مقال | ‘توحيد القدس‘ إسرائيليًا: فشلٌ على الأرض واحتفال للتطرف
بين "رَقصة الأعلام" التي يُصِّر اليمين والمستوطنون خاصة من التيار الصهيوني المتدين على إحيائها كل عام وبين " رقص اليمين والمعارضة " احتفاءً بفشل
المحامي زكي كمال
الائتلاف الحكومي الحالي، وهو ائتلاف أعرج لا يمتلك الأغلبية البرلمانية الأدنى لتمرير وتشريع القوانين واتخاذ القرارات، في تمديد سريان أمر مؤقت يرتب عمل الشرطة الإسرائيلية وسلطتها على المستوطنين اليهود في الضفة الغربية، يتم تمديده كل 5 سنوات من قبل البرلمان، وليس قانون فرض القانون الإسرائيلي على الضفة الغربية او ضم الضفة الغربية كما سماه البعض ربما خطأً وربما عن قصد لأهداف سياسية وأخرى، وبين " الدراما الإعلامية المصطنعة " وسيل التحليلات السياسية والحزبية حول احتمال استمرار الائتلاف الحكومي الحالي، بمشاركة حزب عربي هو القائمة العربية الموحدة، من عدمه والحديث عن انتخابات قريبة، ضاعت بوصلة البعض في إسرائيل وزاغت عيونهم عن رؤية الحقيقة، وهي مؤلمة تؤكد أنه شتَّان ما بين الواقع الحقيقي وبين " المسرح الإعلامي والسياسي والبرلماني "، فبينما يُحاوَل الإعلام عبر تقاريره ولقاءاته مع السياسيين تصوير الأمر وكأن ما يحدث هو خلاف سياسي حول مسيرة الأعلام ورئاسة الحكومة والشراكة مع الاحزاب العربية، فإن الواقع أصعب بكثير من ذلك ملخصه ان " المخفي أعظم " وان ما كان مخفيًا طيلة سنوات، ظهر وبان، وانه أخطر بكثير مما كان متوقعًا على مستقبل دولة إسرائيل والسلطة الفلسطينية على شقيها غزة والضفة الغربية وعلى كافة الصعد.
وحتى لو حاول البعض إخفاء الحقيقة من باب" منع فضح المستور"، فإنهم كمن يحاول " تغطية الشمس بالغربال "، وحجب أشعتها عن عيون الناس ومداركهم، فالحقيقة مؤلمة خاصة إذا كانت تعني إثبات أن كافة السياسات قد فشلت وأن إسرائيل وحكوماتها، بخلاف اعتقادهم السائد، لا يحددون حركة وسير الكرة الأرضية ولا يمكنهم حتى لو أرادوا تغيير مسار عجلة التاريخ وتبديل مسار التطورات السياسية والمجتمعية، فها هي مسيرة الأعلام تثبت بما رافقها من تحضيرات شرطية ومخابراتية وتقييمات ولقاءات واجتماعات، أن مدينة القدس ورغم التباهي الإسرائيلي بأنها موحدة والاحتفال بذلك كل عام برقصات أعلام وخطبٍ عصماء، ونقل السفارة الأمريكية اليها، ليست موحدة ولم تكن موحدة ابدًا بل انها اليوم أكثر من أي وقت مضى بعيدة عن ان تكون موحدة، سواء كانت " موحدة " تعني توحيد شطرها الغربي ( وبضمنه مئات أو آلاف المنازل العربية التي تم تهجير أهلها قسرًا ومنحها لمواطنين يهودًا) وشطرها الشرقي الذي تم احتلاله عام 1967، او تعني توحيد مواقف اليهود عامة، او مصوتي اليمين او المتدينين او اليسار او المركز تجاهها وتجاه قضايا أُخرى.
