حقوق الإنسان والمقايضة السياسيّة | بقلم: المحامي زكي كمال
من البدَيهيّ أن يؤمن كثيرون أن المواقف المبدئيّة والأيديولوجيات الواضحة والمواثيق الدولية التي يتردّد اسمها وذكرها كثيرًا، ومنها ميثاق أو معاهدات نزع الأسلحة النوويّة،
المحامي زكي كمال
أو المواثيق المتعلّقة بالبيئة، أو بشكل خاصّ الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان منذ العام 1948، هي تلك التي تحكم العلاقات الدوليّة، أو العلاقات داخل الدول.
لكنّ الحقيقة على أرض الواقع تختلف، وللأسف كثيرًا، فحقوق الإنسان في عالمنا الحاليّ ليست مضمونة، بل ليست مفهومة ضمنًا. والدفاع عنها من جهة، أو تجاهل المسّ بها من جهة أخرى، حتى لو كان فظًّا وخطيرًا، مرهون بمتغيرات وعوامل سببها الأول نظريّة القوة التي تسيطر على العلاقات الدوليّة في معظم الأحيان إن لم يكن كلّها. وهي بذلك تشكِّل الأساس المتين والأول للمصالح المشتركة والاحترام المتبادل بين الدول. أما "حقوق الإنسان" في نظام عالمنا الحاليّ، ورغم الحديث الدائم عن مركزيّتها في علاقات الدول واهتماماتها، فإنها تبقى رهنا لظروف سياسيّة، أو أنها كما قال محلّلون، تُعاني " مشروطيّة سياسيّة ".
لذلك، نراها تتفاوت وتتأرجح، بل تعلو وتهبط قيمتها، ونرى مدى إصرار العالم على تنفيذها وضمانها والدفاع عنها، حتى يمكن القول إن الاهتمام بها يتناسب عكسيًّا، مع ما تملكه "الدولة" من عناصر القوة الشاملة؛ العسكريّة والاقتصاديّة والسياسيّة والتكنولوجيّة، أي من الوزن النوعيّ. وهو وزن يتغيّر بتغيّر الظروف والمصالح والتحالفات الدوليّة، ما يعني أن ورقة، أو ذريعة أو حجّة "حقوق الإنسان" ستظلّ إحدى الأدوات الفاعلة في العلاقات الدوليّة المعاصرة، يغذّيها أو يخفيها أحيانًا التغنّي بديمقراطيّة الحكم، وكلّنا نشاهد ما يجري في الولايات المتحدة مؤخّرّا من انتهاكات لقيم ومبادئ الديمقراطيّة التي طالما اعتبرتها واشنطن جزءًا لا يتجزّأ من الحياة الأمريكيّة ، لكنّها في الحقيقة اتخذت منها وسيلة لتنفيذ أجندة مصالحها على الساحة الدوليّة، وأولها البقاء في زعامة النظام العالميّ عبر إجادة استخدام "حقوق الإنسان"، لتحريك غيرها إلى حيث مصالحها، أو إبقائه في صفّها.
