا وإسرائيل وعائلة شيرين، وهيئات الصحافة الدولية والأردن وغيره، ما يعني ان هذه الهيئة يجب ان تكون منفصلة ومستقلة تمامًا عن أي انتماء للجيش الإسرائيلي أو المسلحين الفلسطينيين الذين دارت بينهما المواجهة في جنين، لكن قبل ذلك لا بد من طرح السؤال الأهم وهو ما اذا كانت إسرائيل وجيشها وعلى ضوء تصريحات وزرائها وجنرالاتها والناطقين بلسانها واعلامها المجند، يريدون حقًا ان تظهر الحقيقة وان تنجلي معالمها، خاصة ان رئيس هيئة اركان الجيش الإسرائيلي الجنرال افيف كوخافي، أصدر فور مقتل شيرين تعليماته بـ " العمل – كما قال - على استيضاح ما حدث والتحقيق فيه وصولًا الى الحقيقة التامة"، لكنه وفي نفس الوقت اختار لهذه المهمة قائد كتيبة الكوماندو المسؤول مباشرة عن وحدة الجنود التي عملت في جنين تزامنًا مع مقتل شيرين وربما اطلق افرادها النار، فكيف يمكن إذن إيلاء الثقة من قبل الفلسطينيين او حتى الإسرائيليين ويقينًا من قبل مواطني دول العالم المختلفة، لتحقيق يديره ضابط تحوم الشبهات حول ضلوع جنوده أو واحد منهم في الحادث ؟ أي ان فيه الخصام وهو الخصم والحكم، وهو ربما ما كانت تصريحات الوزير نحمان شاي أفضل تعبير عنه حين قال ان التحقيقات التي تجريها اسرائيل في احداث وحوادث من هذا القبيل لا تمتاز بالمصداقية العالية، علمًا ان الوزيرنحمان شاي كشف بتصريحه هذا الحقيقة الساطعة التي يخشى الكثيرون قولها، ومفادها انه لا يمكن الاعتماد على الجيش الإسرائيلي ان يفحص اعماله بمصداقية خاصة في احداث تحوم فوقها غيوم كثيفة وداكنة من الشكوك وعلامات السؤال، وهو ما يعني انه من المؤكد ان السلطة الفلسطينية سترفض قبول نتائج أي تحقيق تجريه إسرائيل بهذا الشأن كما سترفض إسرائيل نتائج أي تحقيق فلسطيني، ما يؤكد ضرورة ما طرحنا حول تشكيل لجنة تحقيق وفحص دولية محايدة تضم أطباء عدليين ورجال قضاء وقانون وخبراء في المتفجرات او الأسلحة وعسكريين، تكون نتائج تحقيقها مقبولة على الجميع بل ملزمة لهم، وليس ذلك فقط بل أن تشمل ايضًا، عبر افرادها من مجال القضاء، صياغة قائمة إجراءات بحق الضالعين من جنود وضباط وسياسيين وغيرهم، ما يثير أسئلة حول المسؤولية الجنائية في هذه الحالات، حيث لفت الانتباه هنا اسراع إسرائيل الى اعلان رغبتها في تحقيق مشترك مع السلطة الفلسطينية بخلاف حالات سابقة في اعتراف إسرائيلي ضمني بالمسؤولية عما حدث.