" كشف المستور "
رقصة الأعلام كشفت المستور وهو أن فشل الشعارات حول " القدس الموحدة عاصمة دولة إسرائيل الأبدية " هو استمرار وتأكيد لفشل الشعارات ذاتها التي حاولت تصوير إسرائيل على أنها دولة أدت إقامتها عام 1948 وتجمع اليهود فيها الى جعلها " بوتقة تنصهر فيها الانتماءات وتذوب فيها الخلافات " نحو إنتاج مواطنٍ إسرائيلي جديد يسود الاتفاق بينه وبين أقرانه على معظم القضايا خاصة تلك التي يعتبرها مصيرية ومنها مكانة القدس وهوية الدولة وأهمية الديمقراطية والفصل بين الدين والدولة وتمازج الثقافات والانتماءات بين فئات الشعب اليهودي وقضية المساواة، ليتضح للجميع ان إسرائيل لم تتحول، بلغة علوم الكيمياء الى " محلول " تمتزج
فيه مادتان أو أكثر فتنتجان مادة ثالثة لا يمكن إعادة فصل مركباتها كما انها ليست مخلوطًا يتكون من مادتين او اكثر تحتفظ كل منها بخواصها الأساسية ويمكن فصلها، فلا هي انتجت إسرائيليًا جديدًا مُوَحَّدًا يقدُس العلمانية والديمقراطية وحريات الفرد، ولا هي أبقت على خواص مركباتها والاحترام المتبادل بينها، ولا هي خلقت اتفاقًا حول القدس وخاصة " توحيدها " بل زادت من الخلافات حوله وحولَّت قضية " توحيد القدس " من قضية يسود حولها الإجماع اليهودي باعتبارها عاصمة لإسرائيل لن يتم الانسحاب منها، الى موضع خلاف شديد يؤكد التشتت الحاصل منذ سنوات في أوساط الشعب اليهودي وتقسيمه الى طوائف وفئات لا يربطها رابط ولا يجمعها موقف واحد، ولا تربطه أواصر التوافق حول وسيلة العيش المشترك بين اليهود حتى، فالاحتفال بتوحيد القدس او اقتصاره عبر مسيرة الأعلام، على اتباع الأحزاب الصهيونية المتدينة، يبرز الحقيقة التي يحاول الكثيرون إخفاءها فالقدس ليست موحدة في الحقيقة، ولم تكن كذلك، والوحيدون الذين يحتفلون بتوحيدها الجزئي هم الذين " يعتمرون القبعات الدينية المنسوجة " أي أتباع الصهيونية الدينية المتزمتة والمتطرفين في اليمين الإسرائيلي، وهؤلاء حتى لا يحتفلون بهذا التوحيد الا خلال هذا اليوم من العام وبحماية الشرطة، بينما يتمكن اليهودي المتزمت " الحريدي " من زيارة حائط المبكى كل يوم ويزور اليهودي العلماني المدينة متى أراد وفي كل أيام العام، ويبدو أن من يُصِّر على " رقصة الأعلام العلنية " ويثير حولها الضجة يومًا واحدًا في العام، انما يعبِّر بذلك عن انه يدرك في قرارة نفسه ان محاولاته " توحيد القدس " قد فشلت وان الحديث عن عاصمة موحَّدة لإسرائيل تحول بسبب رقصات الأعلام من عامل يُوحد اليهود الى عامل سياسي يفرقهم، بل ان الاحتفال بـ " توحيد القدس " أصبح في نظر هؤلاء وممثليهم في البرلمان اليوم خاصةً ايتمار بن غفير من حركة " كاخ " العنصرية، مناسبة للاعتداء على الفلسطينيين وتحطيم ممتلكاتهم وحوانيتهم ( التي يُغْلِقُها الفلسطينيون خلال المسيرة مؤكدين بذلك حقيقة كون شرقي القدس مدينة محتلة )، حتى كتب احد الصحافيين الإسرائيليين بعد المسيرة بيوم واحد فقط ان " مسيرة الأعلام لا تساوي شيئا، فبعد طي الأعلام، لم يفكر أحد من المشاركين بأن يقوم بمسيرة مشابهة لوحده. يجب أن نتوقف عن الكذب على أنفسنا. فلا توجد سيادة في القدس في عهد نفتالي بينيت. ولم تكن هناك سيادة كهذه أيضا لدى نتنياهو، أولمرت، شارون وجميع أسلافهم ( في رئاسة الحكومة الإسرائيلية ). وبسبب قادة لم يجرؤوا على اتخاذ قرارات، القدس لم توَحّد أبدا".
