المرحومة المربية هيام عواد - صور من الكاتب
وكنت أتسقّط أخبار مرضها وأطمئن على صحتها، ونعود نحن البشر إلى حياتنا السريعة والداهمة، بينما الموت يترصّد الأعزّاء ويساعده المرض الخبيث على اقتناص الجياد من البشر.
رحلت هذا الأسبوع عن عالمنا، المربية هيام فرح عواد – أبو شقارة عن عمر 53 عاما، بعدما هاجمها مرض خبيث ما زال يعمل في أحبائنا موتا وفراقا، توفيت في قرية المغار التي انتقلت إليها قبل سنوات عديدة مع زوجها آملة في بداية جديدة من حياتها، لكن الموت عاجلها ولم يترك لها مجالا لتسعد في حياتها أكثر. وكنت قد عرفت الزميلة هيام حينما التحقت إلى المدرسة الإعدادية التي كنت أعمل فيها في شفاعمرو، وقد جاءتنا من القرية الجارة عبلين، وسرعان ما نشأت بيننا علاقة زمالة فصداقة جمعتنا في العمل، عمادها الاحترام المتبادل والتعاون المتبادل.
انضمت الزميلة هيام إلى طاقم مدرسي اللغة العربية وكنت أحد أعضائه وفي بعض الحالات مركزا له في حالات أخرى، ثم انضمت إلى جانبي في تركيز فعاليات التربية الاجتماعية، فتشاركنا المهام والعمل والبذل، وكانت لنا جلسات من البحث والتخطيط، وقد لمست منذ البدايات مدى استعدادها للعطاء والرؤية السليمة التي تتمتع بها والتطلعات نحو تطوير الأدوات والآليات في عملنا. ولا زلت أذكر تلك التحولات التي قمنا بها في زرع قيم الديمقراطية في أذهان طلابنا وأبرزها اجراء انتخابات ديمقراطية لمجلس طلاب المدرسة، شكلت درسا ونموذجا للديمقراطية الحقة وليس المزيفة والمقنعة بألف قناع، ابتداء من عملية الترشيح إلى الدعاية إلى تشكيل هيئات انتخابية ومراقبة إلى مرافقة العمل حتى نشر النتائج وكم كانت سعادتنا كبيرة في نجاح التجربة رغم المشاق والجهد. وتوالت أعمالنا ونشاطاتنا التربوية اللامنهجية بمشاركة الطلاب ودعم إدارة المدرسة. وختمنا تلك الأعمال بإصدار مجلة للمدرسة باسم "مواسم" على مستوى راق وجميل.
وبعد استقالتي من جهاز التعليم، لم أقطع العلاقة بمدرستي وزملائي وواصلت التردد على المدرسة، واستمر تعاوني مع الزميلة هيام في فعاليات التربية الاجتماعية، ولم أعلم إلا بعد مدة، أنها كانت تستعدّ وتخطط لتنظيم احتفال تكريم لي بمناسبة استقالتي من العمل (الخروج للتقاعد كما يسمى تجاوزا وتقليدا)، وقامت بالاتصال بزوجتي لتزويدها بصور ومعلومات عني، لكن الحفل لم يخرج للنور لأسباب لا تتعلق بها. كما استمرت علاقة الزمالة والصداقة بيننا، واستمر التعاون وتقديم المساعدة والخدمة رغم انهائي العمل رسميا، وفوجئت في ختام أحد الاحتفالات المدرسية بالزميلة هيام تنادي عليّ لتقديم هدية رمزية لي لمساهمتي في تنظيم أسبوع اللغة العربية، حيث شاركت فعلا بالاعداد والتخطيط لبرامج الأسبوع، بناء على توجه الزميلة هيام التي أوكلت لي العديد من المهام ووافقت على جميع اقتراحاتي. كما حرصت المربية هيام على أن أشارك ككاتب ومحاضر، في فعاليات تتعلق بأسبوع اللغة العربية في المدرسة.
عند سماعي لخبر وفاتها، قمت بمراجعة مجلة "مواسم" المدرسية، ووقفت ع
لى الفعاليات الجمة والغنية التي نظمناها معا، وفي الكلمة الختامية للمجلة بضع عبارات كتبناها معا جاء فيها "ها قد وصلنا لنهاية الشوط. ونضع بين أيديكم ملخصا لما زرعناه وحصدناه خلال هذا الموسم العامر والحافل بالعمل والنشاط، بهمة الطلاب أولا وثم المعلمين وخاصة إدارة المدرسة والمركزين ودعم الأهل". ولمّا قرأت تلك الكلمات من جديد سرت قشعريرة في أوصالي وتساءلت: ألم تسرع زميلتي هيام في الوصول إلى نهاية الشوط ولما ينته بعد؟ لقد تركت لنا ملخصا لما زرعته خلال عملها، لكنها لم تنتظر موسم الحصاد. إنها أخذت الذكريات بأزمَلَتِها ورحلت، فإلى جنان الخلد ولتبقَ ذكراها خالدة.
• أخذَهُ بأزمَلَتِهِ: أخذه بأجمعه .