logo

مقال : مواجهة محاولات حصار العرب في المدن التاريخية والمختلطة والنقب

بقلم : جعفر فرح
08-05-2022 10:17:56 اخر تحديث: 18-10-2022 07:56:10

تحاول أحزاب وجمعيات الاستيطان منذ عام 1993 استهداف المجتمع الفلسطيني في الداخل ومنعه من المساهمة في إنهاء الاحتلال ومكافحة التمييز، خصوصا بعد


جعفر فرح

أن تمكنت قيادة شعبنا أن تقنع قسمًا من الأحزاب الإسرائيلية في حينه في الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية. انضمت إلى هذه الأحزاب والجمعيات مجموعات تعتبر نفسها وسط إسرائيلي والتي شاركت في قمع مظاهرات القدس والأقصى عام 2000، على الرغم من أنها حصلت على دعم أحزاب وأصوات المجتمع الفلسطيني خلال انتخابات 1999.

استهداف عرب عكا والمدن المختلطة
قامت هذه المجموعات باختيار مواقع يمكنها محاصرتها واستهدافها، وقد حاولت خلال سنوات طويلة استهداف مدينة أم الفحم والدعوة إلى طرد أهلها، لكن دون نجاح. قامت هذه المجموعات باستهداف عرب عكا خلال يوم كيبور عام 2006 وحرقت عشرات المنازل وطردت عائلات عربية من أحياء مختلطة. ونشهد منذ عام 2014 استهدافًا متواصلًا لحرية التعبير في مدينة حيفا، حيث قام اليمين العنصري عام 2016 بالاعتداء على مظاهرة في مركز الكرمل ومحاصرة المتظاهرين بدعم من الشرطة. وشهدنا تصعيدًا تحريضيًا متواصلًا على عرب يافا واللد والرملة، إلى جانب التحريض على عرب النقب.

محاولة محاصرة عرب حيفا
لم تكن أحداث هبة الكرامة في أيار عام 2021 المرة الأولى التي يتم فيها استهداف عرب حيفا، فقد نجحت قيادة المدينة عام 1982 بمنع كهانا من دخول حي وادي النسناس، وجندت في حينه رئيس بلدية حيفا اريه غورئيل ليقف معها ضد دخول كهانا إلى حي وادي النسناس. وتم خلال التصدي لكهانا اعتقال الناشط الحيفاوي وعضو بلدية حيفا السابق أحمد غنام، ومنعت قيادة عرب حيفا دخول الشرطة إلى حي وادي النسناس خلال أكتوبر 2000، وجندت إلى جانبها رئيس بلدية حيفا السابق عمرام متسناع وغالبية أهالي المدينة.
نشهد في السنوات الأخيرة محاولات شرسة لتهميش عرب حيفا ومنعهم من التظاهر والتعبير عن مواقفهم ومحاصرتهم، ولم يكن ما حدث في أيار 2021 المرة الأولى التي تعاونت فيها الشرطة مع "لهابا" ومجموعات اليمين العنصري، حيث تم الاعتداء عام 2016 على نائب رئيس بلدية حيفا د. سهيل أسعد ونجله وعشرات المتظاهرين، ولم تعتقل الشرطة ولم تحقق في هوية المعتدين.

أيار 2021
قمعت الشرطة مظاهرات احتجاج عرب حيفا في أعقاب الاعتداء على المصلين في الأقصى خلال رمضان 2021، ولم تكتف بقمع المظاهرة وقامت باعتقال شباب وصبايا كانوا بالصدفة في منطقة شارع بن غوريون. تكررت الاعتداءات والاعتقالات خلال أسبوع من تاريخ 9.5.2021 ليتجاوز عدد الشباب المعتقلين في مدينة حيفا أكثر من 100 معتقل/ة. تواجه عائلات 11 شابًا حاليًا لوائح اتهام تم تقديمها بحق شباب هبوا للدفاع عن بيوتهم.
استنفرت جمعيات ومجموعات اليمين العنصري شبابها من كافة أنحاء البلاد لتعتدي على حي وادي النسناس يوم 12.5.2021، وحذرت قيادات عرب حيفا رئيسة البلدية عينات كاليش روتيم مما سيحدث خلال ساعات المساء والليل، وطلبت منع باصات الجمعية العنصرية "لهابا" من الوصول إلى حيفا، لكن سمحت الشرطة والبلدية لباصات "لهافا" في الوصول والتجمع في منطقة كريات اليعزر، وانطلقوا من هناك نحو شارع النبي وحي الألمانية. قامت الشرطة بالاستفراد بالمتظاهرين العرب عند مفرق النبي – روتشيلد وتفريقهم واعتقال العشرات منهم، ورافقت المعتدين خلال هجومهم على منازل وسيارات المواطنين العرب دون أن تعتقل احدًا منهم.
حاصرت الشرطة حي وادي النسناس ومنعت الشباب من الخروج من الحي للدفاع عن العائلات التي تم الاعتداء عليها في منطقة شارع النبي وتل ابيب، ووصلت الصور والاستغاثات من عائلات شحادة وشريف وأبو نصار إلى الأهل في أحياء الحليصة ووادي النسناس، وبعد جهد جهيد تمكنت مجموعات من الوصول إلى شارع النبي ووقف الاعتداءات على المنازل. أصيب في هذه الليلة عشرات المواطنين العرب بينهم شادي بوشكار والذي اقتلعت عينه خلال اعتداء عليه من قبل رجال الشرطة، ويمثله قانونيا المحامي البير نحاس عضو إدارة مركز مساواة.