لكن هذا لا يعني المشاركون المتطرفون فيها، فهم يريدون خلق واقع يتم فيه منع الفلسطينيين من رفع العلم الفلسطيني وفق مشروع قانون للنائب الليكودي ايلي كوهين، الذي نسي ان علم إسرائيل ارتفع امام الأمم المتحدة بتاريخ 1949/5/12 وان العلم الفلسطيني ارتفع في نفس المكان بتاريخ 2015/9/30 وانه لا يحق لإسرائيل حرمان السلطة الفلسطينية من تلقي نفس ما منحته إياها الأُسرة الدولية، وكلها خطوات تُضاف الى قضية اعتداءات أفراد الجماعات اليهودية المتطرفة من اتباع الصهيونية المتدينة وأتباع منظمتي " لا فاميليا " اليمينية و" لهافا – الشعلة " التي ترفع راية نقاء العرق اليهودي وتحارب حالات الزواج بين الشبان العرب والفلسطينيين والشابات اليهوديات، بحق الفلسطينيين دون رد من الجيش الإسرائيلي او الشرطة الإسرائيلية، والتي سنعود اليها لاحقًا، تؤكد كلها إذا ما أضفنا اليها فشل الائتلاف الإسرائيلي، في تمرير القانون الذي يقضي بسريان القانون الإسرائيلي على المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة، بعد فشله في حشد الأغلبية لتمديد أحكام القانون إثر معارضة النائب مازن غنايم ( القائمة الموحدة )، وغيداء ريناوي - زعبي من ميرتس، بالاضافة الى أعضاء المشتركة وتصويت كافة اليمين الإسرائيلي المعارِض حاليًا، والذي يتغنى بالاستيطان وضم الضفة وتوحيد القدس وأرض إسرائيل الكبرى من النهر الى البحر ضد القانون نكاية بالحكومة ورغبة في إسقاطها، وليس لدوافع مبدئية فهم الذين مددوا مفعول القانون بشكل متواصل وبدعم تلقائي من كافة الاحزاب في البرلمان باستثناء العربية، ما يعني إسرائيل " فقدت البوصلة " في كافة التصرفات السياسية والبرلمانية والدستورية والعلاقات بين المعارضة والائتلاف واللعبة الديمقراطية، وانها تحولت الى دولة تحكمها وتؤدي الى شللها توجهات لم تكن مألوفة، ملخصها قول الملك الفرنسي لويس الرابع عشر الملقب ب" الملك الشمس "، الذي حكم فرنسا 54 عاما متتالية " انا الدولة والدولة انا "، وتعني بالنسبة للمعارضة الحالية في إسرائيل ان مصالح دولة إسرائيل ليست في المرتبة الأولى بل أن المرتبة الأولى تحتلها دون منازع الرغبة في إفشال الحكومة الحالية وإنهاء ولايتها وإعادة بنيامين نتنياهو الى سدة الحكم، أما الوسائل كلها فمشروعة، حتى لو كانت منع تمرير قانون ينظِّم سلطة الشرطة الإسرائيلية على المستوطنين، وسريان القانون الإسرائيلي عليهم ولو كانت نهاية مفعول القانون تعني مثلًا ربما ضرورة إنهاء عمل قضاة في المحاكم الإسرائيلية لأنهم يعيشون في مستوطنات في الضفة الغربية، او اضطرار وزراء الى الاستقالة من مناصبهم ومنهم وزير الأمن افيغدور ليبرمان لنفس السبب فهم ليسوا مواطنين إسرائيليين اذا تم الغاء السيطرة هناك، او خلق حالة من التسيب والفوضى، فالمهم ان يتنحى نفتالي بينيت عن منصب رئيس الوزراء وان تنتهي الشراكة الائتلافية مع العرب، علمًا أنه أيد القانون 52 من أعضاء كتل الائتلاف، فيما عارضه 58 عضو كنيست، في حين لم يمتنع أي من الحاضرين عن التصويت، وذلك في ظل رفض أحزاب اليمين في المعارضة دعم هذا القانون