صور من الكاتب
القوة الجوية, فكان البعث الرياضي والثورة والجمهورية والقادسية, وكلها حكومية يجمعها الترويج للطاغية والتعبئة للحرب, وتفترق في طريقة تناولها لموضيع الثقافة والرياضة والترفيه, وكنت اجد مساحة اوسع في جريدة الجمهورية, حتى في نوع ورق الطباعة, وكانت فسحة للخروج من سجن العراق الكبير, حيث نتصفح اخبار الفن والفنانين مع صور حديثة, وكانت الصفحة الاخيرة في جريدة الجمهورية من اروع ما يمكن تصفحه.
ويمكن القول ان جريدة الجمهورية هي صحيفة سياسية ثقافية جامعة, ويعود تأسيسها الى17/تموز/1958, في ايام الزعيم عبد الكريم قاسم مؤسس الجمهورية العراقية, فكانت معبرة عن التغيير الجديد في العراق, وتوقفت عن الصدور بقرار من سلطة الاحتلال الامريكي للعراق, بعد الغاءها وزارة الاعلام في نيسان 2003, اي ان عمرها 45 عاما, فمن الظلم ان تتوقف بعد هذا العمر الطويل, وكان يجب ان تستمر فهي للعراق وليست لشخص.
وكانت جريدة الجمهورية أو كما تسمى في عقد السبعينات بدار الجماهير للصحافة, تيمناً بالعهد الجمهوري الذي شهد تحولات مهمة للعراقيين, وكانت دار الجماهير للصحافة تضم بالاضافة الى جريدة الجمهورية: مجلة الف باء, وصحيفة بغداد اوبزرفر باللغة الانكليزية, والعراق باللغة الفرنسية, ومطبوعات صحفية أخرى.
كانت الجريدة تضم خيرة المبدعين وكبار العاملين في الحقل الصحفي والاعلامي, من ادباء وكتاب واعلاميين ومن مختلف المبدعين في مجالات الثقافة والفن والآداب، وكانت فيها من الاسماء اللامعة ما يشكل مفخرة لمن يريد ان يتعرف على كل تلك الشخصيات, التي تركت أثرا كبيرا في مسيرة الصحافة والثقافة والادب والفنون، نحتاج ربما الى مجلدات لسرد ذلك الجيل الذي كان كله يمتلك من المواهب والاختصاصات ما يجعلك تشعر بالفخر والاعتزاز.
الجمهورية... جمهوريتان
نشرت صحيفة ايلاف في السادس من كانون الاول/2013 موضوعا بعنوان (محرّروها يسردون ذكريات جميلة, الجمهورية... صحيفة عراقية حجبها الإحتلال وأحيا ذكراها صحافيوها) ومنه: "سرد الصحافي مصطفى كامل تاريخ الجريدة والتغيرات التي طرأت عليها، وقال: هناك (جمهوريتان)، الاولى صدرت عام 1958 وكان يرأس تحريرها عبدالسلام عارف ومدير تحريرها سعدون حمادي وتوقفت عن الصدور بقرار من وزارة الارشاد آنذاك، بعد اعتقال عارف في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1958.
اما الجمهورية الثانية فقد صدرت بعد 8 شباط/ فبراير 1963 باسم (الجماهير) وكان يشرف عليها طارق عزيز (وزير الخارجية الاسبق) وقد توقفت عن الصدور بعد احداث 13 - 18 تشرين الثاني/ نوفمبر 1963 لتصدر بعدها الجمهورية، بصورتها النهائية في 4 كانون الاول/ ديسمبر 1963 وهذا التاريخ اعتمد لاحقا يوما لتأسيسها، وهو ما بقي عليه الحال في عهد انقلاب تموز 1968، حيث تولى رئاسة تحريرها سعد قاسم حمودي من شهر تموز عام 1968 وبقي فيها حتى العام 1977 حينما غادرها وزيراً للإعلام.
تقاليد جميلة لصحيفة الجمهورية
كان لصحيفة الجمهورية تقاليد جميلة, انه في بداية تعيين المتدرب او المتمرن كان يمنع عليه ممارسة مهمة مندوب او كاتب, الا بعد قضائه في العمل ستة اشهر على الاقل, حيث عليه ان يتنقل ما بين قسم الانصات, ثم قسم مندوبي مكاتب المحافظات, ثم التصحيح والاخراج الفني, وكانت الغاية من ذلك صقل موهبتة وزيادة خبراته، ثم تأتي مرحلة التمرين في قسم المحليات, حيث يخرج المتدرب كل اسبوع مع مندوب مختلف, ويبقى بعدها يكتب من دون نشر اسمه على الخبر, لحين كتابته خبرا رصينا بدون اخطاء وبدون تعديل.
اهم الاسماء التي عملت بها
وكان من اهم الاسماء التي عملت في الصحيفة في قسم الاخبار من قبيل حسن السعدي ومظهر عارف, والاستاذ هاشم النعيمي الذي يعد في زمانه موسوعة اعلامية اخبارية، ونصير النهر وهو الشخصية الاكثر الماما بصناعة الخبر والتقرير الصحفي وصياغتهما, وزهير العامري ومنذر آل جعفر, وسلام كاظم وضرغام هاشم وفؤاد العبودي ومكي الربيعي وحسن كامل وغالب زنجيل وحسين فوزي, وفي قسم الاخبار المحلية عدنان العامري وعادل العرداوي وعبد الحسين عبد الرضا وراوية هاشم.
أما من بين الاساتذة في القسم السياسي المختص بالمقالات فكان فرات الجواهري الذي كان علما من اعلام الصحافة، وعبد الرحيم الشريفي, وفي قسم التصحيح والتدقيق اللغوي منهم فاضل العاني وسهام القيسي وزيد الحديثي, وكان ماجد السامرائي يشرف على صفحات الثقافة, والمرحوم شهاب التميمي على ارشيف الجريدة والتحقيقات, وكانت صفحة الجمهورية والناس بأشراف يحيى الدباغ.
فكرة ومناشدة
هذا الارث الكبير يجب ان لا يتم الغاءه بأمر امريكي, بل يجب اعادة الروح له, فتعود جريدة الجمهورية كما كانت معبرة عن المجتمع العراقي والجمهورية العراقية, علينا كعراقيين ان نفهم قيمة الزمن والارث, ولا نختزل كل شيء بالطاغية صدام, وهنا اطرح واطالب بهذه الافكار:
1- ان لا يختزل الصوت الحكومي بجريدة الصباح, بل يكون صوت اخر ومختلف وهو اعادة الروح لجريدة الجمهورية, لخلق جو تنافسي ليرتفع حجم الابداع الصحفي, ونحافظ على ارثنا الكبير.
2- ان يتم الاستعانة بمن بقي من كادرها, مع اهمية الحداثة مثلا ان يشارك فيها خبرات عربية من مصر ولبنان.
3- ان تكون بسعر اقل من الصباح مثلا (250 دينار) لتكون بيد كل عراقي.
4- ان يكون لها موقع الكتروني, وتصدر ايضا الكترونيا لتتوسع دائرة انتشارها.
5- ان يتم ارشفة كل الاعداد الصادرة من جريدة الجمهورية بصيغة pdf ضمن نفس الموقع الالكتروني للصحيفة, ليستفيد الباحثون وعاشقون التاريخ والصحافة, وكي نحافظ على الارث الصحفي الكبير.