logo

أمنون شْموش - حلبي أصيل | بقلم: نمر نمر

17-03-2022 12:39:50 اخر تحديث: 18-10-2022 08:41:57

أمنون شموش حلبي أصيل المولد والنّشأة، يهودي المذهب، وُلِد عام 1929، قدم إلى البلاد صبيّاً يافعاً، وفي جعبته الكثير من الذّكريات الطّيّبة والحضارة العربيّة الإنسانيّة.

 
أمنون شْموش  - الصورة وصلت لموقع بانيت من كاتب المقال نمر نمر


لم يتنكّر لأصله وفصله، " محلوب في عينو " ، لسان حاله يقول: " نحنا حلبيّة، ناس ملاح، شبعانين في بلدنا، رغم وجود بعض الشّوائب بين فترة وأخرى، الحلبي جوابو بِثِمّمو، والشّامي تَيِسْأل إمّو! "، أي أنّ الحلبيّة يتباهَون على الشّوام بالأصالة والعراقة والمعرفة ويضيف أمنون: " البعض كانوا يدّعون الانتماء لِحَلَبَ! فنسألهم: أنتَ حلبي تمام وَلاّ بالأوهام! ".

أمنون فلاّح، راعٍ، مُرَبٍّ، كاتب، شاعر، محاضر، جوّال، سموح، خلوق، موهوب وصاحب قلم معطاء وضع أكثر من ثلاثين كتاباً في مجالات: الرّواية، القّصّة، الشّعر والدّراسة، السّيرة الذّاتيّة له ولقرينته حانا التي توفيت بمرض الزّهايمر عام 2016، كلّفني عام 1986 بترجمة روايته: ميشيل عزرا سفرا وأبناؤه، وفي أمسيات أدبيّة في القاهرة والإسكندريّة، دعا إليها المركز الأكاديمي الإسرائيلي في القاهرة، قدّم أمنون عدّة محاضرات في لقاءات أدبيّة مع كبار الكتّاب والأدباء هناك، ومن بينهم الرّوائي الكبير: نجيب محفوظ، تحدّث فيها أمنون عن روايته وسيرته الذّاتيّة، وعن التّرجمة العربيّة، وقال أمنون بعد قراءة روايتي هناك، أشار الكتّاب إلى سلاسة التّرجمة، وَحُسْن السّبك والتّعبير، وقد أكّد له بعضهم، حسِبنا انّ النّصَّ كُتِب بالعربيّة أصلاً !،وإذا بالمُترجم هو نمر نمر والمُراجع د، محمود عبّاسي!
• نموذجان من شِعره المُترجَم، قال في رثاء أخيه توفيق/ طوبيا، رئيس تحرير مجلّة صدى التّربية حتى عام 1982 :
أخٌ كبيرٌ، قامتُه قصيرة، روحه طويلة، مدّهما بين اللغتَين، حتى نهاية حدود القُدرة، وما يتعدّى قدرة الحدود، على ضفّة النّهر، الجاري من اليمين إلى اليسار، جلستْ أختان ساخطتان، ظهراهما متلاصقان، في الغسيل غارقتان، أولادٌ حمقى، يرمون حصىً إلى الماء، وسبعون حكيماً يتداولون، وليس باستطاعتهم...