وسائر القوانين التي تطرحها الحكومة الحالية، وهي حالة تجعل من إسرائيل دولة مجزأة بين معسكرين يريد احدهما وهو في المعارضة اليوم "حرق الأخضر واليابس " لتحقيق غايته وهي العودة الى السلطة ولتذهب الى الجحيم مصالح المواطنين بمن فيهم مصوتيه ومؤيديه، الذين يعتبرون مصلحة " الحاكم " وهو نتنياهو في نظرهم أهم من مصالحهم ويخضعون له دون وازع وتفكير، فبعضهم يرفض الاعتراف بالحكومة الحالية ويقول - ومنهم نواب في حزب الليكود – انها ليست حكومته وان بينيت ليس رئيس الحكومة بالنسبة له بل ان رئيس الوزراء هو نتنياهو وان السلطة قد سُرِقَّت منه، في انهيار تام للنظام البرلماني والعلاقة بين المعارضة والائتلاف خاصة اذا ما اشرنا الى امتناع أعضاء البرلمان من المعارضة حتى عن ممارسة نشاطهم ضمن اللجان البرلمانية المختلفة بما فيها لجنة الخارجية والأمن واللجان الفرعية المنبثقة عنها، ما يشبه أوضاع دول غير ديمقراطية في العالم بل الدول الدكتاتورية التي لا يعترف الخاسر فيها بخسارته في الانتخابات ويتهم الرابح بالسرقة والتزوير وبأنه لا يمثِّل إلا نفسه، وسط تفاقم حملات التحريض والتشويه المتبادلة والتي تجعل أعادة " توحيد الصفوف " امرًا مستحيلا، أنَّى له ان يتم اذا كانت الصفة التي تلصقها المعارضة بالائتلاف هي انه " باع الدولة لحركة حماس ولأعداء إسرائيل وفرَّط بيهوديتها ".
" عنف وتحريض "
ما حدث مؤخرًا وتزامنًا مع " رقصة الأَعلام " وما رافقها من عنف وتحريض كشف الحقيقة عن أن إسرائيل تواجه خطر التمزق بل ربما الانهيار الداخلي وهو قول اعتدت الإشارة الى حقيقته في مقالاتي منذ سنوات، وسط تجاهل من الأغلبية اليهودية في البلاد، لتأتي الرسالة التي وجهها رئيس الوزراء نفتالي بينيت الى " الأغلبية الصهيونية الصامتة " كما سماها، بمناسبة مرور عام على توليه رئاسة الحكومة، مؤكدة انه " راحت السكرة وأجت الفكرة " حتى لدى بينيت، وها هو الآن يدرك ان إسرائيل تعيش مرحلة خطيرة من التفكك الداخلي والتشتت الطائفي والمذهبي والسياسي والفكري، فهي دولتين سياسيًا وبرلمانيًا، دولة إسرائيل وائتلافها الحكومي وحكومتها المنتخبة، ودولة بنيامين نتنياهو والمعارضة التي تريد حرق الاخضر واليابس، حتى لو أدى ذلك الى " خراب الهيكل الثالث "، وهو ما أشار اليه بينيت، في رسالته المذكورة قائلًأ أنه " إما ان تمضي إسرائيل قدما كدولة فاعلة، أو تنزلق مرة أخرى إلى الفوضى والكراهية الداخلية والضعف الخارجي واستعباد الدولة تلبية لاحتياجات رجل واحد"، في إشارة مرة أخرى إلى نتنياهو، مشددا على أنه " اذا كانت إسرائيل لا تريد التراجع إلى الوراء، فيجب علينا جميعا أن نتخذ إجراء، وهذه الرسالة هي دعوة للعمل "، مشيرًا الى التحريض الذي يواجهه أعضاء حكومته منذ تأسيسها من " الليكود " وقائده نتنياهو وباقي أقطاب المعارضة في اليمين، وبينها تصريحات لأعضاء كنيست في المعارضة مثل: " سندوسكم وندوس كل معيار أخلاقي "، و" سندوس على اليسار الإسرائيلي حتى النهاية "، و" سنعاقب الموظفين الفاسدين "، و" نسكب مائة طن من مواد التنظيف الحارقة على النيابة العامة ".
