الاستاذ وسام عمري - صور شخصية
بين ضِدّين، بل هما صورتان او حالتان او مكانان او فترتان مجتمعتان لحقيقة واحدة، حقيقة الوجود او حقيقة الخلق -طالما هربنا من الحقيقة وتمسكنا بالوهم-.
كلنا ذاق حسرة فراق قريب صديق حبيب ومَن لم يذق بعد، فالايام كفيلة لكل جديد، والكل يعلم ان مقولة التعزية المتداولة في بيوت العزاء: (آخر الاحزان) هي واهية لا يُؤْمِن المُعزّي ولا المُعزَّى بها، ولكن تُقال من باب لطف الكلام ! فربما اليوم انت تعزي وفي الغد انت مَن يعزيهِ الناسُ!.
اما حياة الدنيا التي يظن الانسانُ انها هي الحياة الحقيقية فيركض فيها كركض الوحوش في البرية ليكسبها كاملة بلا نقصان، ويغضب ويحقد ويحسد ويضجر إن خسر فيها او منها شيئا …هي فترة محددة مقدرة قصيرة جدا، والموت الذي يغفل عنه الانسان في خضم حياته رغم انه يرى بأمّ عينه ان ابناء عالمه يذوقون الموت في كل لحظة، حيث اصبح من الاسهل إحصاء الأحياء لا عدَ الأموات، فالموت والقتل هو الخبر المتداول اليوم، حيث ساعدتْ في ذلك وسائل الاتصال الاجتماعي التي جعلت منه خبرا ملازما لفنجان القهوة صباحًا ، ولدعاء النوم مساءً.
لحظة الموت هي مرحلة قصيرة جدًا تنقلنا الى حياة ابدية سرمدية بحلة ومفاهيم جديدة تختلف عما اعتاد عليه الانسان في الدنيا من احداث وتناقضات وتقلبات وغدر ونفاق فهي هناك ثابتة صريحة منسجمة مستقرة باقية -إمّا سعيدة وإمّا شقيّة-!.
قال علماءُ الاحياء انّ الموتَ هو توقّف أيّ نشاط وظيفي حيوي عند الانسان، كالتنفّس والأكل والشرب والحركة والتفكير والشعور والاحساس .. ويقول علماء الارواح -إن جاز التعبير- أو قل: يُخبرنا ايماننا ان الانسان في قبره يحس ويشعر، وان هناك تنفس واكل وشرب وحركة بعد الموت اذاً لم تكن الحياة في الدنيا هي حياة حقيقية مخلّدة. فيكفيك انها كالحلم تمر مر السحاب ولمح البصر، مدتها لا تتعدى مائة عام وثلاثين عامًا منها نوم (الموت الاصغر)! ساعة او سويعات فتنقضي وما دنياك الا كظل اظلك حينًا ثم اذن بالزوال (كما يبدو أحيانًا كثيرة)!
قال علي بن ابي طالب (الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا، و إذا انتبهوا ندموا ، و إذا ندموا لا ينفعهم ندمهم). الموت لم يكن العدم والنهاية! بل عبارة عن مغادرة الجسد بين اجساد الناس، وعدم الدب على الارض فقط!.
ربما اكثر ما يهب الحياة معنى، واعظم حدث فيها هو الموت، تخيّل معي ان الانسان يعيش الاف او عشرات الاف السنين فكيف ستكون الحياة؟! وكم سيُبدع الانسانُ من انواع الفساد والتجبر والطغيان حينها ؟ الموت جزء من مرحلة حياتية يجب أن نقبل به كما قبلنا بوجودنا دون موافقتنا، وتمر السنين القصيرة فنرحل بنفس الطريقة التي أتينا بها اي مجبرين دون معرفة الآتي الا غيبيات يُؤْمِن بها مَن آمن منا باليوم الآخر .
وكأن الأصل هو الموت والاستثناء هي الحياة. سرمدية ما بعد الموت يجعل الحياة كذبة ككذبة اول نيسان لا أصل ولا مشروعيّة لها، يعيشها الانسان منذ خُلق مُجبرًا ويرحل عنها كذلك! والدليل هم الذين غابوا عن دنيانا، نذكرهم كذكريات مرت كخيال، ونحن الذين لم نمت بعد! في انتظار الموت، فحين نعزي الآخرين نحن نستعد لتعزية الاخرون لنا.
لابد من الدنيا ما دمنا خُلقنا ولكن يبقى السؤال: ما هي فلسفة الحياة؟ كيف نحيا؟ ولأجل ماذا نحيا؟ ما هي اهدافنا؟ وكم بذلنا من جهدٍ لأجلها؟ واذا عشناها جزافا وصراعا ضد إنسانيتنا سيتراءى لنا المصير قبل حينه، وسنموت قبل مجيئه، ألا ترى حولك مَن هو ميت قبل ان يذوقه؟!.