" مطلب لا خلاف عليه "
رغم ما زُعِمَ في إسرائيل حول كون الفلسطينيين سارعوا لدفن الجثة فور وقوع الحادث من أجل تجنب تشريحها وكأن لديهم ما يخفونه، ورغم أن جثمان شيرين لم يوارَ الثرى إلا يوم الجمعة، ورغم رفض السلطة الفلسطينية تسليم إسرائيل العيار الناري الذي أدى الى مقتل شيرين ورفضها تحقيقًا مشتركًا، إلا ان التحقيق في مقتل شيرين أبو عاقلة هو مطلب لا خلاف عليه، فمحمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، ونفتالي بينيت، رئيس الحكومة الإسرائيلي، ووزير أمنه بيني غانتس، يطالبون بالتحقيق، والأمر نفسه فعله البيت الأبيض، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي وقطر، وأغلب دول العالم، لكن الشق الجنائي هنا يظل اللغز الذي قد لا يمكن كشفه بسهولة، أو ربما على الإطلاق، بحسب ما توضحه نتائج التحقيقات في قائمة طويلة من الحالات المشابهة بحق صحفيين فلسطينيين قُتلوا او أُصيبوا، وسيظل السؤال هنا مرتبطاً بعلى مَن تقع المسؤولية الجنائية؟ هل يتحملها الجندي الذي أطلق الرصاصة القاتلة على افتراض أنه تم تحديده؟ أم تقع على الضابط المسؤول عن تلك الوحدة الذي أصدر أمراً بفتح النار على الصحفيين؟ ام أن رئيس هيئة الأركان وكبار الضباط هم المسؤولون ام ان المستوى السياسي بما فيه وزير الأمن هو المسؤول، والإجابة عن هذا السؤال تكمن في القوانين العسكرية بطبيعة الحال، مع الإشارة الى ان قواعد الاشتباك والقوانين العسكرية تسمح للجندي، بل ربما تُلزمه برفض الانصياع لأوامر عسكرية إذا " لاحت فوقها علامات وإشارات تشير الى انها غير قانونية " ( كإطلاق النار على الصحافيين مثلًا ؟).
وفي مقتل شيرين اكثر من أي حادثة مشابهة، كانت الردود فورية وتلقائية حمَّلت فيها السلطة الفلسطينية إسرائيل المسؤولية عن قتل شيرين عمدًا، وحملت إسرائيل الفلسطينيين المسؤولية معتبرة انهم اطلقوا النار بكثافة وبعشوائية وأصابوا شيرين في مقتل، قبل ان تصدر دعوات المسؤولين الإسرائيليين بشأن إجراء تحقيق في مقتل أبو عاقلة والتي اعتبرتها السلطة الفلسطينية وعائلة المرحومة ودول العالم بمعظمها امتداداً لاجتياحات إسرائيل غير القانونية وغير المشروعة لجنين ومدن الضفة الغربية الأُخرى، وجزءً لا يتجزأ من حملة سياسية إعلامية إسرائيلية لطمس الحقيقة بروايات مضللة بحثاً عن أبواب للهروب من تحمُّل المسؤولية، قابله تركيز إسرائيلي على رفض السلطة الفلسطينية التحقيق المشترك او تبادل المعلومات حول نتائج التشريح ونوع العيار الناري الذي قتل شيرين ( هذا صحيح حتى لحظة كتابة المقال وربما سيتغير بفعل الضغوط الأمريكية المتواصلة )، ما اعتبرته إسرائيل محاولة فلسطينية للتهرب من الحقيقة ورفضًا لتحقيق نزيه، وكأَن لدى الفلسطينيين ما يخفونه، ما يخلق حالة يخدم فيها الوضع الحالي مصالح وروايات السلطة الفلسطينية وإسرائيل على حد سواء وربما بنفس المقدار، فإسرائيل تعتبر رفض السلطة الفلسطينية سابق الذكر اعترافًا ضمنيًا بالمسؤولية او على الأقل محاولةً للتهرب منها وإخفاءً للحقيقة، بينما يخدم مقتل شيرين وتعدد الروايات الإسرائيلية السلطة الفلسطينية واعلانها ان إسرائيل تستهدف الفلسطينيين وتقتلهم دون سبب بمن فيهم الصحافيين، وأنها لا تحترم القانون الدولي، ولا تريد الهدوء والاستقرار للمدنيين الفلسطينيين حتى في الضفة الغربية، وهو ما يقوي سلطة الرئيس محمود عباس مقابل " حماس " التي تدعو الى مقاطعة إسرائيل ورفض كل علاقة معها ومواجهات مسلحة وتهدد بإطلاق الصواريخ من قطاع غزة وتثير الأحوال في القدس ومحيط المسجد الأقصى، اما الخاسر الوحيد فهو عائلة المرحومة شيرين وزملاءها في العمل، ناهيك عن ان عدم تسليم إسرائيل العيار الناري الذي قتل شيرين يغذي الرواية الإسرائيلية من جهة ويمنع الولايات المتحدة، لكونه يحول دون كشف الحقيقة كاملة، من اتخاذ أي خطوات او إجراءات بحق إسرائيل، باعتبار شيرين مواطنة أمريكية او تحمل الجنسية على الأقل.