بينيت وانطلاقًا من ادراكه لصورة وخطورة الوضع قال في رسالته ان إقامة دولة إسرائيل هي " الفرصة الثالثة على مدى التاريخ للشعب اليهودي لإقامة دولته في هذه المنطقة، لكن الأولى انتهت بانهيار دولته بعد 80 عامًا والثانية بعد 77 عامًا واليوم ها هي إسرائيل تدخل عامها الـ 75 " وهي رسالة خطيرة أشك ما اذا كان من المقبول او المعقول ان ينقلها رئيس الحكومة الى شعبه هكذا، وهذا ليس الخطأ الوحيد في رسالة بينيت فهي موجهة الى " الأغلبية الصهيونية " لكنها تتجاهل المواطنين العرب واليهود غير الصهيونيين، وكأَنَّ بينيت وهو رئيس حكومة بفضل دعم أعضاء القائمة العربية الموحدة يتجاهل هذه الحقيقة حين يخاطب اليهود، خجلًا او استهتارًا او عن سوء قصد، لكنه يتباهى بوضع حدٍ للإرهاب وإقامة 14 بلدة جديدة دون ان يكون للعرب فيها نصيب بل لليهود فقط، ومضاعفة عدد المستوطنين في الضفة الغربية دون أي التفات الى المعطيات الخطيرة التي كشفتها وسائل اعلام عالمية رائدة منها، صحيفة " بوبليكو " الإسبانية، من أن اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين على الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة وصلت حدًا لا يمكن السكوت عليه، مع انتشار كثير من الصور والمقاطع المصورة الفاضحة لعنفهم، وأشارت الصحيفة إلى أن السلطات الإسرائيلية تشعر بالقلق حيال انتشار هذه الصور دوليا، وسط جدل واتهامات بين الجيش والشرطة بشأن المسؤول عن التعامل مع هؤلاء المستوطنين المدنيين، بينما تحدث هذه الأعمال بشكل يومي وتهدف في مجملها إلى حبس الفلسطينيين في أحيائهم، وإخراجهم من أراضيهم أو محاصرتهم في قراهم، بينما لا تبالي السلطات الإسرائيلية بما يحدث ولا تحرك ساكنا، شأنها شأن المجتمع الدولي، حيث تؤكد الشرطة من جهتها أن الجيش هو الذي يجب أن يتحرك ويتدخل في مثل هذه الحالات، بينما يتهم الجيش الشرطة بالسلبية، أما بالنسبة للفلسطينيين فإن هذا الحال معروف جيدا بالنسبة لهم، وبالتالي نادرا ما يبلغون عن الهجمات التي تستهدفهم، لأنهم يعلمون أنه لا الجيش ولا الشرطة ستتحرك، بينما يؤكد الجيش أنه لا يمكن لأي جهة باستثناء الشرطة التدخل لوقف عنف المستوطنين، لأنهم مدنيون، مع التأكيد على أنه ليس له ولاية على المدنيين الإسرائيليين، لكن له سلطة على جميع الفلسطينيين، علمًا ان صحيفة " هآرتس " ذكرت أنه لا الجيش ولا الشرطة تنشر البيانات التي يجمعونها حول عنف المستوطنين. لكن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، التابع للأمم المتحدة، أشار إلى أنه في عام 2021 كانت هناك زيادة بنسبة 39 بالمئة في هجمات المستوطنين اليهود ضد الفلسطينيين أو ممتلكاتهم.
