يوسف ابو جعفر - صورة شخصية

وأخر من الدعوة إلى ضبط هدوء النفس والعودة للحياة الطبيعية ، فكل شيءٍ على ما يرام.
عندما يغيب القمر ينشغل أحدهم بالبحث عنه في الصحراء وأخر في قمم الجبال وبعضهم بقرب البحر، ولا أحد يبحث عنه في السماء.
عندما يغيب القمر تخرج في الليالي المعتمة الريح الشريرة، لا تخاف عواء الذئاب ولا حراس الأمن، ولا حتى هيبة القبيلة، تنطلق تزمجر  كأن الدنيا فراغ، فحينًا تطلق الرصاص، وحينًا تبحث عن طريدة، وحين تدعي أن القسمة غير منصفة في زمن يقرر فيه الظالم حجم الغنيمة ويهرب المسكين من أزيز الرصاص خوفًا وربما من قلة الحيلة.
عندما يغيب القمر يصبح الزمن ردئيًا ويتسلل اليأس كاللص إلى أطراف القيم فيهدمها حجرًا حجرًا دون خوف فخفافيش الليل تحرس القبيلة.
آهٍ يا وجع الفؤاد كيف أصبحت للخفافيش قبيلة، وربما سيدٌ يأمر فيطاع، يعطي الأمن أو يشن حربًا ليحيا مجد الخفاش في النهار قبل طلوع الشمس ففي ضوء الشمس تهرب إلى جحورها المظلمة، وكهوف الجهل المقيته.

عندما يغيب القمر، يختلط الحابل بالنابل، فيتساوى القبح والجمال، والسارق والنبيل، والجبان والشجاع، من قال غير ذلك لا بدَّ مكروه  ويجب إخراجه من بيننا، لأن تلك قيَّمٌ بالية قديمه.
عندما يغيب القمر، يصبح قانون الغاب ليلًا سيد الموقف، وقرامطة العصر الحديث يوجهون دفة السفينة، بلا مرساة تبحر كيفما شاء رُبانها، لا تخشى شيخًا ولا قانونًا ولا دولة بأكملها، فقط تبحر تقذف الحمم، تكتب أن القمر لن يعود، أُخرج في إجازه طويله.
عندما يغيب القمر، يسود الظلم والكذب ويصبح الجبان سيدًا ردئيًا يُقسم الناس فصائل، هذا خيرٌ من هذا، وأنت تُطعم وعلى الجوع ينام الشريف  لا تأويه المدينة.

عندما يغيب القمر، يرحل العقلاء خوفًا على عقولهم، ويهرب العدل حتى لا يُتهم في حكمه، وفقط  الليل يستمر في طويلًا على البيوت العتيقة .
عندما يغيب القمر لا تسمع إلا أزيزًا يعلن أن قانونا واحدًا ساري المفعول، فوهة البندقية ، وحبذا لو كانت مأجورة  فستسجل القضية ضد مجهول معروف الهوية.
عندما يغيب القمر، لا بُدَّ من ثورة على خفافيش الليل، على قانون الغاب، على كل المفاهيم التي تجذر الظلم والتقسيم حتى لا نصحو يومًا وقد صادر الحاكم الظالم القمر، ووضعه في أقبية الموت الرهيبة .
لا بُدَّ من ثورة على كل المفاهيم التي عَمقت الجهل، فلا يكفي الدعاء والشجب، لا بُدَّ من عمل، أما آن للعدل أن يخرج مناديًا أعيدوا القمر حتى ولو لليلة وحيدة .

ليت لنا قمرًا أخر لنستبدل هذا الذي غاب، ليتنا نستطيع منع الشمس من الغياب، ليتنا ندرك أن بين الزرع والخراب، يوم خمسينيٌ وضباب، وريح تزمجر فتقتلع الأمل وتحطم أركان العدل لتهوي من علٍ نحو هاوية من الغضب لا يتبعها سوى قولٌ بلا أفعال.

ليتنا ندرك أن قلوبنا قد أظلمت، آه يا وجع الليل الطويل متى ستنتهي؟ فقد طالت الظلمة في زمن الرداءة  وأصبحت تُكتب على أقواس المدائن وأبواب القلاع الحصينة.
وحتى نلتقي، يا قمرًا غاب، قد تأتي بعد عام أو أكثر، وقد يتأخر بزوغك، فيبدو أنك مرهون بقلوب غطت في عميق نوم وسبات، ولكني أرجوك، لا تحزن ولا تبكي فدموعنا صودرت  يوم قالوا أنك مكبلٌ بالأصفاد الغليظة.