" تغيير من النقيض إلى النقيض"
أقول ما سبق، ويحضرني، أول ما يحضر، الحديث عن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، ، وزيارته للسعوديّة، والتي سبقها ورافقها معلومات مؤكّدة تشير إلى أن الإدارة الأمريكيّة الحاليّة ( وهي التي لم يترك رئيسها مناسبة خلال حملته الانتخابيّة، وبعدها خلال الأشهر الأولى من حكمه، إلا وهاجم إدارة ترامب، وكذلك ولي العهد السعوديّ على خلفيّة اغتيال الصحفيّ جمال خاشقجي )، تنظر بإيجاب وتفهّم إلى إمكانيّة منح ولي العهد السعوديّ محمد بن سلمان، حصانة سياديّة في القضية المدنيّة المرفوعة ضدّه في الولايات المتحدة، والتي تتعلق بمقتل الصحفي السعوديّ جمال خاشقجي الذي قتل في قنصليّة بلاده في إسطنبول عام 2018، وهو ما جاء في رسالة القاضي جون بيتس، قاضي محكمة في العاصمة الأمريكية واشنطن، الذي منح الحكومة، مهلة حتى الأول من آب 2022 لإعلان " مصالحها " في القضيّة المدنيّة التي رفعتها خديجة جنكيز، خطيبة خاشقجي، أو إعطاء المحكمة إشعارًا بأنه ليس لديها رأي في هذه المسألة، مشيرًا إلى أن وجهة نظر الإدارة الأمريكيّة ، قد تكون ضمن أسباب رفض الدعوى مضيفًا أن " قرار المحكمة قد يكون مدعومًا بمعرفة وجهة نظر الحكومة الأمريكيّة "، وبكلمات أخرى فإن المحكمة تريد من الإدارة الأمريكيّة أن تبلغها ما إذا كان منح محمد بن سلمان الحصانة السياديّة يخدم مصالح الولايات المتحدة الدولة العسكريّة والسياسيّة والاقتصاديّة، أم لا، وليس ما إذا كان الأمر هامًّا للحفاظ على حقوق الإنسان، أو حياة البشر، والتي يضمنها إعلان حقوق الانسان الذي صدر في باريس، وتحت رعاية الأمم المتحدة التي تتخذ من نيويورك (عاصمة أمريكا التجاريّة) مقرًّا لها، ويضمن لكلّ إنسان حقّ التمتع بجميع الحقوق والحريّات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أيّ نوع، ولا سيّما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسيًّا وغير سياسيّ، أو الأصل الوطنيّ أو الاجتماعيّ، أو الثروة، أو المولد، أو أيّ وضع آخر، ويمنع التمييز في الدفاع عنها على أساس الوضع السياسيّ، أو القانونيّ، أو الدوليّ للبلد، أو الإقليم الذي ينتمي إليه الشخص، سواء أكان مستقلًّا أو موضوعًا تحت الوصاية، أو غير متمتّع بالحكم الذاتيّ، أم خاضعًا لأيّ قيد آخر على سيادته. ورغم ذلك فإن موقف إدارة بايدن من حقوق الإنسان ومحمد بن سلمان تغير من النقيض إلى النقيض ، من مطالبة بجعل السعودية دولة منبوذة بسبب اغتيال جمال خاشقجي، إلى دولة يسعى بايدن إلى خطب ودّها، ويميل إليها ويلتقي قادتها، ويعتبرها محطة مشروعة جدًّا ضمن زيارته للشرق الأوسط. وليس ذلك فحسب، بل إنها محطّة يتشرّف فيها بلقاء زعماء دول الخليج والعراق ومصر والأردن، وربما دول أخرى سرًّا أو علانيّة، وخاصّة سرًّا، وربما سيتمّ الكشف عن مشاركتها لاحقًا تمامًا كما كان في حالة اللقاء المباشر في شرم الشيخ، بين رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلّي الجنرال أفيف كوخافي ونظيره السعوديّ الجنرال فياض بن حامد الرويلي .
" دول تدفع فاتورة حقوق الانسان "
ليس ذلك فقط، فإن تصرف الإدارة الأمريكيّة هذا يعني أن العالم اليوم يفرض على الضعفاء من القادة وعلى الدول الضعيفة صيانة حقوق الإنسان، ويحاسبها إذا لم تفعل ذلك، لكنّه " يتنازل طوعًا" عن دوره هذا أمام الدول القوية ، ما يؤكّد العلاقة العكسيّة بين "قوة الدولة ووزنها النوعيّ" وبين مدى استعداد العالم للدفاع عن حقوق الإنسان فيها. وهذا ينعكس في أمثلة عديدة تؤكّد أن الدول والكيانات الضعيفة، أو المنبوذة هي تلك التي تدفع فاتورة حقوق الإنسان في عالمنا، والدليل على ذلك هو ما حدث في سوريا فقد توالت الدعوات لمحاكمة الرئيس بشار الأسد، ووصفته وسائل الإعلام والقيادات الدوليّة أنه مجرم حرب، وهذا حين تخيّل البعض من سياسيّين وصحافيين وخبراء عسكريّين أن المعارضة السوريّة التي يتخذ قادتها من فنادق باريس ولندن الفاخرة مقرًّا لنضالهم، سوف تنتصر، ليتغير الأمر مع انقلاب الموقف لصالح النظام، فها هي الدول العربيّة حتى التي دعمت المعارضة تتنازل عن ادعاءاتها ضده بأنه المسؤول عن قتل مئات الآلاف، وعن مذبحة الكيماويّ في الغوطة الشرقيّة والبراميل المتفجّرة، وتسعى بموافقة أمريكيّة وعالميّة إلى إعادة علاقاتها السياسيّة والدبلوماسيّة والاقتصاديّة مع سوريا، بل وإعادة فتح سفاراتها هناك ( الإمارات مثلًا) . وهذا ما حصل في حالة عمليّات الإبادة الجماعيّة في رواندا، وما حدث في مذبحة سرببرينتسيا التي نفّذتها القوات الصربية برئاسة الجنرال سلوفودان ميلوسوفيتش عامي 1994 و1995 على التوالي، وبالمقابل بقيت الصين بمنأى عن " المطالبة بمعاقبتها" بسبب مسّها بحقوق الإنسان خاصّة ضد الأقلية الإيغوريّة المسلمة، والسبب وزنها النوعيّ وقوتها السياسيّة والاقتصاديّة والعسكريّة، وتأثيرها على السياسات العالميّة وغيرها.