" تصعيد أمني "
مقتل شيرين يكتسب خصوصية مميزة إضافية لأنه يندرج ضمن تصعيد امني ينذر بانفجار او اتساع رقعته واحتمال ان تلفح نيرانه قطاع غزة والضفة الغربية وليس هما فقط بل ان تصل جبهات أخرى منها الجبهة مع " حزب الله " وربما سوريا وكذلك ايران، ما يعني مواجهة على خمس جبهات، وهو ما يؤكد خطورة النهج الحالي الذي تمارسه الحكومة الحالية في إسرائيل سائرة على خطوات من سبقتها من حكومات برئاسة بنيامين نتنياهو وغيره، ملخصه " إدارة الصراع " بدلًا من " حل الصراع " والوصول الى سلام يجعل الحدود بين إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة واضحة ومعروفة ليس فقط على الخرائط بل على أرض الواقع، ويمنح الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي الحق في العيش بسلام وأمن وأمان، وهو سلام بحاجة الى قادة من نوع خاص كما قال البروفيسور ارثور شليزنغر مستشار الرئيس الأمريكي الأسبق جون كنيدي " أن قوة القائد تكمن في قدرته على جعل العدو صديقًا والصديق اخًا "، عبر التحرر من تعقيدات وعقد الماضي، وهو ما فشلت إسرائيل في فعله منذ بداية القرن الماضي، فالصهيونية التي أقيمت إسرائيل على أساسها، ولدت في الغيتوات الأوروبية وعانت التمييز والاضطهاد العرقي والديني، جاءت الى الشرق الأوسط وها هي تمارس نفس النهج الذي مورس ضدها في أوروبا معتبرة نفسها أفضل وأحسن من سكان الشرق الأوسط وأكثر أوروبيةً وحضارةً منهم، وان ارض إسرائيل منحت لها بأمر رباني إلهي، وان إسرائيل أقيمت فوق ارض دون سكان (No Man land )، رغم انها تعرف حق المعرفة ان هذه الأرض كانت تُعَرَّف، حتى وفق مستندات الانتداب البريطاني الذي كان عراب قيام إسرائيل بقرارات الكتاب الأبيض ووعد بلفور، باسم " فلسطين " وبأحرف صغيرة للغاية " أرض إسرائيل "، لكن حكومات اسرائيل المتعاقبة وبفعل تصريحات تكشف نوعًا من العمى السياسي كشفته تصريحات قادتها ومنها قول رئيسة وزرائها غولدا مئير " ليس هناك شعب فلسطيني "، اوصلتها اليوم الى ما هي عليه من وضع سببه انها لم تسأل نفسها منذ العام 1967 على الأقل ما اذا كانت تريد استمرار السيطرة على الفلسطينيين في الضفة الغربية ما يجعلها منذ اليوم، دولة ثنائية القومية تعيش حالة خطيرة من الإنكار وترفض الاعتراف بأن التعداد او التركيبة السكانية هي نتيجة حتمية للقرارات السياسية، فالأغلبية اليهودية اليوم واضحة لكنها تفتقر الى الأمن والأمان، وهو ما لن يتحقق لها حتى لو بلغ عدد اليهود بين البحر والنهر 10 ملايين، خاصة ان اسرائيل بحكوماتها، ورغم موجات التوتر التي تتكرر كل عدة سنوات عبر حرب حزيران عام 1967 والانتفاضة الأولى عام 1987 والثانية عام 2000، ومواجهات أيار عام 2021، والحملات العسكرية المتكررة على غزة وحملة " السور الواقي " عام 2002 في كافة مناطق الضفة الغربية وغيرها من المواعيد، ترفض ان تسأل نفسها السؤال الأهم الذي سيحدد حالها ووضع سكانها وأمنهم وأمانهم وعلاقتهم بجيرانهم والمنطقة والعالم وسيحدد احتمالات السلام او استمرار العيش الى الأبد على حد السيف، وهو السؤال حول حدودها، وهي التي لم تحددها منذ قيامها عام 1948 بعد رفض الدول العربية قرا ر التقسيم، ناهيك عن أن احتلالها للضفة الغربية وغزة وسيناء والجولان كان في نظري الخطأ الأكبر والخطوة الأخطر عليها، فهي