مستقبل بلدية حيفا
تغازلت قيادات بلدية حيفا في السابق مع مجموعات اليمين العنصري وحرضتهم وسمحت لهم بالاعتداء على مظاهرات عرب حيفا، واستغلت جمعيات اليمين العنصري ضعف قيادة بلدية حيفا الحالية وأحضرت إلى المدينة مجموعات اعتدت على عرب حيفا ببيوتها.
لا نتحمل كعرب مدينة حيفا مسؤولية ضعف قيادة البلدية الحالي، فقد فقدت رئيسة البلدية الحالية الائتلاف البلدي تدريجيا ووصلت إلى وضع لا تستطيع فيه إدارة شؤون البلدية والمصادقة على الميزانية. تستعد قيادات اليمين العنصري في الوضع الحالي في بلدية حيفا للسيطرة على قيادة البلدية في الانتخابات المقبلة. يتطلب هذا الواقع تحركًا شعبيًا وسياسيًا لا يحمي فقط عرب حيفا، بل يساهم في انتخاب قيادة تقدمية للبلدية ويمنع سيطرة اليمين العنصري على قيادة ثالث أكبر مدينة في البلاد.

مواطن القوة لعرب حيفا
من يدخل إلى مستشفيات المدينة ينتبه إلى قوة القوى العاملة العربية في كافة مستشفيات المدينة، وكان الطاقم الطبي في مستشفى رامبام قد بادر خلال هبة الكرامة إلى التظاهر عند مدخل قسم الطوارئ بالتعاون مع مجموعة كبيرة من الأطباء اليهود. الوجود العربي في الطواقم الطبية ليس موطن القوة الوحيد، فمن يفحص معطيات النمو الاقتصادي للمدينة يلحظ أهمية القوة الشرائية العربية في المطاعم والمراكز التجارية، على الرغم من أن النسبة الرسمية المسجلة للعرب في حيفا لا تتجاوز ال 12%. تسجل مدينة حيفا هجرة إيجابية عربية متواصلة إلى المدينة، حيث تصل إلى ارتفاع بنسبة 2%، وهجرة يهودية سلبية لصالح نيشر وطيرة الكرمل ومركز البلاد. دخل إلى المدينة أكثر من 10 آلاف عربي خلال السنوات العشر الأخيرة، مما ساهم في ارتفاع أسعار السكن والعقارات التجارية.

الوصاية والتعايش القديم
تعلمنا منذ النكبة أن نبني مؤسساتنا وأن نطرح مواقفنا بجرأة من على كل المنصات، ناقشنا باحترام ومحبة من اختلفنا معهم ورفضنا الوصاية والتعايش المزيف الذي حاولت أن تفرضه علينا مؤسسات حكومية وبلدية مختلفة. تحدثنا عن النكبة والحقوق التاريخية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية دون أن نتنازل عن وجودنا في جميع مواقع اتخاذ القرار. هناك من حاول أن يفرض علينا وصاية يهودية من خلال التمويل أو من خلال البنى التحتية، فبعد إغلاق مسرح الميدان كان عرض على المؤسسات الثقافية العربية العودة إلى حضن مسرح حيفا، وعندما طلبت جمعية التوجيه الدراسي مساكن طلاب تم توجيهها إلى مؤسسة يهودية للشؤون العربية، وقد قامت بعض المؤسسات مؤخرا بعقد مؤتمرات في حيفا عن السياسة العربية في اللغة العبرية وبوصاية يهودية على مؤسساتنا الحزبية والأهلية. اعتذرنا عن المشاركة في هذه المنصات دون أن نزايد على أحد، نحترم جهد الآخرين ولكننا قررنا أن نبادر إلى طرح مواقفنا دون "انغلاق قومجي" كما حاول البعض اتهامنا، بل خرجنا بمبادرة عرضناها على من يريد أن يشاركنا دون أن يقبل مواقفنا ولكنه على استعداد لسماعها ومناقشتها.

مؤتمر حيفا "للتضامن"
حاولوا محاصرتنا في أحيائنا ومواقع عملنا، نجحوا في إغلاق مسرح الميدان وجمعية "اتجاه" وصندوق تطوير التعليم التكنلوجي من خلال جهد منظم ومدروس يهدف إلى إضعاف مؤسساتنا الأهلية. نحن على عتبة سنة انتخابات للسلطات المحلية، وعلينا منع التحريض علينا واستخدام قوتنا الاقتصادية والاجتماعية والتنظيمية والسياسية للتأثير على مستقبل المدينة.
مؤتمر حيفا هو منصة للحوار والنقاش مع من يريد أن يتعامل مع عرب حيفا ومؤسساتهم باحترام، خصوصا أن ما يحدث تاريخيا وما سيحدث في حيفا سيؤثر على كافة المدن التاريخية والمختلطة ومجتمعنا بشكل عام. نلتقي مع مؤسسات وشخصيات لا نتفق معها، لا نطرح عليها نموذج "التعايش" المتآكل، بل نعمل على بناء نموذج جديد يحترم مكانتنا وخاصيتنا، ويسمح بالتعايش بين المجموعات التي تسكن في هذه المدينة وفي هذا الوطن. نعم نريد تغيير معادلة الراكب والمركوب، وسنتصدى لمحاولات حصارنا من خلال عملية تفكير وتخطيط وجهد فردي وجماعي وطني منفتح يحمي الناس ويبني مستقبل حيفا كنموذج مختلف عن نموذج الفصل العنصري والاستعلاء والاستغلال.