Photo by Daniel Carde/Getty Images
لزوجته "إنه يشعر أن جدران صوامع التخزين السميكة تحميه".
تسترجع ابنته تاتيانا ذكريات أبيها وتقول: "كان يشتغل بالإهراءات (الصوامع) من وقت الحرب وكان يقول لماما: أنا بخاف عليكم أنتم هون (في المنزل)، لا بخشاف على حالي لأنه ما في شيء ولا شظية تقدر تدق بالإهراءات لأنها كتير قوية ما في شيء بيوقعها".
في الرابع من أغسطس 2020، كان غسان يعمل بالصوامع عندما أنهى انفجار كيماوي هائل في الميناء حياته وحياة 215 آخرين على الأقل ودمر جزءا كبيرا من أبراج التخزين الأسطوانية. وبينما يحيي لبنان يوم الأربعاء الذكرى السابعة والأربعين لاندلاع الحرب الأهلية، تحارب ابنة غسان وآخرون من أقارب قتلى الانفجار خطط الحكومة لهدم الصوامع التي انهار قطاع كبير منها.
يقول المسؤولون اللبنانيون "إنه ينبغي إزالة الصوامع المنهارة لإفساح المكان لصوامع جديدة". وتكتسب الخطوة المقترحة تأييدا وسط توقعات بحدوث نقص عالمي في الحبوب نتيجة الحرب الروسية في أوكرانيا.
لكن النشطاء والأقارب المكلومين يقولون إن الأعمدة التي تقف كشاهد قبر كبير عند مدخل بيروت الشمالي، يجب أن تبقى كنُصب تذكاري، ولو إلى حين تحقيق العدالة في بلد اعتاد تخطي العنف دون مساءلة.
قالت تاتيانا "نحن بلبنان أصلا تعوّدنا أنه بييجي شيء، ويجلبوا لنا شيء أكبر منه وأقوى منه، وبننسى." وأضافت "هم بيشتغلوا على أنه كل يوم نوعى على مخاوف جديدة.. مع هَمّ جديد، وأنا بقول إنها (الصوامع) يجب أن تظل" حتى يتذكر العابرون أن أشخاصا ماتوا بالمكان.
"الشاهد الحي على إجرامهم"
واجه التحقيق في انفجار المرفأ، وهو أحد أكبر الانفجارات غير النووية المسجلة على الإطلاق، معارضة من نظام سياسي تأسست قواعده في نهاية الحرب الأهلية التي دارت من 1975 إلى 1990، عندما صدر عفو عن أمراء حرب حصلوا على مقاعد حكومية.
خلّفت الحرب حوالي مئة ألف قتيل، ولا يزال 17 ألفا في عداد المفقودين. ومع هذا ظلت خارج المناهج الدراسية وأعيد بناء المناطق الأكثر تضررا في بيروت دون أي نُصُب تذكاري عام. ويقول المؤرخون "إن ذلك أدى إلى فقدان ذاكرة جماعي ونسيان تفاصيل الحرب، وهو ما تسعى عائلات ضحايا الانفجار لتجنبه".
قالت ريما زاهد التي توفي شقيقها أمين في الانفجار: "الحرب الأهلية عشناها كلنا. عشنا طفولة الحرب الأهلية وكلنا نتذكر الصواريخ اللي كانت فوق رؤوسنا. الشعب اللبناني نساها لأنها انمحت، لأنهم ببساطة رمموا كل شيء". وتساعد ريما من حينها في تنظيم احتجاجات لدعم التحقيق وللحفاظ على الصوامع، وقالت لرويترز: "نحن هلأ بحاجة إلى الإهراءات لأنها الشاهد الحي على إجرامهم". أما الحكومة اللبنانية فتقول إن لديها أولويات أخرى.
"قلب بارد وعقل بارد"
من جانبه، قال وزير الثقافة محمد مرتضى لرويترز: "إن مجلس الوزراء قرر هدم الصوامع وإعادة بناء صوامع جديدة بناء على "تقييم اقتصادي بحت" لاحتياجات الأمن الغذائي في لبنان".
يقول المسؤولون "إن لبنان بحاجة لسعة تخزين إضافية لمواجهة النقص العالمي في الحبوب نتيجة الحرب الروسية في أوكرانيا التي يستورد منها لبنان معظم احتياجاته من القمح".
واضاف مرتضى: "هذا المبنى غير قابل للترميم ليرجع مبنى إهراءات لأسباب فنية وصحية، وبالتالي بدنا نهدّه لنعمل مبنى محله للإهراءات".
في حين وضع الوزير الصوامع على قائمة المباني التراثية، أشار إلى "أنه يمكن رفع وضع الحماية إذا تم العثور على بديل". وصرح ان "ما يُرضي أهالي الضحايا أو لا يُرضي أهالي الضحايا، على أهميته، ليس مطلوبا من وزير الثقافة. المطلوب من وزير الثقافة أن يقاربها بمهنية وموضوعية وبقلب بارد وعقل بارد. هل هناك شيء مرتبط بالتاريخ أو لا؟".
"ان خطوة تدمير الصوامع ترقى إلى محو مسرح جريمة"
بدورها، قالت الناشطة سهى منيمنة، وهي عضو في لجنة تضم أهالي ضحايا الانفجار ومهندسي: " إن خطوة تدمير الصوامع ترقى إلى "محو مسرح جريمة". وكلّفت نقابة المهندسين التي تنتمي إليها لجنة بكتابة تقرير عن الصوامع لدراسة جدوى تجديدها. واضافت سهى "إنه يجب تدعيم الصوامع حتى نظل محافظين على ذاكرتنا الجماعية كي لا يتكرر هذا الموضوع".
اما بالنسبة لتاتيانا حصروتي، توقظ الصوامع ذكريات مؤلمة، لكنها رغم مرارتها رمز للقوة، حيث قالت "أنا برأيي هلأ من بعد وفاة بابا هناك إن الإهراءات - اللي بعضها واقف وبعضها واقع- بترمز لعيلتنا.. أنه كيف نحن برغم كل شيء صار معنا وكل الحزن اللي عشناه، بنظل عيلتنا واقفة صامدة، مثل أنه ما بيهزها شيء".