هذا بالضبط ما حدث مع روسيا قبل أن تشنّ حربها على أوكرانيا، فحقوق الإنسان فيها لم تكن أمرًا يشغل العالم، أو الولايات المتحدة رغم محاولات أو عمليات الاغتيال التي تنسبها المخابرات الغربيّة إلى روسيا وآخرها محاولة اغتيال المعارض ليكسي نفالني، وقبلها محاولة اغتيال المعارض ألكسندر ليتفننكو عام 2006 وفلاديمير كارامرزا مرتين عام 2015 و 2017، وسيرغي سكريبال في لندن عبر تسميمه، بل إن بوتين كان شخصيّة التقاها الرؤساء في أمريكا وأوروبا وخطبوا ودّها خاصة في قضايا تصدير النفط وزيادة إنتاجه في منظمة أوبك+ وروسيا تقودها مع السعوديّة، لأن روسيا كانت حينها قوية، وكان وزنها النوعي كبيرًا ودورها حاسمًا. ولذلك، كان على حقوق الإنسان أن " تتنحى جانبًا وأن تنتظر الفرج" ليأتيها اليوم بعد أن تورطت روسيا في حرب تنهكها سياسيًّا وعسكريًّا، وتستنزفها اقتصاديًّا على ضوء العقوبات السياسيّة والاقتصاديّة وخاصّة النفطيّة، وكأن حقوق الإنسان أصبحت أمرًا يحقّ للدول القوية أن تطالب به متى شاءت، ووفق مصالحها وواجب على الدول الضعيفة أن تؤديه، أو بكلمات أُخرى أصبح رهنًا بمصالح سياسيّة للدول القويّة.
" مصطلح فضفاض "
وليس ذلك فقط، فحقوق الإنسان والمواقف والمبادئ والأيديولوجيّات لدى بعض الدول هي مصطلح فضفاض، يمكن تحويله في بعض الأحيان إلى شمّاعة تعلّق الدول عليها أسباب خلافها ونزاعها، وتستخدمها دون حقّ مبرّرًا للخلاف وذريعة له، وهذا ما كان في الخلاف الذي دار بين قطر ودول الخليج ومعها مصر؛ إذ وجّهت هذه الدول إلى قطر تهمة دعم المنظمات المسلحة التي تستخدم العنف ضد المواطنين، وتمس بحقوقهم في الحرية والتعبير ومنها حركة الإخوان المسلمين في مصر وابنتها حركة "حماس" في غزة، وحركات أخرى تمسّ بحقوق الإنسان في تلك الدول عبر محاولتها زعزعة الأمن والاستقرار، وتمدّها بالمال والسلاح، ووصل الأمر بهذه الدول حدّ السعي العمليّ والإعلاميّ والمطالبة بمنع قطر من تنظيم المونديال، كأس العالم، عام 2022 واتهامها بدفع الرشاوى والمسّ بحقوق آلاف وعشرات آلاف العمال الأجانب الذين عملوا طيلة سنوات على بناء الملاعب الرياضيّة والمنشآت اللازمة لإجراء المونديال. لكنّ الحال تغير اليوم وعادت العلاقات بقدرة قادر إلى سابق عهدها،، زيارات ولقاءات وعناق وتحيّات وتأكيد على عمق العلاقات الأخويّة التاريخيّة، وتأكيد المصالح المشتركة وأهميّة التعاون البناء بين القيادتين والشعبين، ووسط