" خلافات سياسية وطائفية "
هكذا هو الحال، سنة بعد تشكيل حكومة بينيت وائتلاف التغيير الذي كنت في مقال سابق قد تساءلت عن مدى متانته واستطاعته تسيير الأمور أي هل ستكون حكومة تغيير ام ان مهمتها ستكون فقط حسن التدبير ومحاولة لملمة اطراف عباءتها التي تتمزق يوميًا، وأربعة وسبعون عامًا بعد إقامة إسرائيل، تجد إسرائيل نفسها في حالٍ لم تعهده، فهي لم تكن غير موحدة بل ممزقة كما هي اليوم، والخلافات السياسية والطائفية والعرقية والسياسية لم تكن في أي وقت مضى اعمق مما هي عليه اليوم، والتطرف الديني يُترجم الى كراهية عمياء لكل من هو غير يهودي او يهودي غير مستوطن او غير متدين وغير يميني أكثر مما تخيَّل حتى اكبر المتشائمين، ومعها اعتداءات المستوطنين الذين يضربون عرض الحائط بالقوانين والأنظمة ويعيثون خرابًا متسلحين بدعم برلماني غير محدود من النواب عن الصهيونية الدينية وفي مقدمتهم ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش وتفهمٍ من بعض قادة الجيش خاصة الضابط روعي تسفايغ، الذي يخدم في الضفة الغربية والذي قال ان الجيش والمستوطنات هما أمر واحد لا يمكن فصله.
وبالمقابل رئيس حكومة يحذِّر مواطنيه من ان رياح التحريض والكراهية قد تؤدي – تفسيرًا لأقواله في رسالته سابقة الذكر - الى انهيار دولة الشعب اليهودي للمرة الثالثة تمامًا كما حدث في المرتين السابقتين.
فماذا تحمل الأيام القادمة، وهل ستتحقق نبوءة دافيد بن غوريون رئيس الوزراء الأول لإسرائيل والذي قال:" ليس المهم ما يقول الأغيار( خصوم إسرائيل واعداؤها) بل ما يفعله اليهود أنفسهم، أو ربما بأنفسهم ؟ ".
هذا المقال وكل المقالات التي تنشر في موقع بانيت هي على مسؤولية كاتبيها ولا تمثل بالضرورة راي التحرير في موقع بانيت .
يمكنكم ارسال مقالاتكم مع صورة شخصية لنشرها الى العنوان: [email protected].
من هنا وهناك
-
مائير بن شبات يكتب : الاختبار الإسرائيلي في لبنان - حزب الله سيحاول استرجاع كرامته الضائعة
-
يوسف أبو جعفر يكتب : حتى نلتقي - الوهم
-
هل يوجد ما بعد قرارات المحكمة الجنائيّة الدوليّة ؟
-
د. جمال زحالقة يكتب : إسرائيل توقف الحرب على لبنان مضطرة
-
كيف يرتبط الفقر وغاز الأوزون بمرض السكري؟
-
قراءة في كتاب سعيد نفاع ‘عرب الـ 48 الهوية الممزقة بين الشعار والممارسة‘ - بقلم : زياد شليوط – شفاعمرو
-
‘ لجان الأحياء، أهميتها ودورها ‘ - بقلم : د. غزال أبو ريا
-
مقال: ‘حل مُعضلة التناوب بيدِ الرفيق الأكبر ‘ - بقلم: الإعلامي محمد السيد
-
المحامي زكي كمال يكتب : حكومات لا تريد شعوبًا مفكِّرة بل جاهلة ومقهورة
-
يوسف أبو جعفر من رهط يكتب : حتى نلتقي - على ناصية الطريق
أرسل خبرا