 وفي قصيدة له عن الألفيّة الثالثة كتب عام 2015:
أثْرِيَتِ اللغةُ العبريّة بمصطلحات كَ: تنفّس استقلالي، فشل طلائعي، تَعَذُّرِ الإغتصاب، وزير بلا وزارة، مكانة غريبة مٌريبة، المِصَحُ يُسمّى ( تصيمر)، بيت العجزة قلعة، وبيت الدّعارة حكومة، الحمقى يقودون دولتَنا ودوَلاً أخرى، من إيران إلى كوريا، ومن الهند إلى بوش، يُقتَلُ الملايين في الحروب، ويموتون جوعاً ومرضاً، رئيسا لكنيست والوكالة اليهوديّة، يقترحان علينا التّزوّد بتأشيرات أجنبية، فارسيّة أو ألمانيّة، سودانيّة أو يمنيّة، الشّاعر يكتب: لن يظهر المسيح، والمسيح لا يراسلنا كذلك، في هذا القرن قرن حفيدي، أودُّ الشّعورَ بأنّني في البيت !، جَدُّكَ !
نشر أمنون الكثير من المقالات السّياسيّة في صحف : هآرتص، يديعوت أحرونوت ومعريب، إنتقد حكومات إسرائيل، طلب منّي ترجمتها للعربيّة، ومن بينها:
أمثال حلبيّة 1 /4 /1988 مأساتنا 22 /7 /2010 دعوة للتمرّد المدني 29 /7/ 2010 جَمالُ الكذب والصّحوة / الاتّحاد 22 /12/2010 ،لا تتسرّعوا في رثاء الرئيس الأسد 29/12/2011 ، حمقى أورشليم 8 /8 /2013 ، ما أُصَدِّقُ الرّئيس الأسد 16 /9 /2013 ، إقرأوا القرآن وغيرها. 
تعرّفتُ عليه شخصيًّاً بواسطة شقيقه الكاتب توفيق / طوبيا شموش، رئيس تحرير مجلّة صدى التّربية / لسان حال نقابة المعلّمين في الوسط العربي، تبادلنا الزّيارات العائليّه، وكان بيننا الكثير من الخبز والملح والقهوة والتّرجمة والهموم المشتركة، شاركنا معاً في الكثير من اللقاءات الأدبيّة المشتركة بين اليهود والعرب، بدءً من كلّيّة تِلْ حاي / وهذا تعريب للاسم العربي: طلحة بن الزّبَير، أحد الصّحابة الكبار، المُلقّب بعمود السّماء لكثرة كَرَمه، وانتهاءً بمدينة العلوم رحوبوت / زرنوقة / المغار السّاحليّة.

وعودة للأمثال الحلبيّة التي تُدكّرنا بالقدود الحلبيّة والمرحوم صباح فخري، جاء في أمثال أمنون العربيّة والمكتوبة بحروف عبريّة:
إذا كان صاحْبَك عسل ما تلحسو كلّو، كُل ديك عا مزبلتو صيّاح، إلّلي بْيِتْكِلْ عاجارو بينام جوعان، الدّبّ / القرد في عين إمّو غزال، ما بتعرف خيري حتى تعاشر/ تجرّب غيري، إيش في أحلى من الحلاوة! الصّلحة بعد العداوة، على قدّ فراشك مِدّ إجْريك، إذا كان إلَكْ غَرَض عند الكلب قلّو يا سيدي، الحمار بيرتبط برسنو والانسان بلسانو، إلّلي بيدق الباب بيسمع الجواب، وتطول قائمة الأمثال الحلبيّة العربيّة عند أمنون شموش.

قبل شهر احتفل بعيد ميلاده الثالث والتّسعين مع أسرته وأصدقائه المحلّيّين، مع وعيه التّام، رغم الإعاقة البصريّة التي عانى منها، هاتفته مهنّئاً، تجاذبنا أطراف الحديث الأدبي والسّياسي بِجَوٍّ حضاري وأخوي، قال لي بلطافته المعهودة وصراحته الموثوقة: نفسي أزور مسقط رأسي حلب، لأعود إلى مرتع طفولتي، وأضاف قائلاً نفسي تشتهي أكلة حلوى القطايف كذلك، قبل أن أغمض عينَيَّ! فوعدتُه بالثّانية التي أقدر عليها وبمتناول اليد، لكن سرعان ما اختطفه الموت دون أن يُحقّق الرّغبتَين! وكأنّ في نفسه شيء من حتى! التي حتحتت قلبه، وراح فيها!
ظلّ أمنون وفيّاً أصيلاً لوطنه الأوّل، سبح ضد التّيّار الأهوج، لم تُغْرِهِ الدّعايات السّافرة ودموع التّماسيح، وهذا يعيدني إلى مرثيّة للشاعر العبري الكبير: حاييم نحمان بياليك، حيث قال: لي دمعةٌ وفيّة / في أعماق قلبيي مَلْقِيّة / وعلى حافّة نفسي مَخْفِيّة/ وحين أجوع سَخِيّة. طيّب الله ثراكَ أمنون، وكثّر الله من أمثالك في المجتمع العبري.

(ألْقِيَتْ هذه الكلمة بالعبريّة، في موقف تشييع جثمان الرّاحل في القرية التّعاونيّة: معيان بروخ / الحولة 2 /3 /2022 واستقبلها الجمهور برحابة صدر وإطراء على الجرأة الأدبيّة.)