شعارات تعني من جهة أن تخفف " قناة الجزيرة " من حدّة انتقاداتها لنظام عبد الفتاح السيسيّ، وأن يتنازل المصريّون الذين اضطروا لمغادرة قطر والقطرييّن الذين اضطروا لمغادرة مصر فور إعلان المقاطعة والحصار، وقطع العلاقات عن المطالبة بالتعويضات، وأن تنسى أو تتناسى مصر ما سمّته دعم قطر للمنظّمات الإرهابيّة وحركة الإخوان المسلمين، وأن تصبح حقوق العمال التي انتهكتها قطر خلال أعمال البناء، والتي أودت كما قالت التقارير بحياة مئات، بل لآلاف بني البشر ناهيك عن ظروف عمل تشبه العبودية أو الاستعباد، أمرًا يمكن لمصر الصفح عنه مقابل علاقات تعود لطبيعتها تشمل استثمارات قطريّة كبيرة، وذلك ضمن عودة العلاقات بين قطر ودول الخليج إلى طبيعتها- تمامًا كما كان الخلاف أصلًا بين قطر وجاراتها، لكنّ مصر انضمّت إليه طوعًا- ، ولتصبح الانتقادات القطريّة لمصر، سحابة صيف، وأن يصبح الجهد القطريّ لتنظيم كأس العالم وسط علاقات عادية مع الدول العربيّة كلّها ، الغاية التي تهون في سبيلها كافّة الوسائل.
" تنازل عن حقوق الإنسان"
في السياق نفسه تبدو" المواجهة" الإيرانيّة الأوروبيّة حول حقوق الإنسان خاصّة ما تمّ الكشف عنه مؤخرًا من احتمال عقد صفقة بين بلجيكا وإيران، تشمل عملية استبدال معتقلين، يتمّ خلالها إطلاق سراح معتقلين إيرانيين في بلجيكا تنسب إليهم تهم خطيرة منها ما يتعلق بخروقات خطيرة لحقوق الإنسان تصل حدّ القتل والقمع، أحدهم دبلوماسيّ إيرانيّ حكمت عليه بلجيكا بالسجن لمدة 20 عامًا بعدما أدين في تهم تتعلّق بـ"الإرهاب" على خلفيّة تخطيطه لهجوم قرب باريس عام 2018، مقابل إطلاق سراح بلجيكيّ اعتقلته إيران منذ أربعة أشهر بتهمة "التجسّس"، وذلك عبر معاهدة خاصّة إيرانيّة – بلجيكيّة تنصّ على أنّ "أفضل وسيلة" لتعزيز التعاون الجنائيّ هي عبر السماح للمدانين بأن يواجهوا عقوبتهم في بيئتهم الاجتماعيّة الأصليّة، وبالتالي أن يتم تسليمهم إلى بلادهم في حال صدرت العقوبة بحقّهم في الدولة الأخرى الموقّعة. وتنصّ المادّة 13 من هذه المعاهدة على أنّه "يمكن للأطراف منح العفو للأشخاص المدانين، أو إطلاق سراحهم أو تخفيف العقوبات الصادرة بحقّهم"، وهي معاهدة تشكّل تنازلًا عن حقوق الإنسان من جهة، وعن أيديولوجيّات مكافحة الإرهاب من جهة أخرى، لأهداف سياسيّة، تريدها القيادة الإيرانيّة لتبييض وجهها أمام مواطنيها، وتريده بلجيكا تفاديًا لأيّ مواجهة سياسيّة أو دبلوماسيّة مع إيران.
