ربما لم يسمع الكثيرون منكم عن فقر الدم المنجليّ، لكنه شائع بشكل رئيسي بين السكان العرب في البلاد. انه مرض وراثي يُضعف قدرة الهيموغلوبين الموجود في خلايا الدم على حمل الاوكسجين الى خلايا الجسم. ان التعامل مع المرض ليس بالأمر السهل دائما، وتعاون المريض مع العلاجات المخصصة له مهم بشكل خاص لمنع حدوث مضاعفات مُحتملة وكثير منها لا رجعة فيها. للحديث عن هذا المرض، قال الدكتور نجيب دلة مدير قسم أمراض الدم وبنك الدم في المركز الطبي زيف – صفد : " الهيموغلوبين هو الجُزيء الاساسي الموجود في كريات الدم الحمراء. وظيفته الاساسية هي حمل الاوكسجين من الرئة لكل خلية في الجسم، وبالطبع ارجاع ثاني اكسيد الكربون للرئة من أجل أن نتخلص منه. يمكن تقسيم مشاكل الهيموغلوبين الى مشكلتين كبيرتين، الاولى مشكلة في الهيم والثانية هي مشكلة في الزلال الذي هو الغلوبين. مشكلة الهيم في منطقتنا ليست شائعة، ولذلك سوف لن نتحدث عنها. المشكلة الكبرى هي مشكلة الغلوبين، التي يمكن أن تكون مشكلة نوعية أو مشكلة كمية. فعندما تكون المشكلة نوعية فان أهم مرض نتحدث عنه هو موضوعنا اليوم وهو مرض فقر الدم المنجليّ. والمشكلة الكمية هي مشكلة الثلاسيميا التي لديها عدة انواع، وتؤدي الى فقر دم وممكن ان يحتاج المريض الى دم طوال حياته. نحن نتحدث اليوم عن تكوّن طبيعي للهيموغلوبين، ولكن مع طفرة وراثية تؤدي الى تكوّن هبموغلوبين من الممكن ان يعمل بوليمير، وهذا البوليمير يغيّر شكل الخلية الحمراء، من الشكل الطبيعي الانسيابي الى خلية تشبه شكل المنجل، وهي خلية ليست انسيابية، خلية لا تستطيع أن تمر في اوعية الدم الصغيرة وتؤدي الى انسدادات، وتؤدي بالتالي الى ازمات، قسم منها ازمات وجع، وقسم منها ازمات التي من الممكن ان تشكّل خطرا على حياة المريض".
" يولد الطفل طبيعيا ، وتبدأ مشاكله عندما يبدأ الهيموغلوبين الجنيني يتحول الى هيموغلوبين A"
وحول كيف يتم تشخيص المرض وما هي أعراضه؟ اجاب الدكتور نجيب دلة: "كما تحدثنا سابقا، نحن نتحدث عن مرض وراثي. وعادة المريض او الطفل الذي يولد يكون لديه غالبية الهيموغلوبين هو هيموغلوبين جنيني، والهيموغلوبين الجنيني ليست فيه اي مشكلة، لذلك عندما يولد الطفل يكون طبيعيا ، وتبدأ مشاكله عندما يبدأ الهيموغلوبين الجنيني يتحول الى هيموغلوبين A ، وهو هيموغلوبين الذي يمكن ان يساعدنا اكثر على اخذ الاوكسجين من الرئة واعطائه للخلايا في كل الجسم، على عكس الهيموغلوبين الجنيني، الذي وظيفته أخذ الهيموغلوبين في الحياة الجنينية بقوة كبيرة وايصاله الى كل خلايا الجسم. في جيل نصف سنة، عندما يتكوّن الهيموغلوبين، أو عندما يبدأ الهيموغلوبين الجنيني بالانخفاض في كميته، ويجب أن يحل محله الهيموغلوبين A العادي الذي هو الهيموغلوبين الطبيعي، تبدأ مشاكل المريض، وتبدأ الازمات التي ترافقه للاسف طوال حياته".
"سبب المرض طفرة وراثية"
وتابع الدكتور نجيب دلة حديثه عن سبب المرض بالقول : "سبب المرض كما ذكرت سابقا هو طفرة وراثية، وعادة يكون الاهل حاملين لهذه الطفرة، وقسم منهم لا يعرفون انهم يحملون هذه الطفرة. وجود اب وأم يحملان الطفرة الوراثية سوف يؤدي بنسبة كبيرة الى انجاب اطفال لديهم مشكلة فقر الدم المنجليّ. لماذا يوجد لدينا فقر دم منجلي؟ لان منطقتنا في الماضي كانت منطقة فيها ملاريا ، والملاريا هو مرض يصيب خلايا الدم الحمراء وينتقل عن طريق البعوض وعادة في مناطق فيها مستنقعات. وجود هذه الطفرة أو تكوّن هذه الطفرة اعطى خلايا الدم الحمراء قدرة على تحمّل المرض، او ان لا تصل الملاريا الى خلايا الدم الحمراء التي توجد فيها هذه الطفرة. ولذلك، ففي الفترة التي كانت تنتشر فيها الملاريا في هذه المنطقة بكمية كبيرة، كان المرضى الذين يعانون من فقر دم منجليّ محصنين ضد هذا المرض. اليوم طبعا نحن لسنا بحاجة الى هذه الطفرة لانه لم يعد هناك ملاريا في منطقتنا".