بذلك فتحت الحدود ( بعد لاءات الخرطوم ) بين شطري الشعب الفلسطيني او طرفي الفلسطينيين، وأتاحت اللقاء بين مواطنيها العرب وبين اقربائهم في الضفة الغربية وقطاع غزة، ما أتاح إعادة صياغة وتمكين الشعب الفلسطيني في أفضل تعبير عن قاعدة " النتائج غير المتوقعة " فانتصار إسرائيل في حرب الأيام الستة كان بعكس ما تمنت اسرائيل، صياغة مجددة لوحدة الشعب الفلسطيني وخلق أواصر العمل والعلاقات الاجتماعية والأُخرى بين شطري هذا الشعب، وهو ما يستمر حتى اليوم على ضوء تعنت اسرائيل رفض أي محاولات للسلام ما دفع الأردن في ثمانينيات القرن الماضي الى " رفع يده " عن الضفة الغربية خاصة في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق اسحق شمير، والكف عن محاولات التوصل الى اتفاق أو ترتيب يضمن حل القضية الفلسطينية ما كانت نتيجته المباشرة إبقاء " هذه الجمرة الملتهبة او القنبلة الموقوتة " بين يدي إسرائيل وحدها، والتي قررت بعد انتفاضة العام 2000 التراجع عن اتفاقيات أوسلو وما أعقب ذلك من أوضاع شملت سيطرة " حماس " على قطاع غزة، وما تشهده الضفة الغربية من اجتياحات منها عام 2002 كالسور الواقي والعمليات العسكرية ضد غزة كالرصاص المصبوب وعامود السحاب وغيرها وما وصل اليه الوضع اليوم من سيطرة " حماس " التامة على القطاع وتحولها الى حركة مسلحة تُصَنِّع الصواريخ التي تصل تل ابيب ومطار اللد ( بن غوريون ) وهو ما اضطر اسرائيل الى دفع " ضريبة هدوء " لحركة " حماس " قيمتها 30 مليون دولار نقدًا تدفعها قطر شهريًا، لا بد ان بعضها يستخدم لتعزيز قوة الحركة عسكريًا ناهيك عن الدعم المباشر للحركة من ايران والتي أصبحت بذلك موجودةً على حدود اسرائيل الشمالية والجنوبية، ما يعني ان وضع إسرائيل الأمني رغم اتفاقيات ابراهام يسوء بشكل تدريجي، يضاف الى ذلك خطوات إسرائيلية داخلية منها " قانون المقاطعة " و" قانون القومية " الذي لم يُحَسِّن حالة إسرائيل عالميًا او حتى محليًا بل وضعها امام سيل جارف من الانتقادات بسبب بنوده التي تجعلها دولة لليهود تميِّز ضد غير اليهود وتعتبرهم مواطنين مع وقف التنفيذ او رعايا لا تلتزم الدولة حتى بإيجاد أماكن السكن لهم ولا تعترف بلغتهم او تراثهم وتهدد بترحيلهم.
خلاصة القول ان قُصر النظر هو ما يميز سياسات إسرائيل منذ اقامتها وان التفكير في المستقبل البعيد ليس من صفات حكوماتها التي فضلت " إطفاء الحرائق المؤقتة " أي إدارة الصراع بدلًا من حله، كما عمدت الى قرارات تمنحها الربح الانتخابي والحزبي قصير المدى رغم معرفتها بأن هذه القرارات ستزيد التوتر الداخلي بين الأغلبية اليهودية (70%) والأقلية العربية ( 25%) وتقصي الأخيرة، لتصل إسرائيل اليوم الى شفا الهاوية مقتربة من التحول الى دولة ابارتهايد ثنائية القومية ودولة تسودها النزاعات الطائفية والعرقية، وتسيطر طيلة عقود طويلة على ملايين الفلسطينيين خلافًا للعقل والمنطق والقانون الدولي ومصلحة إسرائيل نفسها، وكأن الحكومات المتعاقبة لا تدري انها تكرر نفس أخطاء سابقاتها دون أن تتعلم منها.
هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع بانيت هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة راي التحرير في موقع بانيت .
يمكنكم ارسال مقالاتكم مع صورة شخصية لنشرها الى العنوان:[email protected].