" تجاهل إعلامي وجماهيري "
يضاف الى ذلك "التجاهل الإعلاميّ والجماهيريّ" الأوروبيّ لاستمرار محاكمة مواطن إيراني يدعى حميد نوري، في السويد تم اعتقاله بعد وصوله مطار أرندا في ستوكهولم حيث كانت الشرطة السويديّة تنتظره لمحاكمته بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وذلك رغم أنه لم يسبق أن قدم شخص للمحاكمة الجنائيّة بتهم الإعدام الجماعيّ وتعذيب السجناء السياسيّين في إيران منذ عام 1988، ولكن ألقي القبض على حميد نوري، ووجهت له تهم تتعلّق بدوره في عمليّات التعذيب، وهو ما ينفيه، علمًا أن هذه الجرائم قد ارتكبت خلال الحرب بين العراق وإيران في ثمانينات القرن الماضي ، مع اقتراب نهاية تلك الحرب، وأن الزعيم الإيرانيّ في ذلك الوقت آية الله خميني أصدر أمرًا بإعدام 5 آلاف سجين سياسيّ، على صلة بتنظيم مجاهدي خلق، وهي منظمة معارضة للنظام الإيرانيّ وعلى صلة بالعراق، علمًا أن نوري كان في ذلك الوقت يعمل في سجن بالقرب من طهران، كما يقول الادعاء. وقد تسبب القضية إحراجًا لرئيس إيران الجديد إبراهيم رئيسي، الذي قالت منظمة العفو الدولية إنه كان عضوًا في "لجان الموت" المسؤولة عمّا توصف بمذبحة عام 1988، وهو ما نفاه حميد نوري، منكرًا المشاركة في إعدامات صيف 1988، والتي كانت في محور نقاشات وقرار المحكمة السويديّة في ستوكهولم، والتي حكمت على حميد نوري في الأسبوع الفائت بالحكم المؤبّد سجنًا بعد قبول المحكمة أمر وجود مقبرة جماعيّة في خاوران في العاصمة الإيرانيّة باعتباره دليلًا على مجزرة ساهم فيها نوري الذي زعم بدوره أن مقبرة خاوران غير موجودة أساسًا، متهمًا المعارضة باختلاقها، مع الإشارة إلى أن اعتقال نوري ومحاكمته من شأنها أن تجعل نشطاء حقوق الإنسان في السويد وأوروبا يشعرون بالراحة، بعد أن نظّموا حملات على مدى فترة طويلة من أجل إقرار العدالة بخصوص الإعدامات، وبينهم إعراج مصداقي، سجين سياسيّ إيراني سابق نجا من أحداث عام 1988، أكد أن حميد نوري شارك في الإعدامات الجماعيّة للسجناء السياسييّن في سجن رجائي شهر (جوهردشت)، وهي تهمة ينفيها نوري جملة وتفصيلا، إذ قال أمام المحاكم إنه كان في سجن إيفين من عام 1982 إلى عام 1993، ولم يكن في سجن جوهردشت. ولكن رغم خطورة التهم التي أُدين بها نوري فإن ما يحدث بين بلجيكا وإيران يثير المخاوف والقلق من احتمال تكراره بين ايران والسويد خاصّة إذا ما أقدمت إيران على اعتقال أي مواطن سويديّ يتواجد فوق أراضيها ووجهت إليه تهمة "بالتجسّس، علمًا أنه من بين المعتقلين في إيران، الأكاديميّ الإيرانيّ - السويدي أحمد رضا جلالي، الذي كان مدرّسًا في جامعة ببروكسل. واتهمته إيران أيضًا بـ"التجسّس" وحكمت عليه بالإعدام، عام 2017 لإدانته بتهمة "التجسّس" لحساب إسرائيل وتوفير معلومات لجهاز استخباراتها (الموساد) عن اثنين من العلماء النوويّين الإيرانيّين، ما أسهم في اغتيالهما بين عامي 2010 و2012. واعتُقل جلالي الذي كان مقيمًا في ستوكهولم، إذ كان يعمل في معهد كارولينسكا للطب، خلال زيارة لإيران في عام 2016. وفي فبراير (شباط) 2018 أثناء احتجازه، منحته السويد الجنسيّة السويديّة، ومثال إضافيّ على ذلك هو اعلان إيران اعتقال دبلوماسيّين بريطانيّين وزوج دبلوماسيّة نمساويّة بتهمة التجسّس، ومحاولة الحصول على معلومات حول نشاطات نوويّة إيرانيّة.