" من المهم جدا ان يكون المريض في متابعة دائمة وان يصغي لما يقوله الطبيب المعالج"
واضاف د. دلة: "كما قلت سابقا، بعد الولادة يكون الطفل طبيعيا، في جيل نصف سنة يبدأ يعاني من الازمات، حينها نفحص أنواع الهيموغلوبين الموجودة في دمه، نجد حينها أن الهيموغلوبين الذي يجب أن يكون طبيعيا وهو هيموغلوبين A، هو هيموغلوبين مع طفرة في الغلوبين، وهذه الطفرة هي التي تؤدي الى وجود هيموغلوبين آخر نطلق عليه هيموغلوبين S، وهو الهيموغلوبين الخاص بفقر الدم المنجليّ. الفحص هو فحص بسيط وهو فحص لأنواع الهيموغلوبين الموجودة في الدم".
وحول اهمية المتابعة المنتظمة مع الطبيب المعالج، قال الدكتور نجيب دلة: "من المهم جدا ان نمنع الازمات. كما قلت هناك ازمات بسيطة هي ازمات وجع، التي يعاني المريض فيها من اوجاع شديدة تضطره الى المبيت في المستشفى لفترات طويلة في بعض الاحيان، ولكن هذه الازمات طالما انها موجودة في مناطق ليست خطرة، فان وضعنا ممتاز. وجود هذه الازمات في الدماغ قد تؤدي الى جلطة دماغية مع كل المخاطر الناجمة عنها. وجود هذه الازمة في الرئة قد يسبب قصورا رئويا ومشكلة في التنفس. لذلك، من المهم جدا ان يكون المريض في متابعة دائمة وان يصغي لما يقوله الطبيب المعالج".
"يجب على المريض ان يتناول العلاج كما يجب"
وتطرق الدكتور نجيب دلة الى الاثار الجانبية والمضاعفات المحتملة قائلا: "كما قلت، طالما ان المريض يتناول العلاج كما يجب، واننا قادرون على المحافظة على مستوى هيموغلوبين S اقل بقليل من النسبة الموجودة بالعادة واننا قادرون على رفع كمية الهيموغلوبين F وهو الهيموغلوبين الجنيني لمستوى معين، سنكون قادرين اولا على ان نمنع الجلطات الدماغية وان نمنع حدوث المشكلة التي من الممكن ان تحدث في الرئة ، وكذلك ان نخفف للمريض من الازمات التي من الممكن ان تصيبه وتؤدي الى دخوله المستشفى . هناك امر آخر من المهم ان نتحدث عنه وهو ان المرضى الذين يعانون من فقر الدم المنجليّ، يصاب الطحال ايضا لانه تحدث فيه جلطات كثيرة، ومع الوقت عمليا، صحيح اننا لم نجتث الطحال الا انهم وبسبب كثرة الجلطات يتصرفون وكأنهم مرضى بدون طحال، والمرضى الذين بدون طحال معرضون لانواع معينة من الالتهابات التي من الممكن ان تشكل خطرا على حياتهم. لذلك، من المهم لهؤلاء المرضى أن يأتوا الى المستشفى في حال ارتفاع درجة حرارة اجسامهم لاعطائهم مضادات حيوية مناسبة للمرضى الذين ليس لديهم طحال".
" هناك علاجات جديدة اليوم التي ليس موجودة في سلة الصحة الاسرائيلية حتى الآن"
وخلص الدكتور نجيب دلة الى القول: "الخيارات الموجودة اليوم ذكرتها كلها، اولا اعطاء سوائل بكميات كبيرة للمريض الذي يرقد في المستشفى، اعطاء المريض علاجا بالمضادات الحيوية اذا كان هناك ارتفاع في درجة الحرارة، لانه لا يوجد لديه طحال عمليا. طبعا هناك علاجات جديدة اليوم التي ليس موجودة في سلة الصحة الاسرائيلية حتى الآن، على سبيل المثال، علاج الذي من الممكن ان يعمل على بي سيليكتين، وهذا العلاج من الممكن ان يخفف العلاقة بين كريات الدم الحمراء ويجعلها لا تلتصق بعضها ببعض او لا تلتصق بجدار الاوعية الدموية، وبهذا يكون سريان الدم بشكل افضل . هناك علاج اخر وهو اعطاء واحد من الحوامض الامينية الذي اثبت ايضا انه يخفف من الازمات ويقلل من كميتها. كما توجد علاجات اخرى تساعد الهيموغلوبين على اعطاء اوكسجين بكمية اكبر وتمنع بلمرة الهيموغلوبين التي تحدث في فقر الدم المنجليّ".
صورة للتوضيح - تصوير: iStock-kuarmungadd