" هدية لإيران"
إزاء ما سبق لا يستبعد خبراء أن تكون هذه الأحداث محاولة أوروبيّة للردّ على موقف إيران من روسيا بما يتعلق بالحرب الأوكرانيّة، التي اعتبرها مسؤول إيراني " هدية من الله لإيران "، وذلك خلال لقاء صحفيّ أجرته معه صحيفة الفايننشال تايمز حول مدى استفادة إيران من الحرب ومساعدة روسيا في الهروب من العقوبات، فقد أشارت فايننشال تايمز في تقرير للكاتبة نجمة بزرجمهر، من طهران إلى سعي رجال الأعمال الروس المتضررين من العقوبات للحصول على نصائح من إيران، وإن خبرة طهران في الوصول إلى الأسواق السوداء في العالم، رغم العقوبات الطويلة المفروضة عليها، مطلوبة حاليًّا لروسيا، لأن الحرب في أوكرانيا تقدّم فوائد غير متوقّعة لإيران، فالارتفاع الكبير في أسعار النفط أدّى إلى مزيد من الدخل للاقتصاد، الذي أصبح معتمدًا على مبيعات النفط الخام إلى الصين والصادرات غير النفطيّة إلى جيرانه، ما يعني أنه بالرغم من تضرّر الاقتصاد الإيرانيّ من العقوبات، وارتفاع معدلات التضخم والفقر على نطاق واسع، فإن قدرة الشركات الإيرانيّة على مواصلة التصدير والاستيراد والتهرّب من العقوبات، ساعدت في تقليل التأثير، وفق تقرير الفايننشال تايمز، فالأمريكيّون والأوروبيّون يركّزون الآن على كيفيّة التعامل مع مشاكلهم الخاصّة المتمثّلة في ارتفاع معدّلات التضخّم وارتفاع أسعار الموادّ الغذائيّة، جراء الحرب الأوكرانيّة، وبالتالي يمكن للعقوبات الاقتصاديّة المفروضة على طهران، والتي اعتبرتها الدول الغربيّة التعبير الأفضل عن مبادئها السياسيّة والأيديولوجيّة الرافضة لامتلاك إيران أسلحة نووية، وبسبب دورها في تسليح منظّمات مسلّحة تزعزع الاستقرار العالميّ، وتمسّ بحقوق الانسان أن تتنحى جانبًا، فللسياسة هنا أيضًا ما تقوله.
الأمثلة كثيرة في هذا السياق، والتي تؤكّد أن العالم يغضّ النظر ويُخفي الاهتمام بحقوق الإنسان والمبادئ والقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة وغيرها، وفق معادلة" قوة الدولة وتأثيرها"، فالقوي يمكنه انتهاك حقوق الإنسان(معتقل غوانتنامو على سبيل المثال) وانتهاك القانون الدوليّ، ورفض قرارات محكمة الجنايات الدوليّة(استمرار احتلال الأراضي الفلسطينيّة)، ويمكنه شن الحرب تلو الحرب وسط صمت عالميّ وتأييد دوليّ مؤكّدًا، أن من يحدّد الأمور هو ليس سيادة القانون، بل إنه " سيد القانون" فتصبح المبادئ وحقوق الإنسان والعدالة الدوليّة سلعة سياسيّة يحدّد السياسيّون سعرها وكيفيّة مقايضتها.
هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع بانيت هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة راي التحرير في موقع بانيت .
يمكنكم ارسال مقالاتكم مع صورة شخصية لنشرها الى العنوان: [email protected].
من هنا وهناك
-
مائير بن شبات يكتب : الاختبار الإسرائيلي في لبنان - حزب الله سيحاول استرجاع كرامته الضائعة
-
يوسف أبو جعفر يكتب : حتى نلتقي - الوهم
-
هل يوجد ما بعد قرارات المحكمة الجنائيّة الدوليّة ؟
-
د. جمال زحالقة يكتب : إسرائيل توقف الحرب على لبنان مضطرة
-
كيف يرتبط الفقر وغاز الأوزون بمرض السكري؟
-
قراءة في كتاب سعيد نفاع ‘عرب الـ 48 الهوية الممزقة بين الشعار والممارسة‘ - بقلم : زياد شليوط – شفاعمرو
-
‘ لجان الأحياء، أهميتها ودورها ‘ - بقلم : د. غزال أبو ريا
-
مقال: ‘حل مُعضلة التناوب بيدِ الرفيق الأكبر ‘ - بقلم: الإعلامي محمد السيد
-
المحامي زكي كمال يكتب : حكومات لا تريد شعوبًا مفكِّرة بل جاهلة ومقهورة
-
يوسف أبو جعفر من رهط يكتب : حتى نلتقي - على ناصية الطريق
أرسل خبرا